هل ستمتد أثار شعار التغيير الذي رفعه الرئيس الأمريكي المنتخب الثلاثاء الماضي باراك أوباما لتشمل سياسات أمريكا في المنطقة المغاربية إجمالا وقضية الصحراء خصوصا؟ يتردد هذا السؤال في العواصم المغاربية، مخلفا مستويات من التوجس والترقب دون أن يصل أي طرف لحالة الاطمئنان المبتغاة من طرح السؤال وجمع الإجابات المتاحة، وهو أمر متوقع مادامت المنطقة المغاربية بإشكالاتها وقضاياها لم تكن محط معالجة أو اهتمام في الحملة الانتخابية الرئاسية، بل ومادام السجل التشريعي للرئيس المنتخب سابقا بمجلس الشيوخ لم يعرف عنه اتخاذ مواقف منحازة لهذا الطرف أو لتلك القضية. إلا أن التحليل المتأن لعدد من المؤشرات ذات العلاقة بالموضوع يتيح امتلاك صورة أولية عن مستقبل سياسات أمريكا تجاه المنطقة المغاربية، والتي ستتخذ بحسب هذه المؤشرات طابع الاستمرارية، دون توقع حصول تغييرات جذرية في المضمون، وذلك لعدد من الحيثيات. أولى هذه الحيثيات، أن سياسة الإدارة السابقة تجاه المنطقة المغاربية قدمت كأحد نجاحات الإدارة السابقة، خاصة بعد تحول الموقف الليبي وانتهاء مرحلة الصدام مع الولاياتالمتحدة، وذلك بدءا من سنة 2006 وما تلاها، ثم تمكن الإدارة من إجازة مشروع مبادرة الساحل لمكافحة الإرهاب الذي جمعت فيه دول المنطقة ضمن مشروع واحد رغم الخلافات القائمة بين بعضها وخاصة بين كل من المغرب والجزائر، وهو ما يعني أن الإدارة القادمة مطالبة بتنمية هذه النجاحات وليس تقديم بدائل عنها. ثانيا، أن المنطقة المغاربية تعد منطقة ثانوية ليست محط جدل وخلاف بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي، ولهذا ارتكزت السياسة الأمريكية تجاهها على حصول توافق بينهما برز بشكل جلي في موقف مجلسي الكونغريس والذي رغم وجود أغلبية للديموقراطيين داخله في الولاية التشريعية السابقة إلا أنه لم يعرف حصول توترات مع إدارة بوش الجمهورية حول القضايا المغاربية، وهو ما برز بوضوح في مناقشة عدد من ملفات المنطقة ذات العلاقة بقضايا الإرهاب أو التجارة الحرة أو ملف الصحراء المغربية، وهو ما يعني أن الموقف القادم للإدارة الجديدة سينزع نحو الاستمرارية. ثالثا، إلا أن المؤشر الأهم هو أن العلاقات في مرحلة إدارة بوش الثانية انتقلت من مستوى السياسات العامة إلى مستوى البناء المؤسساتي، وتجلى ذلك في مبادرة إنشاء قيادة إفريقية للقوات الأمريكية تحت اسم الأفريكوم والتي استقرت بشتوتغارت الألمانية وأخذت توجه السياسات الأمريكية تجاه القارة وخاصة مناطق مبادرات مكافحة الإرهاب ومنها منطقة الصحراء الكبرى وذلك وفق منظور يعطي للأمن والاستقرار أولوية مفصلية، كما تمثل حالة المغرب نموذجا لهذا التطور المؤسساتي فقد تم اعتماد اتفاقية للتجارة الحرة مع المغرب في ,2004 وأدمج في 2007 ضمن مشروع صندوق تحدي الألفية وإحداث ما سمي بوكالة الشراكة من أجل التقدم التي عهد لها بتدبير 700 مليون دولار كمساعدات للتنمية، وقبل ذلك منحت أمريكا للمغرب وضعية اكبر حليف استراتيجي خارج حلف الناتو مما بوأ المغرب وضعية متقدمة في حسابات الاستراتيجية العسكرية الامريكية في شمال غرب إفريقيا. ثم رابعا هو خروج الموقف الأمريكي في قضية الصحراء من مرحلة الغموض الاستراتيجي إلى الوضوح الجزئي بتأكيد إدارة بوش أشهرا قبل الانتخابات وفي رسالة رسمية على كون مشروع الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب لتسوية نزاع الصحراء تمثل مشروعا جديا وذا مصداقية، وهو الموقف الذي لقي دعما من قبل نسبة محترمة من أعضاء مجلس النواب ذي الأغلبية الديموقراطية برسالة وقعها أزيد من 160 عضوا، وهو ما نقل الموقف إلى مرحلة الالتزام المتجاوز للخلافات التي تنشأ بين الحزبين، ولهذا فإن هذا الوضوح يقيد إمكانات الإدارة القادمة تجاه التقدم نحو تغييره مادام غير مكلف ولم تنتج عنه تحديات للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة. رغم ذلك يطرح البعض أن الخلفية الأفرو- أمريكية للرئيس المنتخب باراك أوباما ستؤدي إلى تعزيز دور تجمع أعضاء الكونغريس من ذوي نفس الخلفية في السياسة الإفريقية لأمريكا وضمنها ملف الصحراء، وهو طرح لا يمكن إغفاله خاصة إذا ما علمنا أن ما يفوق ثلثي هذه الفئة التي يبلغ عددها بمجلس النواب حوالي الثلاثين نائبا عبرت عن مواقف مؤيدة لأطروحة جبهة البوليساريو الداعية لتأسيس دولة صحراوية، لكن يبقى هذا الطرح مقيدا بما سبق من مؤشرات من جهة أولى، ومرتهنا للأولويات الضاغطة والأساسية في السياسة الخارجية الأمريكية والمتعلقة أساسا بقضايا العراق وإيران وفلسطين وأفغانستان وباكستان ولبنان ودارفور من جهة ثانية، ثم خاضعا للنزعة البرغماتية المصلحية لإدارة أوباما كبديل عن سياسات بوش الإيديوليوجية، والتي ستجعل الأولوية متجهة لمعطى الاستقرار من جهة ثالثة، وهي عناصر ترجح اقتصار أي تأثير محتمل على الجوانب المتعلقة بملفات حقوق الإنسان داخل الصحراء، وهو تطور بدأت إرهاصاته منذ سيطرة الديموقراطيين على الكونغريس وخاصة بمجلس الشيوخ. اعتبارا لما سبق سيكون على المتطلعين لتغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأمريكية أن يوجهوا نظرهم إلى مناطق أخرى أكثر منها المنطقة المغاربية.