اعتبر العديد من المراقبين المؤتمر السادس لحزب العدالة والتنمية المغربي، ذي المرجعية الإسلامية، والذي اختتم اشغاله مساء الاحد 20 يوليوز 2008 ، مؤتمرا للاستمرارية على مستوى التوجهات والقيادات والمواقف، خاصة بعد أن كُشفت مضامين أطروحة المؤتمر والنظام الأساس المعدل له، مما جعل صداه الداخلي والخارجي يبدو محدودا على خلاف المؤتمرات السابقة، وهو موقف يبدو في ظاهره صحيحا إلا أن التأمل في سياق عقد المؤتمر وظرفية التحضير له والمقارنة بين أدبيات المؤتمر الحالي والمؤتمرات السابقة تجعل الخلاصة المثارة في مقدمة هذا المقال غير دقيقة إن لم نقل مجانبة للصواب. المؤتمر الحالي –ظاهريا- لا يؤشر لنهاية مرحلة وبداية أخرى مثلما شهدنا في المؤتمر الاستثنائي لـ 1996 والذي كان بداية اندماج جزء من التيار الإسلامي في الحياة الحزبية عبر التحاق قيادات وازنة في حركة الإصلاح والتجديد سابقا والتوحيد والإصلاح لاحقا بالأمانة العامة لحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، وهو الاسم الذي حمله الحزب قبل تغييره في 1998 إلى حزب العدالة والتنمية، أو مثل ما حدث في المؤتمر الرابع لـ 1999 والذي شكل مؤتمر تطبيع المشاركة السياسية للإسلاميين في ظل عهد الملك محمد السادس، حيث عقد شهورا بعد وفاة الملك الراحل وبعد أول مشاركة انتخابية برلمانية للحزب بعد حوالي العقدين من العزلة الانتخابية. أما مؤتمر سنة 2004 فقد كان مؤتمر الانتقال بفعل التجديد الذي عرفته قيادة الحزب بانتخاب أمين عام جديد كما كان مؤتمر تجاوز حالة الاستثناء التي حشر الحزب فيها بعد تفجيرات 16 مايو 2003 واستهدافه بحملة استئصالية بلغت حد المطالبة بحله وإلغائه من الحياة السياسية. يضاف لذلك أن المؤتمر يأتي بعد حالة ارتجاج انتخابي نجم عن عدم تمكنه من احتلال الموقع الأول من حيث عدد المقاعد في انتخابات سبتمبر 2007 مما حال دون تطور مشاركته السياسية من وضعية المعارضة البرلمانية إلى وضعية المسؤولية الحكومية، وكشف عن استهداف الحزب بسياسة محكمة لتحجيمه. بيد أن تحليل ظرفية انعقاد المؤتمر يؤدي إلى خلاصات مختلفة. فخارجيا يتصاعد التوجه المعادي للمشاركة السياسية للإسلاميين في المنطقة العربية باستثناء حالة الاختراق المؤقتة لإسلاميي موريتانيا في حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية، والتي يبدو أن مناخ التحفظ في أحسن الحالات والرفض لتطور المشاركة الانتخابية إلى مشاركة حكومية هو الحاكم في المنطقة، أما داخليا فإن فشل المؤتمر الأخير للحزب الرئيس لليسار المغربي ممثلا في الاتحاد الاشتراكي ودخوله وضعية الأزمة وفي المقابل حالة النفور المتنامية في الوسط الحزبي من حركة كل الديمقراطيين والتي يقودها الوزير السابق في الداخلية فؤاد عالي الهمة، يؤشران على عجز المنظومة الحزبية بالبلاد عن تقديم بديل يمكّن من حل معضلة العزوف السياسي عامة والانتخابي خاصة والتي بلغت في الانتخابات الأخيرة ما يفوق %75 ممن انكفؤوا عن المشاركة الانتخابية، وعناصر الظرفية هذه تكشف عن الأهمية الكامنة لمؤتمر الحزب المعارض الأول بالمغرب مقدما بذلك أحد الأجوبة الأساسية عن معضلة الانسحاب الشعبي من الفعل السياسي والتي تفتح أي بلد في المنطقة العربية على مستقبل غامض أقله انتعاش خطاب التطرف. أما على المستوى الداخلي فقد أبرزت تحضيرات المؤتمر توجها تدريجيا داخل الحزب لاعتماد مبدأ القيادة الجماعية عوض انتظار انبثاق القائد المخلص والمتفرد صاحب المشروع السياسي المتكامل والحامل لرصيد التاريخ بعلاقاته ومواقفه، ذلك أن النقاش حول وجود أطروحات أو تيارات لم يكشف عن وضوح نظري ونضج عملي بقدر ما كشف عن حاجة الحزب لكل عناصر بنيته القيادية بآرائهم المتباينة وانحيازاتهم المختلفة، خاصة التوجهات الأربعة التي برزت، سواء من يرفع شعار الديمقراطية والإصلاح السياسي كشعار مركزي للحزب، أو من يطرح قضية الدفاع عن الهوية الإسلامية والتميز بذلك في الوسط السياسي، أو من يرى في موضوع مكافحة الفساد، خاصة منه المرتبط بالمال والشطط في استعمال السلطة كرافعة للحزب في المرحلة المقبلة، فضلا عمَّن يؤكد أن الحزب بطبيعته حزب لتدبير الشأن العام ونجاحه هو في تقدمه في هذا المجال، مركزا نقده على تضخم ما يراه من خطاب هوياتي يشوش على اشتغال الحزب. فهذه التوجهات الأربعة تبقى متعايشة ومتكاملة بشكل أو بآخر في المشروع السياسي العام للحزب، وهو ما نعتبر أن أطروحة المؤتمر، بغض النظر عن الملاحظات التي قدمت عليها، سعت إلى الجمع بينها بما يمهد الطريق لمفهوم القيادة الجماعية. بكلمة، إن المؤتمر السادس للحزب يمثل نوعا من الجواب في مواجهة سياسة التحجيم الخارجية منها أو الداخلية، وتمهيدا لتحول تدريجي في مسار الحزب تنظيميا وسياسيا، إلا أن نجاح ذلك يبقى رهين عملية تجديد تصوري وبرنامجي وتنظيمي قاعدي تنخرط فيها القيادة القادمة للحزب