ظهر قبل أسابيعشريط جديد من توقيع تنظيم القاعدة يهدد المغرب والملك، وقد ظهر أبو عبد الرحمان المغربي وهو يتهجم على الملك محمد السادس، فهل يمكن اعتبار ذلك تهديدا على محمل الجد أم مجرد "تراهات" إعلامية من صنع شباب ارتموا بين أحضان ثقافة العنف والتطرف، أرادوا الظهور بعد إنهاء تدريبهم بإحدى المعسكرات (معسكر الغرباء) بالجبال الجزائرية؟ "" لقد تأكد الآن بما فيه الكفاية أن القاعدة لازالت تسعى جاهدة لإقامة بؤر تأثير وحركية بشمال إفريقيا، والآن بعد ظهور مغاربة مسلحين بالجزائر تخرجوا من معسكر التدريب المدعو "الغرباء"، تأكد من جديد أن تنظيم القاعدة سائر على درب تهييء إستراتيجيته الرامية إلى ضم منطقة الساحل والمغرب العربي من أجل الانخراط في تفعيل حرب "إرهابية" تمتد نيرانها إلى أوروبا، ويبدو أن الجيل الثاني من الإسلاميين الجزائريين وطد علاقاته مع الجيل الثاني من "السلفية الجهادية المغربية"، وقد تأكد هذا ببزوغ شمس نجل الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية لإنقاذ الجزائر، علي بن الحاج ،عبد القهار بن الحاج، ابنه الأصغر الملقب بمعاوية، الذي لم يتجاوز بعد سنه 19، الذي ظهر في الشريط إلى جانب شابين مغربيين من نفس سنه، والجميع حاملون للسلاح. إن المتتبع للتطورات التي عرفتها المنطقة على مدى الخمس سنوات الأخيرة يجد نفسه مضطرا إلى التساؤل التالي: هل منطقة شمال إفريقيا، والمغرب العربي بالتحديد، في طور أن تصير قاعدة خلفية جديدة لتنظيم القاعدة؟ بشهادة جميع المتتبعين، ازداد نشاط العناصر الإرهابية بالدول المغاربية، ولم يعد يخفى على أحد الآن بأن الإرهاب أصبح مشكلة إقليمية بالنسبة لدول المغرب العربي، حيث أضحى حاليا في طور فرض نفسه كخطر محدق على المدى القصير والمتوسط؛ وفي هذا المضمار فسر بعض المحللين دعوة الملك محمد السادس إلى تأسيس "جبهة مغاربية ضد الإرهاب". فبعد تهديد فرنساوإسبانيا، مباشرة وبصريح العبارة، تضمن آخر شريط فرع القاعدة بالمنطقة، تهديدا للمغرب وملكه. فلماذا تهديد بلادنا مؤخرا؟ إنه سؤال شغل بال المهتمين، أكثر من أي وقت مضى، وحول هذا الموضوع رفض "شون ماكورماك"، المتحدث باسم البيت الأبيض، أن هناك تهديدا متزايدا تشكله القاعدة لشمال إفريقيا عموما، والمملكة المغربية على وجه الخصوص، لأنه يرى أن دول المنطقة حققت نجاحات فائقة في القضاء على الخلايا الإرهابية، لكنه لم ينف احتمال وجود تهديد مستمر. غير أن آخر شريط هددت فيه القاعدة ملك المغرب، يدفعنا إلى اعتبار أن العمل الإعلامي والدعائي أصبح سمة أساسية لاستراتيجية القاعدة. وحسب أغلب المتتبعين، يهدف تنظيم القاعدة، من خلال نشاطه الإعلامي، إلى استقطاب أعضاء جدد. يرى الكثير من المحللين أن أغلب المطاردين بالمغرب في نطاق الإرهاب سيلجأون إلى جبال الجزائر حيث "المركز الحالي" لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وحسب هؤلاء أصبح لتنظيم القاعدة كتلتان، الأولى بشرق آسيا والثانية في المغرب العربي، مناطق وعرة تصلح لحرب عصابات طويلة المدى واكتساب خبرة عبر سنوات طويلة، كما يرى هاني السباعي أن الصراع مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من شأنه أن يظل مستمرا ولن يتم حسمه بسهولة. لكن من أهم التطورات "العكسية" التي عرفتها منطقة المغرب العربي، تحول الجماعة السلفية والقتال الجزائرية من جماعة محلية تنشط في مجال التراب الجزائري، إلى تنظيم إقليمي يمتد نشاطه على امتداد دول المغرب العربي وجملة من دول جنوب الصحراء الكبرى والساحل الإفريقي، منذ أن أطلقت هذه الجماعة على نفسها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، علما أن الجماعة السلفية الأم للدعوة والقتال الجزائرية انشقت عن الجماعة السلفية، وتم ذلك بعد الاتصال بأبي مصعب الزرقاوي سنة 2004، أمير قاعدة الجهاد في العراق آنذاك. لقد رأى المحللون في إعلان الارتباط بالقاعدة علامة دالة على تنامي الإرهاب، الذي هو في طور اجتياح منطقة المغرب العربي، اعتبارا لقربها الجغرافي من أوروبا التي تأوي الكثير من المغاربيين؛ ونظرا لأن المغرب العربي يحتضن مصالح حيوية غربية، اقتصادية وسياحية وسياسية وعسكرية، تتأكد الأهمية الإستراتيجية للمنطقة في عمل القاعدة مؤخرا. كما رأى البعض الآخر في تنظيم القاعدة الأم التي تفتح ذراعيها دوما لاستقطاب وتجنيد الشباب. وقد أشارت بعض الجرائد الإسبانية إلى وجود خلية في طور التقعيد والهيكلة النهائية، تعرف بتنظيم "تحرير الأندلس"، قيل إن القائمين عليها مغاربة وجزائريون على صلة بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، ويعتقد أن هذه المجموعة نشرت بيانا على شبكة الانترنيت تدعو فيه إلى تحرير سبتة ومليلية المحتلتين، علما أن وزير الدفاع الإسباني ظل يعتبر هاتين المدينتين السليبتين بوابة حقيقية للقيام بأي عمل إرهابي ضد أهداف إسبانية على حد قوله. أما "لويس بروجييه"، أحد المحققين الفرنسيين، فصرح أن فرع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يسعى إلى توسيع شبكة التنظيم في فرنساوإسبانيا وكذلك إيطاليا، وهذا ما أكدته اعتقالات بعض التونسيين هناك، وقد أقر "لويس روجييه"، ذلك أن هذا التنظيم يشكل حاليا جناحا إقليميا للقاعدة، ومهمته في المرحلة الحالية هي توحيد المنظمات السلفية المتطرفة بشمال إفريقيا، وفي نفس الوقت تقديم الإمدادات للشبكات العراقية. فهل فعلا نجح تنظيم القاعدة في اختراق الأوساط المغاربية؟ في المدة الأخيرة أخذت الدول المغاربية تشهد ميلاد خلايا يتبنى أصحابها التطرف وأسلوب العمل المسلح وحتى العمليات الانتحارية، سواء بمبادرة منهم أو بتشجيع أو برعاية من عناصر لها صلة بالقاعدة الأم. وقد لاحظنا هذا في الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا، وإلى حد ما في ليبيا. يظل هناك معطى، لا يمكن نكرانه بأي وجه من الوجوه، وهو نجاح القاعدة في اختراق أوساط الجاليات الإسلامية وخاصة من أصول مغاربية. وتأكد هذا المنحى بعد أن بدا بجلاء أن تنظيم القاعدة الأم حاليا ليس هرميا في هيكلته وتتمتع فروعه وخلاياه، سواء المستيقظة أو النائمة، أو الجماعات المرتبطة به، بكل استقلالية في القرار والتنفيذ، وهذا ما يجعل من الصعب التصدي للقاعدة، خصوصا وأنه تبين أن الإرهاب لازال قادرا على المزيد من استقطاب عناصر مقاتلة جديدة وبالتالي إمكانية المزيد من إنجاز ضربات مفاجئة وقوية على امتداد دول المغرب العربي، الشيء الذي أكد بروز ظاهرة تجول الإرهابيين بالأحزمة الناسفة في مختلف ربوع الدارالبيضاء، مما دفع البعض إلى اعتبار أن هذا التجول يدل على قدرة الجماعات المتطرفة على تحويل الموت إلى خيار سهل لدى أعضائها أو الأشخاص المستقطبين كمشاريع قنابل بشرية. كل المؤشرات تبين أن أتباع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يتواجدون بمختلف دول المنطقة، خاصة وأن هذا التنظيم ينشط في الصحراء ويستغل المشاكل الحدودية بين دولها ويتخفون بين سكان المناطق الحدودية. تعترف العديد من التقارير الاستخباراتية بقوة تنظيم الخلايا المرتبطة بقاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي، وثقلها في أوروبا، خصوصا بالديار الفرنسية، نظرا لارتباط عناصرها بالقاعدة الأم. ويبدو أن انتشار تنظيم القاعدة أضحى مرتبطا أكثر من أي وقت مضى بما يسعى البيت الأبيض لتحقيقه بالمنطقة، وفي هذا الصدد قال أحد المحللين: "حيثما يكون الأمريكيون تكون القاعدة، وحيث تكون القاعدة يكون الأمريكيون"، علما أن مصلحة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي حاليا تقتضي توسيع دائرة المواجهة؛ وهذا ما يفسر تكثيف تدريب عناصرها وإخضاع أفواج جديدة من الشباب للتداريب الميدانية والعسكرية، ومن ضمنهم مغاربة أضحوا يحملون السلاح بالديار الجزائرية، وهي علامات اعتماد، في ذات الوقت، على المقاتلين والانتحاريين؛ وفي هذا المضمار وجب فهم تسريع وتيرة التنسيق الأمني بين واشنطن وحكومات المغرب العربي لمواجهة خطر الإرهاب، الشيء الذي أدى إلى رفع وتيرة تفعيل الخطة التي وضعتها أمريكا ورعاها رامسفيلد منذ سنة 2003، وهي خطة "الساحل والصحراء" التي خصصت لها ميزانية 500 مليون دولار (5000 مليون درهم)، علما أنها خطة فشلت فشلا ذريعا في تحقيق أهدافها، بدليل استمرار تطور تنظيم القاعدة بالمنطقة (اغتيالات، عمليات، تفجيرات، عمليات انتحارية). وحسب إحدى التقارير الاستخباراتية يسعى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي إلى إحداث تنظيم مسلح في المغرب كذراع ثان لها بالمنطقة. كما أن تقريرا استخباراتيا فرنسيا كشف عن أكثر من ثلاثين عنصر بالتراب الفرنسي على أهبة الاستعداد، وأشار أكثر من مصدر أمني مطلع أن جملة من المشتبه بهم، بفرنسا وبلجيكا وإسبانيا والمغرب، وجد بحوزتهم دليل جهادي من إعداد أبي مصعب السوري (مصطفى ست مريم نصار) يحض على الجهاد ضد فرنسا وتعتبرها هدفا شرعيا للجهاد، وأكدت هذه المصادر وجود نساء ضمن تلك العناصر الجهادية. لقد سبق للأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" أن حذر من خطورة تزايد العمليات الإرهابية في المغرب العربي، إذ قال بعد التفجيرات التي استهدفت الدارالبيضاءوالجزائر: "هذا الحدث المؤسف [...] يبرهن على ضرورة تحرك دولي متفق عليه ضد الإرهاب الذي يهدف إلى تقويض السير الطبيعي للمجتمعات والإخلال بالحياة اليومية للناس العاديين". وقد أدانت واشنطن تلك الاعتداءات مؤكدة أنها ستتعاون مع سلطات المغرب والجزائر لمعرفة منفذي ومخططي العمليات الإرهابية. وفي خضم هذه التطورات أعلنت جماعة "أنصار الإسلام في الصحراء المسلمة في بلاد الملثمين"، العمل المسلح ضد الحكومة المغربية مع رفع شعار: "إننا قادمون" والإعلان عن تضامنها غير المشروط لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وقد برز تهديد هذه الجماعة عندما ضمنت بيانها دعوة عموم المسلمين على الابتعاد عن المباني الحكومية والتجمعات العسكرية ومخافر الأمن، علما أنه ليس هناك أية علامة فعلية ملموسة لوجود هذه الجماعة إلى حد الآن، اللهم بيان وزعته باسمها، فهل هي جماعة "إرهابية" جديدة على الساحة، أم أنها تنتمي إلى تنظيم القاعدة وإحدى تفرعاتها؟ هذا السؤال مازال ينتظر الجواب الشافي. ومن الوجوه الجديدة التي برزت مؤخرا أبو الحسن رشيد البليدي، بعد أبي مصعب عبد الودود (عبد المالك دروغدال) ونبيل الصحراوي وعبد المجيد ديشو. ولعل من أهم عناصر القاعدة حاليا من المغاربة المكنى أبو البراء المنحدر من مدينة طنجة والذي ظل يقدم كزعيم للجماعة المغربية ضمن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وفي تونس حيث انكشف أمر الخطيب الإدريسي. أما بخصوص تمويل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، يبدو أن مصدره مصادرها الرئيسية فرنساوإسبانيا وإيطاليا، وهذا ما أشارت إليه جملة من المعلومات المرتبطة بمحاكمة 7 مغاربة بالعاصمة الفرنسية، باريس، واعتقال تونسيين بالديار الإيطالية مؤخرا على خلفية تمويل الإرهاب بدول المغرب العربي. قالت مصادر أمنية أوروبية إن الخلايا الكامنة للإسلاميين المتطرفين في إسبانياوفرنسا ودول أوروبية أخرى، تعد ممولا فعالا ساعد على تصعيد العمليات الإرهابية بالدول المغاربية. وقد بينت التحقيقات الأخيرة بهذا الخصوص أن الخلايا الممولة تتستر تحت عدة غطاءات وتمويهات عبر إنشاء شركات أو وكالات وهمية، وفي هذا المضمار تمثل كل من فرنساوإسبانيا مصدري تمويل جماعات مرتبطة بالقاعدة بمنطقة المغرب العربي، علما أنها مهمة تضطلع بها خلايا نائمة بالبلدين الأوروبيين (التمويل في المرحلة الحالية). كما أشارت بعض التقارير أن أموالا قدمت من "باهاماس" وتوصل بها أعضاء القادة بالمغرب العربي عبر خلية نائمة بإسبانيا، حيث تم تمويه هذا التحويل بواسطة فواتير باسم شركة عاملة في قطاع الإعلام مستقرة باليابان؛ وأفادت بعض التقارير الاستخباراتية عن وجود عناصر "جهادية" مغربية بالمغرب تلقت مؤخرا تداريب بالجزائر أو بجنوب الصحراء، وكذلك عناصر أخرى من أصول مغاربية متواجدة حاليا بأوروبا بإمكانهم التنقل عبر بلدانها بدون تأثيرات، إذ تمكنوا من التوفر على جوازات سفر بعد تسللهم إلى فرنسا وكندا ودول إفريقية فرنكوفونية، وكل هؤلاء تابعون لتنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي. ضاعف المغرب جهوده على الصعيد الإقليمي والدولي وعزز علاقاته مع المؤسسات المهتمة بمحاربة الإرهاب، ووضعت جهات دولية صورة الإجراءات والتدابير المتخذة لمكافحة الإرهاب، كما شارك أمنيون مغاربة في مختلف الأنشطة التدريبية والمؤتمرات الإقليمية والدولية في محاولة لتوضيح الواقع الأمني وتبيان الاستعداد الكامل للمغرب للتعاون في الأنشطة والإجراءات المعتمدة في مكافحة الإرهاب، لاسيما في مجال تبادل المعلومات حول العناصر المشتبه بها، كما تم رصد تحركاتهم واتصالاتهم ومصادر تمويلهم، والتنسيق الثنائي والدولي بموجب الاتفاقيات الثنائية والبروتوكولات المتعلقة بمكافحة الإرهاب. في هذا المضمار قام المغرب بتفعيل تعاونه مع الأممالمتحدة وأسهم في مناقشات المنظمة الدولية، وقد أظهرت التقارير السنوية الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية مدى تعاون القائمين على الأمور بالمغرب في مجال مكافحة الإرهاب والأساليب التي تم اتباعها بهذا الخصوص، لاسيما بخصوص استعداد المغرب الدائم لملاحقة الإرهابيين ومنعهم من استخدام أراضيه للتخطيط أو إنجاز أعمال عدوانية، حيث زاد من قدراته على خفر السواحل، بالتعاون مع الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي، كما تم إحداث وحدة جمع المعلومات لمكافحة العمليات الإرهابية وربطها بجميع البنوك وتعميم منع فتح حسابات بأسماء وهمية أو بالمراسلة، وقامت أيضا وزارة الداخلية والهيئات الأمنية بوضع استراتيجية أمنية في مجال مكافحة الإرهاب، تضمنت ملاحقة العناصر المشتبه بها ومراقبة أنشطتها ووضع اليد عليها ومتابعة الشبكات التي تخطط لأعمال إرهابية وإحباطها في المهد قبل التنفيذ. وعملت السلطات على تفعيل بعض حملات التوعية عبر وسائل الإعلام لتعريف المجتمع بمخاطر الإرهاب وحشد الرأي العام للوقوف ضد الفكر المتطرف وحث المواطنين على التعاون مع السلطات الأمنية في الإبلاغ عن أي تحرك مشبوه لعناصر الإرهاب مساهمة منهم في مكافحة الإرهاب. وهذه مناسبة للتذكير من جديد بالتأكيد على أن مكافحة الإرهاب وتوفير المناخ الآمن المستقر، يحتاج بداية إلى معالجة الفقر والبطالة وتحسين تردي مستوى استفحال المعضلات الاقتصادية والاجتماعية، في واقع الأمر إن التصدي للإرهاب بالمغرب يمر بالضرورة عبر التنمية الاقتصادية المؤسسة على إصلاحات سياسية واقتصادية ومالية وإدارية واجتماعية. فالمغرب تعرض منذ سنوات لهجمات إرهابية، وبادر وقتئذ إلى التصدي للإرهاب وعزز تعاونه مع جهات استخباراتية وجهات أخرى، ركزت اهتماماتها على مواجهة هذه الآفة الدولية الخطيرة المهددة للأمن والاستقرار المحليين والدوليين، في حين ظلت فعاليات المجتمع المدني تطالب باتخاذ كل الاجراءات والخطوات لمكافحة ظاهرة الإرهاب انطلاقا من مسبباتها للقضاء على آثارها السلبية، على مسيرة النمو والتطور، على المستوى المحلي. من الملاحظ أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لن تظل مكتوفة الأيدي أمام تطور الإرهاب بالمغرب العربي، إذ بذلت إثر ذلك واشنطن وحلفاؤها جهودا كبيرة بتزويد البلدان المعرضة لخطر الإرهاب بكل أنواع الدعم المالي واللوجستيكي، وحاولت احتواء تهديدات الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل الإفريقي ومنطقة المغرب العربي عبر القيام بمناورات مشتركة، وبالمقابل عزز الجيل الثاني من مقاتلي تنظيم القاعدة وركز نشاطاته وتحركاته، وأضحى الرجل الأول في تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي "عبد المالك درو غدال" (أبو مصعب عبد الودود)، يشغل بال المخابرات الغربية ومختلف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية لدول المغرب العربي. ينطلق تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من نفس الإيديولوجية الجهادية التي ينطلق منها تنظيم القاعدة الأم، وهي إقامة الدولة الإسلامية على أنقاض الأنظمة الحاكمة في العالم العربي باعتبارها أنظمة كافرة، وهي تجسيد للمقولة التقليدية بمحاربة العدو القريب، بالإضافة إلى محاربة كافة أشكال التواجد الأجنبي على الأراضي العربية لأنها أيضا تجسيد لمقولة العدو البعيد. وخلاصة القول إنه من الحقائق الثابتة أن الأمن أصبح مسؤولية الجميع يشترك في تحقيقه الفرد والمجتمع والدولة بكافة مفاصلها، متعاضدة لمساندة بعضها البعض الآخر، ومن المفروض أن تمارس أدوارها ضمن خطة واضحة المعالم متوازية الخطوط، تؤدي كل جهة ما يناط بها من واجبات تصب في النهاية في توطيد الأمن والطمأنينة، وذلك بالاعتماد على الحزم في مواجهة الإرهاب وتفكيك خلاياه، مع الإقرار المسبق بأن الاقتصار على المقاربة الأمنية ومواجهة الإرهاب بالعنف وحده، هي إجراءات لا تأتي أكلها، بل إن العمل السياسي والمخابراتي والحوار والتواصل المستنيرين المقرونين بالحزب والحسم، كل هذا بموازاة مع تفعيل سيرورة التنمية، هو الذي يمكن الحكومة من تجفيف منابع الإرهاب والتطرف. وبناءا على هذا التصور والمفهوم، وجب القيام بملاحقة العناصر الإرهابية والقبض عليها ومتابعة الشبكات المخططة للأعمال التخريبية والإرهابية، وهذا عبر تعزيز جاهزية الأجهزة الأمنية؛ وفي هذا الصدد يبرز التساؤل بخصوص صحة الاستراتيجية الأمنية المعتمدة حاليا للتصدي للإرهاب بالمغرب؟ وتتجلى أهمية هذا التساؤل إذا علمنا أن الإمكانيات التي كان من المفروض تخصيصها لمشاريع التنمية وتلبية الحاجيات الأساسية للمواطنين قد كرست في مجال مكافحة الإرهاب. ومرة أخرى، نعيد فنقول للمرة الألف، تبقى مشكلة المغرب الأساسية، في إطار رؤية التصدي للإرهاب، كامنة في الفوارق الاجتماعية المهولة التي جعلت أقل من 10 في المائة من الأثرياء من جراء نهب مال الشعب يملكون أكثر من 85 في المائة من ثروات البلاد واستمرار تكريس أحياء الجوع والفقر والتهميش والإقصاء، لذلك فإن التصدي للإرهاب بالمغرب هو تصدي، أولا وقبل كل شيء، من وجهة اجتماعية واقتصادية وثقافية، قبل أن تكون أمنية وقانونية وقمعية، فعندما ينتشر الفقر والبطالة وينسد الأفق، حتى أمام خريجي الجامعات والمعاهد العليا، فلا يمكن الاستغراب، والحالة هذه، من ملاحظة تطور الإرهاب واستمرار تناسل الجماعات المتطرفة المرتبطة بالقاعدة بمنطقة المغرب العربي، لهذا فمهما كانت الإجراءات الأمنية، ومهما بلغت شدة تعاملها مع المتطرفين، ومهما كان دعم واشنطن، لن يكون كل هذا قادرا لوحده على التصدي للإرهاب وتنظيمات القاعدة التي ترى في الموت الطريق الوحيد حاليا للتغيير والسبيل للدخول إلى الجنة. فلم ولن يتم التصدي للإرهاب بالمنطقة بالاقتصار، كما هو حاصل إلى حد الآن، على استراتيجية الولاياتالمتحدةالأمريكية في ما يسمى بالحرب على الإرهاب، والتي قوت القاعدة عوض إضعافها. إدريس ولد القابلة رئيس تحرير أسبوعية المشعل