الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرات توقيف في حق نتانياهو وغالانت والضيف    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    المغرب يستضيف أول خلوة لمجلس حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    عمر حجيرة يترأس دورة المجلس الإقليمي بالناظور    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    تنسيقية الصحافة الرياضية تدين التجاوزات وتلوّح بالتصعيد    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية        عجلة البطولة الاحترافية تعود للدوران بدابة من غد الجمعة بعد توقف دام لأكثر من 10 أيام    دراسة: تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    جمعويون يصدرون تقريرا بأرقام ومعطيات مقلقة عن سوق الأدوية    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على إثر التوتر الأخير في العلاقات المغربية الجزائرية..هل هي محاولة لإفشال خيار الحوار حول قضية الصحراء المغربية؟
نشر في التجديد يوم 09 - 11 - 2003

، وتعبير المغرب رسميا عن استعداده للدخول في حوار استراتيجي حول الموضوع. فبماذا تفسر حدة الموقف الجزائري؟ وما هي قضية الحدود الشرقية؟ وأية علاقة لتحريكها مع الجهود المبذولة وخاصة من طرف كل من فرنسا والولايات المتحدة؟
تصعيد مفاجئ في العلاقات المغربية-الجزائرية
يمكن القول إن خطوة استدعاء السفير المغربي محمد السعيد بن ريان بالجزائر يوم 3نونبر الجاري من أجل طلب توضيحات حول بعض المواقف التي صدرت بالمغرب عن قضية الصحراء الشرقية وبدء مبادرات تهم تجديد المطالبة بها أهمها تأسيس جبهة تحرير الجزائر المغربية، فضلا عن التصريحات التي عبر عنها المستشار السابق عبد الهادي بوطالب لقناة الجزيرة يوم 2 نونبر الجاري وتطرق فيها لبعض المعطيات التاريخية في الموضوع، حيث ذكر بيان لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية أن التوضيحات همت معلومات تشير إلى مزاعم حول حقوق إقليمية للمغرب في الجزائر، وأضاف بيان الخارجية الجزائرية أنه توجيه أمر للسفير الجزائري في الرباط بوعلام بسايح بغرض القيام بإجراءات مماثلة لدى السلطات المغربية، وإلى جانب ذلك انخرطت بعض وسائل الإعلام الجزائرية في حملة مضادة لمصلحة تأجيج الاحتراب بين البلدين ودفع التناقض في العلاقات إلى مستوى قد يهدد الاستقرار في المنطقة.
ولقد جاء هذا التطور في سياق السعي المغربي لتوفير شروط انطلاق حوار مغربي-جزائري، واستثمار سلسلة المحطات الديبلوماسية الدولية والجهوية من أجل ذلك، بدءا من الدورة 58 للجمعية العامة للأمم المتحدة والتي عرفت على هامشها لقاءا بين الملك محمد السادس والرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ثم اللقاءات التحضيرية الخاصة بقمة منتدى 5+5 والتي ستعقد بداية الشهر المقبل في تونس، وإلى جانب ذلك وجه الملك محمد السادس لرسالة تضامن إيجابي بمناسبة ذكرى ثورة التحرير الجزائرية في فاتح هذا الشهر، وبرز فيها التأكيد الغربي على خيار توطيد العمل المشترك في سبيل تحقيق النهضة الشاملة لشعوبنا المغاربية، وتمتين الروابط الأخوية التاريخية والحضارية والروحية التي تجمع شعبينا، والارتقاء بها نحو الأفضل لإرساء علاقات نموذجية بين بلدين شقيقين تجمعهما وحدة المصير وحسن الجوار ووعيهما بأهمية دورهما في تجسيد اتحاد مغاربي، على أسس متينة وسليمة، تتضافر كل آلياته ومؤسساته لتحقيق تنمية مشتركة واندماج اقتصادي، اتحاد قادر على رفع تحديات عالمنا الذي لا يعترف بالتكتلات الهشة.
لقد عرف الموقف المغربي تحولا دالا في الأشهر الأخيرة الماضية من حيث التركيز على مسؤولية الجزائر في النزاع المفتعل حلو الصحراء، ويمكن اخذ نموذج على هذا التحول التصريحات التي أدلى بها السفير المغربي محمد بنونة بالأمم المتحدة، في حواره مع إذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولية بعد صدور قرار مجلس الأمن القاضي بتمديد ولاية بعثة المينورسو إلى غاية نهاية يناير المقبل، فقد أعلن صراحة عن أن العالم كله يعرف الآن الأيدي التي تحرك الدمية، والكل يعرف هوية المناور، وبالتالي لنكن راشدين ولنتفاوض حول حل مقبول من كلا الطرفين كما تدعونا إلى ذلك المجموعة الدولية، وهذا هو بالضبط ما وصلنا إليه ولا يمكن لأي أحد أن يتفهم هذا الرفض الجزائري طيلة ثلاثين سنة ، ومقدما أمثلة عينية على الدور الجزائري في إدامة المشكل من قبيل تجنيد الجزائر لكل جهازها الدبلوماسي في محاولة لإقناع الدول بالانضمام لمشروع توصيتها حول الصحراء المدعمة لمخطط بيكر، كما ربط بين تسوية النزاع والمشروع المغاربي فالأمر لا يتعلق بلعبة لكرة الطاولة بقدر ما يتعلق بالنسبة للجزائر وللمغرب بمسؤولية التهيؤ لمستقبل أفضل لشعوب المغرب العربي، وأنه لا حل إلا
إذا تم الجلوس حول طاولة والالتزام وبحسن نية بمفاوضات بين المغرب والجزائر من أجل التوصل إلى حل واقعي ودائم، وتمثل المواقف الآنفة أحدث نموذج عن الوضوح الذي بلغه الموقف المغربي في تعبيره عن الخيار الممكن لتسوية النزاع، والذي يقدم إرهاصات تحول نوعي قد يغير من المعادلة الاستراتيجية التي تؤطر نزاع الصحراء المغربية، لاسيما إذا ما وجد له صدى على المستوى الدولي، وهو ما أثار مخاوف الجزائر التي ارتبكت في التعاطي معه، بين تأكيدها على أنها غير معنية أحيانا، وأحيانا أخرى تنخرط في سياسات تكشف ضلوعها المباشر ومن ذلك تقديمها لمشروع توصية في الأمم المتحدة لدعم خطة بيكر وما جرى من تفاوض بين السفير المغربي بالأمم المتحدة ونظيره الجزائري من تفاوض أثناء إعداد المشروع الذي صادقت عليه الجمعية العامة بالتراضي.
لقد كان الموقف الجزائري المرتبط بقضية الصحراء الشرقية مفاجئا يشبه إن لم يتجاوز في حدته الديبلوماسية الموقف الإسباني عندما احتج بحدة على افتتاحية يومية العلم المغربية في أواسط مارس 2001 التي دعت فيها إلى معاملة إسبانيا بالمثل بخصوص سياستها إزاء البوليزاريو عبر دعم المغرب لمنظمة إيتا الانفصالية، حيث قام وزير الخارجية الإسباني آنذاك خوسيب بيكي بدعوة الحكومة المغربية إلى اتخاذ موقف صريح من الافتتاحية، ونعتقد أن تحليل أبعاد هذا الموقف يقتضي التوقف عند مستويين، الأول قديم يرتبط بموضوع الحدود الشرقية وتطورات الخلاف حولها، والثاني حديث يتعلق بعلاقة الموقف الجزائري بتطورات الموقف الدولي الداعية لحوار مغربي-جزائري.
أبعاد الخلاف حول الحدود الشرقية
ارتكز هذا الخلاف الذي نشأ مباشرة بعد رحيل الاستعمار عن شمال إفريقيا، الذي تدافع فيه الجزائر عن حدودها كما تركها الاستعمار الفرنسي في مقابل المغرب الذي يطالب بحدوده كما كانت قبل مجيء هذا الاستعمار والتي تمثل معاهدة لالة مغنية 18 مارس 1845 إطارا مرجعيا لها، وهي المعاهدة التي وقعها المغرب مع فرنسا بعد هزيمته بمعركة إيسلي في 14 غشت1844 بسبب دعمه لثورة الأمير عبد القادر الجزائري. وفي تلك المعاهدة تم النص على استمرارية الحدود التي كانت بين المغرب وتركيا لتصبح هي الحدود بين المغرب والجزائر، إلا أن الاتفاقية أبقت منطقة الصحراء الشرقية في الجنوب (أي منطقة تيندوف) في وضعية غامضة. وقد تلت هذه الاتفاقية عدة اتفاقيات أخرى في 1901 و1902 كانت ترتبط بدرجة تقدم التوغل الاستعماري لفرنسا في المغرب وسعيها لتثبيت وجودها في الجزائر مما كان يفضي للانتقاص التدريجي من التراب المغربي. ومنذ حصول المغرب على استقلاله ومشكلة الحدود مع الجزائر مطروحة، إلا أنها تؤجل حتى لا تعتبر طعنا للثورة الجزائرية، إلى أن حصلت الجزائر على استقلالها في يوليوز 1962 ويتجدد طرح المشكل. وقد نجم عن هذا الخلاف الحدودي مواجهات عسكرية بين
البلدين عرفت بحرب الرمال في شهر أكتوبر ,1963 بعد تصاعد الأحداث الحدودية طيلة شهري يوليوز وشتنبرمن نفس السنة، حيث تقدم المغرب نحو منطقة تيندوف وفشلت المفوضات التي تمت في بداية شهر أكتوبر بين المغرب والجزائر وحضرها عن الجزائر عبد العزيز بوتفليقة الرئيس الحالي لها، وقد تم احتواء النزاع بعد تدخلات عربية وأفريقية، كما عالج لقاء مصغر في القمة العربية بالقاهرة عام 1964 بعض أسباب النزاع، إلا أن المشكل المتعلق بالصحراء الشرقية بقي عالقا خصوصا بعد اكتشاف الحديد بها وتجدد المطالب المغربية بضرورة تسوية المشكلة، ليكتسي النزاع بعدا دوليا حيث اصطبغ بصراعات الحرب الباردة واصطفاف المغرب لجهة الولايات المتحدة في مقابل اصطفاف الجزائر لجهة الاتحاد السوفياتي، ولا سيما بعد انقلاب بومدين في ,1965 و لم يخل التوتر من صدامات عسكرية في 1967 أدت لسعي المغرب لطرح النزاع على الأمم المتحدة. وما غذى النزاع بقوة هو صعوبة استغلال الحديد المكتشف إلا إذا تم نقله عبر الصحراء في اتجاه المحيط الأطلسي أي عبر المرور على المغرب، باعتبار الكلفة الكبيرة لنقله من منطقة تيندوف إلى الساحل المتوسطي للجزائر في الشمال، وهو ما فرض على
الطرفين الدخول في مفاوضات تتيح الاستغلال المشترك لمناجم الحديد في مقابل الاعتراف المغربي بجزائرية منطقة تيندوف، كان من ثماره مفاوضات إيفران في 15 يناير 1969 ثم مفاوضات 27 ماي 1970 وبعدها مفاوضات 15 يونيو ,1972 والتي انبثقت عنها معاهدة حول الحدود المغربية الجزائرية نصت على اعتراف المغرب بجزائرية تيندوف، والمشاركة في إنتاج وتسويق حديد تيندوف، ودعم الجزائر لمغربية الصحراء. وتلا ذلك تصريحات جزائرية مؤيدة للحق المغربي في الصحراء.
إلا أن احتداد النزاع المغربي مع الاستعمار الإسباني حول الصحراء، وقرب تمكن المغرب من حسم النزاع لصالحه الذي يعني خروج الجزائر بدون مكاسب، وفي المقابل تقوية العلاقات الجزائرية الإسبانية واشتداد عود جبهة البوليساريو المدعمة من ليبيا وبالتالي بروز احتمالات تجاوز الممر المغربي لتسويق الحديد من خلال دعم مشروع دولة صحراوية توفر هذا الممر بدون كلفة كبيرة، دفع نحو حصول تحول في الموقف الجزائري منحاز كليا لصالح أطروحة تقرير المصير وقيام دولة صحراوية، وهو ما برز بوضوح بدءا من .1975
ورغم تجدد طرح الموضوع في لحظات التوتر في العلاقات المغربية الجزائرية، لم يقدم المغرب على الإخلال بما تم الاتفاق حوله بل جرى نوع من التأكيد له مع استئناف العلاقات في نهاية الثمانينيات، ليقع فجأة تحيرك الموضع من طرف الجزائر عندما أعلنت الجزائر أواخر شهر يوليوز ,2002 عن استعدادها لرفع ملف الحدود مع المغرب إلى الأمم المتحدة، من أجل الفصل بصفة نهائية في ذلك الخلاف ، وذلك من أجل الترسيم النهائي للحدود، معتمدة في ذلك على اتفاقية يونيو .1972 وما يفسر سعيها لطرح الملف هو بروز مسعى مغربي لمراجعة الموضوع كلية بعد ظهور أطروحة التقسيم لا سيما وأن المغرب لم يصادق نهائيا على الاتفاقية التي كانت موافقته عليها مشروطة بالاستغلال المشترك لمناجم الحديد بتيندوف ودعم الجزائر لاسترجاع المغرب لصحرائه، وهو ما لم يتم، أي أن الموقف الجزائري المتوتر من طرح إحدى الهيئات الحزبية للموضوع ارتهن للتوجس من أن يكون ذلك مقدمة لتبينه رسميا من طرف المغرب، فكانت خطوة استدعاء السفير المغربي بالجزائر كمحاولة لاستباق ذلك، إلا أننا نعتقد أن هذا العامل رغم تفسيره للطبيعة الانفعالية التي حكمت الموقف الجزائري يبقى محدودا، بالنظر
إلى أن المسعى المغربي لتدشين حوار استراتيجي مع الجزائر حول الصحراء يتعارض مع السعي لخلق مشكلة جديدة قد تكون سببا في إعاقة هذا المسعى، وهو ما يسفر التفاعل الهادئ للمغرب مع السلوك الجزائري الآنف الذكر، أي أن الأمر يصعب ربطه فقط بالتخوف من طرح المغرب لقضية الحدود الشرقية بل يرتبط بالتوجس من تصاعد الضغط الدولي لصالح الحوار المغربي الجزائري، مما يقتضي استباقه وعرقلته عبر افتعال مشكل جديد، وهو ما نعالجه في المحور الموالي.
الموقف الدولي ومسألة الحوار المغربي-الجزائري
النقطة الثانية في دراسة التطور السلبي الذي بلغته علاقات المغرب بالجزائر ارتبط بالتوجس الجزائري من تصاعد الضغط الدولي على الجزائر لصالح التفاهم على تسوية لقضية الصحراء المغربية، مما قد يؤدي إلى تغيير المعطيات الاستراتيجية المؤطرة للنزاع بشكل كلي، ونكتفي هنا بما عرفه شهر أكتوبر الماضي، على صعيدي كل من فرنسا والولايات المتحدة.
فبمناسبة الزيارة الرسمية للرئيس الفرنسي جاك شيراك للمغرب في 119 أكتوبر ,2003 اتسم الموقف الفرنسي بوضوح دال، ففي طنجة عبر جاك شيراك على أن الاندماج الاقتصادي للمنطقة أساسي لأنه يلبي تطلع الشعوب وان المصالحة المغربية الجزائرية هي المفتاح في هذا الصدد ومؤكدا أن حوارا هادئا سيمكن من إزالة المعوقات التي نعرفها ويفتح آفاقا كانت تبدو حتى الآن بعيدة المنال، وفي الندوة الصحفية الختامية أعلن أن قضية الصحراء تشكل نقطة اختلاف بين فرنسا والجزائر وكشف أنه بحث هذه القضية مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مجددا التأكيد على موقف فرنسا المؤيد لإيجاد حل تقبل به جميع الأطراف مبرزا أنه في إطار المسلسل الجاري الذي بوشر تحت إشراف السيد جيمس بيكر المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة فإن أي حل يجب أن يحظى بموافقة كافة الأطراف ولا يمكن فرضه.
أما الموقف الأمريكي، فقد جاء بمناسبة الجولة المغاربية لمساعد وزير الخارجية الأمريكي وليام بيرنز في نهاية الشهر الماضي، حيث أجاب في ندوته الصحفية عن سؤال حول قضية الصحراء المغربية بقوله مرة أخرى، إن الموقف الأميركي واضح جدا. إننا نؤيد حلاً سياسيا. إننا لا نؤيد فرض أي حل على أي طرف آخر. إننا ندعم ونشجع الآخرين بشدة على التعاطي بشكل إيجابي مع الأمين العام ومبعوثه الخاص، السيد بيكر. كما أننا ندعم و نشجع، وقد نقلت هذه الرسالة إلى الجزائر، أيضا، حواراً ثنائياً بين الجزائر والمغرب يكون بمثابة تتمة للعملية، وأضاف عندما تكرر السؤال لن أزيد على إعادة تأكيد كون الولايات المتحدة تواصل دعم جهود الأمين العام، السيد عنان، ومبعوثه الخاص، السيد بيكر. لقد ظل هذا موقف الولايات المتحدة منذ فترة طويلة، ونحن نشجع جميع الأطراف على التعاطي معهما بشكل إيجابي. وفي نفس الوقت، أبلغ الرئيس بوش جلالة الملك (محمد السادس) والرئيس (الجزائري عبد العزيز) بوتفليقة، أننا نعتقد أنه من المفيد جداً أيضاً للجزائر والمغرب أن تتعاطيا مع بعضهما البعض. وسأكرر، مرة أخرى، أنه يمكن أن يستفيد الجميع من تحقيق تقدم نحو حل سياسي، أن
يستفيدوا من حيث ازدياد التنسيق في المنطقة وازدياد الاستقرار وازدياد الازدهار للجميع في منطقة المغرب العربي.، ليلخص ذلك بقوله أن سياسية الولايات المتحدة هي مواصلة دعم جهود المبعوث الخاص للأمين العام (للأمم المتحدة). وقد شجعنا أصدقاءنا في المغرب، وفي الجزائر أيضاً، على الانخراط بشكل بناء وإيجابي في ذلك الجهد. كما أننا، كما قلت، شجعنا على إجراء اتصالات ثنائية مباشرة أيضا. ورأينا هو أنه يمكن لجميع هذه الوسائل أن تشكل سبلاً مثمرة للتحرك قدما، وأنها متممة لبعضها البعض وقد تبين من خلال هذه المواقف وجود نزعة أمريكية للدفع في حوار مغربي جزائري لكن في إطار يخدم جهود بيكر، وهو خلاف ما راج في وسائل الإعلام بعد الندوة التي عملت على التهليل للموقف الأمريكي، منطلقة من ترجمة مبتسرة لتصريحاته في الندوة الصحفية، مما أدى لشيوع وهم يوحي يفصل بين الدعوة للحوار المغربي-الجزائري من جهة وخطة بيكر من جهة ثانية، والتصريحات الواردة آنفا نقلت عن نص الترجمة التي نشرتها الخارجية الأمريكية ووضعتها على موقعها الإخباري في الإنترنت .
المهم هو أن الموقف الأمريكي تحرك لصالح مشروع الحوار المغربي الجزائري بغض النظر عن الأرضية التي تؤطره، وهو تحرك له دلالته فقد عبر بيرنز في نفس الندوة عن وجود مجهود نشط جداً يُبذل حالياً، من خلال الأمم المتحدة، وقد حدثت اتصالات بين الطرفين. وإن الولايات المتحدة ستواصل، بوصفها صديقاً وحليفاً قديماً للمغرب، وبوصفها دولة كانت لها، وما زالت لديها علاقة آخذة في التحسن والازدياد قوة مع الجزائر، وبوصفها دولة ذات اهتمام عميق بالتقدم في هذا الجزء من العالم، ستواصل القيام بكل ما يمكنها للمساعدة وتشجيع التقدم نحو ذلك الحل السياسي. ولكننا، كما سبق وقلت، لا نرزح تحت أية أوهام. إننا ندرك مدى تعقيد هذه القضية. وسنواصل القيام بكل ما يمكننا نظراً لكون ذلك يشكل مصلحة كبيرة لكل سكان المنطقة، ونظراً إلى أنه يمكن للجميع الاستفادة من حل سياسي، ومما يفيد ذلك هو تصريح السفير الأمريكي المعين بالمغرب السيد طوماس ريلي يوم 4نونبر الجاري أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي من أنه عازم على أن يدعم بشكل كامل جهود الحكومة المغربية للعمل بشكل وثيق مع أطراف أخرى في المنطقة ومع المبعوث الشخصي للامين العام
للأمم المتحدة بهدف إيجاد حل دائم (لقضية الصحراء) يضمن السلام والازدهار للمنطقة.
وقد كانت ردود الفعل على هذه المواقف مباشرة من لدن وزير خارجية الجزائر عبد العزيز بلخادم الذي صرح في نهاية أكتوبر ل الشرق الاوسط، أن الجزائر ليست وصية على الصحراويين وان المسألة ليست مطروحة بين الجزائر والمغرب بل هي مطروحة بين الصحراويين وهم اخوتنا والمغاربة وهم اخوتنا أيضا، معلنا أن بلاده وعدت مساعد وزير الخارجية الاميركي ويليام بيرنز ب المساعدة على الوصول الى حل لقضية الصحراء يحافظ على حق الصحراويين في تقرير مصيرهم، كما علق على الموقف الفرنسي معتبرا أن بلاده لم تطلب إطلاقا أي شيء من فرنسا في هذا الخصوص. ولفرنسا موقفها ولكن أريد أن أذكر أنها صوتت لصالح القرار 1495 الذي وافق عبره مجلس الامن على خطة بيكر وهذا القرار واضح في نصه، وهو ما أكده في حوار ثان مع يومية الحياة اللندنية مركزا على أن ما يمكن أن تقدمه الجزائر هو المساعدة على تقريب وجهات النظر، وهي تصريحات تبرز حجم الحرج الذي بدا الموقف الجزائري يعرفه مما فرض عليه التكيف مع هذه التطورات ولو بالاستجابة الجزئية والمؤقتة المندرجة في سياق خطة بيكر، ولهذا يرجح أن رد الفعل القوي على قضية الصحراء الشرقية تستبطن رغبة في التحلل من هذه
المطالب الدولية.
خلاصة مستقبلية
نعتقد أنه في ظل خيار التهدئة الذي نهجه المغرب إلى غاية اللحظة، فإن احتمال الالتفاف على المشكل أمر ممكن، خصوصا وأن هناك مساعي حثيثة لضمان عقد قمة مغربية جزائرية بين الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة والملك محمد السادس على هامش قمة مجموعة خمسة زائد خمسة المقررة في تونس في بداية دجنبر المقبل برعاية من الرئيس الفرنسي جاك شيراك، مع الإشارة إلى سابقة عقد اللقاء في 24 شتنبر الماضي بنيويورك.
إن المغرب مدعو إلى استمرار العناصر الإيجابية التي تراكمت في الأشهر الماضية وتجنب الانخراط في معارك هامشية إن لم تعق تحركاته في قضية الصحراء المغربية فستشوش عليها.
مصطفى الخلفي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.