الملك يأذن بدورة المجلس العلمي الأعلى    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    "الجنائية الدولية" تطلب اعتقال نتنياهو    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    المغرب يستضيف أول خلوة لمجلس حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    تنسيقية الصحافة الرياضية تدين التجاوزات وتلوّح بالتصعيد    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية        عجلة البطولة الاحترافية تعود للدوران بدابة من غد الجمعة بعد توقف دام لأكثر من 10 أيام    دراسة: تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    جمعويون يصدرون تقريرا بأرقام ومعطيات مقلقة عن سوق الأدوية    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البصري على فراش الموت بعد أن هزمه السرطان
نشر في هسبريس يوم 29 - 06 - 2007

نال المرض من إدريس البصري وألزمه الفراش مؤخرا، وتسربت أخبار، من هنا وهناك تفيد أن جهة ما تتفاوض معه بخصوص عودته إلى المغرب، كما أشار مصدر مقرب من الوزير المخلوع، إلى أن هذا الأخير يرغب قضاء أيامه الأخيرة ببلده. ""
خلال الخمس سنوات الأخيرة من حياة الملك الراحل الحسن الثاني، اعتقد الوزير المخلوع، إدريس البصري، أنه تكلف بتدبير أمور البلاد والعباد بالمغرب، متناسيا أنه خلال هذه الفترة كان غيره من المقربين للملك الراحل، مستشارين ورجال سياسة وبعض الشخصيات، تحت تأثير جملة من رجال الأعمال، كانوا هم كذلك يساهمون في الكواليس، وربما بقوة أكثر من البصري، في تدبير الأمور خلال هذه الفترة، لاسيما ابتداءا من 1994 -1995.
وقبل خرجاته وشطحاته الإعلامية، طالبت أكثر من جهة بمحاكمة إدريس البصري ومساءلته عن جملة من الجرائم، والكشف عن ثروته وثروات أبنائه وزوجته المتراكمة بفعل نفوذه وجبروته على امتداد أكثر من 3 عقود، إلا أن شيئا من هذا لم يتم، رغم أن الوزير المخلوع لوّح أحيانا مهددا بالكشف عن جملة من أسرار الدولة، فهل فعلا يشكل إدريس البصري خطرا على المغرب والقائمين على أموره؟ وهل توجد فعلا بحوزته أسرار دولة من شأنها إحراج المغرب، وبالتالي سيسلمها لنجله، هشام البصري، لتكون ذرعا يحميه من المساءلة والمتابعة بعد وفاة والده؟
مرض إدريس البصري
في البداية تضاربت الأخبار حول طبيعة مرض الوزير المخلوع، إدريس البصري، فهناك من قال إنه مصاب بمرض "الأزاهايمر" وإن علاماته بدأت تظهر عليه منذ مدة، إلا أنه تأكد مع مرور الوقت أنه مصاب بمرض التهاب الكبد الفيروسي، ورغم العملية التي خضع لها، كان المرض قد استفحل، مما نتج عنه إصابة بنوع من أنواع السرطان. لكن مهما يكن من أمر، فقد استفحل المرض حاليا حد جعل إدريس البصري يلزم الفراش بحيث لم يعد يقوى على مغادرته.
حسب أحد المقربين من الوزير المخلوع بباريس، منذ أن فرض عليه المرض المكوث بالبيت طريح الفراش، دأب ابنه هشام البصري، خلافا للسابق، على الجلوس بجانبه ساعات طويلة، رأسا لرأس، وذلك يوميا.
وقد يكون إدريس البصري، تحسبا للمستقبل، يمد نجله هشام، بأهم أسرار الدولة لتكون بمثابة حصانة له، تحميه من المتابعة والمساءلة بخصوص ملفات معروضة على أنظار القضاء المغربي.
ويؤكد نفس المصدر، أن إدريس البصري، وهو على فراش المرض، لم يعد يهمه الآن إلا العودة إلى المغرب والاطمئنان على أن ابنه هشام حتى لا يلحقه سوء بخصوص المحاسبة والمساءلة والمتابعة، ولعل أحسن وأجدى طريقة هي مده بما بحوزته من أسرار الدولة والأسرار الخاصة عن الملك الراحل الحسن الثاني، والعمل على إخبار القائمين على الأمور، بطريقة أو بأخرى، أن ابنه أضحى يحوز الآن تلك الأسرار.
في البداية أصيب إدريس البصري بوعكة صحية حادة وهو لا زال مقيما بالمغرب، وقد تحمل الملك محمد السادس كل مصاريف علاجه وسفره إلى الخارج، وقيل آنذاك إن علة البصري تكمن في الكبد وأن الأمر يتطلب زرع كبد للتصدي للمرض العضال.
بعد رحيله إلى فرنسا بدأت معلومات حول مرضه تطفو على السطح في بداية مارس 2005، وكان أول من صرح بإصابته بمرض عضال، محاميه محمد برادة، في إحدى الجلسات الخاصة بنازلة الدعوى التي جمعت بين الوزير المخلوع ومدير أسبوعية "ماروك هيبدو"، بمحكمة باريس.
ومن الجهات التي أكدت مرض إدريس البصري، الجنرال إدريس عرشان، الطبيب الخاص للملك الراحل الحسن الثاني، والذي كان طبيب البصري على امتداد 20 سنة بأمر من الملك نفسه، إذ أكد عرشان أن البصري مصاب بمرض بالكبد، وكان منذ زمن بعيد ينتقل إلى باريس مرتين في السنة للقيام بفحوصات هناك. وفي صيف 2003، نقل إدريس البصري على وجه السرعة من مطار الرباطسلا إلى المستشفى الجامعي "بول بروس" ب "فيلجويف" ضواحي العاصمة الفرنسية، وهو المستشفى المتخصص في أمراض السرطان، وقد قضى البصري صيف تلك السنة كاملا بالديار الفرنسية؛ آنذاك كانت خرجته الإعلامية الأولى، إذ صرح قائلا: "إن ما حل به من تدهور صحي كان نتيجة منعه من العلاج لمدة سنتين"، وفي هذا المضمار حمل المسؤولية للجنرال حميدو العنيكري وفؤاد عالي الهمة.
في أكتوبر 2003 عاد إدريس البصري إلى المغرب، لكن سرعان ما رجع إلى فرنسا في يناير 2004 لتلقي العلاج من جديد، والقصر الملكي هو من تحمل مصاريف تلك السفرة العلاجية، هذا ما أثبتته شهادة موقعة من طرف منير الماجدي، أدلى بها الأستاذ محمد برادة، محامي البصري، إلى المحكمة الفرنسية لتبرير غياب موكله عن الجلسة. وفي فبراير 2004 تأزمت وضعية البصري الصحية، وأدخل من جديد المستشفى وتحمل القصر الملكي مصاريف العلاج.
آنذاك استغل إدريس البصري تواجده بالديار الفرنسية لطلب اللجوء، وبدأت خرجاته وشطحاته الإعلامية تتناسل.
إن الذي كان يزدري كل الوزراء، وكل السفراء والولاة والعمال، والذي كان يتبجح بمعرفة كل الحقائق، والعالم بكل شيء من طنجة إلى الكويرة، والذي كان بمجرد مكالمة هاتفية يقلب الأمر رأسا على عقب، هو الآن طريح الفراش، ينخره مرض عضال، في إقامة تقع بحي "لاموييت" La Muette (الصامتة أو البكماء) بالمقاطعة 16 بالعاصمة الفرنسية، باريس، وبالضبط بزنقة "كونسيي – كولونيو"؛ في هذه الإقامة بالحي الفاخر الباريسي، خلال نهاية الستينيات، عاشت شخصية فرنسية وازنة طبعت تاريخ فرنسا والفرنسيين، إنه "بييرمينديس فرانس"، لكن اليوم لم تعد تلك الإقامة تحمل أي ذكرى لهذه الشخصية الفرنسية، إن الديكور الغالب عليها الآن يذكرنا بالمغرب، وبالضبط بسنوات الجمر والرصاص، التي يعتبرها إدريس البصري أزهى سنوات مشواره، لاسيما صور آل البصري بمعية الملك الراحل الحسن الثاني، أو إدريس البصري رفقة جاك شيراك وبعض الشخصيات الفرنسية الأخرى المحسوبة على اليمين.
لا يعيش هشام البصري مع والده بهذه الإقامة الفاخرة، وإنما فضل الاستقرار بشقة صغيرة بشارع "بينا" بالعاصمة الفرنسية ليظل قريبا من والده، حاميه وولي نعمته ومصدر ثروته.
قبل استفحال المرض الذي ألزمه الفراش، كان إدريس البصري يلتقي من حين لآخر ببعض الشخصيات الفرنسية، منها شارل باسكوا، وزير الداخلية في حكومتي شيراك وبلادور، و"بيير جوكس" وزير الدفاع سابقا، وجون لوي ديبري، وزير الداخلية سابقا، وجان بيير شيفينما، وزير التعليم والدفاع سابقا، وبيير مازو القاضي، وروبير باندينتر رئيس المجلس الدستوري سابقا.
العودة إلى المغرب
مرة أخرى، بدا أن إدريس البصري، وهو على فراش المرض، يفاوض من أجل العودة إلى المغرب، حيث يريد أن يقضي آخر أيامه وأن يدفن بتراب بلده وقتما وافته المنية. ورغم أن مقتضيات وفحوى هذه المفاوضات والمساومات لازالت مجهولة، فإن مصدرنا بباريس أكد أنها جارية بواسطة شخصية على علاقة بالدوائر القريبة جدا من المحيطين بالملك محمد السادس، وذلك بعد أن جند واستنفر إدريس البصري جملة من الوساطات، منها المغربية والفرنسية، ولم يستبعد مصدرنا إمكانية تأثير الوساطات الفرنسية في هذا المضمار.
قبل هذا الوقت، تخلى إدريس البصري عن مطالبته بالعودة إلى المغرب، ولم يعد يرغب البتة في الرجوع، خوفا من المساءلة والمحاسبة، خصوصا مع انطلاق محاكمة صهره السليماني بمعية أقرب العمال والولاة إليه، العفورة.
علما أن طلب الرجوع برز بقوة في غضون شهر مارس 2004، وقيل آنذاك إن مفاوضات جرت مع إدريس البصري بهذا الخصوص بباريس بواسطة أحد المقربين من دائرة الملك محمد السادس، وعندما حصل البصري على جواز سفره قيل إنه على وشك العودة إلى المغرب.
في ربيع 2005 أعطت السلطات المغربية الضوء الأخضر لرجوع الوزير المخلوع، إلا أن هذا لم يتم لأسباب ظلت غامضة، علما أن إدريس البصري استغل تواجد الملك محمد السادس بباريس في زيارته الرسمية للديار الفرنسية لطلب العفو عنه وحيازة جواز سفر من السفارة المغربية بباريس، وفعلا تسلم الجواز ومعه شيك بمبلغ أربعمائة مليون سنتيما كمكافأة نهاية الخدمة والتي ظل يطالبها ويستنكر عدم التوصل بها.
أسرار البصري
ماذا تخبئ جعبة إدريس البصري من أسرار؟
إنه تساؤل ظل يشغل الكثير من المغاربة، علما أن الوزير المخلوع بقي يكرر دون كلل، الملك محمد السادس ملكي المقدس وسيدوم كذلك.
لقد سبق لمصادر فرنسية أن أشارت في 2004 و2005 إلى تهديدات تفوه بها البصري همت الكشف عن أسرار الدولة التي بحوزته.
ظل الوزير المخلوع حتى الآن وهو على فراش المرض، يعتبر نفسه رجل دولة، وبالتالي من المفروض أن لا يفشي أسرار الدولة، وهنا تكمن "قوته"، بحكم عقليته السلطوية، في علاقاته مع القائمين على الأمور، باعتبار جهل عموم المغاربة طبيعة الأسرار التي يدعي إدريس البصري امتلاكها، والتي من شأنها إحراج النظام والقائمين على الأمور بالمغرب. لكن لنفرض أن بحوزته أسرار دولة خطيرة، فماذا سيستفيد من إفشائها؟ وهل لا يوجد من يكشف عنها إلا البصري؟
ربما تكون هناك أسرار دولة لا يمتلكها الآن إلا البصري بحكم نهج تدبيره للأمور الأمنية والداخلية، وبحكم اقترابه الخاص من الملك الراحل الحسن الثاني في إطار ما يمكن نعته بالعلبة السوداء أو الغرفة المغلقة، إذ عمل على أن تبقى تلك الأسرار محصورة عليه دون سواه.
إن نظرية إدريس البصري في التدبير والتسيير كانت تقتضي ألا تعرف جهة ما يجري في جهة أخرى، وهذا النهج في تدبير الأمور استوحاه من نظرية استخباراتية عممها، بدءا بالداخلية ثم شملت العمالات والولايات والمؤسسات الحساسة، وكان إدريس البصري يبعد كل من رأى أنه غير مستعد للخضوع لهذا النهج بتكليفه بمهام شكلية أو بتعيينه خارج المغرب.
ظل هناك سؤال يشغل بال عدد كبير من المغاربة، وهو هل إدريس البصري مكن الجزائريين أو الإسبان من بعض أسرار الدولة عندما كان في أوج حربه الضروس مع بعض المقربين من الملك محمد السادس؟ يظل سؤالا من الصعب بمكان الجواب عليه، لكن طرحه يبقى مشروعا استنادا إلى ما قام به إدريس البصري من قبل من تهديدات بهذا الخصوص، فهل تكفي عداوة هذا المسؤول أو ذاك لتبرير خيانته أو لتكون مسوغا يدفع الشخص إلى تسليم أسرار دولة لجهة أجنبية؟
أكد البصري أكثر من مرة، أنه لا يتوفر على أي وثيقة وليس بحوزته أي مستند، وكل ما بحوزته من أسرار هي في دماغه ويمكنه استحضارها بدقة وبتفصيل وقتما أراد، وربما لهذا تركه القائمون على الأمور يقول ما يريد ويكرر خرجاته الإعلامية دون أي اكتراث لما يتفوه به، ولم يسبق لأية جهة رسمية أن قامت بالرد أو التعقيب عليه أو تكذيبه، لقد تركوه حتى يفرغ "المزيودة".
وفي هذا الصدد أكدت إحدى المصادر العالمة والعارفة بملف الوزير المخلوع، "سيأتي يوم ليجد البصري نفسه خاوي الوفاض، وإن هذا اليوم لقريب"، وكان هذا التصريح في غضون سنة 2005.
إن القائمين على الأمور سعوا دائما إلى تقديم إدريس البصري كمنبوذ وطفيلي وانتهازي، رمز لماض يمقته أغلب المغاربة.
بحكم موقعه وقربه من الملك الحسن الثاني، واعتبارا لطبيعة مهامه والملفات التي كانت تحت يده وبعض المهمات الخاصة جدا التي كلفه بها الملك الراحل الحسن الثاني، وانطلاقا من المعلومات التي حصل عليها على امتداد مشواره الطويل، تمكن من مركزة جملة من الأسرار، منها ما تعلق بالمغرب ومنها ما ارتبط بفرنسا.
وتظل الأسرار الأكثر إحراجا، والتي بحوزته هي المتعلقة ببعض فترات حكم الملك الراحل الحسن الثاني وبعض القضايا المرتبطة بدول أجنبية وشخصيات وازنة منها، ويمكن تصنيفها إجمالا كالتالي:
· أسرار متعلقة بشخصيات وازنة لازالت حاضرة في دوائر صناعة القرار حتى الآن.
· ملف الصحراء والتعاطي مع القضية.
· فترات خاصة في عهد الملك الحسن الثاني.
· ملف المخدرات وتهريب الأموال إلى الخارج.
· أسرار متعلقة بالثروة الملكية.
قليلة هي الأسرار التي تم كشفها بخصوص الوزير المخلوع، البوليسي الأول في المملكة على امتداد أكثر من ثلاثة عقود، لأنه كان حذرا جدا، ولأن حب السلطة استولى على كل عواطفه، كان حريصا أشد الحرص حتى لا يمنح أية فرصة لخصومه، وقد ازداد اطمئنان إدريس البصري بعد خلعه عندما أيقن حق اليقين أنه لا يمكن أن يكون موضوع المساءلة والمحاسبة، ولا يمكن متابعته مهما كانت المعلومات المحصل عليها أو تصريحات من قدموا إلى المحاكمة من رجاله، بل حتى بخصوص ابنه هشام، رغم ضلوعه في جملة من الملفات المعروضة على القضاء الآن، إذ يبدو أنه لن يحاكم، لأن والده سلم له جملة من الأسرار لضمان عدم متابعته ومساءلته، وربما كان هذا ما يفسر عدم استصدار متابعة دولية في حقه لإحضاره للمغرب قصد المساءلة بخصوص ملف السليماني والعفورة ومن معهما، وملفات أخرى لازالت موضوعة على الرفوف.
طبعا هناك أسرار وجب أن تبقى حكرا على القائمين على الأمور، الملك والدائرة القريبة منه والوزير الأول والحكومة والقضاء وبعض أعضاء البرلمان والمؤسسات العسكرية والاستخباراتية والأمنية، وهي أسرار يتوفر إدريس البصري على جزء كبير منها وتخص عهد الملك الراحل الحسن الثاني، علما أن التهويل والمبالغة كانا سائدين بهذا الخصوص.
فمصطلح أسرار الدولة عندنا لا زال فضفاضا، وأية معلومة تهم القصر أو الثروات، حتى الطبيعية منها يمكن اعتبارها سرا من أسرار الدولة، ولعل ما حدث مؤخرا للدركي الذي أعلن عن اكتشافه للبترول بالمغرب غني عن التعريف.
فحتى أخطاء المسؤولين أو توقعات بتغييرات في قضايا وملفات كبرى قد تتخذ صفة أسرار الدولة عندنا، إذ كانت، ولازالت أحيانا، أسرار الدولة مثل الخطوط الحمراء أو المقدسات القابلة للتأويل في جميع الاتجاهات وحسب مزاج القائمين على الأمور.
إن عبارة "أسرار الدولة" أو "أسرار الدولة العليا"، قد تتسع لتشمل كل ما من شأنه التأثير على أمن الدولة ومصالحها، بما في ذلك بعض الأخبار السياسية، حيث يبقى الأمر مرهونا بتقييم القائمين على الأمور وموقع المهتم بكشفها والغاية من وراء ذلك.
إن مما جعل رجلا، مثل إدريس البصري، تظل بحوزته عدة أسرار من شأنها إحراج القائمين على الأمور والدولة، سيادة حجب المعلومات عن الشعب، وهو ما قاد الأنظمة عبر التاريخ، شيئا فشيئا، إلى خانة الدكتاتورية والإنعزال الجماهيري، كما كان عليه الأمر عندنا بالأمس القريب.
وقد بدأ يتبين في عهد الملك محمد السادس أن الانفتاح وتضييق رقعة المنع والحجب واعتماد المكاشفة يخدم المسار نحو الانتقال الديمقراطي، بالرغم من جملة نغمات نشاز كانت تحدث من حين لآخر، هذا باعتبار أن هناك معادلة دقيقة جدا يجب على الديمقراطيين والراغبين في انتصار الديمقراطية بالمغرب أن يحرصوا على الاهتداء بها، وهي أن الانفتاح على الشعب ومكاشفته لا يلغي أن تكون للنظام أسراره، لكن هذه الأسرار وجب أن تكون خاصة جدا وفي أضيق الحدود. علما أن لكل وزارة ومؤسسة عندنا أسرارها الخصوصية، لو اطلع المغاربة عليها لانفجروا غيضا وكمدا، وربما لهذا السبب عمل القائمون على الأمور على العمل بالقاعدة التي يقول بها السياسيون وعلماء النفس، والتي مفادها تجنيب أوسع الجماهير من الاضطلاع على الأسرار، لاسيما تلك المرتبطة باستشراء الفساد، لعدم تعريضهم لصدمات نفسية قد تؤثر على ديمومة الحيوية والنشاط في خدمة الوطن، لذلك ظل المسؤولون الكبار يجتهدون في عهد الملك محمد السادس على حجب جملة من الحقائق واعتبارها أسرارا لا يحق كشفها رغم أنها لا ترقى لتكون أسرار دولة وفق التعريف المتعارف عليه.
خلال فترة من الفترات ظهر أن فرنسا تخشى ما يحمله إدريس البصري بخصوصها من أسرار بمناسبة إثارة وضعيته غير القانونية وافتقاره لوثائق بالديار الفرنسية، إذ أخبرت باريس الرباط، أنها على استعداد لتمكين الوزير المخلوع من الوثائق الضرورية لشرعنة وجوده على التراب الفرنسي حتى لا يفكر في إحراج جملة من الشخصيات الفرنسية.
وهذا ما أكده أكثر من مصدر فرنسي، إضافة إلى أن فرنسا كانت في وضع حرج حينما حل بها إدريس البصري لتلقي العلاج، ولم يكن بمقدروها رفض ذلك حرصا على أسرار العلاقات بين البلدين، وفي ذات الوقت لم تكن ترغب في كهربة جو العلاقات بين باريس والرباط.
الالتفاتة الملكية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.