بعث لي أحد الأصدقاء برابط بدت في غلافه صورة المفكر عبد الله العروي … سارعت إلى فتحه للاطلاع على فحواه… مع الصور الأولى اتضح أن الأمر يعود إلى برنامج في الواجهة» الذي كانت قناة دوزيم تقدمه وتنشطه الصحافية مليكة ملاك…. صحافي ومفكر بدأ التسجيل بتدخل لمحمد الكعص، أحد الوجوه الأليفة في اليسار المغربي… بهدوء عرض إشكالية وجه مضمونها إلى عبد الله العروي لإبداء الرأي… ومما قاله مدير تحرير جريدة «ليبراسيون». …. هناك تلاميذ يغشون في الامتحان ويعتبرون ذلك حقا، ومنقطعون عن الدراسة في السلك الثانوي يطالبون بالوظيفة في أسلاك الدولة ويعتبرون ذلك حقا هناك، من يشتغلون في النشر يعتبرون الإشاعة والقذف والإثارة حقا…» تحدث بعد ذلك عن البرلمانيين ورجال الأعمال وغيرهم وأضاف… «هناك من يتطاول عن الدين والثقافة والفن والإبداع ويعتبرون ذلك حقا… والسؤال؟ أين هي السلطة وماذا حدث لها؟ لا أقصد سلطة الشيخ والقائد ولكن سلطة العقل والقانون والقضاء والتربية… أي القواعد الضرورية ليعيش الإنسان في ظل الحرية المسؤولة». سارع العروي للتعبير عن موافقته عما جاء في التحليل ولكنه أضاف بالقول… «إن المسألة ليست مسألة التعليم أو الثقافة ولكن مسألة الدولة التي عليها تعميم التربية الوطنية في المدارس الابتدائية تنبني على مفهوم الدولة والاقتصاد.. وربما هذا النقص هو الذي دعا إلى الاستنجاد بحكومة التناوب». الملك والحوار كان هذا الحوار في السنوات الأولى للحكومة التي ترأسها عبد الرحمن اليوسفي، وكان الاتحاد الاشتراكي عمودها الفقري، وكانت «دوزيم» قبل ذلك قد فتحت أبوابها ونوافذها لمعالجة القضايا الأساسية في حياة المجتمع المغربي واستدعت زمرة من رجال الفكر والمعرفة والثقافة والسياسة…. وأذكر أن بعض حلقات البرامج الحواري كان يُحرج وزير الداخلية والاتصال، ويعتبر بعض الضيوف وحتى بعد المدعوين الذين يؤثتون المشهد بأنهم من المتآمرين على سلامة الدولة واستقرار البلاد… لكنه لم يستطع التدخل في اختيارات دوزيم لأن الحسن الثاني منعه من ذلك… بل يمكنني اليوم التأكيد على أن الملك كان يتابع البرنامج ويعلق على بعض ما أثير فيه… بل كان يكتشف وجوها وشخصيات من المعارضة تتمتع بكثير من الهدوء والحكمة والرغبة في معالجة المشاكل. أذكر أنه عين خالد الناصري مديرا للمدرسة الإدارية العليا وخاطبه بالقول بأنه لا يعرفه ولكنه تابع تدخلا له في القناة الثانية فاكتشف فيه الكفاءة والنزاهة لذلك اختاره ليتولى تكوين الأجيال الإدارية التي ستتحمل المسؤولية في أسلاك الدولة. حق المرأة عاد الكحص ليطرح سؤالا حول وضعية المرأة ولاحظ أننا نرى المجتمع يتراجع ويتردد ونخبه تنبطح… وسأل العروي… كيف ترى هذه المناهضة الهستيرية من طرف البعض؟». ذكر العروي بمواقفه في هذا المجال وأكد… على كل هيئة حزبية أن تعتبر أن السياسة هي ميدان المصالح وليست ميدانا للعقائد… وإلا فنحن خارجون عن الديمقراطية والحداثة… إذن النقاش يتم في السياسة أي المصالح وليس في العقائد. إن قضية المرأة هي قضية مصلحة وليست قضية عقيدة…. وأضاف….. اعتبر أن الحكومة القائمة على المصالح يجب عليها من هذا الجانب أن تنظر في قضية المرأة وتترك جانب القيم والعقائد.. فالزواج كعقد البيع هو تكافأ وتساكن…. وتوقف الشريط القصير وخلال تتبعي له لاحظت ضمن المدعوين عددا من الأصدقاء رحل عنا بعضهم واختفى البعض أو غير مساره. وهذه سنة الحياة. وهنا لابد من إضافة شيء مهم وهو أن القناة التلفزية الأولى أبرعت هي الأخرى، في برنامج شد الانتباه وتابعه الملايين وكان يسهر على تقديمه مصطفى العلوي… كانت التلفزة المغربية في قمة عطائها تحاور بدون ستار الشخصيات الفاعلة في أهم ميادين الحياة الوطنية. والسؤال أين هي القناتان التلفزيتان؟ لماذا لا تفتح نقاشا حول الملفات الكبرى وتستضيف شخصيات لديها الاختصاص ويتم النقاش في جو من الهدوء والصراحة …. وبذلك يمكننا أن نصحح بعض الأخبار الكاذبة التي تنقلها وسائط الاتصال الاجتماعي والتي تهيمن على العقليات في المجتمع …. قصة حزينة دعوني أقص عليكم ما وصلني… قال شخص لصديقه متى ستتزوج فأجابه سأبحث عن زوجة لها أولاد ومنزل على أن تكون مطلقة يتكفل زوجها بالنفقة لصالحها… إذاك ستكون لي زوجة وأولاد وبيت بدون مصاريف وسأعيش سعيدا على حساب الزوج الأول لزوجتي… هذا كلام شائع بل أكثر من ذلك هناك اليوم عدد من المؤثرين نسجوا حكايات مضحكة حول المدونة بل هناك بعض الأشخاص سارعوا إلى القول بأن الرجال سيرفضون الزواج وباب العنوسة سيفتح على مصراعيه وأن المرأة ستضطر إلى دفع مهر للرجل كي يتزوجها. فهلا تذكرت القناتان وكذا الإذاعات تلك الفترة الإعلامية المزدهرة لفتح نقاش حول موضوع المرأة والمدونة والإضراب والجهوية والجفاف وتحلية الماء وآثار زلزال الحوز وتداعياته، ووضعية الصحافة والصحافيين، وظاهرة وسائط التواصل الاجتماعي والأخبار الكاذبة وتدني الأخلاق ووضعية الأحزاب السياسية ومواقفها ومشاكلها … وغير هذا من المواضيع… أمواج عاتية علينا أن نرفع المستوى وأن نقوم بعملية إنقاذ لأجيال تائهة مضطربة وبدون بوصلة… المدارس تقذف سنويا بمئات الآلاف من الشباب هم اليوم بدون عمل ودون أفق، يكونون قوة بشرية يمكن استغلالها لضرب الاستقرار… وهناك مئات الآلاف من خريجي الجامعات هم كذلك استنفذوا كل الطرق والأساليب للحصول على عمل وهم بدورهم قوة بشرية تشعر بالحرمان والإهمال… هؤلاء ضحايا لمؤثرين بسطاء الأخبار كاذبة وإشاعات مغرضة ولابد لهم من تلقيح لحمايتهم من أعراض الأمراض وفترات هيجان… إن ما يعيشه المجتمع يحتم ضرورة الحوار والاجتهاد وابتكار أساليب جديدة لطمأنة النفوس وتحسين الأوضاع الاجتماعية… وفتح أبواب الأمل…. أنا غير يائس ولا متشائم بل راغب في تحريك المياه الراكدة عوض مواجهة الأمواج العاتية. الصديق معنينو