قال الأستاذ عبد العلي حامي الدين إن النظام السياسي المغربي يريد من حزب العدالة والتنمية الإسلامي أن يستمر في أداء دور "الكومبارس"، والقيام بوظائف هامشية لا تؤثر في جوهر أداء السلطة في المغرب، وأكد أن قرار "إشراك الحزب في الحكومة لم يتخذ بعد من طرف أعلى قمة هرم الدولة"، مضيفًا أن "هناك فيتو لجهة معينة إما داخلية أو خارجية أمام مشاركة الحزب في الحكومة". "" واعتبر "حامي الدين"، وهو عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية المغربي، أن إحدى أولويات قيادة الحزب هي أن "تتوفر على رؤية واضحة حول وظائفها كحزب سياسي في ظل نظام سياسي سلطوي". وأوضح أستاذ العلوم السياسية، في حوار خاص لشبكة إسلام أون لاين، أن أشغال المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية المنعقد مؤخرًا ركز على تقييم التجربة الانتخابية الأخيرة للسابع من سبتمبر المنصرم والتي اعتبرها الحزب "انتكاسة حقيقية تؤشر على نهاية وهم الانتقال الديمقراطي"، وخلص إلى ضرورة "إقرار إصلاحات دستورية تتمتع فيها الحكومة بصلاحيات حقيقية وتكون قابلة للمحاسبة والمراقبة أمام البرلمان وأمام باقي الأجهزة الرقابية...". كما أقر "حامي الدين" بوجود اختلافات داخل الحزب الإسلامي في النظرة إلى بعض القضايا السياسية، وفي طريقة التعبير عنها وفي بعض المسلكيات التنظيمية، مشيرًا إلى إطلاق الحزب لمبادرة للحوار الوطني بين أعضائه ومناضليه التي قد تفرز "رؤى جديدة بخصوص هيكلة الحزب وطرق اشتغاله"، ومنها "طريقة انتخاب الأمانة العامة التي ربما ستفتح المجال أمام إقرار نظام التنافس بين أطروحات سياسية مختلفة.. بما يمهد لإقرار نظام التيارات على غرار ما هو متعارف عليه في بعض الأحزاب الديمقراطية الأوروبية"، لكنه أكد أن "العدالة والتنمية" متماسك أكثر من أي وقت مضى. وفي الحوار أيضًا العديد من القضايا الداخلية لحزب العدالة والتنمية وتأثير ارتباطه بالحركة الإسلامية على أدائه السياسي، والعلاقة بين العمل السياسي والبعد الأخلاقي عند الحزب، وواقع الحياة السياسية في المغرب، والتحديات الانتخابية المطروحة أمام عموم الأحزاب الإسلامية في العالم العربي.. فإلى نص الحوار: تقييم الأداء * كيف تقيمون أشغال المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية المنعقد مؤخرًا؟ - المجلس الوطني الأخير توقف عند تقييم الانتخابات الأخيرة وتقييم أداء الحزب خلال المرحلة السابقة، فبخصوص محطة انتخابات 7 سبتمبر اعتبرها انتكاسة حقيقية تؤشر على نهاية وهم الانتقال الديمقراطي، وكشفت عن إرادة التحكم في الانتخابات التي ما زالت مستحكمة داخل أجهزة الدولة، بما تعنيه من حرص على بلقنة المشهد السياسي وتكريس حالة العبث السياسي من خلال العودة القوية للتكنوقراط وقتل الآمال التي كانت تتطلع إلى حياة سياسية حقيقية، وسيادة منطق الترضيات وتوزيع الغنائم على حساب الالتزام السياسي والأخلاقي، وقد بلغ هذا العبث أوجه بوجود حكومة أقلية هجينة، مرتهنة بفريق برلماني يعتبر في حد ذاته انتهاكًا للقانون وتعبيرًا صريحًا عن أزمة سياسية واضحة. أما بخصوص أداء الحزب فقد شهدت محطة المجلس الوطني نقاشًا صريحًا ومسئولاً عن مسئولية القيادة في تدبير ملف الانتخابات برمته، وقد وقف المشاركون عند عناصر القوة وثمّنوها كما رصدوا الأخطاء والاختلالات ونبهوا إليها، كما اعترفت القيادة ببعضها، وتم اتخاذ مجموعة من القرارات والتوصيات الهامة التي توجد فوق جدول أعمال الأمانة العامة للحزب في المرحلة القادمة.. لكن دعوني أؤكد لكم أن حزب العدالة والتنمية اليوم هو حزب متماسك أكثر من أي وقت مضى، ساهم في هذا التماسك الإحساس بأن الحزب استُهدف من طرف بعض أجهزة الدولة خلال الانتخابات الأخيرة وانتزعت منه الرتبة الأولى عن طريق آليات غير نظيفة. * أثير أثناء برلمان الحزب انتقادات لأداء الأمانة العامة للحزب، وخاصة على علاقة بالانتخابات الأخيرة، واعتبر البعض المجلس الوطني فاقدًا للفاعلية والدور الرقابي، وطالب آخرون بالانتقال من الديمقراطية التوافقية الداخلية إلى الانتخابات على أساس برنامجي واضح ودعوتم إلى اعتماد نظام التيارات.. هل هي "انتفاضة ديمقراطية" يعيشها حزب العدالة والتنمية؟ - لا، ليس بهذه الصورة. الحزب قيادة وقواعد استخلص الدروس الضرورية من محطة الانتخابات الأخيرة، ومن بينها أن الانتخابات النزيهة والشفافية غير المطعون في نتائجها ما زالت بيننا وبينها طريق طويل من النضال، وهو ما يعني أن المدخل إلى انتخابات نزيهة تعكس التمثيلية الحقيقية للشعب المغربي يمر عبر إصلاح الدولة وتفكيك بنية الفساد المستشرية داخلها، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا بإقرار إصلاحات دستورية تتمتع فيها الحكومة بصلاحيات حقيقية، وتكون قابلة للمحاسبة والمراقبة أمام البرلمان وأمام باقي الأجهزة الرقابية. أما بالنسبة للمجلس الوطني، فصحيح أن العديد من الأعضاء طالبوا بتفعيل مكتب المجلس وإقرار نظام داخلي له كما ينص على ذلك القانون الداخلي للحزب، وتفعيل لجانه وتحويله من هيئة للنقاش الداخلي إلى هيئة تقريرية حقيقية. أما بالنسبة لفكرة التيارات فأنا أؤكد لكم أنه إلى حدود هذه الساعة ليست هناك تيارات داخل الحزب بالمعنى الحقيقي للتيارات، ولكن هناك اختلافات في النظرة إلى بعض القضايا السياسية وفي طريقة التعبير عنها وفي بعض المسلكيات التنظيمية، لكن من الملاحظ أن المجلس الوطني الأخير قرر مراجعة النظام الأساسي والداخلي للحزب في أفق المؤتمر الوطني القادم الذي سيعقد في شهر يوليو بحول الله، كما قرر بالموازاة مع ذلك إطلاق مبادرة للحوار الوطني بين أعضاء الحزب ومناضليه، ومن المؤكد أن هذه النقاشات ستفرز رؤى جديدة بخصوص هيكلة الحزب وطرق اشتغاله التي ستعرف بالتأكيد العديد من التعديلات، ومنها طريقة انتخاب الأمانة العامة التي ربما ستفتح المجال أمام إقرار نظام التنافس بين أطروحات سياسية مختلفة، لكن في إطار مدرسة العدالة والتنمية، بما يمهد لإقرار نظام التيارات على غرار ما هو متعارف عليه في بعض الأحزاب الديمقراطية الأوروبية. فيتو أمام المشاركة بالحكومة * اعتبرت أستاذ حامي الدين في مداخلتك في المجلس الوطني بأن الحزب يعيش غموضًا في الخط السياسي، ماذا تقصد بذلك؟ وما هي رؤيتك لواقع حزب العدالة والتنمية الإسلامي (موقعًا وممارسة وخطابًا سياسيًّا)؟ - حزب العدالة والتنمية في المغرب يحتل موقع المعارضة، هذه المعارضة لم تستطع إلى حدود الساعة أن تطرح قضايا أساسية للنقاش العمومي، سواء داخل البرلمان أم خارجه، وأن تفعل جميع الإمكانيات الرقابية التي يتيحها لها الدستور، وأن تتحرر من بعض العقد التي تجعل هذا الحزب يمارس على نفسه رقابة كبيرة في بعض المحطات تفقده القدرة على صناعة الحدث، والقيام بأدوار تاريخية في توجيه الحياة السياسية المغربية، طبعًا أسباب هذا الاختيار عديدة، لكن يمكن القول بأن نشأة الحزب المرتبطة بالحركة الإسلامية تجعله يراعي العديد من العوامل، ويدخل في تحليله السياسي العديد من الحسابات التي تربك قدرته على المبادرة والفعل السياسي كحزب معارض يتوفر على جميع الشروط من أجل القيام بأدوار قوية في الساحة السياسية. طبعًا داخل حزب العدالة والتنمية هناك خطوط سياسية تختلف من حيث التحليل السياسي، فمثلاً إذا أخذنا الموقف من المشاركة في الحكومة قبيل الانتخابات سمعنا ثلاثة أنواع من الخطابات: خطاب مستعد للمشاركة في الحكومة ومستعد للبقاء في المعارضة إذا لم تتوفر له شروط المشاركة، وخطاب يميل إلى الاستمرار في المعارضة وتوفير الشروط اللازمة للمرحلة القادمة، وخطاب ثالث مستعد للمشاركة في الحكومة بأي ثمن ولو في ظل وزير أول تكنوقراطي. طبعًا الأمور ذهبت في اتجاه الإبقاء على حزب العدالة والتنمية في المعارضة، وشخصيًّا أعتبر بأن قرار إشراك الحزب في الحكومة لم يتخذ بعد من طرف أعلى قمة هرم الدولة، وأعتقد بأن هناك فيتو لجهة معينة إما داخلية أو خارجية أمام مشاركة الحزب في الحكومة. ولذلك كان هناك حرص على أن لا يحتل حزب العدالة والتنمية الرتبة الأولى بعد الانتخابات. لكن المطلوب من قيادة الحزب في هذه المرحلة أن تتوفر على رؤية واضحة حول وظائفها كحزب سياسي في ظل نظام سياسي سلطوي يريد من الحزب أن يستمر في أداء دور "الكومبارس"، والقيام بوظائف هامشية لا تؤثر في جوهر أداء السلطة في المغرب. العدالة و"المؤسسة الحزبية" * بعد نتائج الحزب في انتخابات 7 سبتمبر التي لم تبلغ المتوقع، سادت حالة من النقد الذاتي وسجل عدد من أطر الحزب مؤاخذات مختلفة على قيادة العدالة والتنمية وطريقة تدبيرها لمرحلة الانتخابات التشريعية. ما هي أهم ملاحظاتك على تدبير الأمانة العامة لمختلف مراحل الانتخابات الأخيرة؟ وما هو تقييمك للحراك والسجال الذي عرفه الحزب بعد ذلك؟ - أنا شخصيًّا ضد تقييم أداء الحزب انطلاقًا من نتائج الانتخابات، بحيث يمكن أن يكون أداء القيادة جيدًا، ومع ذلك لا تحصل على نتائج جيدة؛ نظرًا لتدخل عوامل أخرى مرتبطة بإرادة الضبط والتحكم التي تنهجها الدولة في التعاطي مع الانتخابات، وأعتقد أن بعض الملاحظات التي سجلت على قيادة الحزب لم تكن مرتبطة بالنتائج. الموضوع يتجاوز حزب العدالة والتنمية، فالانتخابات الأخيرة كشفت على وجود أزمة سياسية غير معلنة، تتمثل في طريقة تعاطي الدولة مع الأحزاب والتي تستبطن -في نظري- نظرة احتقارية لا تؤمن بالوظائف الحقيقية للحزب السياسي في الأنظمة الديمقراطية، وهناك ميل واضح اليوم إلى تزكية التكنوقراط اللامنتمين، وتهميش الكفاءات الحزبية، كما أن الأحزاب من جهتها لم تعبر عما يكفي من النضج الديمقراطي الذي يجعلها حاملة بالفعل لمشاريع مجتمعية حقيقية تتنافس فيما بينها في إطار انتخابات حرة ونزيهة، وتترجم الإرادة الحرة للناس في البرامج التي تؤطر السياسات العامة في البلاد، وطبعًا هناك معوق آخر يتمثل في طريقة توزيع السلطة في المعمار الدستوري المغربي والتي تحتاج إلى إصلاح عميق، يعطي معنى للسياسة وللسياسيين، ويعيد شيئًا من المصداقية إلى المؤسسات التمثيلية. طبعًا كانت هناك ملاحظات على تدبير ملف الانتخابات من طرف الأمانة العامة، مثل ترشيح جميع أعضاء الأمانة العامة تقريبًا في الانتخابات، كما وجهت انتقادات لبعض التصريحات الصحافية لبعض أعضاء الأمانة العامة.. وطبعًا هذا نقاش جدي يعكس حيوية الحزب ومستوى الإحساس بالمسئولية لدى الجميع قيادة وقواعد. * دعا عبد العزيز رباح، عضو الأمانة العامة للحزب، خلال المجلس الوطني الأخير إلى الانتقال من منطق المؤسسة الدعوية إلى منطق المؤسسة الحزبية، ما هي أهم ملامح المؤسسة الحزبية المطلوب من الحزب اعتمادها دون أن يفقده النفَس الأخلاقي الذي يميزه؟ - صحيح هناك بعض الخطابات داخل الحزب لم تستوعب بعد منطق العمل السياسي، وتسقط من حين لآخر في خطأ الخلط بين مقام السياسة ومقام الدعوة، دون أن يعني ذلك التنكر لمجموعة من المبادئ والأخلاق، لكن منطق العمل السياسي يتطلب تطويرًا لمستوى التنظيم والعلاقات العامة ومستوى التحليل السياسي ومستوى الكفاءات المطلوبة للتصدي للشأن العام. طبعًا العمل السياسي كما نفهمه في إطار حزب العدالة والتنمية يحتاج إلى نفس أخلاقي عالٍ، وكثيرة هي الابتلاءات التي تحيط بالعمل السياسي وتتطلب مقاومة من نوع خاص، وهي ابتلاءات ليست فقط من نوع التهديد والترهيب والبطش، ولكنها ابتلاءات مرتبطة بالمناصب وبإغراءات المال والوجاهة والسلطة، وهي اختبارات يومية يتعرض لها كل من يمارس السياسة؛ ولذلك فإن من الإضافات النوعية الملقاة على عاتق حزب العدالة والتنمية هو النجاح في هذه المعادلة، وهي المصالحة بين الأخلاق والسياسة. * ما هي الخطوات المطلوب القيام بها إعدادًا للمؤتمر الوطني المقبل في يوليو؟ وماذا تتوقع أن يتمخض عنه؟ - الآن صادق المجلس الوطني على أعضاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر، ومن مهامها وضع تصور للمؤتمر والإعداد له من كافة الجوانب التنظيمية واللوجيستية والقانونية والسياسية، وأتصور أن هذا المؤتمر سيشكل منعطفًا حاسمًا في مسيرة الحزب بالنظر للظروف الدولية والإقليمية التي يمر بها المغرب. الإسلاميون والتحدي الانتخابي * حصل الإسلاميون على نتائج متراجعة في عدد من الدول (المغرب، الجزائر، الأردن)، ما تقييمك لذلك؟ وألا يسائل ذلك خط المشاركة الانتخابية؟ - قلت سابقًا إن النتائج الانتخابية ليست معيارًا للحكم على تجربة معينة بالنجاح أو الفشل، لكني أعتقد بأن الكثير من صانعي القرار في بعض الدول الغربية يتمنّون أن تراجع بعض الحركات الإسلامية اختياراتها السياسية الديمقراطية المعتدلة وتتحول إلى العنف والتغيير بالقوة، آنذاك ستسقط لقمة سائغة في يد من يتربص بها الدوائر. * واضح أن الموقف الدولي من وصول تيارات الحركة الإسلامية إلى السلطة ما زال سلبيًّا (مصر، فلسطين...) ومواقف الأنظمة العربية الرسمية مرتابة من نوايا الإسلاميين، كيف لمشاركة الإسلاميين في الانتخابات العربية أن تكون ذات جدوى سياسي وليست مجرد "شرعنة" لواقع احتكار السلطات السياسية؟ - هذا مرتبط بقدرة الحركات السياسية الإسلامية على الاستيعاب الجيد للمعطيات السياسية المحيطة بها، وبقدرتها على امتلاك أدوات التأثير والإقناع وبقدرتها على فهم التناقضات الموجودة داخل النظام الدولي نفسه وتحقيق اختراقات داخله من حين لآخر، وطبعًا كل هذه الظروف ما عليها إلا أن تقوّي درجة الاقتناع بخيار المشاركة السياسية والتدافع السلمي مع الآخر، وليس هناك خيارات أخرى في اللحظة الراهنة. عن إسلام أونلاين.نت