حول الاستراتيجية الإقليمية لمكافحة الإرهاب في الصحراء الإفريقية تواصل الجزائر تكثيف لقاءاتها مع تنسيقية دول الساحل الصحراوي من دون المغرب، وهي في ذلك بحسب بعض المراقبين إنما تروم قطع الطريق على الولاياتالمتحدةالأمريكية الداعمة لمقترح الحكم الذاتي المغربي بالصحراء الغربية، ومن جهة ثانية لممارسة الضغط على فرنسا لاختلافات دبلوماسية عميقة بين البلدين، ولعزل المغرب من فضائه الصحراوي، أو بالأحرى لتفوت عليه أية شرعية جغرافية لانتمائه الطبيعي للفضاء الصحراوي الإفريقي. وكان المغرب قد عبّر رسمياً عن استعداده للمشاركة في المؤتمر الإقليمي لوزراء الخارجية الأول لدول الساحل الصحراوي دون أن توجه إليه الدعوة للمشاركة، وأعرب حينها عن أسفه حيال ما وصفه ب "الرد السلبي" للسلطات الجزائرية على إبدائه الرغبة في المشاركة، وجددت المملكة التعبير عن أسفها حيال ذلك الرد السلبي والاقصائي، بالرغم من أن الأمر يتعلق بخطر يحدق بالجميع ويستوجب بالضرورة رداً جماعياً لتعزيز السلم والأمن الإقليميين. ووصفت الرباط على لسان وزير خارجيتها الطيب الفاسي الفهري أن إقصاء المغرب من اللقاء الأمني الوزاري الذي جرى بالجزائر، ب "حسابات تكتيكية" وتنبأ بفشله. ودعا الجزائر، ضمنيا، إلى "الانكباب على معالجة التحديات الأمنية في مفهومها الأشمل". وأرجع المراقبون إلى هذا الإقصاء تنظيم الرباط "اجتماعها الأمني"؛ الذي تناول قضية الأمن بحوض البحر الأبيض المتوسط، وتميزت أشغاله بالدعوة إلى "وضع استراتيجية أورومتوسطية مشتركة لمواجهة التحديات الأمنية التي تواجه هذه المنطقة الاستراتيجية". وقال وزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري، أن بلدان المنطقة مطالبة ب "القيام بالتشخيصات الصائبة والانكباب على التحديات الحقيقية، وتحديد طبيعة الرد الجماعي من أجل النجاح في تقديم إجابات متناسقة وواضحة في هذا المختبر الذي يمثَله المتوسط"، وأن القضايا الأمنية ذات الطابع الجهوي "لا يمكن التضحية بها تحت طائلة أفكار سياسية مسبقة، أو حسابات تكتيكية" في إشارة إلى ربط موقف الجزائر من نزاع الصحراء الغربية لإقصائه من الاجتماع الوزاري. وفي رده على احتجاج المملكة المغربية عن عدم إشراكها في اجتماع وزراء الخارجية لدول منطقة الساحل الصحراوي، أكد عبد القادر مساهل الوزير الجزائري المكلف بالشؤون المغاربية، أن الخريطة الجغرافية تؤكد أن هذا البلد غير معني بهذا اللقاء، في إشارة إلى عدم وجود المغرب في خانة دول الساحل. وتفيد دراسات استخباراتية بأن المغرب لا يمكن تحييده بأي شكل من الأشكال من أي استراتيجية إقليمية لمكافحة الإرهاب لأنه مهدد بدوره بخطر ما يسمى ب "تنظيم إمارة القاعدة في المغرب الإسلامي" ومن جهة ثانية لرقي علاقات التعاون العسكري بينه وبين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا، في وقت تكشف فيه دبلوماسياتهما أن البلدين قد اتفقا على تعزيز تعاونها العسكري في مراقبة التحركات في محاربة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود في الصحراء الإفريقية الكبرى. ويرى المراقبون أن إدماج المغرب في الاستراتيجية الإقليمية لمكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود في الصحراء الإفريقية الكبرى يعد مطلبا أساسيا لحلفائه الأمريكيين والفرنسيين. ويتعزز حضوره كرقم أساسي في مراقبة الصحراء لدى حليفه الاتحاد الأوربي بعد اتهام العدالة الموريتانية للمدعو "عمر الصحراوي" العضو السابق في جبهة (البوليساريو) لاختطاف متعاونين إسبان ثلاثة، كانوا ضمن قافلة تابعة لمنظمة إسبانية غير حكومية على الطريق الرابط بين نواكشوط ونواذيبو. ولذلك تشير كل الاستقراءات أن هذا الخبر الذي أقام الدنيا ولم يقعدها في جبهة البوليساريو سيسهم في حل حبل الود بين التعاطف الشعبي الإسباني والأوربي مع جبهة البوليساريو. خاصة بعدما سارعت صحيفة (أ بي ثي) الإسبانية الواسعة الانتشار، الاثنين الماضي إلى تأكيد خبر ضلوع عمر ولد سيدي أحمد ولد حما المعروف باسم "عمر الصحراوي"، الرجل العارف بالصحراء بوضع خبرته رهن إشارة الإرهابيين وغيرهم، والذي يشتبه في مسؤوليته عن اختطاف ثلاثة رعايا إسبان أواخر شهر نوفمبر الماضي، بينما اتهمت ثلاثة آخرين غيابيا، وتتهمه العدالة الموريتانية ب"المساس المتعمد بحياة الأشخاص وسلامتهم واختطافهم واحتجازهم دون أمر السلطات المختصة، وإبرام اتفاقية بعوض بهدف التصرف في حرية الغير، واستخدام تراب الجمهورية لارتكاب اعتداءات إرهابية ضد مواطني دولة أجنبية، وحيازة واستغلال أسلحة وذخيرة بشكل غير شرعي. ويؤكد خبراء دوليون أن الرباط توجه فلسفتها الدبلوماسية الجديدة اليوم وفق بعد براغماتي، يراعي الخلافات القائمة مع الجزائر، بسبب النزاع حول قضية الصحراء واستمرار سريان مفعول إغلاق الحدود البرية منذ صيف 1994، إلا أنها مقتنعة بضرورة اعتماد مسعى يرتكز على تضافر الجهود وتنسيق الأعمال لمواجهة التحديات الأمنية الإقليمية التي تتمثل في التصدي للهجرة غير الشرعية والإرهاب والجريمة العابرة للحدود. وتذهب تحليلات أخرى إلى أن حرص المغرب على تقييد دوره القوي في الموقف الأمني في بلدان الساحل والصحراء فلأن قمته في غرناطة الإسبانية مع دول الاتحاد الأوربي كانت قد خصصت حيّزاً كبيراً لتطورات الموقف الأمني في بلدان الساحل والصحراء، خاصة بعد تزايد أعمال اختطاف رعايا أوربيين من موريتانيا. ويفيد المراقبون أن المغرب يتفهم استراتيجية الجزائر في عزله إفريقيا، بعدما استطاعت دبلوماسيته اختراق العمق الإفريقي يوما بعد يوم بمشاريع اقتصادية ودبلوماسية، مكنت من إقناع عدد من دول إفريقيا جنوب الصحراء من سحب اعترافاتها بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية التي كانت جبهة البوليساريو قد أعلنت عنها من جانب واحد، إلا أنها تراهن على حسن تنسيقها مع حليفتها الاستراتيجية واشنطن، والتي تستوعب بدورها الحساسية التي يثيرها إشراك المغرب ضمن الجهود الإقليمية لمكافحة الإرهاب في الصحراء الإفريقية، حيث تعتبر الجزائر أن مشاركة المغرب ضمن هذه القوات يمنحها شرعية دولية على الصحراء الغربية. وعلى الرغم من محاولات الجزائر قطع الطريق على دخول الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا والمغرب في أي استراتيجية إقليمية لمراقبة الصحراء، وذلك بتكثيف الاجتماعات الدورية مع مالي وليبيا وبوركينافاسو والتشاد والنيجر وموريتانيا لوضع استراتيجية مشتركة لمواجهة التهديدات الأمنية في المنطقة، وفي هذا الصدد سارع عبد القادر مساهل الوزير المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية في تصريحات للصحافة الدولية أن هناك تطابق في رؤى الدول المشاركة، إلا أن خبراء رأوا أن الوجود الأمريكي والفرنسي تفرضه المتطلبات التقنية واللوجستيكية لتنفيذ الاستراتيجية، ولذلك فالحاجة إليهما كفيلة باختراق الولاياتالمتحدةالأمريكية لهذا التحالف من دون التخلي عن حليفها الاستراتيجي المغرب المؤهل بحكم استقراره الأمني من لعب دور أساسي في تدبير خطط تفعيل استراتيجية مراقبة الصحراء. ويشكك المراقبون في قدرة الجزائر على إنجاح مسعى تشكيل قوة مشتركة مع دول الساحل الصحراوي، واستدلوا على ذلك بتأخر شرعنة هذا التعاون الإقليمي المهيكل عبر ترقيته إلى عقد قمة على مستوى القادة، حيث تقرر تأجيل عقد القمة أكثر من مرة، حيث سبق وأن تم رفض عقدها بباماكو والإعلان عن عدم الالتزام بنتائج اجتماع 2008. إضافة إلى ضعف الانسجام في مواقف الدول المشاركة، بدليل تحفظ النواكشوط على نقطتين لها علاقة بمالي من ضمن 16 بندا توجت أشغال اجتماع وزراء خارجية دول الساحل بالجزائر، وهو ما يبقى استراتيجية تعزيز الجزائر لنفوذها على الدول الإفريقية بدون المغرب جد هشة. ومما يؤكد أيضا عدم إفلاح الجزائر في إقناع شركائها بقطع الطريق على الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا الدخول إلى المنطقة تحت طائلة الإرهاب، عودة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وفتح مقرها المتخصص في مكافحة الإرهاب على الأراضي المالية، حيث أفادت مصادر أمنية عليمة بشؤون مكافحة الإرهاب في الساحل أن الولاياتالمتحدةالأمريكية أرسلت مستشارين أمنيين يعملون حاليا مع أجهزة الأمن المالية على تعقب عناصر القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وأقامت قمرا صناعيا أمريكيا متطورا ومتخصصا في التصوير الفضائي، تم تغيير مساره اليومي لكي يشمل شمال مالي والنيجر وموريتانيا كإجراء جديد لمراقبة الوضع الأمني في منطقة الساحل، ويأتي هذا الإجراء الجديد مع زيادة التنسيق بين فرنساوالولاياتالمتحدةالأمريكية حول الوضع الأمني في الساحل بعد أن قرر الرئيسان الفرنسي ساركوزي والأمريكي أوباما ضم ملف التهديدات الإرهابية والإجرامية في منطقة الساحل والصحراء إلى قائمة الملفات ذات الاهتمام المشترك. وتأكد ذلك برصد أجهزة أمن الدولة المغاربية، في نهاية شهر مارس، اتصالات لاسلكية بالإنجليزية تخص مستشارين أمنيين أمريكيين، وكان هؤلاء بصدد إجراء تمرين على عملية خاصة في شمال مالي بالمشاركة مع أفراد وحدة عسكرية مالية، وتعد هذه المرة الأولى التي يظهر فيها خبراء أمن أمريكيون في شمال مالي منذ عام 2005. ويسجل ارتفاع وتيرة التجسس على الجماعات الإرهابية والإجرامية في الساحل بعودة المستشارين الأمنيين الأمريكيين إلى مالي بعد أن غادروا قاعدة تاوندي في شمال مالي بين عامي 2004 و2005، وتعد عمليات اعتقال الإرهابي عبد الرزاق البارا مع جماعته في تشاد وتصفية واعتقال عدد من السلفيين التكفيريين في مالي والسينغال، فيما بين عامي 2002 و2005، وكذا محاولة اغتيال الإرهابي بلمختار في غارة صاروخية في مدينة فاو في شهر فبراير 2004. وتأتي هذه التطورات في وقت أكدت فيه مصادر مطلعة أن واشنطن بصدد إنشاء قاعدة عسكرية في بوركينافاسو لمراقبة المنطقة الصحراوية الممتدة من حدود الجزائر وليبيا الجنوبية إلى غاية خليج غينيا، بما فيها المثلث الحدودي بين الجزائر، مالي، موريتانيا والنيجر، ضمن مخطط عمليات مكافحة الإرهاب الموصول بالقيادة العامة للجيش الأمريكي وغرفة عملياته المركزية في البنتاغون. وفي هذا السياق يأتي إجراء الجيش الأمريكي لأكبر مناورات عسكرية في منطقة الساحل بإفريقيا منذ سنوات، لتأكيد عزم الأمريكيين نقل جزء من ثقلهم الأمني والعسكري إلى المنطقة لمواجهة الإرهاب. وهي المناورات التي تضم 600 جندي أمريكي و150 عسكري من دول أوروبية ضمن الحلف الأطلسي بمعية 450 ضابط وصف ضابط في جيوش النيجر، مالي، بوركينا فاسو، موريتانيا، السنغال، التشاد ونيجيريا. وتتلخص فكرة التمرين العسكري الواسع النطاق الذي سيمتد على مساحة 3 ملايين كلم مربع تقريبا، عبر تشاد النيجر، مالي، موريتانيا وبوركينافاسو في تنفيذ عمليات عسكرية خاطفة ضد جماعات مسلحة تختبئ أو تتنقل في الصحراء. أما التمرين الثاني فيخص إمداد قوات في الصحراء والثالث يتعلق بتكوين ضباط وضباط صف من دول الساحل على عمليات الإغارة السريعة الحديثة بالاعتماد على تجارب الجيش الأمريكي في حرب الإرهاب التي استفادت من تجربة الجزائريين في التعامل مع المسلحين في الصحراء. وتعتزم الولاياتالمتحدة تقديم مساعدات عسكرية إضافية لدول مالي، موريتانيا وبوركينافاسو التي ستحتضن قاعدة عسكرية وأخرى للمخابرات المركزية الأمريكية. ونقلت قيادة القوات الأمريكية في أوروبا مجموعة عسكريين إلى بوركينافاسو لإطلاق مشروع إنشاء قاعدة للقوات الأمريكية في مكان قريب من العاصمة واغادوغو. وتحضّر القوات الأمريكية الموجودة هناك منذ نهاية شهر فبراير لأكبر مناورات برية وجوية تشهدها المنطقة. ولا تزال الجزائر ترفض إقامة أمريكا إقامة قاعدتها العسكرية أفريكوم فوق الصحراء الإفريقية من منطلق أنها لا ترى ضرورة في زج قوات غربية في حرب الإرهاب في الساحل لكون ذلك سيؤجج الوضع الأمني الذي يحتاج للتنمية ودعم الجيوش المحلية أكثر من حاجته للتدخل الأجنبي. وكانت الجزائر قد تلقت طلبا أمريكيا للمشاركة في المناورات عسكرية التي تجريها قيادة القوات الأمريكية إلا أنها تحفظت عن المشاركة فيها اعتراضا على مشاركة دولة رجحها خبراء دوليون من أن تكون هي المغرب. وتفيد تحاليل المراقبين أن واشنطن تبدي اليوم الكثير من تليين المواقف تجاه الموقف الجزائر بخصوص رفضها لإقامة مقر القاعدة العسكرية الإفريقية على الصحراء الإفريقية من منطلق أن التوتر الذي تعيشها مع فرنسا قد يؤدي بالضرورة إلى حدوث اختراق في موقفها، وتضيف التحاليل ذاتها أن إدارة أوباما تريد أن تدفع بالعلاقة من وضعية السطحية والمحدودة حاليا إلى فضاء أكثر عمقا وجدية. وتبدي الولاياتالمتحدةالأمريكية تخوفا كبيرا من إمكانية عقد تحالف بين المهربين والجماعات الإرهابية، وتزداد حيرة الاستخبارات الأمريكية أن استراتيجية الولاياتالمتحدة لمكافحة الإرهاب في الصحراء الإفريقية الكبرى من دون تنسيق مع الجزائر التي تتمركز بها قيادات الجماعات الإرهابية تبقى استراتيجية غير مكتملة؛ ويجعل أمر تفعيلها موقوفا على إحداث اختراق في الموقف الجزائري من مشاركة الولاياتالمتحدةالأمريكية لدول المنطقة في مكافحة الإرهاب. *كاتب ومحلل صحفي [email protected]