"" هكذا انطلق البحث؟ بعد الانفجار، سقط الانتحاري الناجي في قبضة الأمن، وبعد علاج أولي بدأ الاستنطاق.. تلته سلسلة من الاعتقالات ثم تفكيك خليتين بالبيضاءوسلا فدخول مرحلة جديدة من الاعتقالات، وبدأ الاستنطاق مع 130 شخصا استفادوا من العفو الملكي.. وكانت أولى النتائج اكتشاف غرفة المنزل التي كان يقطنها الانتحاريان واثنان آخران من مرافقيهما، وهي نفس الغرفة التي كان يتردد عليها أحيانا سعد الحسيني الذي ألقي عليه القبض مدة قصير قبل حدوث انفجار 11 مارس 2007.. قبل مغادرتهم الغرفة يوم الأحد فخخوها، ولو حدث أن فتح بابها أحد لانفجرت، ويبدو أنها لغمت بنفس الطريقة التي لغم بها منزل مدريد الذي انفجر حالما اقتحمه رجال الأمن، وذلك باستعمال الغاز والديناميت، حيث تم العثور على كميات كبيرة من المتفجرات والمواد المستعملة لتصنيعها، وقبل هذا تمكنت السلطات الأمنية من تفكيك خلية تطوان وخلية سلا وتبين أن بعض عناصرها كانوا على ارتباط بتنظيم القاعدة والجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، والجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية. قبل هذا اعتقل سعد الحسيني بمقهى للانترنيت وهو الملقب بالسبتاوي الذي علم رجال الأمن أنه صانع العبوات الناسفة المستعملة في تفجيرات 16 ماي 2003 بالدارالبيضاء، وهو أيضا القائد العسكري للجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية، وكل القرائن تشير أنه هو القائم على الشبكة التي ضمت عبد الفتاح الرايضي ويوسف الخدري. الجو العام طرأ حادث سيدي مومن في سياق أمني مطبوع بشبه حالة طوارئ فرضتها السلطات الأمنية بعد تهديدات رؤوس القاعدة، وبعد نشر صور المبحوث عنهم وتحذيرات بخصوص احتمال وقوع هجمات إرهابية بعد الإقرار بأن المغرب أضحى مستهدفا أكثر من أي وقت مضى ، وقع تفجير مقهى الانترنيت في وقت كانت فيه السلطات الأمنية في حالة تأهب منذ وقوع سلسلة الانفجارات بالجزائر في غضون شهر فبراير من هذه السنة، وذلك خوفا من تسلل مقاتلين من التراب الجزائري إلى المغرب، خاصة بعد إعلان الجماعة السلفية للدعوة والقتال عن تحولها إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. بعد انفجار 11 مارس بعد الانفجار صمتت الصحافة المحسوبة على الإسلاميين وبادر معتقلو السلفية الجهادية للتنديد بما جرى، إذ اعتبروه عملا طائشا يفتقر إلى الشرعية والموضوعية، كما أعلنوا بوضوح عن براءتهم منه، لكن مع تسجيل أنه نتيجة للمقاربة الأمنية مع التركيز على أن تنديدهم، بمثل هذه الأعمال نابع عن قناعة راسخة ولا علاقة لوطأة الاعتقال والظلم الواقع عليهم في ذلك بشيء. أول درس وجب استخلاصه أول درس وجب استخلاصه من حادث 11 مارس، هو بداية ظهور فئة من الهواة في الأعمال التخريبية بمقدورهم الاعتماد على أنفسهم، وبتمويل محدود وفي المتناول، لإلحاق أضرار بالغة بالبلاد والعباد، وذلك دون حاجة لقيادة مهيكلة وتواصل دائم، وبدون حاجة لخبرة أو دراية خاصة أو تدريب. مشتل الانتحاريين هناك أماكن بالدارالبيضاء وغيرها أصبحت مشتلا لاستنبات الانتحاريين، إن فضاءات مثل كاريان طوما والسكويلة وغيرهما، حيث أن الأول أنتج 9 انتحاريين والثاني 4 انتحاريين، وما عبد الفتاح الرايضي ويوسف الخدري سوى منحدرين من فضاءات التهميش والإقصاء هاته، والتي تشكل مساحة تفوق 47 كلم مربع تحتضن أكثر من 300 ألف نسمة، بدون حدائق، وبدون مرافق طبية، وبدون دور الشباب.. ظلت حالة هؤلاء على ما هي عليه رغم كثرة الحديث عن برنامج مدن بدون صفيح ورغم الإقرار أن نسبة النمو السكاني بها تعتبر أكبر نسبة على الصعيد الوطني (7.8 في المائة).. وللذكرى، هذا الفضاء كان معقل 13 انتحاريا ممن نفذوا هجمات 16 ماي 2003. من هذه الفضاءات انبثقت العبوات الآدمية أغلب المعطيات المتوفرة تفيد أن سعيد الحسيني هو الذي كان يتحكم في الشبكة التي ضمت كل من عبد الفتاح الرايضي ورفاقه، وخليته لم تكن تمثل إلا إحدى حلقات هذه الشبكة التي اعتمدت العمليات الانتحارية (تفجير الذات) كسلاح. ويبدو أن العمليات الانتحارية عندنا سلاح فتاك أصبح بحوزة العديد من الإرهابيين، فهو سلاح أصبح سهل التحضير وسهل التنقل، ونجاحه مشروط بموت حامله، ورغم ذلك تطور وبدأ ينتشر بعد ربطه بالسلوك "الاستشهادي"، لاسيما وأنه غدا معلوما الآن، وفي حالة المغرب كل الانتحاريين منحدرون من بيئة معدومة، وتكبر الخطورة أكثر بفعل أن كلفة هذا السلاح أصبحت زهيدة الآن مقارنة مع الأسلحة الأخرى إذا اعتبرنا أن الانتحاري يسترخص حياته إلى حد عدم إعطائها أية قيمة، وقد أظهر انفجار سيدي مومن الأخير أن العمليات الانتحارية تحولت إلى تقنية إرهابية على درجة رهيبة من الابتذال، وهذا ما بينته شروط الإعداد المرتبطة بانفجار مقهى الانترنيت. القاعدة بالمغرب.. بشمال إفريقيا والقيادة العسكرية الأمريكية يبدو أن علاقة شمال إفريقيا مع تنظيم القاعدة أضحى يمر عبر تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي الذي يضم حاليا جملة من التنظيمات من المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، كما تأكد أن قيادة القاعدة الإقليمية هي الآن تحت إمرة الجزائريين، لاسيما الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية سابقا. وحسب جملة من تصريحات بعض أعضاء تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وبعض التقارير المخابراتية، يبدو إلى حد الآن أن أبرز شخصية مرتبطة بهذا التنظيم يدعى أبو البراء، ويعتقد أنه ينحدر من مدينة طنجة، وقد سبق لتنظيم القاعدة أن أعلن أنه تم اختيار أبو البراء هذا في مجلس شورى من تنظيم القاعدة الذي كان يضم 16 عضوا، ووفقا للمعلومات المتوفرة إلى حد الآن يتشكل تنظيم القاعدة في المغرب العربي من ثلاث مجموعات: الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية والجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة والجماعة المغربية الإسلامية المقاتلة، وقد سبق للسلطات الأمنية المغربية أن أعلنت عن بحثها على جملة من الأشخاص من بينهم عزيز الشكاني وعبد العزيز الشايري، ويعتقد أن هذين الشخصين اضطلعا بالقيام بمهمة التنسيق بين الخلايا المغربية وتنظيم القاعدة. وصرح قاضي شؤون الإرهاب الفرنسي "جون لوي بروغيير" أن هناك شبكة بشمال إفريقيا لها ارتباطات وثيقة بتنظيم القاعدة، وهي الآن في طور التقعيد لتشكل قيادة إقليمية للقاعدة بالمنطقة ضمن رؤية اعتماد اللامركزية والاعتماد على الذات، منذ اضطرار القاعدة إلى الخروج من أفغانستان، وقد برز اهتمامها بشمال إفريقيا منذ مدة، وهي الآن بصدد توطيد العلاقات بين مكوناتها على امتداد رقعة المغرب العربي، وقد شرعت في هذا العمل منذ سنة 2004، مما أقلق أوروبا كثيرا، لاسيما فرنسا وإسبانيا. لقد تأكد، بما فيه الكفاية ، علاقة جملة من المغاربة بتنظيم القاعدة، وذلك قبل تفجيرات 16 ماي 2003، كما كشفت تصريحات من هنا وهناك أن أسامة بن لادن كان وراء تمويل هجمات الدارالبيضاء الأولى، كما تمت إزاحة الستار على جملة من المعطيات تفيد بوجود ارتباط بين تلك الأحداث وتفجيرات مدريد، علما أن السلطات الإسبانية وجهت تهما إلى 14 مغربيا من ضمن 18 متهما، وذلك منذ الوهلة الأولى، وسبق أن قيل إن أبا مصعب الزرقاوي هو الذي دبر لقاء جملة من المغاربة مع بن لادن وأيمن الظواهري منذ 2002. قبل انفجار مقهى الانترنيت في شارع الأدارسة بحي سيدي مومن، ظهر أن تنظيم القاعدة شرع في تفعيل تحركاته بمنطقة شمال إفريقيا، فقد بدا بجلاء أن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي صعد من هجماته على قوات الأمن والأجانب العاملين في جملة من الأوراش والمشاريع الاقتصادية بالمناطق الداخلية بالجزائر، كما تأكد هذا الأمر بوضوح مع مقتل أحد عشر شخصا في ظرف ثلاثة أيام، وبدت درجة التصعيد عندما صرح وزير الخارجية الجزائري في بداية شهر مارس الجاري قائلا إن الجزائر لن تقبل بقواعد أجنبية فوق أراضيها مهما كانت المبررات، قاصدا بكلامه هذا القواعد الأمريكيةالجديدة التي تنوي واشنطن إنشاءها في القارة السمراء تكريسا لاستراتيجية الحرب الشاملة على الإرهاب. وأكدت تقارير مخابراتية وجود معسكرات تدريب يتحكم فيها تنظيم القاعدة شمال نواكشوط بموريتانينا وبمالي والتشاد وبالجزائر، وهناك تخطيط لإحداث معسكر بمنطقة الصحراء. ويبدو أن تنظيم القاعدة يسعى إلى تحقيق استباق بالقارة السمراء (إما جنوب الصحراء أو بشمال إفريقيا) كسبيل من سبل التصدي للخطة الأمريكية، وذلك منذ أن أعلن البيت الأبيض عن خطة إنشاء قيادة عسكرية موحدة لإفريقيا قبل نهاية سنة 2008. ولا محالة أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ستسعى لوضع أقدامها بقوة بالمنطقة على اعتبار أن إفريقيا أضحت تكتسي أهمية استراتيجية في عيون واشنطن بفعل الإنتاج المتصاعد من موارد النفط الإفريقي الذي بات يحتل 15 في المائة من واردات أمريكا من البترول، ومن المنتظر أن يصبح النفط الإفريقي الداعم الرئيسي للاقتصاد الأمريكي على غرار ما يمثله حاليا بترول الشرق الأوسط، وهذا اعتبار أول. أما الاعتبار الثاني هو مكافحة الإرهاب، إذ أن البيت الأبيض يعتبر إفريقيا محورا مهما في حربه الكونية على الإرهاب. ما هو موقع الجزائر؟ أضحت الأحداث التي مازالت الجزائر مسرحا لها مصدر قلق كبير بالنسبة للمغرب، فلم يخف أحد المسؤولين الأمنيين الكبار، تشبثه بعدم كشف هويته ومهامه، تخوفه الكبير من حدوث أعمال شغب ذات طابع إرهابي على امتداد الحدود المغربية الجزائرية، لاسيما وأن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي حاليا يسعى جاهدا إلى ربط علاقات بالخلايا المتواجدة بالغرب لدمجها. وأفادت مصادر أمنية أخرى أن السلطات الأمنية والمخابراتية مازالت بصدد البحث عن عناصر تسربت إلى المغرب قادمة من الجزائر، معروفة بارتباطها بتنظيم القاعدة. فأين تكمن الخطورة الآن؟ في المرحلة الحالية تكمن الخطورة في كون تنظيم القاعدة يستغل الأوضاع بالجزائر لتقعيد تواجده المنظم وتفعيل نهج الاعتماد على الذات في نطاق منطقة شمال إفريقيا، لاسيما وأنه يبدو الآن أن المعضلة الأمنية الجزائرية تجاوزت الصراع الثنائي بين مسلحين إسلاميين يريدون الإطاحة بنظام ينعتونه بالكافر لتعويضه بدولة إسلامية، ولم يعد الآن العنف السائد بالجزائر عنفا أصوليا كما هو الحال في التسعينيات، وإنما أضحى عنفا منظما في إطار تصور ورؤية وهيكلة تنظيمية، متمثلة في "القاعدة"، ولعل الهدف المرحلي الذي تسعى "القاعدة" لتحقيقه بشمال إفريقيا هو التوريط الشامل للنظام الجزائري. وقد يؤدي هذا التوريط الشامل، في نهاية المطاف، إلى قبول القائمين على الأمور بالجزائر بإقامة قواعد عسكرية أمريكية على ترابها، وإن تم ذلك، سيصبح شمال إفريقيا بؤرة للعنف والعنف المضاد، وهذا وضع يتمنى تنظيم القاعدة أن يتحقق، وفي هذا الإطار وجب فهم اهتمام تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي من خلال الواجهة الإعلامية، إذ شرع زعماؤه في الاتصال بوسائل إعلامية للإعلان عن تبني جملة من العمليات، فعلى سبيل المثال لا الحصر اتصال أبو عبد الله أحمد بمكتب الجزيرة بالرباط لإعلان مسؤولية جماعته بخصوص مجموعة من الهجومات والعمليات والتحذير من القيام بأخرى. وتظل الإشكالية الجديدة المحيرة.. الجهاد الالكتروني وعلاقة الإرهاب بالانترنيت مع حدث تفجير مقهى الانترنيت بسيدي مومن، برز من جديد التساؤل بخصوص علاقة الإرهاب بشبكة الويب (الانترنيت)، فهل فارة الحاسوب أو لوحة مفاتيحه يمكنهما أن تصبحا رصاصة أو قنبلة بفعل مروجي إيديولوجية الموت باسم الجهاد والتقرب من الله؟ اعتمد عبد الفتاح الرايضي ويوسف الخدري على الانترنيت لتلقي التعليمات.. هل هو "الجهاد" عن بعد.. اتصالات مجهولة غير مراقبة وسريعة وفي أي وقت دون حسيب ولا رقيب، وبثمن بخس، 3 دراهم للساعة في مقهى الانترنيت بسيدي مومن.. فشبكة الويب أضحت تحتضن مئات المواقع المنعوتة بالإرهابية أو المتطرفة، أشهرها الآن مواقع "الحسبة" و"المجاهدون" و"الإخلاص" وغيرها.. وكلها في تطور مستدام، لا من حيث الشكل والمضمون والفعالية.. ففي سنة 1996 كان عدد هذه المواقع يقدر ببعض المئات، أما الآن فيناهز عددها 5000 موقع. علما أن الانترنيت كانت من الوسائل الجوهرية لتخطيط وإنجاز هجومات 11 شتنبر 2001 بنيويورك وواشنطن، وكذلك الشأن بخصوص أحداث 16 ماي 2003 بالدارالبيضاء وانفجارات مدريد في 11 مارس... وقد دخلت السلطات الأمنية في حرب الكترونية ضروس مع جماعة العدل والإحسان، ويبدو أنها لم تقم بالمثل بخصوص المواقع الجهادية، وهي أكثر خطورة لأنها تتضمن الكثير من المعلومات، فهل هذه السلطات تستعمل هذه المواقع لاغتراف معلومات تساعدها في بحوثها؟ برز جيل من الانتحاريين الجدد (20 – 30 سنة) عدد لا بأس به أصبح متطرفا عن طريق شبكة الويب، ويمكن صناعة عبوات ناسفة عن طريق معلومات سهلة المنال في أكثر من موقع، ومن السهل تلقي تعليمات عبر الشبكة، وهذا ما يساعد على العمل السري والتقليل من الاتصالات المباشرة. هكذا أضحت شبكات الانترنيت تساهم في تحويل الساخط والمنعزل عن المجتمع، بسرعة فائقة، إلى شخص يبدأ في التآمر على وطنه ومواطنيه. ومهما يكن من أمر تظل مراقبة شبكة الانترنيت ممكنة لكنها صعبة جدا الآن، فإذا تم وضع البريد الالكتروني تحت التنصت، تتم الهجرة نحو الشات أو الرسائل الآتية الفورية، وإن خضع الشات للمراقبة يتم اللجوء إلى برامج نقل المعلومات، وهكذا انطلقت سيرورة التطور والتطور المضاد في عصر "إرهابيي" الانترنيت الذين لا يحملون سلاحا. وبذلك نكون قد ولجنا مرحلة جديدة لأن الإرهاب لم يعد مستوردا وإنما أصبحنا نعيش إرهابا مغربيا. إدريس ولد القابلة رئيس تحرير أسبوعية المشعل