شذرات من تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة بالمغرب تجربتا الاعتقال في يوليوز 1976 وشتاء 1982 نعالج في هذه الحلقة وجها آخر من مسار الحركة الإسلامية بالمغرب في انطلاقتها في عقد السبعينيات، ارتبط بتجربة الاعتقال السياسي، والذي كان عنوانا لتحول تدريجي في موقف الحكم من الحركة، والذي تطور تدريجيا نحو موقف التوجس من الحركة والتشكيك في نياتها ومدى صدق إيمانها بالعمل القانوني والشرعي، وملف الاعتقال السياسي لم يكن إلا الجزء الجلي من هذا التوتر والذي جعل الحوار بين السلطة والحركة الإسلامية يتم في جزء كبير منه في المعتقلات وخاصة السرية منها كدرب مولاي الشريف، ولم يتمكن الفصيل الرئيسي الذي انبثق من تجربة الشبيبة الإسلامية ممثلا في الجماعة الإسلامية ثم الإصلاح والتجديد لاحقا من تجاوز مخلفات تلك المرحلة إلا بعد سنوات من الاشتغال المتواصل على تطبيع العلاقة بين الحركة والحكم وإرساء منهج المصالحة والتفاهم كاختيار في العمل الإسلامي، وما واكبه من تعاطي إيجابي مع الحوار الذي فتحته السلطة ممثلة في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في فبراير 0991 والذي أسهم في مشروع ترسيم ذلك الحوار من خلال الجامعة الصيفية للصحوة الإسلامية، حيث انطلقت أولى دوراتها في غشت- شتنبر 0991، وفي هذه الحلقة سنتوقف قليلا لاستعراض أهم محطات الاعتقال السياسي في تاريخ الحركة الإسلامية، ليكون ذلك بمثابة تحديد للإطار العام الذي اكتنف تجربة الحاج علال العمراني رحمه الله في الاعتقال. تجارب الاعتقال في تاريخ الحركة الإسلامية الحديثة تعددت تجارب الاعتقال في تاريخ الحركة الإسلامية الحديثة بالمغرب، ويمكن التأريخ لبدايتها الفعلية بالاعتقالات التي طالت ما سمي بمجموعة بن جلون في نهاية دجنبر ,1975 ثم اعتقالات الرباط والبيضاء بسبب التوزيع المكثف لمنشور ضد الاتحاد الاشتراكي، واعتقالات البيضاء في يوليوز ,1978 وبعدها اعتقالات طنجة في نونبر ,1979 وتجددت الاعتقالات إبان عملية المحاكمة في سنة 1980 وخاصة بعد المظاهرة التي خرجت بالبيضاء بعد الإعلان عن الأحكام في حق المعتقلين في قضية اغتيال بنجلون وذلك في جلسة 18 شتنبر ,1980 ثم كانت موجة أخرى من الاعتقالات امتدت من نهاية 1981 واستمرت إلى غاية مارس 1982 وكانت على مراحل وطالت مدن الرباط وطنجة والبيضاء وتوجت بتجميع الجميع في معتقل درب مولاي الشريف واستهدفت الجماعة الإسلامية التي لم تكن قد أعلنت عن نفسها بعد، والشبيبة الإسلامية وارتبطت بحملة منشورات ضد الحكم وعمليات توزيع مجلة المجاهد التي أصدرتها الشبيبة الإسلامية، وفي صيف 1983 كانت الاعتقالات التي امتدت لكل من البيضاء والمحمدية وجرت المحاكمة المرتبطة بها في يوليوز1984 في إطار ما عرف بمجموعة 71 وكان المتابعون فيها من مشارب حركية مختلفة كالشبيبة الإسلامية ومع الإشارة إلى أن أربعة منهم كانوا من الجماعة الإسلامية، وقد ارتبطت هي الأخرى بحملة منشورات ضد الحكم بلغت أوجها إبان مؤتمر القمة الإسلامي بالبيضاء، وتلتها اعتقالات مكناس في أبريل 1984 واستمرت لغاية أبريل 1985وطالت أعضاءا من الجماعة الإسلامية ، وجاءت بعدها اعتقالات الرباط في يونيو 1985 التي طالت ما كان يعرف بجماعة التبين واستمرت لحوالي شهر ونصف، وإبانها جاءت اعتقالات ما سمي بكتيبة بدر-فصيلة الجهاد التابعة للشبيبة الإسلامية والتي سميت فيما بعد بمجموعة 26وجدة في يوليوز 1985 وصدرت الأحكام في شتنبر ,1985 وبموازاتها كانت اعتقالات مجموعة مراكش الأولى والتي صدرت الأحكام في أكتوبر 1985 وبعدها مجموعة مراكش الثانية في بداية ,1986 والتي ارتبطت بتوزيع مجلة السرايا التي كانت تصدر باسم حركة المجاهدين المغاربة، وعلى صعيد جماعة العدل والإحسان فبالإضافة إلى الاعتقال الأول الذي ارتبط برسالة الإسلام أو الطوفان في 1974 كان أول اعتقال فعلي في إطار تأسيس الجماعة في دجنبر 1983 وكان لذ.عبد السلام ياسين وصدر الحكم فيه في ماي 1984 ثم اعتقالات يناير 1984 وكانت الأحكام النهائية فيها ثلاثة أشهر، ثم تجددت الاعتقالات في نونبر 1989 بالدرا البيضاء وتارودانت، وفي يناير 1990 بالقنيطرة والرباط والقصر الكبير وأكادير ثم محاكمة أعضاء مجلس الإرشاد والذين صدرت الأحكام في حقهم في يوليوز ,1990 وفي عقد التسعينيات ارتبطت الاعتقالات بالساحة الجامعية وخاصة مدن مراكش والبيضاء وفاس ووجدة والقنيطرة كما كانت هناك القضايا ذات العلاقة بإدخال السلاح في إطار محاكمات عسكرية خاصة في سنتي 1994 و1996 ومحاكمتي 1995 و,1999 وانتهى عقد التسعينيات بمحاكمة محمد بوصوف في يوليوز 1999 والذي اعتقل في قضية تعود ذيولها إلى سنة ,1982 ولقد انتهت مختلف تلك الاعتقالات إما بحكم انقضاء المدة أو الإفراج بدون محاكمة أو الاستفادة من عمليات العفو السياسي. ونعتبر أن تجارب الاعتقال السياسي في تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة بالمغرب لم تخضع بعد للدراسة والتوثيق اللازمين، ليس على مستوى استعراض الحالات والملابسات والأبعاد الحقوقية التي ارتبطت بها، فذلك نجد جزءا مقدرا منه قد أنجز من لدن المنظمات الحقوقية المغربية مع بعض الاستثناءات المتعلقة بحالات رفضت الجمعيات تبنيها كحالات اعتقال سياسي وخاصة مجموعة 1975 أو مجموعة طلبة العدل والإحسان- وجدة ,1992 وهي في عمومها حالات جد قليلة بالمقارنة مع باقي الحالات، لكن الدراسة الشمولية لتلك التجارب وما أفضت إليه من مراجعات في منهج العمل الإسلامي وإعادة النظر في العلاقة مع أطراف الواقع السياسي والاجتماعي، وتحولها إلى فضاء للاحتكاك بالآخر في عدد من الحالات والنقاشات الفكرية والسياسية التي واكبت ذلك، ونتجت عن ذلك عدد من الوثائق والكتابات، كما كانت مجالا لنقد الذات وتقويم التجربة رغم أن الساحة الإسلامية في ظروف السبعينيات وما بعدها شهدت ترويجا كثيفا لما عرف بأدبيات السجون وفقه المحنة خاصة بعد انتشار كتابات التجربتين المصرية والسورية، مما نتج عنه ما يشبه الحاجز النفسي إزاء أي محاولة للتفكير الموضوعي والهادئ لتقويم المسيرة وتصحيح الاختلالات، لكن في العموم جرت مراجعات متفاوتة وإن كانت متباعدة في أغلب الحالات، بل يمكن القول إن مختلف التجارب أنتجت تحولات طالت أربع محاور كبرى، على اختلاف بين الحركات والهيئات التي ارتبطت بتلك التجارب، وتمثلت هذه التحولات في تقوية الوعي برفض الخيار الثوري الانقلابي المغامر، والاستعداد للانخراط في العمل القانوني والشرعي، ومراجعة طبيعة الموقف من مكونات الحياة السياسية والاجتماعية نحو اعتماد منطق المشاركة والحوار والتعاون والانفتاح، ونبذ منطق المفاصلة والقطيعة والاستعلاء في العلاقة مع المجتمع، ولم تكن ولادة هذه التحولات الأربع عملية يسيرة بل كانت نتيجة مخاض عسير يعمل على تمتين التأصيل الفكري للتغلب على الحواجز النفسية والرواسب التاريخية، مما جعله في بعض الحالات يتجاوز العقد من الزمن. الحاج علال العمراني وتجربتا اعتقالي يوليوز 1976 وشتاء 1982 ارتبطت تجربة الاعتقال الأولى التي عرفها ذ.الحاج علال العمراني رحمه الله بما عرف بمنشور يوليوز 1976 والذي استهدف حزب الاتحاد الاشتراكي ورد على حملة جريدة المحرر بخصوص اتهاماتها ضد الشبيبة حول مقتل عمر بنجلون، كما طلب المنشور بعودة ذ.عبد الكريم مطيع والإفراج عن المعتقلين وعلى رأسهم إبراهيم كمال، وقد انطلق توزيع المنشور من الرباط في يونيو 1976 وطبعت منه أزيد من 50 ألف نسخة ، وانطلقت الاعتقالات الأولى من حي العكاري بالرباط حيث اعتقل عدد من الشباب على رأسهم أحمد بلدهم، ولم تتوقف عند حدود الشبيبة الإسلامية بل طالت ذ.محمد بخات من جمعية الدراسات الإسلامية، ثم انتقلت بعد ذلك إلى البيضاء ليصل إلى عدد من أعضاء المكتب الوطني للشبيبة وهم الإخوة محمد زحل يوم 29 يونيو 1976والحاج علال العمراني وعبد اللطيف عدنان يوم 30 يونيو 1976 واستمر لمدة تسعة ايام، وقد جرى اعتقال الحاج علال العمراني عند ذهابه للتوقيع على محضر الخروج للعطلة مع عزمه على مغادرة البيضاء بمجرد التوقيع بسبب العلم باعتقال الشيخ محمد زحل، وقد انضاف إليهم الفقيه الحمداوي بعد ذلك، وقد أشرف على الاستنطاق الذي تم بمكتب 22 بكوميسارية المعاريف مسؤول أصبح فيما بعد مسؤولا أمنيا في أحد أكبر فنادق الدارالبيضاء، وقد استعمل التعذيب لدفعهم لتبني مزاعم الأمن من أن هناك خلايا وسؤالهم عن السلاح، وانتهى الاعتقال بالإفراج دون تقديمهم للمحاكمة بعدما تبين عدم العلاقة بالمنشور، وللإشارة فقد صدر في بموازاة ذلك بيان رسمي بمجلة المجتمع في عددها بتاريخ 29 يونيو 1976 وقد عنون هذا البيان الأخير ب هذا بيان للناس اعتبر بمثابة بيان للتعريف بطبيعة الجمعية وأهدافها ورسالتها من حيث كونها جمعية دينية تربوية نشاطها قانوني ومرخص به تشجب كل أسلوب عدواني أو غير إسلامي في التعامل مع المخالفين أو الموالين للإسلام، ووقع البيان باسم المكتب الوطني لجمعية الشبيبة الإسلامية بالدار البيضاء. أما تجربة الاعتقال الثانية والتي كانت أطول من الأولى فقد جاءت بعد حملة المنشورات المناهضة للنظام، والتي انخرطت فيها حركة الشبيبة الإسلامية في وقت جرى فيه تكوين الجماعة الإسلامية وتمكنها من عقد الجمع الأول في غشت 1981 ببوسكورة والذي أفرز انتخاب محمد يتيم رئيسا للجماعة وتشكيل قيادة وطنية كان ضمنها الحاج علال العمراني، وقد أدت حملة المنشورات في خريف 1981 إلى موجة من الاعتقالات طالت فئات عدة من الحركة الإسلامية ومن ضمنها الجماعة الإسلامية، ففي الرباط اعتقل أربعة إخوة من بينهم عبد الإله ابن كيران ورشيد حازم وفي البيضاء اعتقل عدد من الإخوة من بينهم الحاج علال العمراني وسعد الدين العثماني، عبد الله بلكرد، محمد ريفلا، كما دخل عدد من الإخوة في مرحلة الاختفاء كمحمد يتيم والأمين بوخبزة وعبد العزيز بومارت، وقد كان الاعتقال في بدايته بمراكز الأمن وانطلق في دجنبر 1981 ثم جرى الإفراج على مجموعة الرباط ليقوم ذ.عبد الإله ابن كيران بإصدار بيان الإعلان الرسمي للانفصال عن الشبيبة الإسلامية ابتداءا من مارس 1981 تاريخ صدور العدد الأول من مجلة المجاهد ، وتضمن البيان 13 إسما ضمنهم الحاج علال العمراني ومحمد يتيم والأمين بوخبزة وادريس شاهين و عبد العزيز بومارت والعربي العظم وسعد الدين العثماني ورشيد حازم، نشر البيان بكل من جريدة العلم والميثاق الوطني والشرق الأوسط وذلك في 6يناير ,1982 وبعد صدور البيان جرى الاتصال بالمعتقلين بالبيضاء من أجل تأكيد موقفهم من البيان، لكن جاءت اعتقالات مظاهرة طنجة ليعود الموضوع إلى نقطة الانطلاق ويتجدد اعتقال ابن كيران ويلحق الجميع بمعتقل درب مولاي الشريف لتبدأ مرحلة من التعذيب خاصة بعد اكتشاف ما سمي بوثيقة المنهج الصادرة عن جمع بوسكورة والتي كانت في الموقف السياسي إزاء النظام متبنية لخيار الرفض والمعارضة، وفي الوقت الذي حدثنا الحاج علال العمراني عن حالات التعذيب الشديدة التي تعرض لها بعض الإخوة كعبد الله بلكرد الذي بقي معلقا من رجله لساعات طويلة مما فرض عليه أداء الصلوات في تلك الحالة، أو حالة الأخ محمد ريفلا الذي عذب بشدة بسبب من تشبثه بالتعبير عن الموقف السياسي المعرض للحكم، تجاوز الحديث عن ما تعرض له من تعذيب شديد هو الآخر مكتفيا بالحديث عن محاور الاستنطاق والذي استغرق في تفاصيل كثير منها السؤال عن الخاتم الذي ختم به بيان صدر عن الشبيبة في فبراير 1978 جرى فيه التبرؤ من القيادة السداسية وعن مآله. وبدءا من أواخر مارس 1982 جاءت عمليات الإفراج عن تلك المجموعة لتبدأ عملية حوار داخلي حول توجهات الحركة واختياراتها، انتهت في مارس 1983 إلى الحسم في انطلاق تجربة العمل القانوني في الرباط تحت مسؤولية ذ.عبد الإله ابن كيران، كما صدرت مجلة الفرقان والتي شغل فيها الحاج علال العمراني منصب مساعد التحرير في يوليوز 1984. مصطفى الخلفي في الحلقة المقبلة والأخيرة حيثيات التأسيس الثاني