"" توطئة طبعا لم يستسغ إدريس البصري الطريقة والأجواء التي تمت فيها إقالته وخلعه من موقعه الاستراتيجي، ثلاثة أشهر بعد وفاة الملك الراحل الحسن الثاني واعتلاء الملك محمد السادس العرش. كيف يستسيغ ذلك وهو الرجل الأقوى في المغرب، بعد الملك، خلال عهد الملك الراحل، من السبعينات حتى مشارف نهاية التسعينات، العارف والماسك بالأسرار الكبيرة. ألم يعتبر إدريس البصري نفسه ضمن أكبر الرجال الأربعة الذين لم يعرف مثلهم المغرب: "محمد أوفقير، أحمد الدليمي، محمد رضا اكديرة، وهو"؟ لكن ما لم يستسغه سي إدريس أكثر، هو طريقة التعامل معه منذ وفاة الملك الراحل الحسن الثاني حتى نهاية تقديم البيعة للملك محمد السادس.. إنه سيظل أسود الأيام في حياة سي إدريس، ليس جراء حزنه على وفاة الملك الراحل كما ظل يصرح بذلك، ولكن من هول عدم تصوره أبدا أن ما وقع له ذلك اليوم كان ممكن الحدوث لوزير "أم الوزارات"، وهو أمر لم يسبق أن تجرأ على التطرق إليه ولو على سبيل الإشارة أو اللمز، فماذا حدث لإدريس البصري ذلك اليوم؟ على سبيل البدء منذ أن أعلن الدكتور بربيش وفاة الملك لابنه الملك محمد السادس (ولي العهد آنذاك) بمكتبه بمصحة مستشفى ابن سينا زوال يوم الجمعة 23 يوليوز 1999، سلبت من إدريس البصري حرية التحرك وحق إصدار الأوامر والمساهمة في صنع القرار، وهذا أمر لم يسبق له أن أثاره لا من بعيد ولا من قريب، كيف تم ذلك؟ وكيف كانت البداية والنهاية؟ إنه أمر ظل سي إدريس يتستر عليه، وهو أكبر من الإشاعة التي تناسلت وراجت كثيرا، والتي من الصعب بمكان التأكد من صحتها، والتي مفادها أن الملك محمد السادس قد صفعه في إحدى اللحظات العصيبة جدا بعد أن استشاط غضب الملك عليه. ومن الطبيعي أن تكون الوطأة كبيرة جدا على نفس إدريس البصري الذي يرى أنه "فيلسوف الملكية المغربية" وساهم في إحداث وبناء المغرب العصري الحديث، قبل أن يصوب له فؤاد عالي الهمة وفريقه الضربة القاضية. كانت هذه الضربة سهلة الارسال باعتبار أن المغاربة ظلوا يقرنون اسم إدريس البصري بتفعيل وهم تآمرهم على الملك والعائلة الملكية، إلى أن أصبحت القاعدة في عهد البصري أن كل مغربي متهم حتى يثبت براءته، أما المحيطون به (هو) والقائمون على الأمور المتواطئون معه، فهم أبرياء حتى ولو ثبتت إدانتهم بالملموس وبالحجة والدليل. فكيف ذاق سي إدريس البصري كونه متهما ومشتبها به يوم الجمعة 23 يوليوز 1999، من الساعة الرابعة والنصف زوالا إلى ما بعد العاشرة ليلا، عندما ولج سي إدريس البصري، وزير "أم الوزارات" باب قصر الرباط وخرج منه خاوي الوفاض بعد أن عاين بأم عينيه ضياع كل شيء من بين يديه على حين غرة، دون سابق إنذار ودون أن يكون له الوقت الكاف للاستعداد لتلقي الصدمة؟ بعد العاشرة من ليلة الجمعة 23 يوليوز 1999، اكتملت الصورة، فقد سي إدريس كل شيء وتحققت قاعدة المنطق، إذ أن الأغلبية الساحقة من المغاربة ظلوا ينعتونه بأرذل النعوت ويصفونه بأقبح الصفات، بل ونادى الكثيرون منهم بضرورة مساءلته ومحاكمته لأنهم احترقوا بلهيب نار جبروته ومختلف ألوان تعسفات رجاله ومعاونيه والمتواطئين معه، وكابدوا وترنحوا تحت وطأة ظلمهم وتعسفاتهم واكتووا بدهاء سي إدريس ومكره اللذان كانا يصلان إلى درجة كبيرة من الدناءة أحيانا كثيرة. ولو علم المغاربة ما حدث له يوم وفاة الملك الراحل الحسن الثاني لكانت فرحتهم بمناسبة الإعلان عن تنحيته فرحتين عظيمتين بجميع المقاييس. كيف لا وإدريس البصري، مسك بالأمور الداخلية للبلاد على امتداد ربع قرن دون انقطاع، وظل أقوى الوزراء وبمثابة "الصندوق الأسود" لكل الفضائح والتجاوزات، المجتهد في الظهور كمخزني أكثر من المخزن، والبوليسي الأسمى في المملكة، والإنسان الذي يكرهه ويخشاه أغلب المغاربة، وهو الذي كان يتبجح باطلاعه على "الفاذة والشاذة"، وبكل ما يجري ويدور من طنجة إلى الكويرة، والذي كان يرد الصاع صاعين أو لربما أكثر لأنه كما يقول: "لست المسيح، أمد الخد اليسرى عندما أصفع على اليمنى". لعل ما ذاقه من مرارة يوم الجمعة 23 يوليوز 1999، هو من الأسباب التي تفسر خرجاته الإعلامية البهلوانية. فمنذ التحاقه بالديار الفرنسية خطط لخرجات إعلامية بهلوانية، لاسيما بعد اعتقال أكثر من 20 شخصية كانت محسوبة من المقربين إليه والمشكلين لأحد لوبياته، وذلك بتهمة اختلاس أموال الشعب والفساد واستغلال النفوذ، آنذاك شرع في التهديد بنشر مذكراته وبدأت الرباط تعمل للضغط عليه حتى لا يقدم على ذلك. فهل مرارة ما وقع له بالقصر الملكي بالرباط من شأنه أن يدفع به لارتكاب حماقات زادت من انفضاح أمره؟ إن إدريس البصري حاول بجميع الوسائل، حتى الخسيسة، منها ضمان مساندة بعض الجهات الفرنسية له، عمليا وإعلاميا، ولعل تطوع المحام الفرنسي "إيف بودولو" للدفاع عنه علامة من العلامات القوية لهذه المساندة، علما أنه محام جريدة "لوموند" اليمينية الفرنسية، ومن علامات المساندة كذلك، تلك المقالات والتخريجات التي كانت تنشرها، من حين لآخر، جريدة "لوكنار أونشيني" موقعة باسم "نيكولا بو"، أحد الأصدقاء الحميميين لسي إدريس، ومنها مقالات اعتمد فيها كاتبها اسقاطات غريبة تبرز طبيعة العلاقة الرابطة بين الأمير مولاي رشيد والوزير المخلوع، وهذا ما كشفه بجلاء، المعارض المغربي اللاجئ السياسي، محمد سهيل صاحب كتاب "الملك والوردة، الحسن الثاني وميتران" ومنشط لجنة المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين بالمغرب (CALPOM). فماذا حدث لإدريس البصري يوم الجمعة 23 يوليوز 1999، ما بين الساعة الرابعة والنصف زوالا والساعة العاشرة ليلا؟ "اختطاف" ومحاصرة إدريس البصري زوال يوم الجمعة 23 يوليوز 1999 أوقفت التلفزة المغربية برامجها المعادة وبثت تلاوة القرآن الكريم؛ في هذه الأثناء، حسب مصدر جيد الإطلاع وشاهد عيان، كان إدريس البصري مرغما على البقاء بإحدى قاعات القصر الملكي بالمشور السعيد بالرباط وهو تحت المراقبة اللصيقة من طرف مجموعة من الجنرالات، بعيدا عن عيون الوافدين إلى دار المخزن آنذاك لتقديم التعازي. إذ بدا بجلاء أن الملك محمد السادس اعتمد على الجيش لتنحية وزير "أم الوزارات"، اليد اليمنى للملك الراحل الحسن الثاني، علما أن دور الجيش بهذا الخصوص، تأكدت معامله للعيان بعد أحداث مدينة العيون في 28 شتنبر 1999، شهرين فقط بعد اعتلاء الملك محمد السادس العرش. آنذاك كان مسلسل "تطهير" الدوائر العليا من التأثير "البصروي" وعيون الوزير المخلوع قد بدأ في سرية تامة وبدون "شوشرة". ففي يوم الجمعة 23 يوليوز 1999 كانت أيضا بداية أفول "ملحمة" إدريس البصري، ولربما لهذا السبب لم يطرأ أي تغيير أو تعديل بخصوص المؤسسة العسكرية في بداية العهد الجديد، ولم تظهر معالمه داخلها إلا بعد سنوات. هكذا إذن كانت البداية.. اتصل الملك الراحل الحسن الثاني يوم الخميس 22 يوليوز 1999، في حدود منتصف الليل تقريبا من قصره بالرباط، بإدريس البصري ليخبره أن يتوجه غدا صباحا للمصحة الملكية بالمشور السعيد بالرباط قصد الاتصال بالأطباء لإصدار بيان حول الوضعية الصحية لجلالته لطمأنة الرأي العام، كما أمره بإرجاء الاجتماع المصغر، الذي كان مقررا إجراؤه يوم الجمعة إلى يوم الاثنين، لأنه يرغب في الراحة لمدة يومين دون ازعاج. في الصباح الباكر من يوم الجمعة الموالي، اتصل إدريس البصري بالطبيب الخاص للملك لاستفساره عن صحته، فكان جوابه إن الملك بخير، وعقد معه موعدا على الساعة الحادية عشرة لصياغة البيان الطبي لإذاعته كما أمر الملك، انتظر إدريس البصري إلى حدود الساعة الثانية عشرة والنصف زوالا ولم يتصل به الطبيب الخاص للملك، في تلك اللحظة كان الوزير المخلوع يستقبل عبد الكريم الخطيب من (حزب العدالة والتنمية) بخصوص خطة المرأة، وبعده استقبل وفدا من "جماعة العدل والإحسان"، ثم عاواد إدريس البصري الاتصال بالطبيب الخاص للملك الذي أخبره بنقل الملك الراحل إلى مصحة مستشفى ابن سينا بالرباط، جناح أمراض القلب. اتجه البصري توا إلى المستشفى المذكور حيث وصل في حدود الساعة الواحدة زوالا، ووجد بعيادة القلب بالطابق الخامس الملك محمد السادس (ولي العهد آنذاك) بمعية شقيقه الأمير مولاي رشيد وبعض أفراد العائلة الملكية. كان الملك محمد السادس بمكتب الدكتور بربيش، ينتظره قصد صياغة البيان الصحي، التحق به إدريس البصري، وبعد مدة دخل عليهم الدكتور معلنا وفاة الملك الراحل، وكانت الساعة تشير حينها إلى الرابعة والنصف زوالا، وكان البصري من الأوائل الذين علموا بالخبر في نفس الوقت الذي علم به الملك محمد السادس الذي أمره بالتوجه إلى القصر الملكي بالرباط لحضور اجتماع أمني طارئ. اتصل إدريس البصري بقائد الدرك الملكي، الجنرال حسني بنسليمان، ومدير المخابرات العسكرية الجنرال عبد الحق القادري، ورئيس المكتب الثالث، الجنرال محمد عروب، لإخبارهم بالاجتماع الطارئ بالقصر الملكي دون إعلامهم بوفاة الملك. لحظة وصوله إلى القصر الملكي، استقبل مجموعة من الضباط السامين، إدريس البصري، واقتادوه إلى قاعة من قاعات دار المخزن وظلوا معه دون السماح له بمغادرة المكان في انتظار التعليمات. بقي إدريس البصري معزولا عن باقي الحاضرين بالقصر الملكي آنذاك، تحت مراقبة الضباط السامين الذين لم يبتعدوا عنه قيد أنملة على امتداد ساعات، آنذاك كان نقاش يجري بخصوص طريقة إجراء بيعة الملك الجديد، ولم يشارك فيه إدريس البصري. وبعد وصول تعليمات جديدة للضباط السامين، أخرجوه من القاعة ورافقوه حيث يوجد جملة من الشخصيات مع الاستمرار في مراقبته، آنذاك علم بأن عبد الكبير العلوي المدغري هو الذي سيقدم وثيقة البيعة، فرفض وعارض لكن لم يعر أحد أدنى اهتمام لموقفه، إذ بدا للعيان أن المطلوب منه إذاك هو تنفيذ ما يطلب منه فقط، دون زيادة ولا نقصان.. وتأكد هذا الأمر بجلاء عندما علم إدريس البصري بحضور الأمير مولاي هشام لتقديم البيعة والتوقيع عليها، فأبدى اعتراضه ورفضه مرة أخرى بخصوص هذا الأمر، فووجه كذلك باللامبالاة وعدم الاعتبار. وكانت الضربة القاضية حين قام إدريس البصري بتوجيه بعض النصائح إلى فؤاد عالي الهمة فرفضها هذا الأخير على التو دونما تردد مع إظهار عدم قبولها علانية وبأسلوب مباشر واضح، فبدأ ما يشبه شنآنا بين الرجلين. آنذاك أصدر فؤاد عالي الهمة أوامره بإرجاع إدريس البصري من حيث أوتي به، فقادته نفس المجموعة من الضباط السامين، الذين ظلوا محيطين به منذ وصوله إلى القصر، إلى ذات القاعة التي احتجز فيها من قبل والتي قضى بها ساعات تحت مراقبتهم معزولا عن باقي الحاضرين، وبعد مدة من الزمن سلموه جلبابا أبيض وأمروه بارتدائه بعين المكان وبسرعة ثم اقتادوه إلى قاعة العرش وعلامات الغضب والاضطراب الشديدين بادية على محياه. إذ لم يتمكن من معرفة ماذا يقع حوله بالضبط، وهو الرجل القوي، أمين سر الملك الراحل ويده اليمنى. ولج إدريس البصري قاعة العرش من جديد، مرتديا الجلباب هذه المرة، محاطا بالضباط السامين المكلفين بمراقبته اللصيقة، وظلوا بجانبه إلى أن انتهت مراسيم تقديم البيعة والتوقيع عليها من طرف من يهمهم الأمر وهو يرى دون أن يفهم شيئا. بعد نهاية مراسيم تقديم البيعة سعى إدريس البصري إلى جمع بعض رجالاته وتأليب عناصر لوبياته إلا أن الجيمع تنكروا له وتحاشوا لقاءه، بل وحتى الكلام معه. هذا ما جاء على لسان شاهد عيان تابع الأحداث منذ وصول إدريس البصري إلى القصر الملكي بالرباط زوال يوم الجمعة 23 يوليوز 1999 إلى حدود مغادرته في ساعة متقدمة من الليل، بعد بيعة محمد السادس ملكا للمغرب خلفا لوالده الملك الراحل الحسن الثاني. آنذاك تأكد أفول نجم إدريس البصري مباشرة بعد مراسيم البيعة، وبالواضح، إذ لم يعد يلتقي الملك يوميا كما دأب على فعل ذلك في عهد الملك الراحل، حيث اقتصر الملك محمد السادس على الاجتماع اليومي بالوزير الأول، عبد الرحمان اليوسفي، ومنذئذ تناسلت إجراءات تقزيم صلاحيات وزير "أم الوزارات"، إذ أعفي من الإشراف على الإدارة العامة للمحافظة على التراب الوطني (الديسطي)، ثم إدارة الجامعة الملكية للكولف لِيُسْحَبََ منه بعد ذلك ملف الصحراء. وقتئذ تأكد إدريس البصري أنه لم يعد مرغوبا فيه، لاسيما عندما عاين، بمناسبة قيام الملك محمد السادس بزيارته الرسمية للأقاليم الشمالية، جموعا غفيرة من سكان المنطقة ينادون بأعلى أصواتهم "ملكنا واحد، محمد السادس، البصري سير بحالك المغرب ماشي ديالك"، وأصبح الأمر حقيقة لا غبار عليها، ولم يعد يخامره أدنى شك بهذا الصدد عندما علم، بالحجة والدليل، أن عناصر من رجاله "الأوفياء"، حتى الأمس القريب، في المخابرات ساهموا في تشجيع الناس على رفع ذلك الشعار الذي لازال، لا محالة يُدَوِّي إلى حد الآن في آذان سي إدريس، وهو الشعار الذي حكم بالإعدام المعنوي على قيدوم وزراء المغرب، وزير "أم الوزارات"، وبذلك كان الإعلان عن نهايته بدون رجعة، ولم يبق آنذاك إلا إعلان تنحيته أمام العموم، وهذا ما وقع بعد مدة وجيزة من هذه الزيارة. مراسيم البيعة دار نقاش حاد جدا بالقصر الملكي حول طريقة إعلان تنصيب الملك الجديد وبرز أكثر من رأي: - الاكتفاء بإذاعة بيان رسمي استنادا إلى مضمون الدستور. - عقد جلسة طارئة للبرلمان وإعلان تنصيب الملك الجديد. - إجراء مراسيم البيعة داخل القصر الملكي بالرباط بقاعة العرش وبثها مباشرة، على أن تكون البيعة مكتوبة ويتم التوقيع عليها من طرف الحاضرين المعنيين بالأمر، وذلك اعتبارا لأن الملك في ذات الوقت أمير المؤمنين، وإمارة المؤمنين لا تتم إلا بالبيعة. كان آندري أزولاي، بصفته مستشارا للملك الراحل آنذاك، من المساهمين في هذا النقاش، إذ قال بأن النص الدستوري واضح تماما بهذا الخصوص ويمكن الاكتفاء بتطبيقه، آنذاك تدخل الدكتور عبد الكريم الخطيب موضحا أن الدستور يتحدث في هذا المجال عن الملك، أما صفة أمير المؤمنين فتستوجب عقد البيعة، وعندما بلغ هذا الأمر إلى علم الملك محمد السادس أقر به، وكلف كلا من الوزير عبد الكريم العلوي المدغري والمستشار عباس الجراري بتحرير نص البيعة، كما كلف عبد الحق المريني باستدعاء أعضاء الحكومة وزعماء الأحزاب السياسية ورؤساء المؤسسات والإدارات العسكرية والأمنية والمدنية. في حين يقول مصدر آخر إن عبد الرحمان اليوسفي هو من كان وراء اقتراح أن تكون البيعة مكتوبة في العهد الجديد ولتصير سابقة في تاريخ حكم العلويين بالمغرب. وقتئذ كان إدريس البصري معزولا عن الحاضرين بإحدى قاعات القصر بمعية ضباط سامين. هكذا عهد بكتابة نص البيعة إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، عبد الكبير العلوي المدغري آنذاك، وتكلف عبد الهادي بوطالب بصياغة الخطاب الذي سيلقيه الملك. عبد الكريم العلوي المدغري، من الوزراء الذين طال أمدهم في الاستوزار، إذ شغل المنصب منذ سنة 1984 إلى حدود سنة 2002، وكان بمعية إدريس البصري، من خدام المخزن الأوفياء، وما كان لهما أن يدوما بموقعيهما كل ذلك الوقت لولا خدماتهما المتميزة وقدرتهما على فهم التعليمات وتنفيذها وبلوغ ما ترمي إليه وزيادة. فمهمتهما، الأولى والأخيرة، هي تنفيذ التعليمات السامية. لم يشارك فؤاد عالي الهمة ولا رشيد الشرايبي في النقاش الدائر حول البيعة، لكن حضورهما الوازن تأكد عندما حسم الملك الموقف وبدأت إجراءات التنفيذ، آنذاك تبين أن أوامر فؤاد عالي الهمة تطاع بحذافيرها وأوامر إدريس البصري لم تعد لها أية قيمة. وفي هذا الصدد استغرب الأمير مولاي هشام بخصوص حضور الجيش للبيعة، علما أنه قد سبق أن أكد في حديثه لمجلة "إكسبريس" الفرنسية في نونبر 1999 على استغرابه هذا، مضيفا أن الملك محمد السادس كان يرغب في أن يكون هناك إجماع تام على بيعته، إذ من المعلوم أن تأثير الجيش، بعد خلع إدريس البصري، قد تقوى بعد أن تخلص من مراقبة الوزير المخلوع، وبعد أن أصبح الجيش يراقب جملة من مصالح المخابرات التي كانت مرتبطة، بشكل أو بآخر بالبصري. أعد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية مسودة وثيقة البيعة ثم قدمها للملك مكتوبة بخط يده قصد المراجعة والمصادقة، وبعد الانتهاء من قراءتها صادق عليها وأمر بإحضار خطاط لنسخها بالخط المغربي الأصيل، وهذا ما كان. كانت البداية بتلاوة نص البيعة من طرف عبد الكبير العلوي المدغري، وهو النص الذي طوق به الملك محمد السادس ملكه خلافا لوالده الراحل الحسن الثاني، وتضمن الشروط والالتزامات الخاصة بالراعي والرعية والراسمة للقواعد الأساسية التي تقوم عليها الدولة المغربية، والتي لا يمكن للنظام الديمقراطي أن يكون بديلا عنها وإنما مكملا لها. وقع البيعة الأمير مولاي رشيد وتلاه الأمير مولاي هشام، الذي قّدِمَ توا من الخارج، لذلك كان الوحيد الذي ارتدى بذلة عوض اللباس التقليدي المغربي، ووقع وثيقة البيعة بعده شقيقه الأمير مولاي إسماعيل، ثم رئيسا مجلس النواب ومجلس المستشارين، فأعضاء الحكومة ومستشارو الملك ورؤساء المجالس العلمية ورئيس المجلس الأعلى والوكيل العام للملك، ورئيس المجلس الدستوري، والضباط السامون بالقيادة العليا للقوات المسلحة الملكية ومدير الأمن الوطني ورؤساء الأحزاب السياسية. وفي ساعة متأخرة غادر إدريس البصري القصر ليس كما دخله في الساعة الرابعة والنصف بعد أن طلبه الملك محمد السادس من مستشفى ابن سينا. لماذا أتلف إدريس البصري أرشيف المخابرات؟ في نفس الفترة التي أقيل فيها إدريس البصري نشب حريق في أرشيف مديرية المحافظة على التراب الوطني (الديسطي) بالرباط أُتْلِفَتْْ عن آخرها، لاسيما الوثائق المهمة. وتأكد، بالحجة والدليل، أن الحريق لم يكن حادثة وإنما بفعل فاعل للتخلص من كل ما من شأنه أن يكشف حقائق ثابتة تدين الكثير من الشخصيات الوازنة والمسؤولين الكبار. لقد أتى الحريق على أهم الوثائق، في وقت كان فيه البحث جاريا بخصوص تعرية جملة من الملفات بأمر من الملك محمد السادس، ومنذ أن ذاع خبر الحريق توجهت أصابع الاتهام إلى إدريس البصري ولوبياته. وحسب أحد المصادر العالمة بخبايا الأمور، تم تسخير عصابة من أهل الدار لإضرام النار في أرشيف "الديسطي" حتى يتسنى لإدريس البصري إقبار أسرار جرائمه وجرائم جملة من المسؤولين الكبار في حق الشعب وبعض أبنائه الأوفياء، إذ استعملت، في اقتراف هذا الفعل الجرمي، مادة كيماوية شديدة الاحتراق، "تهاجم"الورق وتأتي عليه بسرعة خلال وقت وجيز. وحسب ذات المصدر، إن ما أريد إخفاء معالمه وإقبار الحجج والدلائل عليه، تسميم أكل جملة من المختطفين والمعتقلين السياسيين بفيروسات وجراثيم تسبب أمراضا خبيثة، وكذلك براهين ومعطيات دقيقة جدا عن الاختلاسات المرتبطة بتموين وتسليح الجيش الملكي تم ضبطها على جملة من الجنرالات، إذ قال مصدرنا إن بعض الوثائق التي تم إتلافها تدين أكثر من 150 شخصية بالاسم والصفة والأفعال والنوازل. ماذا بحوزة إدريس البصري من أسرار؟ من الأكيد أن الوزير المخلوع إدريس البصري يعلم الكثير من الأسرار، منها ما قد يحرج الكثيرين: القصر، المخابرات، الجيش، سياسيين، رجال أعمال، مهربين وأباطرة المخدرات.. فبحوزته بعض أسرار الدولة والكثير من الحقائق والمعلومات بخصوص جملة من الشخصيات الوازنة، العسكرية منها والمدنية. ويظل السؤال المطروح هل تمكن إدريس البصري من تهريب هذه الوثائق إلى الخارج؟ أم أن استباق مراقبته اللصيقة ووضع اليد مبكرا على الملفات التي كانت بحوزته فوت عليه هذه الفرصة؟ سيظل هذا التساؤل مطروحا، علما أنه لم يسبق أن أدلى بأية وثيقة لتعضيد خرجاته الإعلامية البهلوانية؟ وبخصوص مذكراته، ماذا يمكنه أن يكشف فيها أخطر وأدهى مما تم اكتشافه والحديث بخصوصه إلى حد الآن؟ وهل كل هذه الأسرار ورقة يستعملها من أجل ضمان الإفلات من المساءلة والعقاب بعد أن تأكد تورطه بفعل ما تم اكتشافه في ملف السليماني والعفورة وملفات زوجته وابنه هشام البصري؟ وقد رأى بعض المحللين أنه كان من اللازم وضع إدريس البصري عند حده منذ 2004، عندما ظهر كنجم في الصحافة الإسبانية وقناة الجزيرة وفرانس 3 وراديو الجزائر (الجي شين 3)، وقتها كان يهلل بأن "الملكية في خطر". وبعد انفجار قضية هشام المندري كلف الملك الراحل الحسن الثاني وزير داخليته، إدريس البصري، بالبحث في النازلة، وقد وقف، هذا الأخير على أن المندري بحوزته 3 أو 4 أسرار تخص الدولة، وهذا ما ظل يحفظه كسرٍّ، لكن عندما شعر أنه مستهدف، كشف عنه لإحدى وسائل الإعلام الأجنبية؛ وبعد اعتلاء الملك محمد السادس العرش، حاول إدريس البصري التدخل لدى السلطات الأمريكية لترحيل هشام المندري إلى المغرب إلا أنه لم يوفق في ذلك. وعموما، إن "أسرار الدولة" التي كانت بحوزة هشام المندري اطلع عليها إدريس البصري، وتتعلق بالأساسا بجرد الأملاك الملكية الكائنة خارج المغرب. جنسية إدريس البصري.. واحدة أم مزدوجة؟ هل يحمل إدريس البصري، الوزير المخلوع، جنسية واحدة: المغربية، أم سبق له أن استفاد من جنسية أخرى غيرها؟ لقد سبق لإحدى الجرائد الإسبانية أن نشرت، بعد تنحيته، أن إدريس البصري يتوفر على الجنسية الإسبانية، مع التوضيح أنه جرت العادة بأن يحوز وزراء الداخلية، رغبة في ضمان نوع من الحماية، على جنسية أخرى غير جنسيتهم الأصلية، وفي هذا الإطار قالت تلك الجريدة إن إدريس البصري سبق له وأن حاز الجنسية الإسبانية. وحسب مصدر جيد الإطلاع، كان وزير الداخلية المخلوع قد سعى جاهدا لقضاء عطلته الصيفية لسنة 1999 بالديار البرازيلية، إلا أن كل مخططاته انقلبت رأسا على عقب بعد سقوط خبري وفاة الملك الراحل الحسن الثاني وتنحيته، كالصاعقة على رأسه دون سابق إنذار؛ وقد تساءلت بعض الأوساط بقوة عن الأسباب الحقيقية وغير المعلنة التي دفعت إدريس البصري اختيار البرازيل لقضاء عطلته، علما أنه كان على علم بالوضعية الصحية للملك الراحل الحسن الثاني. وعندما انتهت صلاحية جواز سفره في مارس 2004، وهو متواجد على التراب الفرنسي، سعى جاهدا كذلك للفوز بالجنسية الفرنسية، إلا أن طلبه ظل معلقا بين السماء والأرض ولم يتوصل بأي رد رسمي بخصوصه، وقيل آنذاك إن جاك شيراك لم يكن يرغب في "كهربة" العلاقة بين باريس والرباط، الشيء الذي جعل المخابرات الفرنسية تزيد من تشديد إجراءات مراقبتها له. فؤاد عالي الهمة وحميدو العنيكري ألذ أعداء سي إدريس ظل إدريس البصري يكن عداءا شديدا وظاهر المعالم لكل من فؤاد عالي الهمة وحميدو العنيكري ألذ أعدائه، فالأول عمل معه أكثر من عقد من الزمن، واشتغل الثاني تحت إمرته لاسيما إبان المسيرة الخضراء. ويعتبرهما البصري من "الأميين السياسيين" والأقزام في مجال الاضطلاع بأمور السلطة، كما اتهمهما بمحاولة اختلاق "أسطورة زوجته السرية" للنيل من سمعته، وقد فكر فعلا في مقاضاتهما بخصوص هذا الأمر بباريس أو جنيف لطلب تعويضات عن هذه الإساءة، واتهمهما أيضا بتعريض حياته للخطر المحقق بفعل رفض تمتيعه بجواز السفر لمدة 4 سنوات، وحاول اتهامهما بالقذف في حق شقيق الملك الراحل الحسن الثاني، الأمير الراحل مولاي عبد الله والنيل من ابنه الأمير مولاي هشام. ومن المعلوم أن كلا من فؤاد عالي الهمة وحميدو العنيكري هما اللذان اضطلعا بمهمة التصدي للتأثير "البصروي" بالإدارة المغربية وبقايا تركة نفوذه بدوائر صناعة القرار. نهاية إدريس البصري عندما وافت المنية الملك الراحل الحسن الثاني كانت بداية نهاية أقوى رجل في المملكة، وزير "أم الوزارات" إدريس البصري. يوم الخميس 22 يوليوز 1999، عاد الملك الراحل الحسن الثاني من قصر الصخيرات إلى قصر الرباط في حدود الساعة السادسة مساءا. وكل المصادر تقر أن الملك الراحل وافته المنية على الساعة الرابعة والنصف زوالا من يوم الجمعة 23 يوليوز 1999، وكان آخر لقاء له مع وزيره، إدريس البصري، هاتفيا يوما قبل ذلك (الخميس)، وكانت آخر عبارة قالها الوزير للملك الراحل: "الله يبارك في عمر سيدي، الله يحفظ سيدنا ويطول عمره"، أما آخر لقاء مباشر بين الملك الراحل وإدريس البصري، فكان يوم الأربعاء 21 يوليوز 1999 ليلا خلال مأدبة عشاء رسمية على شرف الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، إذ قبّل يده قبل مغادرته القصر على الساعة 11 ليلا بعد توديع ضيفه. يوم الجمعة 23 يوليوز، على الساعة الحادية عشرة عزل جناح أمراض القلب بمستشفى ابن سينا بالرباط عن العالم، وقطعت كل خطوط الهواتف وحجب الاتصال وطوق بحراسة خاصة، وظل الحال كذلك إلى أن دوت صرخة أنثوية هزت أركان المكان، عندما انفجر خبر وفاة الملك الراحل الحسن الثاني، بعد دخوله المستشفى ساعات قليلة قبل وفاته. آنذاك كان إدريس البصري إلى جانب الملك محمد السادس (ولي العهد وقتئذ) بجناح أمراض القلب بمستشفى ابن سينا، وبالتحديد بمكتب الدكتور بربيش. وإذا كان الناس قد تخوفوا من حدوث انقلابات بعد وفاة الملك الراحل محمد الخامس، حيث تمترس المغاربة جميعا من أجل لعب دورهم الوطني، فإنه بمجرد الإعلان عن وفاة الملك الحسن الثاني خرج الناس إلى الشوارع تلقائيا يبكون ويتحسرون على فقدانه آمنين مطمئنين. وبذلك تم تفنيد كل ما ورد آنذاك في بعض التقارير الاستخباراتية التي تنبأت بأن المغرب سيشهد بعد وفاة الملك الحسن الثاني انتفاضة شعبية عارمة، تنطلق من المدن الشمالية التي كان يرمز لها حسب التقارير المخابراتية بالدوائر الحمراء، ليعقبها انقلاب عسكري يقوده ضباط وطنيون أحرار، ينهي النظام الملكي ويفتح صفحة جديدة بالمغرب تبدأ بمحاكمة رموز الفساد الذين أجرموا في حق الشعب ونهبوا ثرواته على امتداد عقود من الزمن، لكن انتقال السلف للعرش فند كل تنبؤات وسيناريوهات التقارير الاستخباراتية الغربية. وكان الانقلاب الوحيد الذي باركه كل المغاربة إبعاد وزير "أم الوزارات" وإعادة هذه الأخيرة إلى نصابها وفقا للصلاحيات المخصصة لها دون سواها. وقتئذ كان سي إدريس يقول: "أنا أستاذ كبير ورجل عظيم من العمالقة العظماء.. أنا مارشال المغرب.."، هكذا كان الوزير المخلوع يتصور نفسه بعد خلوده على رأس وزارة الداخلية ربع قرن، لكن في يوم احتفاله بعيد ميلاده الواحد والستين، التي قضى منها ما يناهز نصفها متحكما في رقاب العباد، إذاك كان يستعد لقضاء عطلته الصيفية بالبرازيل، لكن الملك محمد السادس أقاله وعوضه بأحمد الميداوي، مدير الأمن الوطني آنذاك. إن أمر عزل إدريس البصري كان منتظرا منذ الإعلان عن وفاة الملك الراحل الحسن الثاني، وإذا كان أغلب المغاربة قد انتظروا إبعاده على أحر من الجمر، فقد اعتقد بعضهم أن الظرف والطريقة التي تم بها ذلك لم تكن تندرج ضمن إستراتيجية هادفة إلى التغيير، وإنما أسبابه الأولى حسابات خاصة محضة، ويعتمد أصحاب هذا القول على أنه لو كان قرار تنحية البصري يقع ضمن رؤية إستراتيجية للتغيير لتمت إقالة جملة من الوزراء والمسؤولين الكبار معه، بمن فيهم ضباط عسكريون كبار وقضاة ودبلوماسيون ومدراء، أي أن يشمل التغيير دواليب الحكم وليس حصر الأمر في تنحية قيدوم الوزراء، لاسيما بعد الإقرار بشعار المفهوم الجديد للسلطة والذي كان يستوجب، أولا وقبل كل شيء، جملة من الإجراءات القانونية والتنظيمية والمؤسساتية والبشرية قبل الإعلان عنه، حتى لا يفرغ من محتواه كما حدث أحيانا كثيرة وفي محطات عديدة على أرض الواقع المعيش. وحسب البعض تأكد هذا الطرح منذ مراسيم البيعة وكيفية التعامل مع إدريس البصري خلالها وخطة محاصرته ومراقبته اللصيقة منذ وصوله إلى القصر حتى لحظة مغادرته له ذلك اليوم، هذا لأن تنحية البصري كان من اللازم، ليس استهداف شخص البصري، وحده، وإنما نهج الحكم ونمط السلطة وتدبير أمور الشأن العام، برموزه الكبار الجنرال محمد أوفقير والجنرال الدليمي وإدريس المحمدي وامبارك البكاي وبا احماد... يوم 16 نونبر 1999، ثلاثة أشهر بعد وفاة الملك الراحل الحسن الثاني واعتلاء الملك محمد السادس عرش البلاد، تمت تنحية إدريس البصري الذي ساهم في 11 حكومة متتالية. وكان لهذا القرار وقع شديد على المغاربة الذين استقبلوه بفرحة كبيرة واعتبروه انجازا هامًّا وحدثا جوهريا في تاريخ المغرب الحديث، علما أن حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد اشترطا إبعاده عن "أم الوزارات" للمشاركة في الحكومة سنة 1992 حينما قرر الملك الراحل الحسن الثاني اعتماد سياسة الانفتاح على الأحزاب السياسية اعتبارا لظروف داخلية وخارجية فرضت ذلك على النظام، وباعتبار أن إدريس البصري ظل العقل المدبر لتزوير الانتخابات ومهندس "تفقيص" الأحزاب الإدارية التي ميعت الركح السياسي وحرفت مسار تطوره الطبيعي كما أربكت سيرورة النمو العادي والسليم للبنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية المغربية، وهذا ما تأكد مع حرص إدريس البصري على تزوير الانتخابات التشريعية لسنة 1997 وهي آخر انتخابات تحكم بها، إلا أن وفاة الملك الحسن الثاني وضعت حدا لمشوار إدريس البصري بلا رجعة. لم ينتظر الملك محمد السادس تعديلا وزاريا لتنحية إدريس البصري، بل أخذ القرار في حقه بمعزل عن ذلك؛ آنذاك كانت قد تجمعت جملة من الأحداث ساهمت في الإسراع باتخاذ هذا القرار، ومنها تدبير، إدريس البصري، الفاشل لأحداث مدينة العيون وحريق أرشيف مديرية المحافظة على التراب الوطني (الديسطي). ومهما يكن من أمر، عرفت وزارة الداخلية بعد اعتلاء الملك محمد السادس عرش البلاد، حركة دائبة لم يسبق أن عرفتها من قبل، إذ ما بين 24 يوليوز و9 نونبر 1999، كان الاعتكاف على كل الملفات التي بحوزة الوزير المخلوع حينئذ، ويوم 9 نونبر تم الإعلان بالقصر الملكي بمراكش عن خلع إدريس البصري، بعد حديث قصير بينه وبين الملك محمد السادس هناك. واستتبع ذلك اتصال الجنرال عبد الحق القادري بإدريس البصري لإبلاغه أن الملك يرغب في أن يتوقف عن إعطاء دروس بكليتي الحقوق في كل من الرباطوالدارالبيضاء. وبعد هذه الحادثة أصبح إدريس البصري مراقبا عن قرب، وهذا ما تأكد في 12 يوليوز 2002 عندما تم استدعاؤه لحفل الزفاف الملكي، حيث أحاط به جملة من رجال الأمن دون مفارقته منذ أن غادر بيته بمدينة السطات ذلك اليوم. وتلى ذلك حادثة رفض طلبه بخصوص تجديد جوازه، في وقت بدأ فيه البروفسور إدريس عرشان، طبيبه منذ 1965، يتجنب تلبية طلباته ويتحاشى الكلام معه حتى عبر الهاتف. وبعد وعكة صحية أصابت البصري، تكلف الملك محمد السادس بتغطية مصاريف إرساله إلى فرنسا في 9 يوليوز 2003 وعلاجه هناك، وتكرر الأمر في يناير 2004، ومنذئذ استقر إدريس البصري بالديار الفرنسية بعد أن انتهت صلاحية جواز سفره في مارس 2004. خيانة البصري خان إدريس البصري مولاه وولي نعمته، الملك الراحل الحسن الثاني، بالرغم من كل الخطابات التي ظل ينثرها يمينا وشمالا حول إخلاصه ووفائه لوالد الملك محمد السادس، ألم يتواطأ مع الكاتب الفرنسي "توكوا"، حيث مكنّه من جملة من الأسرار، كان يعتبرها البصري نفسه من أسرار الدولة، في عرفه وعرف من انتهجوا نهجه؟ وتأكد منحى الخيانة "البصروية" من خلال شطحاته الإعلامية البهلوانية بصدد قضية الصحراء، التي ظل ممسكا بخيوطها بصفة انفرادية على امتداد سنوات، وسيرا على هذا المنحى تعامل إدريس البصري مع الصحفيين والصحف التي تكن العداء البين للمغرب، هذا في وقت بدأت فيه الرباط تبحث عن حل جذري لطي ملف الصحراء نهائيا، إذ أهدى لهم معلومات وأسرار تَهُمُّ الدولة على طبق من ذهب، منها محاضر جلسات اللقاءات السرية التي تمت بالرباط في شتنبر 1996، والتي جمعت بين الملك محمد السادس (ولي العهد آنذاك) وبعض قادة جبهة البوليساريو (بشير مصطفى السيد وإبراهيم الغالي سفير الجبهة بمدريد)، علما أن اللقاء الأخير انتهى يوم الخميس 5 شتنبر 1996 بالإقامة الخاصة لولي العهد الذي قال لضيوفه آنذاك: "جلالة الملك يقترح عليكم حلين، الأول هو اعتكاف خبراء في القانون لدراسة مفهومي الجهوية والاستقلال الذاتي، والثاني هو وضع طائرة رهن إشارتكما للعودة قصد المزيد من التفكير"، فكان جواب البشير مصطفى السيد: "الاقتراح الثاني هو الأنسب". لم يقف إدريس البصري عند هذا الحد، وإنما ظل يستعمل جملة من المعلومات كانت بحوزته للنيل من المغرب والقائمين عليه بعده، إذ اجتهد اجتهادا في طي صفحات بعض الأحداث والوقائع لخدمة أغراض خسيسة، منها نازلة إهداء 300 قنينة عطور رفيعة ل "بيرنار ميي"، نائب الكاتب العام للأمم المتحدة المكلف بعمليات السلام بالصحراء، وهي معلومة تسربت عن طريقه، لغرض في نفس يعقوب، وتم توظيفها لتبيان محاولة المسؤولين المغاربة إرشاء هذا الموظف الأممي السامي. كما أنه بقدرة قادر، وبدون سابق إنذار أصبح إدريس البصري ينادي بالقول إنه لا يعقل المناداة ب "أحقية المغرب في تراب دون أخذ رأي سكانه بعين الاعتبار". إن إدريس البصري سلَّم محاضر الجلسات السرية، مع قادة البوليساريو، إلى الصحافة الإسبانية المعادية للمغرب والتي نشرتها حرفيا بالإسبانية؛ وقد نالت السبق، في هذا المضمار جريدة "لاراثون" (La Razon) وجريدة "إلموندو" (El Mundo). في البداية قيل إن البوليساريو هي التي سربتها لكن تأكد أن إدريس البصري هو الذي قام بذلك. وفي هذا الصدد يبرز تساؤل، كم من الوثائق السرية لازالت بحوزته الآن ويمكن تسريبها؟ علما أنه سبق أن قيل إنه لا يتوفر على مستندات ووثائق سرية، وسبق أن صرح البصري لأحد الصحفيين الفرنسيين قائلا: "لا أحتاج إلى وثائق ولا إلى مستندات.. كل شيء في دماغي". وبخصوص الجزائر، منذ بداية خرجاته الإعلامية البهلوانية الأولى، ركز إدريس البصري، بمكر بيّن، على قضيتين أساسيتين: الصحراء والعلاقات مع الجارة الجزائر، مع تمرير فكرة قلة كفاءة المحيطين دائما بالملك محمد السادس، إلا أن هذه الخرجات لم ترق حتى أعداء بلادنا، إذ أن بعضهم وصفوا صاحبها بالخائن، وكان الأولى له أن يصمت ليطاله النسيان باعتبار أن الأنوار الكاشفة المتجهة نحوه ستزيد من فضيحته نظرا لفداحة ما سبق له وأن اقترف من جرائم في حق أبناء جلدته وفق اجتهاد خاص في تطبيق التعليمات قل نظيره في التاريخ المغربي. خلال تصريحاته بخصوص الجزائر لم يتردد البصري في مغازلتها سعيا وراء إحراج المغرب، لاسيما عندما بدأ يقر بأن المغرب خطط لجملة من العمليات السرية استهدفت الجزائر، وأنه سهل مُقام بعض العناصر الإسلامية المعارضة والمتطرفة بالمغرب، بل ذهب إلى حد التصريح أن المخابرات المغربية تفاوضت مع بعض الأمراء الإسلاميين الجزائريين في موضوع تصفية بعض المعارضين وقادة البوليساريو بالجزائر. ولا يخفى على أحد أن إدريس البصري كان يقوم بمراقبة الملك محمد السادس (ولي العهد آنذاك) ومحيطه عن بعد وفي سرية تامة، ويبلغ عنه "الصغيرة والكبيرة" إلى والده الملك الراحل الحسن الثاني، وبالتفصيل الممل، بالرغم من أن إدريس البصري ظل ينكر هذه الحقيقة بكل ما أوتي من قوة، إلا أنه في آخر المطاف صرح قائلا: "..لو طلب مني الملك الحسن الثاني القيام بذلك لما ترددت لحظة..". البصري وعائلة أوفقير أين اختفى المليون درهم؟ بعد مرور ستة أشهر من الإفراج عن عائلة الجنرال محمد أوفقير، اتصل إدريس البصري بها لإخبارها أن الملك الراحل الحسن الثاني وضع تحت إشارة جميع أفرادها مبلغ مليوني درهم (مائتي مليون سنتيما) لمواجهة متطلبات الحياة. شدد البصري الحراسة على كل أفراد العائلة تحت ذريعة حمايتهم، وعندما رفضت مليكة أوفقير، المتحدثة باسم العائلة، هذه المراقبة اللصيقة، قال لها سي إدريس: "ما دام الأمر كذلك، وما دمتم غير لبقين، فإن المبلغ انخفض إلى النصف ولم يعد سوى مليون درهم؟". فأين اختفى المليون الآخر، هل عاد لصاحبه أم تصرف فيه البصري بمعرفته؟ ومن المعروف أن إدريس البصري ظل يردد نفس الأسطوانة بخصوص احتجاز عائلة أوفقير، إذ أكد على الدوام، أنه عندما أمره الملك الراحل الحسن الثاني باحتجازها والقيام بحراستها اعترض على الأمر، لكنه نفذ التعليمات. وسبق لمليكة أوفقير أن صرحت أنها تمكنت بعد عدة محاولات من إعادة ربط الاتصال مع صديقة طفولتها، الأميرة لالة أمينة، وبعد طول حديث حول ما جرى خَلُصَت الصديقتان إلى أن إدريس البصري هو المسؤول عن كل المضايقات التي عاشتها العائلة بعد الإفراج عنها، وكل الأصدقاء الذين كانوا يزورونها في 1991 و1992 تعرضوا للاحتجاز لعدة ساعات وخضعوا للاستنطاق والتهريب. كانت سيارة من سيارات "الديسطي" تنتظرهم بالقرب من مقر إقامة العائلة لتنقلهم إلى مقر الديسطي أو إحدى مخافر الشرطة. كما أنه، بعد الإفراج عنهم، التقى أحد أفراد عائلة أوفقير بالملك محمد السادس (ولي العهد آنذاك) بإحدى المراقص الراقية، فقال لهم: "أبوابي مفتوحة لكم متى شئتم"، لكن إدريس البصري، حسب رواية أولى أبلغ الملك الراحل الحسن الثاني بالأمر، وحسب رواية ثانية ظل يحرس عائلة أوفقير عن قرب وباستمرار وحال دون اقترابها من الملك محمد السادس (ولي العهد آنذاك) ثانية. قضية البصري الابن لقد تأكد بما فيه الكفاية تورط نجل الوزير المخلوع، هشام البصري، في جملة من القضايا التي يجرمها القانون المغربي، كما أن التهم الواردة في جملة من محاضر معاونيه واضحة ولا غبار عليها؛ وفي هذا الصدد، لا زال المغاربة ينتظرون مآل هذه الملفات، وبالتالي وجب تفعيل الإجراءات القانونية بهذا الخصوص لتمكين العدالة من قول كلمتها الفصل، وذلك على اعتبار أن الأمر لا يدخل في إطار حسابات ولا انتقام، وإنما يهم بالدرجة الأولى قضية مساءلة ومحاسبة حول أفعال اقترفت فأنتجت خروقات وتسببت في أضرار، ضيعت حقوقا وداست عليها ولا يمكن السكوت عليها، مهما كان موقع مقترفها، علما أن القضية ليست قضية "أسرار دولة" وإنما هي مرتبطة بجرائم اقتصادية واجتماعية واضحة المعالم. وحسب إدريس البصري، إن الغرض من تفجير ملف السليماني / العفورة هو محاولة للنيل منه بعد أن تعذر إثبات تورطه في أية تهمة بخصوص الفساد المالي أو غيره، لذلك تم تضييق الخناق على بعض المقربين إليه، وفي هذا الإطار، تم تفعيل الملف المذكور أعلاه لأنه يهم أحد أقارب زوجته (السليماني) ونجله هشام، وقد كانت الانطلاقة في نظره، سنة 2001 عندما نشر مقالا بخصوص الحل الثالث في ملف الصحراء، آنذاك أعلن إدريس البصري، توصله بتهديدات توصيه بالصمت تحت طائلة متابعة معاونيه السابقين قضائيا. وبعد ذلك تناسلت الخرجات الإعلامية "البصرية" وتلاها انكشاف أمر ابنه، هشام البصري، وتورطه في جملة من الملفات المعروضة حاليا على أنظار القضاء، علما أنه بدأ الاهتمام بخبايا مشروع "بوزنيقة بيش" الذي أسال الكثير من المداد، منذ سنة 2000. ملف من إعداد إدريس ولد القابلة -رئيس تحرير أسبوعية المشعل- توطئة طبعا لم يستسغ إدريس البصري الطريقة والأجواء التي تمت فيها إقالته وخلعه من موقعه الاستراتيجي، ثلاثة أشهر بعد وفاة الملك الراحل الحسن الثاني واعتلاء الملك محمد السادس العرش. كيف يستسيغ ذلك وهو الرجل الأقوى في المغرب، بعد الملك، خلال عهد الملك الراحل، من السبعينات حتى مشارف نهاية التسعينات، العارف والماسك بالأسرار الكبيرة. ألم يعتبر إدريس البصري نفسه ضمن أكبر الرجال الأربعة الذين لم يعرف مثلهم المغرب: "محمد أوفقير، أحمد الدليمي، محمد رضا اكديرة، وهو"؟ لكن ما لم يستسغه سي إدريس أكثر، هو طريقة التعامل معه منذ وفاة الملك الراحل الحسن الثاني حتى نهاية تقديم البيعة للملك محمد السادس.. إنه سيظل أسود الأيام في حياة سي إدريس، ليس جراء حزنه على وفاة الملك الراحل كما ظل يصرح بذلك، ولكن من هول عدم تصوره أبدا أن ما وقع له ذلك اليوم كان ممكن الحدوث لوزير "أم الوزارات"، وهو أمر لم يسبق أن تجرأ على التطرق إليه ولو على سبيل الإشارة أو اللمز، فماذا حدث لإدريس البصري ذلك اليوم؟ على سبيل البدء منذ أن أعلن الدكتور بربيش وفاة الملك لابنه الملك محمد السادس (ولي العهد آنذاك) بمكتبه بمصحة مستشفى ابن سينا زوال يوم الجمعة 23 يوليوز 1999، سلبت من إدريس البصري حرية التحرك وحق إصدار الأوامر والمساهمة في صنع القرار، وهذا أمر لم يسبق له أن أثاره لا من بعيد ولا من قريب، كيف تم ذلك؟ وكيف كانت البداية والنهاية؟ إنه أمر ظل سي إدريس يتستر عليه، وهو أكبر من الإشاعة التي تناسلت وراجت كثيرا، والتي من الصعب بمكان التأكد من صحتها، والتي مفادها أن الملك محمد السادس قد صفعه في إحدى اللحظات العصيبة جدا بعد أن استشاط غضب الملك عليه. ومن الطبيعي أن تكون الوطأة كبيرة جدا على نفس إدريس البصري الذي يرى أنه "فيلسوف الملكية المغربية" وساهم في إحداث وبناء المغرب العصري الحديث، قبل أن يصوب له فؤاد عالي الهمة وفريقه الضربة القاضية. كانت هذه الضربة سهلة الارسال باعتبار أن المغاربة ظلوا يقرنون اسم إدريس البصري بتفعيل وهم تآمرهم على الملك والعائلة الملكية، إلى أن أصبحت القاعدة في عهد البصري أن كل مغربي متهم حتى يثبت براءته، أما المحيطون به (هو) والقائمون على الأمور المتواطئون معه، فهم أبرياء حتى ولو ثبتت إدانتهم بالملموس وبالحجة والدليل. فكيف ذاق سي إدريس البصري كونه متهما ومشتبها به يوم الجمعة 23 يوليوز 1999، من الساعة الرابعة والنصف زوالا إلى ما بعد العاشرة ليلا، عندما ولج سي إدريس البصري، وزير "أم الوزارات" باب قصر الرباط وخرج منه خاوي الوفاض بعد أن عاين بأم عينيه ضياع كل شيء من بين يديه على حين غرة، دون سابق إنذار ودون أن يكون له الوقت الكاف للاستعداد لتلقي الصدمة؟ بعد العاشرة من ليلة الجمعة 23 يوليوز 1999، اكتملت الصورة، فقد سي إدريس كل شيء وتحققت قاعدة المنطق، إذ أن الأغلبية الساحقة من المغاربة ظلوا ينعتونه بأرذل النعوت ويصفونه بأقبح الصفات، بل ونادى الكثيرون منهم بضرورة مساءلته ومحاكمته لأنهم احترقوا بلهيب نار جبروته ومختلف ألوان تعسفات رجاله ومعاونيه والمتواطئين معه، وكابدوا وترنحوا تحت وطأة ظلمهم وتعسفاتهم واكتووا بدهاء سي إدريس ومكره اللذان كانا يصلان إلى درجة كبيرة من الدناءة أحيانا كثيرة. ولو علم المغاربة ما حدث له يوم وفاة الملك الراحل الحسن الثاني لكانت فرحتهم بمناسبة الإعلان عن تنحيته فرحتين عظيمتين بجميع المقاييس. كيف لا وإدريس البصري، مسك بالأمور الداخلية للبلاد على امتداد ربع قرن دون انقطاع، وظل أقوى الوزراء وبمثابة "الصندوق الأسود" لكل الفضائح والتجاوزات، المجتهد في الظهور كمخزني أكثر من المخزن، والبوليسي الأسمى في المملكة، والإنسان الذي يكرهه ويخشاه أغلب المغاربة، وهو الذي كان يتبجح باطلاعه على "الفاذة والشاذة"، وبكل ما يجري ويدور من طنجة إلى الكويرة، والذي كان يرد الصاع صاعين أو لربما أكثر لأنه كما يقول: "لست المسيح، أمد الخد اليسرى عندما أصفع على اليمنى". لعل ما ذاقه من مرارة يوم الجمعة 23 يوليوز 1999، هو من الأسباب التي تفسر خرجاته الإعلامية البهلوانية. فمنذ التحاقه بالديار الفرنسية خطط لخرجات إعلامية بهلوانية، لاسيما بعد اعتقال أكثر من 20 شخصية كانت محسوبة من المقربين إليه والمشكلين لأحد لوبياته، وذلك بتهمة اختلاس أموال الشعب والفساد واستغلال النفوذ، آنذاك شرع في التهديد بنشر مذكراته وبدأت الرباط تعمل للضغط عليه حتى لا يقدم على ذلك. فهل مرارة ما وقع له بالقصر الملكي بالرباط من شأنه أن يدفع به لارتكاب حماقات زادت من انفضاح أمره؟ إن إدريس البصري حاول بجميع الوسائل، حتى الخسيسة، منها ضمان مساندة بعض الجهات الفرنسية له، عمليا وإعلاميا، ولعل تطوع المحام الفرنسي "إيف بودولو" للدفاع عنه علامة من العلامات القوية لهذه المساندة، علما أنه محام جريدة "لوموند" اليمينية الفرنسية، ومن علامات المساندة كذلك، تلك المقالات والتخريجات التي كانت تنشرها، من حين لآخر، جريدة "لوكنار أونشيني" موقعة باسم "نيكولا بو"، أحد الأصدقاء الحميميين لسي إدريس، ومنها مقالات اعتمد فيها كاتبها اسقاطات غريبة تبرز طبيعة العلاقة الرابطة بين الأمير مولاي رشيد والوزير المخلوع، وهذا ما كشفه بجلاء، المعارض المغربي اللاجئ السياسي، محمد سهيل صاحب كتاب "الملك والوردة، الحسن الثاني وميتران" ومنشط لجنة المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين بالمغرب (CALPOM). فماذا حدث لإدريس البصري يوم الجمعة 23 يوليوز 1999، ما بين الساعة الرابعة والنصف زوالا والساعة العاشرة ليلا؟ "اختطاف" ومحاصرة إدريس البصري زوال يوم الجمعة 23 يوليوز 1999 أوقفت التلفزة المغربية برامجها المعادة وبثت تلاوة القرآن الكريم؛ في هذه الأثناء، حسب مصدر جيد الإطلاع وشاهد عيان، كان إدريس البصري مرغما على البقاء بإحدى قاعات القصر الملكي بالمشور السعيد بالرباط وهو تحت المراقبة اللصيقة من طرف مجموعة من الجنرالات، بعيدا عن عيون الوافدين إلى دار المخزن آنذاك لتقديم التعازي.