المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقالب وطرائف الملك الراحل الحسن الثاني
نشر في هسبريس يوم 28 - 03 - 2007


"وخا نبغي ندفنو عندي.. أرض المغرب غادي ترفضو"
ظل الملك الحسن الثاني يرفض عودة محمد بن عرفة إلى المغرب رغم استعطافه ورغم محاولة تفسير أنه قبل أن يكون سلطانا مفبركا سنة 1953، لتفويت الفرصة على الحماية الفرنسية التي كان أقطابها يسعون إلى إقامة نظام جمهوري بالمغرب مكان النظام الملكي، كما رفض الملك الحسن الثاني استقرار ابن عرفة البكر بالمغرب، لكنه خلافا لذلك، سمح لبنات بن عرفة بالبقاء بالبلاد والقصر الملكي، وقد قيل إن الملك محمد الخامس كان على وشك العفو على محمد بن عرفة غير أن المنية وافته قبل القيام بذلك.
لما توفي بن عرفة في صيف 1976 رفض الملك الحسن الثاني دفنه بالمغرب، حيث قال لمن توسطوا له في الأمر: "وخا نبغي أنا، أرض المغرب غادي ترفضو"، وبذلك تم دفنه بالديار الفرنسية.
وبعد مرور مدة، وبفعل إلحاح كبير، وبفضل أكثر من وساطة، قبل الملك الحسن الثاني في غضون الثمانينيات نقل رفاة محمد بن عرفة إلى مدينة فاس، إذ دفن في قبر مجهول لا يحمل أي لقب، وقد تكلف الوزير المخلوع، إدريس البصري، بإجراءات النقل والدفن في سرية تامة.
سجائر الحسن الثاني
بعد أن حظي بشرف مقابلة الملك الحسن الثاني وتقديم إنتاجه الفني في حضرته، لاحظ أحد الفنانين الموصومين بقدر من الغرور، أن الملك يدخن سيجارة رقيقة جدا وذات طول غير عاد، وعلبتها فضية لا لون آخر بها، وعزم على تقليد الملك وتدخين نفس السجائر التي يدخنها.
حاول صاحبنا جاهدا، إلى حد الإجهاد، التعرف على "ماركة" ونوع السيجارة "الملكية" والاسم المثبت فوق العلبة الفضية لكنه لم يفلح في ذلك، وأعاد الكرة مرة أخرى ولم ينجح في مهمته، ثم التجأ إلى مكاتب بيع الدخان في الأحياء الراقية، وفي الفنادق المصنفة بالعاصمة، الرباط ولم يعثر عما يبحث عنه، ولم يجد علبة شبيهة أو قريبة الشبه من علبة سجائر الملك الحسن الثاني، ثم توجه إلى العاصمة الاقتصادية، الدار البيضاء، وبعدها عروسة الشمال، طنجة، وبحث وأعاد البحث ولم يتوصل إلى نتيجة، وذهب إلى مكتب شركة التبغ ووصف لأحد القائمين شكل السيجارة ووصف رائحتها وحجم علبتها ولم يفلح في بلوغ مراده، وكلف بعض أصدقائه ومعارفه بالبحث عن المراد خارج الحدود ولم يجن إلا الخيبة.
وبعد السؤال عن النازلة في وسط المقربين للملك والقصر الملكي كلما أتيحت له فرصة ولوج دار المخزن والاقتراب من الملك في بعض المناسبات والسهرات الخاصة، علم أن السجائر التي كان يدخنها الملك الراحل الحسن الثاني، هي سجائر خاصة وتصنع تحت الطلب، وأن الاسم المثبت على العلبة الفضية لا يشير إلى "ماركة" أو نوع السيجارة وإنما يشير إلى أنها خاصة بالملك، وبذلك استسلم للأمر الواقع وكف عن البحث الذي تطلب منه جهدا جهيدا.
"واش ها كذا بستي يد بن عرفة"
كانت عادة تقبيل يد الملك في عهد الملك الراحل الحسن الثاني حاضرة بقوة، وكان المقربون منه يجتهدون اجتهادا في طريقة وطقوس القيام بهذا الإجراء ويستعدون استعدادا للتألق والتميز عن الآخرين في ممارسته.
في السنوات الأولى من اعتلاء الملك الحسن الثاني عرش البلاد كان، كلما قام بعض المقربين والمسؤولين بتقبيل يده، كل بطريقته، يقول لكل واحد منهم مجرد إنهاء عملية التقبيل والانحناء: "واش ها كذا بستي يد محمد بن عرفة؟"، وقد قيل إن من بين الذين سبق أن كانوا معنيين بهذا السؤال، امحمد باحنيني وعبد الرحمان الخطيب وآخرون.
واش نديرو راسنا في لحمق؟
في سنة 1974 وجه الشيخ عبد السلام ياسين رسالة مفتوحة إلى الملك الراحل الحسن الثاني، وهي الرسالة المشهورة ب "الإسلام أم الطوفان"، بعد أن ابتعد عن الطريقة البودشيشية القادرية.
بعد إرسال كتابه إلى القصر الملكي أودع عبد السلام ياسين بمستشفى الأمراض العقلية، إذ وضع بإحدى الغرف الفردية المخصصة عادة للمرضى الميؤوس من حالاتهم، وعندما اشتد عليه المرض بصدره، نقل إلى إحدى المستشفيات لتلقي العلاج، آنذاك كان الملك الراحل الحسن الثاني يرغب في رؤيته لكن عبد السلام ياسين رفض هذا اللقاء، وما كان على المكلف بهذه القضية إلا أن يبحث عن مخرج حتى لا يحرج أمام الملك، إذ كيف يمكن أن يصارحه برفض عبد السلام ياسين مقابلته، ولذلك حاول أن يفسر للملك بأن حالة الشيخ لا تسمح له بمغادرة السرير، وإذا كان جلالته يرغب في رؤيته وجب انتظار تحسن صحته أو قبول رؤيته بالمستشفى،
وبمجرد أن أنهى المتحدث كلامه ظهرت علامات الغضب على الملك، فقال المكلف بهذه المهمة: ".. يا مولاي واش نديرو راسنا في لحمق".
"ديما زربانين.."
بعد أن اتفق الملك الحسن الثاني على قرار إجراء استفتاء بالصحراء تحت إشراف الأمم المتحدة، أصدر المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 1981، بيانا يعارض فيه إجراء الاستفتاء بالصحراء، إذ اعتبره قرارا ساذجا وطالب باستفتاء الشعب المغربي بهذا الخصوص. غضب الملك الحسن الثاني غضبا شديدا وأصدر أوامره بنفي أعضاء المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، وعلى رأسهم عبد الرحيم بوعبيد إلى ميسور، وهي بلدة نائية بالجنوب.
في اجتماع خاص بدراسة الاستعدادات الواجب اتخاذها لتهيىء شروط ضمان نتيجة الاستفتاء، الذي أضيفت إليه عبارة "التأكيدي"، وتلافيا لأية مفاجأة أو مناورة من طرف الخصوم، قال الملك الحسن الثاني في معرض حديثه: "هادوك الناس ديما زربانين.. من النهار لي عرفتهوم وهوما ديما زربانين.."، لم يفهم الذين سمعوا هذا الكلام في حينه، ولم يستوعبوا فحواه إلا بعد مدة، عندما بدأت الاستعدادات لإقامة مخيمات الوحدة بالأقاليم الصحراوية لاستقبال المغاربة من أصل صحراوي الوافدين من مختلف أنحاء المغرب إلى أرضهم الأصلية للمشاركة في الاستفتاء.
ملك الإجماع وملك الأغلبية
سبق للملك الراحل الحسن الثاني أن أوضح في بداية عهده أنه ملك الأغلبية وليس ملك الإجماع، ولهذه النازلة قصة دارت أطوارها في عهد الملك الراحل محمد الخامس.
كان الملك محمد الخامس يستعد يوما للخروج من القصر الملكي للتوجه إلى أداء صلاة الجمعة بالطريقة الرسمية التي كانت معتمدة آنذاك، إلا أنه قيل له إن هناك مظاهرة بجانب المسجد تضم أناسا يرفعون شعارات ليست في صالح الملك وجماعة أخرى تؤيده فقرر الملك محمد الخامس عدم الخروج وإلغاء مراسيم موكب الذهاب إلى المسجد.
هذه القصة رواها الملك الراحل الحسن الثاني بعد اعتلائه العرش في جلسة مع المقربين إليه عندما كان يوضح لهم الفرق بينه وبين والده في تدبير شؤون الحكم بالمغرب، إذ قال: "لو كنت مكان والدي لسألت عن عدد المعارضين وعد الموالين، فإن قيل لي أن 85 في المائة يقولون "يحيا الملك" وأن 15 في المائة يقولون "سقط الملك" فسأخرج بدون أي تردد..." وأضاف: "أنا لا يهمني أن يكون حولي الإجماع، فالإجماع لا يقع على أحد، أنا رجل يحكم بالديمقراطية، أي الأغلبية"، وإذا كان الملك الحسن الثاني يسعى للحكم بالأغلبية، فإن والده الملك محمد الخامس ظل يسعى للحكم بالإجماع.
وهذا الطرح يذكرنا بأطروحة القضاء على الثلث لإنقاذ الثلثين إن دعت الضرورة لذلك.
أكثر القمم العربية.. كانت بالمغرب
حطم المغرب الرقم القياسي بخصوص احتضان مؤتمرات القمم العربية والإسلامية.
لقد استضاف الملك الراحل الحسن الثاني سبع مؤتمرات قمة عربية وثلاث قمم إسلامية، وهو رقم قياسي لم تستطع أي دولة عربية أن تتحمل تكاليفها ومسؤولياتها.
احتضن المغرب مؤتمر القمة في الدار البيضاء ومؤتمر القمة في الرباط في الستينيات، ومؤتمر القمة في الرباط في السبعينيات، ومؤتمري القمة في فاس ومؤتمري القمة الطارئة في الدار البيضاء في الثمانينيات، حيث أضحى الملك الراحل الحسن الثاني مهندسا والمغرب قبلة ومقاما.
آنذاك وجد مستشاره أحمد بن سودة ضالته، فهو خبير بأمور العالم العربي، وتولى مهاما دقيقة بخصوص تليين مواقف الذين كانوا يمتنعون عن حضور القمة، ولعب دور صلة وصل بين المتخاصمين والمتنافرين، لاسيما وقد عرف عنه إتقانه لتسريب أخباره لمصادره الصحفية، كيف لا وهو صاحب عبارة اشتهرت آنذاك بين العرب، وهي "قمة عربية بمن يحضر".
الملك الحسن الثاني يجذب بنسودة إلى البلاط من قلب المعارضة
تمكن الملك الحسن الثاني بدهائه السياسي المشهود له أن يجذب أحمد بن سودة، العارف بأسرار الحقل السياسي المغربي، إلى البلاط من قلب المعارضة ليصبح مستشارا له.
والمعروف على أحمد بن سودة، خريج القرويين، أنه فضل الانحياز إلى جانب بلحسن الوازاني، خريج السربون (حزب الشورى والاستقلال) عوض البقاء بجانب علال الفاسي، خريج القرويين كذلك في حزب الاستقلال، لكنه في أواخر الخمسينيات انضم إلى المهدي بن بركة بعد أن قاد انقساما داخل حزب الاستقلال، وأصبح من قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
جذب الملك الحسن الثاني أحمد بن سودة إليه بتعيينه أولا سفيرا للمغرب ببيروت، خلفا لعبد الرحمان بادو الذي دخل في صراع قوي مع الصحف اللبنانية. توجه أحمد بن سودة إلى بيروت لتحسين العلاقة مع الصحافة في الستينيات.
ويقول القريبون من أحمد بن سودة، إنه هو الذي غير نظرة الملك بخصوص مجموعات ناس الغيوان وجيل جيلالة والمشاهب التي كانت في عينه ميالة للمد اليساري والثوري، وقد قيل إن أحمد بن سودة أكد للملك أن هذه مجموعات شابة امتهنت الفن ولا رقابة على الفن، وفعلا غير الملك رأيه في هذه المجموعات لاسيما عندما غنت مجموعة جيل جيلالة أغنية "العيون عينية والساقية الحمرا ليا والواد وادي يا سيدي".
وعلى امتداد عقد من الزمن، بدءا من أواخر السبعينيات، شكل أحمد بن سودة إلى جانب محمد عواد وأحمد رضا كديرة وعبد الهادي بوطالب رباعيا ذا نفوذ كبير في دائرة صناعة القرار وأقرب الأقربين للملك الحسن الثاني.
"بلغني فحوى الرسالة قبل خروج الصحفي من الغرفة المحصنة"
أمر استغرب له الكثير من المسؤولين الجزائريين، وعلى رأسهم الرئيس أحمد بن بلة، إذ أن الملك الحسن الثاني تمكن من الاضطلاع على فحوى رسالة موجهة إليه من الجزائر قبل إنهاء رقنها على الآلة الكاتبة وسرب الخبر إلى الصحافة الدولية.
وقد كشف عن هذا المقلب أحد الصحفيين الجزائريين الذي قال: ".. ذات مساء شتوي من شهر دسمبر سنة 1963، دعاني مدير وكالة الأنباء الجزائرية آنذاك (محمد بن مهل) وقال لي عليك الذهاب إلى مقر وزارة الشؤون الخارجية، فإن عملا عاجلا ينتظرك هناك وعليك القيام به على وجه السرعة. كان الوضع السياسي يغلي آنذاك في الجزائر وعلى صعيد المغرب العربي، وكانت الجزائر تخوض معركة سياسية خارجية حساسة بخصوص الفوز بدور الريادة بالمنطقة، آنذاك كان النزاع على الحدود بين الجارين، المغرب والجزائر، قد وصل أوجه، ويسترسل الصحفي الجزائري في حكايته.. في الطابق الثامن بمقر وزارة الخارجية الجزائرية أدخلوني إلى مكتب فارغ وجيء لي برسالة خطية واضحة الحروف مرفوقة بورق من النوع الرفيع لكي أرقنها بالآلة الكاتبة.
وقد كانت الرسالة صادرة عن الرئيس أحمد بن بلة إلى الملك الحسن الثاني وذات علاقة بحسن الجوار بين البلدين الجارين. آنذاك كانت لجنة خاصة قد شكلت في نطاق منظمة الوحدة الإفريقية الناشئة لفض النزاع الحدودي بين المغرب والجزائر.
بدأ الصحفي يرقن الرسالة، وبعد لحظات فوجئ بعبد العزيز بوتفليقة، وزير الشؤون الخارجية وقتئذ، يفتح باب المكتب بمفرده ويطل برأسه دون أن يلج الباب بكامل جسمه، وقال له مبتسما ما معناها "أنت أهل بهذه المهمة.. قم بها على أحسن وجه"، ثم انصرف واقفل الباب بطريقة محكمة".
بعد إنهاء عمله اقتيد الصحفي إلى الباب الخلفي لمقر وزارة الشؤون الخارجية مادام أن الأمر سري ولا يجب أن يعلم به أحد. لكن اندهش صاحبنا مما كان ينتظره بالخارج، خلف مبنى وزارة الشؤون الخارجية.. فما أن وضع قدمه خارج الباب الخلفي حتى انقض عليه صحفيون أجانب كانوا في انتظاره، كل واحد منهم يسأله عن مضمون الرسالة بمختلف اللغات، العربية والفرنسية والإنجليزية وحتى الروسية واليوغسلافية والصينية.. وتساءل الصحفي كيف تسرب إليهم هذا الأمر، ومن الذي سربه إليهم؟
وقد سبق للملك الحسن الثاني أن كشف لإحدى المقربين إليه أنه علم بفحوى الرسالة قبل رقنها على الآلة الكاتبة.
الشيوعيون.. بوصلتي
ظل الملك الحسن الثاني حريصا على التعددية الحزبية بأي ثمن، حتى ولو دعا الأمر لافتعال خلق أحزاب جديدة، ما دام قرر لفظ نظام الحزب الواحد، وبذلك قل نظير تجربة المغرب في العالم العربي وفي العالم الثالث.
وفي هذا الصدد سبق ل "ليوبولد سيدار سانغور" أن قال، إن الملك الحسن الثاني ظل يعتبر وجود الحزب الشيوعي بوصلة يقيس بها التعددية، وإن لم يكن الحزب الشيوعي بالمغرب لكان الملك قام بخلقه ودفع لتأسيسه من وراء التيار.
"لم أعد وليا للعهد، لقد أصبحت ملكا"
كان أحمد رضا كديرة قريبا جدا من الملك الحسن الثاني، وتجاوزت علاقتهما علاقة ملك بوزير أو مدير ديوان أو مستشار ملك، بل كانت علاقة خاصة قوتها أسرار خاصة لا يعلمها أحد، لذلك تقلد كديرة إدارة الديوان الملكي ووزارة الداخلية ووزارة الخارجية ووزارة الفلاحة ووزيرا للصناعة لبضعة أسابيع ومديرا عاما للمكتب الشريف للفوسفاط ورئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي لم يستمر عمره أكثر من يوم واحد، إنه كان قد نال ثقة وود الملك في آن واحد، ورغم أن أحمد رضا كديرة أتهم بالعمل لصالح فرنسا وبكونه عميلا لإسرائيل، ظلت علاقته بالملك قوية وأقرب المقربين إليه، وكان أحمد رضا كديرة يكاد يكون المغربي الوحيد الذي يصارح الملك الحسن الثاني بآرائه ويسدي له النصائح، إلا أن الملك أضحى يتضايق منه، وقد وصل إلى تنحيته وإبعاده عن القصر الملكي. وفي هذا الصدد سبق أن قال الملك الحسن الثاني بخصوص أحمد رضا كديرة إنه "يخطئ أحيانا وينسى أنني ملك البلاد ولم أعد وليا للعهد"، ولم يخل مشوار أحمد رضا كدير في قربه من الملك من التأنيب، فقد سبق للملك أن أنبه على ما اعتبره تجاوزات صدرت عنه.
"لا ماليف.. ما ينقط"
عندما أقر الملك الحسن الثاني بدعم الصحافة أثنى الجميع على هذه المبادرة الملكية، أحزابا ونقابة وجرائد لم تكن تابعة لأحزاب وليس وراءها شخصية سياسية معروفة.
غير أن هذا الدعم لم يشمل كل الجرائد والمجلات، وانحصر أصلا على الجرائد الحزبية وليس كلها.
وحسب أحد المقربين من القصر لم يغير الملك رأيه بهذا الخصوص إلا بعد جلسة خاصة مع شخصية فرنسية كانت آنذاك في زيارة خاصة للمغرب، إذ أكد هذا المصدر أن ضيف الملك قال مازحا: "صاحب الجلالة يقال إن مجلة "لاماليف" لم تستفد من الدعم لأنها معارضة على طول الخط، واسمها يدل عليها فيه "لا" وتقول دائما "لا""، ابتسم الملك ثم رد عليه قائلا: "في الأبجدية العربية هناك حروف لها نقط وأخرى لا نقط لها.. وعندما كنا صغارا تعلمنا القراءة في الكتاب، وكان يقال لنا، "الليف ما ينقط.. الباء نقطة وحدة من تحت.. إلخ، لذلك فإن "لاماليف" ما تنقط و"نعم" نقطة وحدة من فوق..".
"تبارك الله عليك.. الله يكثر من أمثالك"
أكد أحد المقربين من الطيار القباج ومساعده الكولونيل لوباريس وقتئذ، وهما اللذان أنقدا البوينغ 747 الملكية ببراعة فائقة رغم الأضرار الجسيمة التي لحقت بها، أنهما استحقا على إثر ما قاما به هبات ملكية سخية، وأنه بمجرد هبوط الطائرة على جانب مدرج مطار الرباطسلا قام الملك الراحل الحسن الثاني، قبل مغادرته الطائرة المتضررة، وتوجه إلى مقسورة القيادة ثم وقف بالقرب من كرسي الطيار وربت على كتفه قائلا له: "تبارك الله عليك.. الله يكثر من أمثالك"، وكان هذا الطيار هو القبطان القباج الذي حصل فيما بعد على رتبة جنرال.
آنذاك تأسف الملك على مستوى أحسن الطيارين المغاربة وقتئذ، إذ لم يستطيعوا إسقاط بوينغ مدنية رغم أنهم كانوا يمتطون ويقودون طائرات "ف 5" وكانت وقتئذ أحدث الطائرات الحربية في العالم.
"نسي الملك جريدة: بصائر"
عندما عاد الملك محمد الخامس من المنفى مظفرا إلى المغرب وإلى عرشه، مر بالعاصمة الفرنسية، وهناك استقبل وفدا من العمال الجزائريين المنتمين لجبهة التحرير، وألقى أحمد طالب الإبراهيمي كلمة باسم الوفد، عبر فيها عن تضامن الشعب الجزائري مع المغرب، واستحضر في سياق حديثه تاريخ جمعية العلماء الجزائريين، وقد هنأه الملك محمد الخامس، الذي أعجب بفصاحته وتمكنه من لغة الضاد، وبعد أن علم أنه نجل الشيخ البشير الإبراهيمي، أبدى الملك اعترافه وتنويهه بالمقالات التي كانت تنشرها جريدة البصائر الجزائرية، التي ساندت السلطان في أوقات الشدة، كما وجه الملك محمد الخامس آنذاك دعوة للشيخ الإبراهيمي، الذي كان يقيم وقتئذ بالقاهرة من أجل الاستقرار في المغرب.
وبعد سنوات ذكر أحمد طالب الإبراهيمي بتنويه الملك محمد الخامس بجريدة البصائر لانتقاد سكوت الملك الحسن الثاني عن دور تلك الجريدة من جهة، ومن جهة أخرى انتقد تنويه الملك بكل الفرنسيين الذين ساندوا والده، بينما دأب على اعتماد الصمت إزاء تضامن العالم الإسلامي مع المغرب وملكه، كما أعاب عليه الاستخفاف بحدث فاتح نوفمبر 1954 (اندلاع الثورة الجزائرية) وأثاره على السياسة الفرنسية في المغرب.
علما أن أحمد طالب الإبراهيمي كان من ضمن المكونات الجزائرية المسؤولة والمؤثرة في كل الملفات الساخنة التي نسفت طبيعة العلاقات بين الشعبين المغربي والجزائري.
"لا أطيق هذا الرجل"
من أشهر المشاهد التي ظلت عالقة بذهن جيل المقاومة والاستقلال صورة الباشا الكلاوي وهو ينحني لتقبيل قدمي السلطان محمد الخامس، معلنا توبته وراجيا العفو والصفح، وهو ما أنعم عليه به السلطان، وحسب مصدر كان مقربا من دار المخزن، في ذلك الوقت بالذات كانت نظرات الملك الحسن الثاني (ولي العهد آنذاك) تعبر بوضوح عن حقد واحتقار لباشا مراكش الكلاوي، حيث قال لأحد الشخصيات التي كانت بجانبه: "لا أطيق هذا الرجل".
وقد شبه أحد المؤلفين مشهد توبة الباشا الكلاوي بلوحات كبار الرسامين الغربيين في القرن التاسع عشر.
مال إلى التاريخ لكنه درس القانون
كان الملك الراحل الحسن الثاني يميل إلى دراسة التاريخ لكنه درس القانون وتألق فيه، وذلك بتوجيه فرضه والده الملك الراحل محمد الخامس الذي قال له: "إذا كنت ترغب في تحرير وتنمية بلدك، عليك بالتحصيل والعلم".
لكن عندما علم بميول ولي عهده إلى دراسة التاريخ أثناه عن ذلك قائلا: "ستجد من سيكتب لك التاريخ، كما ستجد من سيقوم بتشييد القناطر والسدود ومختلف الأشغال، لكن من أجل الدفاع عن الوطن بحرص واستمرارية فلن تجد إلا نفسك ومعرفتك بالقانون الدولي"، "هكذا أعدني والدي، طيب الله تراه، للنضال المستدام ليل نهار من أجل بلادي" يقول الملك الراحل الحسن الثاني.
من كوليج "دي روش" بفرنسا
إلى المعهد المولوي بالرباط
تأسس المعهد المولوي صدفة وبفضل الحرب، عندما بلغ الملك الراحل الحسن الثاني سن العاشرة، كان من المقرر أن يتابع دراسته ب "كوليج دي روش" (COLLEGE DES ROCHES) بالديار الفرنسية، إلا أن ظروف الحرب حالت دون ذلك، وكان والده آنذاك الملك محمد الخامس في فترة استجمام ب "فيلار دو لانس" (VILLARD – DE - LANS)، فقطع عطلته والتحق بعاصمة مملكته الرباط، وقرر أن الأمير مولاي الحسن سيتابع دراسته بالمغرب قريبا من القصر الملكي بالمشور بالرباط، وبذلك أمر الملك بإحداث المعهد المولوي الذي أصبح مخصصا للأمراء والأميرات.
ديبلوماسية مغربية تدافع عن الملك بالسب ""
بعد أن نشرت جريدة "عرب تايمز"، التي تصدر بالعربية بالولايات المتحدة الأمريكية، رسالة مفتوحة للملك الحسن الثاني بقلم أحد المعارضين، اتصلت سيدة مغربية بالجريدة المذكورة وأمطرت طاقمها سبا مستعملة بعض الألفاظ النابية، وبعد التنقيب انطلاقا من الرقم الهاتفي الذي اتصلت منه تلك السيدة تبين أنها ديبلوماسية مغربية معروفة بواشنطن.
وحسب القائمين على جريدة "عرب تايمز"، إن الذي فجر قريحة هذه الديبولماسية إشارة الجريدة لما سبق وأن نشرته إحدى الصحف الروسية، كون الملك الحسن الثاني كان صديقا لإسرائيل وإنها هي الدولة الوحيدة التي أصدرت طابعا بريديا تذكاريا لتكريمه بعد موته، علما أن الدولة العبرية تخصص طوابع تكريمية لقادتها فقط، كما أنها أنشأت عدة حدائق في عدد من المدن الإسرائيلية تحمل اسم "حديقة الملك الحسن الثاني".
أول سر دولة
في بداية 1943 التقى روزفلت وتشيرشل بالمغرب للتخطيط لعالم المستقبل. ويوم 22 يناير من هذه السنة أقام الرئيس الأمريكي حفل عشاء بأنفا حضره الملك محمد الخامس وولي عهده (الملك الحسن الثاني) والجنرال محمد أوفقير والجنرال نوكيس (المقيم العام الفرنسي)، وكان الوزير الأول البريطاني مدعوا كذلك، لكن بدت عليه علامات عدم الرضا لأن وجبة العشاء لم تكن تتضمن نبيدا ولا مشروبات كحولية.
بعد وجبة العشاء غادر الجنرال نوكيس المكان وتطرق الباقون لمستقبل العالم والمغرب، وخرج الملك الحسن الثاني بشيئين بالغي الأهمية وقتئذ، الولايات المتحدة الأمريكية ستكون عملاق العالم وسوف تساند استقلال المغرب، وكان هذا هو أول سر دولة تعرف عليه الملك الحسن الثاني (ولي العهد آنذاك).
وفي غضون سنة 1944، عندما كانت تندلع المظاهرات للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين من أقطاب الحركة الوطنية، كان الملك الحسن الثاني ورفاقه بالمعهد المولوي يتسلقون الجدار لمتابعة المتظاهرين وهم يرددون الشعارات، في تلك اللحظة صرح الملك لأحد الصحفيين الأمريكيين قائلا: "أنا على يقين الآن أن المغرب سيسترجع حريته بعد عشر سنوات وسنتخلص من الاستعمار".
قضية ملك الأردن
خلال إحدى الجلسات الخاصة، درا حديث ساخن بين الملك الراحل الحسن الثاني وبعض ضيوفه حول فحوى ما كانت قد نشرته جريدة "واشنطن بوست" الأمريكية بخصوص علاقات كل من الملك حسين (عاهل الأردن آنذاك) والشيخ زياد والسلطان قابوس مع المخابرات البريطانية، فقال الملك ما معناه إن من نقط ضعف العرب العضوية أنهم مازالوا لم يفهموا بعد مقالب الغرب ليبلوروا مقالب مضادة للتصدي إليها، كما أنهم مازالوا لم يعوا بعد أن تصريف قواعد ومقتضيات القانون الدولي والعلاقات الدولية اعتمدت منذ بروز الحرب الباردة، أولا وقبل كل شيء على المقالب، ومن في استطاعته فهم هذه المقالب تمكن من المساهمة في اللعبة.
وكانت مناسبة هذا الحديث هو نشر جريدة "واشنطن بوست" بعض التفاصيل الخاصة بتعامل الملك حسين بن طلال مع المخابرات البريطانية استنادا إلى تصريح منسوب للرئيس الأمريكي السابق، جيمي كارتر، والذي قال إن الملك حسين كان على علاقة عمل بجهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية مقابل مرتب سنوي يناهز مليون دولار (10 ملايين درهم)، ودامت علاقته مع المخابرات الأمريكية أكثر من عقد من الزمن إلى أن قرر الرئيس الأمريكي وقف صرف مخصصاته بعد أن علم بالأمر، وانكشف أن لقب "مستر نوبيف" الوارد في وثائق المخابرات المركزية الأمريكية كان هو لقب "الكود" للملك حسين.
وبعد انكشاف النازلة سارع عاهل الأردن إلى التكذيب والإنكار، ثم ما لبث أن تناسل الكشف عن جملة من المعطيات تفيد أن المخابرات البريطانية لعبت دورا حيويا في إيصال الملك حسين إلى الحكم بعد إسقاط والده طلال باعتماد تخريجة فقدانه لملكته العقلية التي تمنعه من الاستمرار في سدة الحكم، وبموازاة مع ذلك تبين أن المليون دولار نفق على تأمين الحراسة الخاصة لأبناء الملك حسين الذين كانوا يدرسون بالديار الأمريكية، في حين أقرت "واشنطن بوست" أنها أنفقت في اقتناء سيارات خاصة ويخوت وقصور، ومنها أملاك ظلت موضوع نزاع وخلاف بين زوجتيه، الأمريكية والإنجليزية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.