شهد المغرب أخيرا تطورات مهمة على مستوى علاقاته الخارجية، سواء ما تعلق منها بالولاياتالمتحدةالأمريكية، التي منحته أخيرا امتياز الحليف الاستراتيجي لها خارج حلف الناتو، أو ما تعلق منها بعلاقاته مع كل من فرنساوإسبانيا حول موقفهما الإيجابي من الصحراء المغربية، أو ما تعلق منها بمستوى علاقاته مع الجارة الجزائر، التي ما تزال لم تبرح مكانها بسبب موقف حكومتها السلبي من وحدتنا الترابية، فضلا عن العودة الملاحظة للمغرب إلى دائرة الحدث الإفريقي. حول هذه القضايا يدور الحوار التالي، الذي أجريناه مع الدكتور تاج الدين الحسيني، أستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط، ورئيس منتدى 12 للحوار والتنمية. وعلى اعتبار أن قضية الصحراء المغربية عادت من جديد إلى واجهة الأحداث الوطنية والدولية، يذهب الأستاذ الحسيني إلى أن الموقفين الفرنسي والإسباني متى استطاعا أن يحققا نوعا من التوحد والانسجام، فإنهما سيكونان قادرين على تطويق الموقف الجزائري. قررت الولاياتالمتحدةالأمريكية أخيرا منح المغرب صفة حليف أساسي لها من خارج حلف الناتو، وهي صفة تخول للمغرب وضعا متميزا على حساب العديد من الدول العربية الأخرى، فضلا عن دول الجوار. كيف قرأتم الأستاذ الحسيني هذا القرار؟ وما خلفياته؟ تعيين الولاياتالمتحدةالأمريكية المغرب حليفا استراتيجيا لها من خارج حلف الناتو هو قرار يختص به الجهاز التنفيذي والرئيس الأمريكي بالذات، وهذا القرار يدخل في سياسة التوازن التي شرعت الولاياتالمتحدة في سلوكها بالنسبة للمغرب العربي وشمال إفريقيا، هذه السياسة التي ترتكز على الحفاظ على الأصدقاء التقليديين، وربط علاقات مفضلة معهم، ولكنها في في الوقت نفسه سياسة ترتكز على حماية المصالح الحيوية للولايات المتحدة حيثما كانت. ونحن نعلم أن الورقة الجزائرية الضاغطة بخصوص ملف الغاز الطبيعي والبترول لها وزنها كلوبي متحرك لدى الإدارة الأمريكية، وهو ما ظهر أثره واضحا في التقرير الأخير لجيمس بيكر حول الصحراء المغربية، وفي المواقف المتذبذبة للولايات المتحدة. لكن خارج هذا الإطار يمكن أن نلاحظ أن المغرب استطاع أن يحافظ على مركزه كصديق تقليدي للولايات المتحدةالأمريكية، حيث نعلم أن المغرب كان أول دولة اعترفت بالاستقلال السياسي للولايات المتحدة في عهد السلطان محمد بن عبد الله، وذلك منذ أكثر من قرن من الزمن، ونعلم كذلك أن المغرب اختار منذ تحقيق الاستقلال نظام التعددية الحزبية ورفض بشكل صريح وواضح نظام الحزب الوحيد في وقت كانت كل البلدان النامية بما فيها جيران المغرب الأقربين يتطلعون إلى إقرار نظام يرتكز على الحزب الوحيد وعلى الاشتراكية، بينما اختار المغرب على المستوى الاقتصادي، ومنذ ذلك التاريخ، نظام اقتصاد السوق، الشيء الذي يتناغم كثيرا مع تطلعات الولاياتالمتحدة منذ ذلك التاريخ. ولذلك فكيفما كانت ظروف التحالفات المرحلية التي تعرفها هذه المنطقة من خلال مسألة المصالح الحيوية التي تؤطر السلوك الخارجي الأمريكي، إلا أن الولاياتالمتحدة تعتبر أن المغرب يمكن أن يشكل ورقة قوية في هذه المنطقة من العالم. فهو يتوفر على موقع استراتيجي ممتاز، وبإمكانه أن يكون وسيطا بامتياز في ربط علاقات مفضلة مع بلدان إفريقيا ومع باقي البلدان العربية. فهذه في نظري من بين النقط الأساسية التي دفعت بالإدارة الأمريكية إلى تخويل المغرب صفة حليف استراتيجي. والولاياتالمتحدةالأمريكية تذهب في هذا الاتجاه منحى بعيدا، فهي تتمنى لو أن المغرب يقوم بدور أكثر فعالية في منطقة الشرق الأوسط وفي الخليج. هل يمكن القول إن طلب واشنطن من المغرب إرسال قوات إلى العراق إلى جانب القوات الأممية الموجودة هناك يدخل في هذه الرغبة الأمريكية؟ تماما، فالولاياتالمتحدةالأمريكية تقدمت أخيرا للمغرب بهذا الطلب، إلى جانب دول أخرى، وهو الطلب الذي قابله المغرب بالرفض خلال زيارة جلالة الملك إلى واشنطن قبل أيام، حيث أكد جلالته أن المغرب مستعد لاستقبال بعض القوات العراقية قصد حصولها على تدريبات متطورة بالمغرب، لكن دون إرسال أي قوات إلى العراق في مرحلة أولى. وهنا أعتقد أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تعول كثيرا على المغرب كطرف إقليمي له مركزه الاستراتيجي الممتاز، وله القدرة على القيام بدور الوسيط ودور المرجح لآليات التوازن في هذه المنطقة من العالم، وهذه نقطة من النقط الأساسية التي دفعت بالولاياتالمتحدة إلى تخويل هذه الصفة للمغرب. فنحن نعلم أن حصول المغرب على هذه الصفة سيعطيه امتيازات لها أهميتها، ليس فقط في العلاقات مع واشنطن، ولكن أيضا مع جميع دول حلف الأطلسي. وكان منها مشاركته المكثفة في المناورات العسكرية التي تمت أخيرا بالمياه الأطلسية المغربية في نواحي طانطان. ثم إن هذه الصفة تخول للمغرب صلاحية الحصول على الأسلحة المتطورة بأسعار تفضيلية ووفق شروط مجزية، وهذا امتياز لا تتوفر عليه العديد من الدول النامية التي تعاني الأمرين في الحصول على وسائل الدفاع الخاصة باستراتيجيتها الوطنية. وفي اعتقادي أن هذا التحول المهم من حيث إمكانية الحصول على الأسلحة المتطورة بإمكانه أن يحقق نوعا من التوازن على الصعيد الإقليمي، وخاصة مع الجزائر التي شرعت خلال الأشهر القليلة الماضية بعد ارتفاع الدخل البترولي في الحصول على الأسلحة المتطورة من مثل الطائرات النفاثة وصواريخ عابرة للحدود ودبابات متطورة جدا، الشيء الذي أظهر، وفق الإحصائيات التي قدمها معهد الدراسات الاستراتيجية بلندن، أن هناك خللا فعلا في توازن القوى الإقليمي في منطقة المغرب العربي. جدد المغرب رفضه إرسال قوات إلى العراق إلى جانب القوات الأمريكية هناك ضمن قوات أممية. ألا يؤثر هذا الموقف على العلاقة المغربية الأمريكية؟ لا. فالولاياتالمتحدة تتفهم جيدا وضعية المغرب الحرجة في إمكان إيفاد قوات إلى العراق في المرحلة الراهنة، وتعلم أن إصابة أي من هذه القوات المغربية في ظل هذه الظروف التي يعيشها العراق قد تكون لها مضاعفات سلبية سواء على العلاقات المغربية الأمريكية أو على العلاقات مع العراق في حد ذاته. ولكن أعتقد أن المرحلة الأولى قد لقيت نوعا من الرضى من الجانب الأمريكي، وهو ما عبر عنه الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض، الذي عبر عن ارتياح الجهاز التنفيذي الأمريكي لقبول المغرب استقبال قوات عراقية (مجندين عراقيين) على أراضيه قصد حصولهم على تدريب مكثف. وفي اعتقادي، فإن هذه الخطوة الأولى قد تتلوها خطوات أخرى في المستقبل بعد أن تحصل الحكومة العراقية المؤقتة على مزيد من التأييد على المستوى الدبلوماسي من لدن الحكومات العربية. ونحن نعلم جيدا أن رئيس الوزراء العراقي أياد علاوي قام بزيارات مكثفة للعديد من العواصم العربية لاستقطاب المزيد من هذا النوع من الموافقة، حتى إذا ما تم تتويجها في إطار مجلس الجامعة العربية فسيكون آنذاك بإمكان المغرب، الذي حرص دائما على الحفاظ على علاقات مميزة مع الجامعة العربية، وعدم القيام بأي خطوات خارج إطارها التنظيمي، ستكون له حينئذ كل الصلاحيات في إطار السيادة الإقليمية لتطوير هذا التعاون مع الحكومة العراقية. طالما أكدت فرنسا موقفها الصريح من الصحراء المغربية ودعت الجزائر إلى حوار مباشر مع الرباط حول هذا الملف تحديدا. ما خلفية هذا الموقف من وجهة نظركم؟ الموقف الفرنسي حافظ على نوع من الاستقرار بفضل الرزانة والحنكة التي يتوفر عليها الرئيس الفرنسي جاك شيراك. فهذا الأخير حرص منذ وفاة العاهل المرحوم الحسن الثاني على أن يكون مدافعا عن المغرب في الساحة الدولية وداخل مجلس الأمن. ونحن نذكر المواقف الشجاعة للممثل الفرنسي داخل مجلس الأمن عند مناقشة تقرير جيمس بيكر حول الصحراء المغربية، حيث كان ذلك يؤكد أن العلاقات المغربية الفرنسية لم تتوقف عند كونها علاقات تقليدية، ولكن تأكد أن فرنسا تبقى دائما حليفا استراتيجيا ممتازا للمغرب، وخاصة في الظروف الصعبة التي يمر منها أمام المنتديات الدولية وداخل مجلس الأمن على الخصوص. لكن فرنسا، خارج هذا الإطار تحاول دائما أن تضطلع بدور سياسي ممتاز في إظهار أن هناك تطابقا مطلقا بين وجهتي نظر الرباط وباريس في ما يتعلق بقضايا الوضع الإقليمي، بما في ذلك وضع الصحراء المغربية. ومن ذلك أن وزير الخارجية الفرنسي يعتبر أن نزاع الصحراء هو من النزاعات خفيفة الحدة التي ينبغي أن تجد حلها على المستوى السياسي في إطار علاقة حوار مباشر بين الرباطوالجزائر. وتعتبر الحكومة الفرنسية في هذا الإطار أن الحل السياسي يفرض نفسه كشرط أساس لتحريك عجلة اتحاد المغرب العربي وتطوير مستوى التعامل بين الاتحاد الأوروبي والمغرب العربي إلى مستوى أكثر إيجابية. وهو الخطاب نفسه الذي تكرر، سواء خلال زيارة مسؤولين فرنسيين إلى المغرب أو زيارة مسؤولين مغاربة إلى باريس، كما هو الشأن في زيارة الوزير الأول المغربي إدريس جطو لفرنسا ولقائه الوزير الأول الفرنسي وغيره من الزيارات واللقاءات. وآخر تصريحات المسؤولين الفرنسيين ما أكده وزير الخارجية الفرنسي في زيارة له على الجزائر أخيرا حيث دعا إلى الدخول في حوار مباشر، وأكد في لقاء صحافي تأييد فرنسا للحل السياسي واستعدادها للقيام بأي دور، الأمر الذي دفع وزير الخارجية الجزائري عبد العزيز بلخادم ليقول إن المغرب والجزائر ليسا في حاجة إلى وساطة، وأن الاتصالات الدبلوماسية متواصلة. وعلى كل حال، فالدور الفرنسي في الملف يبقى حاضرا بقوة، وأعتقد أنه إذا دخل في نوع من التفاهم مع الموقف الإسباني فسوف يؤدي إلى تطويق النزاع والوصول إلى الحل السياسي المنشود. هل لهذا السبب يمكن القول إن فرنسا لا تتحدث عن جبهة البوليساريو في خطابها إلا في أحيان نادرة؟ بطبيعة الحال لأن فرنسا تؤمن بأن جبهة البوليساريو ليست إلا صنيعة الجزائر، وأن وجودها في منطقة تندوف وبمباركة واحتضان من طرف الحكومة الجزائرية، وأنه حتى تلك الأقاويل التي تشير إلى أن الجزائريين مارسوا ضغطا على البوليساريو لإطلاق بعض الأسرى المغاربة هو مجرد ذر للرماد في العيون، والحقيقة أن عملية إطلاق هؤلاء الأسرى تتم في إطار استراتيجية محكمة متفق عليها بين النظام الجزائري ومرتزقة البوليساريو، بل إن عملية إطلاق الأسرى في حد ذاتها توظف بشكل دعائي وسياسي لخدمة أهداف البوليساريو والجزائر، وليس من أجل الحصول على تسوية مرضية لكل الأطراف. في نظركم الأستاذ الحسيني هل استطاعت فرنسا أن تحافظ على مكانتها في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا أمام هذه المنافسة الأمريكية الشديدة لها؟ إلى حد الآن استطاعت فرنسا أن تحافظ على مصالحها في دول المغرب العربي، برغم علامات التوتر التي طبعت العلاقة الجزائرية الفرنسية في السنوات القليلة الماضية، لكن يبدو أن كلا من الجزائروفرنسا لم يكن أحدهما في غنى عن الآخر، فالجزائر في حاجة مستمرة إلى الاستثمارات والأطر والتكنولوجية الفرنسية، وفرنسا هي الأخرى من جهتها في حاجة إلى الغاز الطبيعي وإلى البترول الجزائري. وفي هذا الإطار نلاحظ أن الحكومة الفرنسية عملت جاهدة على جعل هذه العلاقات تتميز بنوع من التطور الإيجابي الذي قد يصل في المستقبل القريب إلى إنشاء منطقة للتبادل الحر، وإلى إعطاء الجزائر صفة الشريك المفضل داخل الاتحاد الأوروبي. يراهن المغرب كثيرا على الدعم الإسباني، في شخص الحزب الاشتراكي العمالي، لقضية الصحراء المغربية، وقد بدأت بعض المستجدات تؤكد صدق هذا الرهان، ما تبريرات هذا التغير في الموقف الإسباني؟ أعتقد أن التبريرات واضحة، وهي أن الحزب الاشتراكي العمالي الذي يتزعمه ساباتيرو كان دائما يعتبر أن العلاقات مع المغرب علاقة استراتيجية، ولاحظنا مباشرة بعد وصول سباتيرو إلى السلطة أن أول زيارة خارجية له كانت إلى المغرب لتكريس هذا التعاون الحاصل بين البلدين. والآن يبدو أن إسبانيا تطوي صفحة الماضي في ما يتعلق بملف قضية الصحراء المغربية، وتتراجع عن مواقفها التي كانت متحالفة بقوة مع الأطروحة الجزائرية، وقد تأكد هذا بوضوح في الزيارة الأخيرة التي قام بها ساباتيرو إلى الجزائر، بحيث صرح بوضوح أمام الصحافة أن إسبانيا تناصر الحل السياسي لقضية الصحراء وتناصر حوارا مباشرا بين المغرب والجزائر، الشيء الذي دفع ببعض المحللين إلى القول إن ساباتيرو وضع تقرير جيمس بيكر في طي النسيان. وأعتقد أنه آن الأوان لتضافر جهود فرنساوإسبانيا لممارسة، لا أقول نوعا من الضغط، ولكن نوعا من المساعي الحميدة لدى الطرفين المغربي والجزائري للتوصل في أقرب وقت ممكن إلى حل سياسي يضع حدا لهذه المشكلة المستعصية، ويفتح الباب أمام بناء المغرب العربي. سبق لرئيس الحكومة الإسبانية أن حذر من إجراء استفتاء حول الصحراء، وقال إن ذلك من شأنه أن يدخل المنطقة كلها في صراع وتوتر. وهو التصريح الذي أغضب الجزائر وصنيعتها البوليساريو. كيف تقرأون هذا التحذير؟ هذا شيء مؤكد. فقد كنا في المغرب ولفترة طويلة نعتبر أن تنظيم الاستفتاء كان ينبغي أن يرتبط بمجموعة من الشروط الموضوعية، التي للأسف تم خرقها، سواء من طرف ممثلي جبهة البوليساريو، حيث ظهر واضحا التفريق بين أخ وأخيه يحملان الإسم العائلي نفسه وينتميان إلى الأسرة نفسها، لكنهم يقبلون واحدا ويرفضون الآخر، وظهر واضحا أن عددا من القبائل قد تم تمزيقها بشكل لا عقلاني، وظهر أيضا أن الاحتفاظ فقط باللائحة التي وضعتها إسبانيا في إحصائيات 1974 ستكون له هو الآخر مضاعفات إنسانية، وبالتأكيد فاللجوء إلى استفتاء في مثل هذه الظروف، التي لا يتمتع فيها كل الصحراويين بحقهم الشرعي في التصويت، سوف يؤدي فعلا إلى توتر في المنطقة، وربما إلى حرب أهلية تكون مضاعفاتها خطيرة على كل الأطراف. ولذلك أصبح الجميع الآن مقتنعا بما فيها الأطراف القوية في اتخاذ القرار الدولي، خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنساوإسبانيا بأن الحل السياسي هو الوسيلة المثلى للتوصل إلى حل للنزاع. وأعتقد أن للمغرب من الأوراق والشهادات ما يكفي لإعطاء هذا الحل السياسي طريقه نحو التطبيق الفعلي. وهناك حقيقة نقط حمراء لا تقبل النقاش، من مثل التي ترتبط بالسيادة، ولكن في ما يتعلق بتطبيق الحكم الذاتي في المنطقة، وتمكين سكان الصحراء من التعبير عن مصالحهم وحقوقهم في إطار إقليمي، أعتقد أن هذه أشياء أصبحت مقبولة لدى كل التوجهات السياسية المغربية، كل فعاليات المجتمع السياسي والمدني مستعدة لتفعيل هذا الحل في المستقبل القريب. إن مثل هذا الحل سيكون هو الأنجع، ليس فقط لقضية الصحراء، ولكن لمعالجة الاندماج المغاربي في المستقبل. فعندما تتجه البلدان المغاربية نحو اتحاد اقتصادي حقيقي يتجاوز منطقة التبادل الحر نحو اتحاد جمركي ونحو السوق المشتركة وصولا إلى الاتحاد الاقتصادي، آنذاك ستدخل كل بلدان المغرب العربي في هذا الاقتصاد الاندماجي. وستتمكن الجزائر كذلك من تسوية المشاكل العويصة التي تعيشها هي الأخرى على الصعيد الإقليمي في ما يخص منطقة القبائل التي تطالب بنوع من الاستقلال الذاتي. مع كل هذه النوايا الحسنة والمبادرات المتخذة من الطرف الإسباني في حق القضايا الداخلية للمغرب. ما تزال مدريد منحازة في بعض الأحيان للتعامل الأمني والحذر من عدو متخيل هو المغرب، وآخر ما يترجم هذا المنحى قبولها إنشاء قاعدة تابعة لالناتو هدفها التجسس على شمال إفريقيا؟ لماذا هذه الازدواجية من وجهة نظركم؟ ذلك لأن الحلف الأطلسي يريد بذلك أن يتحكم بشكل جيد في جبل طارق وفي جنوب البحر المتوسط، خاصة وأن الحلف أصبح يطور نظرته الاستراتيجية لهذه المنطقة. وكنت حضرت شخصيا مؤتمرا نظم بحضور ممثلي الحلف الأطلسي بالدوحة بقطر قبل بضعة أسابيع، ولاحظت أن هناك توجها حقيقيا للحلف الأطلسي في الحفاظ على السلم والاستقرار في الشرق الأوسط وفي الخليج، من خلال توقيع اتفاقيات مع دول المنطقة. وفي اعتقادي أننا دخلنا مرحلة جديدة في إطار الأحادية القطبية، وهي بحث الولاياتالمتحدةالأمريكية عن حلفاء استراتيجيين من خلال الحلف الأطلسي، وتمكينها من مراقبة هذه المنطقة من العالم. لكن خارج هذا الإطار يمكن القول إن إسبانيا برغم حسن النية الذي تظهره بالنسبة لقضية الصحراء وللعلاقة الثنائية بين البلدين، تبقى متمسكة بمواقفها الاستعمارية في ما يتعلق بسبتة ومليلية والجزر الجعفرية، وحتى ما تعلق بقضية جزيرة تورة المغربية أصبح مجمدا. وأعتقد الآن أن الطرفين المغربي والإسباني مطالبان بتجاوز هذا الإطار المرتبط بالمرحلة الاستعمارية، وباستغلال النفوذ في هذه المنطقة، وأن يعيدا النظر في فكرة إقامة خلية مشتركة بينهما لبحث هذا الموضوع بعمق أكثر، ودون حساسية للتوصل إلى حل إيجابي في المستقبل. والعلاقات المغربية الإسبانية اليوم لا ينبغي أن تبقى حبيسة الصراعات الثنائية، بل ينبغي أن تتوجه إلى المستقبل، ولا أعتقد أن وجود قاعدة للحلف الأطلسي في إسبانيا من شأنه أن يعرقل هذه العلاقات أو يؤدي إلى تدهورها، فنحن نعلم أن المغرب شريك ممتاز للحلف الأطلسي، وقد اكتسب أخيرا صفة الحليف الاستراتيجي خارج هذا الحلف، وهو يشارك في مناوراته بشكل مقبول، وبالتالي على المغرب أن يستفيد من هذه التطورات بدل أن يعتبرها موجهة ضده. تواصل الجزائر تمسكها بموقفها السلبي من قضية الصحراء المغربية، وترفض أي وساطة بينها وبين المغرب، كما ترفض الدخول في حوار مباشر معه حول الموضوع نفسه. ما خلفيات هذا الخيار؟ الجزائر الآن تعيش عقدة تاريخية بخصوص قضية الصحراء، ومواقف الجزائر حول هذا الموضوع كانت منذ عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، حيث هذا التصلب الذي لا يرتكز على أي منطق مقبول. والآن وبعد ذهاب هواري بومدين وتطور آليات الحكم في الجزائر، لاحظنا أن كل رئيس يحاول أن يصل إلى تسوية نهائية ومرضية لهذا الملف إلا ويتعرض للتنحية، إما بشكل غير مباشر، أو عن طريق التنحية الجسدية، وقد تعرض الرئيس بوضياف، الذي سبق أن أعلن صراحة رغبته في تسوية نهائية لقضية الصحراء، للاغتيال. والآن نلاحظ أن قضية الصحراء ليست بيد الرئيس بوتفليقة، بل هي قضية تهيمن عليها المؤسسة العسكرية بامتياز، ونحن نعلم أن الرباعي الذي يحكم المؤسسة العسكرية الجزائرية والذي يقوده الجنرال محمد العماري يمارس نوعا من الضغوط على الأجهزة السياسية من أجل الاحتفاظ بورقة الصحراء كورقة ضاغطة في العلاقات المغربية الجزائرية. فهل تطمع الجزائر من خلال هذه الورقة في الحصول على وضع أفضل؟ ونحن نعلم أن المغرب والجزائر كانا دائما محورين لتوازن القوى في المغرب العربي؟ هل هدفها هو الاستمرار في الزعامة في بلدان المغرب العربي، علما أن الجزائر كانت دائما تتبنى حركة عدم الانحياز وتتبنى الاتجاهات الثورية في العالم، علما أن هذا الاتجاه أصبح متجاوزا في ظل العولمة وفي أفق اندماج الجزائر في اقتصاد السوق؟ هل تنحو الجزائر نحو إقامة دولة قزمية في هذه المنطقة توظفها لخدمة مصالحها وتستعملها لفتح منفذ على المحيط الأطلسي، وبالتالي تتوفر لها وسائل النفوذ والهيمنة في هذه المنطقة؟ هل الجزائر فقط تراوغ بمبدإ تقرير المصير وكأنها دولة المبادئ، دولة الحفاظ على الشعارات. هذه كلها أسئلة تختلط عند محاولة قراءة الموقف الجزائري بإمعان وعمق. أعتقد من وجهة نظري المتواضعة أن الجزائر استغلت قضية الصحراء في سياستها الخارجية لممارسة كل الضغوط الممكنة على المغرب وعلى الشركاء الإقليميين في هذه المنطقة من العالم، ثم هي من خلال هذه الورقة تستطيع أن تمارس بمرونة نوعا من الدهاء السياسي داخل المنظمات الدولية قصد الحصول على المساعدات، وإظهارها وكأنها مدافع ممتاز عن حق تقرير المصير والقانون الدولي الإنساني. ثم إنها فوق هذا وذاك تعتبر أن قضية الصحراء هي ورقة الاحتياط التي يمكن أن تستعملها في حالة استفحال الأوضاع الداخلية قصد إنشاء جبهة خارجية للصراع، ونحن نعلم أن كل الأنظمة التي تعيش في ظل اهتزازات داخلية إلا وتحاول تصدير تلك المشاكل عن طريق فتح جبهات خارجية مع الجيران، ومن ثمة فالجزائر تحتفظ بهذه الورقة، كما أن هذه التوجهات أصبحت الآن متجاوزة بفضل ما تعيشه المنطقة في حد ذاتها، وبفضل ما يعيشه العالم من حولنا، وأعتقد أن صوت الحكمة الحقيقي، الذي يجب أن يطغى على موقف المسؤولين الجزائريين هو قبول الحل السياسي والتعامل مع المغرب كشريك ممتاز لبناء مغرب عربي يتمتع بثقل على الصعيد الدولي. ود كثير من الزعماء الأفارقة لو أن المغرب رجع إلى الاتحاد الإفريقي، غير أن الانتخابات الأخيرة لتجديد المكتب التنفيذي للاتحاد أوصلت ممثلا عن جبهة البوليساريو إليه، هل يمكن للموقف المغربي أن يعرف تطورا معينا في هذا الملف؟ لا إمكانية إطلاقا لعودة المغرب إلى حظيرة الاتحاد الإفريقي ما دامت جبهة البوليساريو عضوا فيه. فالمغرب دولة مبادئ، وقد اتخذ قراره يومها حين قبلت الجبهة في عضوية منظمة الوحدة الإفريقية بالانسحاب، ملتزما بأنه لا عودة له إليها إلا بعودة المشروعية إليها. والمشروعية سواء فهمناها بالطريقة المغربية أو بالطريقة الجزائرية تبقى إلى جانب الحق المغربي، فحتى وفق الأطروحة الجزائرية نرى أن الجزائر تناصر تقرير المصير وتناصر الاستفتاء، وهذا يعني أن مصير الإقليم لم يحسم بعد، وأنه لا مكان لما يسمى الجمهورية الصحراوية، وبالتالي إذا كان المنطق الجزائري يفترض جدلا أنه لا وجود لهذه الجمهورية الوهمية ما لم يتم تطبيق الاستفتاء والتوصل إلى نتيجته بالإيجاب، فكيف يمكنها إذن أن تمارس ضغوطها على البلدان الإفريقية لقبول مثل هذه الدولة المتوهمة كعضو داخلها. ودعني أقول لك إن المغرب لم يكن إفريقيا أكثر مما هو إفريقي اليوم بعد انسحابه من المنظمة، وقد ظهر ذلك واضحا من خلال بناء علاقة ثنائية مكثفة مع كل البلدان الإفريقية شملت إقامة مناطق للتبادل الحر وتوقيع اتفاقيات تتعلق بعدم الازدواج الضريبي وبالاستثمار وبحماية مصالح كل الأطراف. وإن أكبر دليل على ذلك هو الزيارة التي قام بها العاهل المغربي إلى خمسة بلدان إفريقية أظهرت مستوى هذا التعاون وقيمته. حاوره: عبد الرحمن الخالدي