بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    المغرب التطواني يفوز على مضيفه اتحاد طنجة (2-1)    الوزير بنسعيد يترأس بتطوان لقاء تواصليا مع منتخبي الأصالة والمعاصرة    العسكريات يضيعن لقب أبطال إفريقيا بعد الخسارة من مازيمبي 1-0    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    الإمارات: المنتخب المغربي يفوز بكأسي البطولة العربية ال43 للغولف بعجمان    المنتخب الوطني المغربي يتعادل مع الجزائر ويتأهل إلى نهائيات كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء        التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    الجزائر تعتقل كاتبا إثر تصريحاته التي اتهم فيها الاستعمار الفرنسي باقتطاع أراض مغربية لصالح الجزائر    مكتب "بنخضرة" يتوقع إنشاء السلطة العليا لمشروع أنبوب الغاز نيجيريا- المغرب في سنة 2025    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    الشراكة الاستراتيجية بين الصين والمغرب: تعزيز التعاون من أجل مستقبل مشترك    استغلال النفوذ يجر شرطيا إلى التحقيق    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    معهد التكنولوجيا التطبيقية المسيرة بالجديدة يحتفل ذكرى المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال    انخفاض مفرغات الصيد البحري بميناء الناظور    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسرائيل والشراكة مع الحلف الأطلسي
نشر في العلم يوم 19 - 10 - 2009

ذكرت عدة مصادر اعلامية ووكالات أنباء يوم الثلاثاء 13 أكتوبر 2009 أن قيادة قوات حلف الأطلسي «ناتو» وافقت على طلب إسرائيل إشراكها في قوات حماية البحر الأبيض المتوسط أو ما يسمى قوة »الجهد الفعال«، وذلك بواحدة من سفنها الحربية المتطورة. وقد تم إرسال ضابط كبير من سلاح البحرية الإسرائيلي إلى قاعدة «الناتو» في نابولي الإيطالية، لترتيب هذه المشاركة بشكل نهائي قبل أن يتم وضع أسس لطواقم ارتباط إسرائيلية مستقرة في القيادة.
وتضم قيادة القوة في نابولي ضباط استخبارات بحرية من العديد من الدول، بمن فيها دول ليست اعضاء في حلف الناتو. ويتولى هؤلاء الضباط تحليل حركة السفن في المياه الإقليمية لدول البحر المتوسط والتعرف الى هوية هذه السفن.
الخبر قد يظهر للبعض غير خارج عن سياق مسلسل التحالف الغربي مع إسرائيل، ولكن الواقع غير ذلك لأن هذا التوجه لإنفتاح حلف الناتو بشكل علني وغير مسبوق يحمل في طياته أبعادا هامة تخص كل منطقة الشرق الأوسط ودول الواجهة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط.
وكانت إسرائيل قد تقدمت بطلب المشاركة في هذه القوة تقريبا بعد أسابيع قليلة جدا من الشروع العملي في تشكيلها سنة 2001، لكن قيادة الحلف كانت ترفض باستمرار. وعللت رفضها بالقول: «نحن نقدر عاليا قدرات سلاح البحرية الإسرائيلي، ولكن مشاركته في هذه القوات قد تتسبب في زيادة أخطار الاعتداءات الإرهابية». وتشدد رفض قيادة الحلف للطلب الإسرائيلي بعد حرب لبنان سنة 2006 وحرب غزة في ديسمبر 2008. ولكن إسرائيل واصلت محاولاتها حتى قبلت مشاركتها أخيرا. وقد تم إبلاغ قرار الموافقة إلى قائد سلاح البحرية الإسرائيلي الأدميرال أليعيزر تشيني مروم، لدى مشاركته في مؤتمر دولي لقادة أسلحة البحرية، عقد خلال الأسبوع الأول من شهر أكتوبر 2009 في الولايات المتحدة، ولكن الخبر لم يصل الى الصحافة إلا بعد أيام من ذلك.
وسائل الأعلام الإسرائيلية قدمت الحدث كإختراق ونصر، وأشارت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية إلى أن هذه ستكون أول مشاركة إسرائيلية علنية في مهمات عسكرية ينفذها «الناتو».
واعتبر عوفر شلاح في «معاريف» أن انضمام إسرائيل لقوة «الجهد الفعال» التابعة لحلف الأطلسي يعتبر تطورا مدويا في غاية الأهمية خاصة أنه يأتي في وقت توجد فيه تل أبيب أبعد من أي وقت مضى عن التسوية الجزئية فما بالك بالشاملة، وحيث تتراجع شرعية عملياتها العسكرية. فحلف «الناتو» يعتبر التعاون مع الدول الأجنبية نوعا من التقدير أو شهادة حسن سلوك. وشدد على أن هناك أهمية بارزة أيضا للتوقيت. ولاحظ أن الانضمام لقوة ال «ناتو» البحرية هذه يمنح إسرائيل فرصة للتواجد في أماكن بعيدة من دون لفت نظر أو اشتباه. ومع ذلك أشار إلى أن لهذا القرار ثمنا وهو أن على إسرائيل أن تأخذ بالحسبان من الآن فصاعدا مواقف دول حلف ال»ناتو» تجاه حل الصراع في الشرق الأوسط.
التحكم في البحر المتوسط
يذكر أن حلف «الناتو» وبتوجيه من الولايات المتحدة كلف بالسيطرة الأمنية على البحر الأبيض المتوسط بقوات عسكرية وسفن حربية وطائرات منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن، وذلك في إطار ما يطلق عليه غربيا جهود محاربة الإرهاب ومنع خصوم التحالف الغربي من تهديد السفن العاملة ضمن المنطلقة أو المتجهة إلى مواني دول الحلف المطلة على البحر المتوسط من خارجها.
وقد شكلت لهذا الغرض قوة خاصة نصفها من الأسلحة البحرية لليونان وتركيا وإيطاليا وإسبانيا والنصف الآخر من بقية قوات «الناتو» يساندها جزء من الأسطول السادس الأمريكي وتضم سفن دورية بحرية وغواصات وطائرات تجسس. وهي تقوم كذلك بإعتراض طريق السفن التي تحددها مكاتب استطلاعها وحسب مقاييسها وليس حسب القانون الدولي، كما يمكنها ان تسيطر على سفن أخرى وتصادرها مثلا بدعوى نقلها أسلحة لدولة أو منظمة معادية، كما ترافق بعض السفن حتى خروجها من جبل طارق أو قناة السويس اذا قدرت انها مهددة أو عرضة لهجمات بحرية.
المحللون والساسة الإسرائيليون اعتبروا الموافقة الأطلسية على المشاركة في قوة «الجهد الفعال» قفزة في العلاقات الاستراتيجية مع الغرب وبداية القبول العلني لإسرائيل فيما يسمى المعركة العالمية لمكافحة ما يوصف بالإرهاب الدولي. فحتى الآن كانت إسرائيل تشارك في الجهد الغربي بشكل سري، لأن دول الغرب كانت تحاول تفادي الظهور شريكة معها في العداء والمواجهة مع الفلسطينيين بشكل خاص ومع العرب بشكل عام. ولكن، مع اتساع صانعي القرار المروجين والمشجعين لمقولة العداء بين التنظيمات المسلحة الموصوفة غربيا بالمتطرفة ودول عديدة في العالم، بما فيها دول عربية وإسلامية، بات ضم إسرائيل الى ذلك التحالف وضد تلك التنظيمات أسهل حسب منطق المتحكمين في تحديد سياسات التحالف في بروكسل. وهذا هو ما أتاح تغيير موقف الناتو الرسمي، حسب التقديرات الإسرائيلية.
وسبق أن وقعت إسرائيل اتفاقا أمنيا مع الحلف عام 2001، وأصبحت عضوا مشاركا في الحوار المتوسطي عام 2004، وفي 2006 دخلت إسرائيل لتشارك في تدريبات عسكرية أقامها الحلف في تركيا والولايات المتحدة، وتكرر ذلك في 2007. وشاركت القوات الإسرائيلية في مايو 2006 في مناورات الحلف بمنطقة البحر الأبيض المتوسط وأوكرانيا، وهى المناورات العسكرية التي سبقت ضرب إسرائيل للبنان بشهرين تقريبا.
وأبرمت إسرائيل اتفاق تعاون مع الحلف في أكتوبر 2006، يشمل 27 مجالا مثل مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والحوار السياسي والمناورات العسكرية وإدارة نزع السلاح وعدم انتشار أسلحة الدمار الشامل.
تعويض
قرار الأطلسي تزامن مع إعلان تركيا إلغاء مشاركة الطائرات الإسرائيلية في مناورة «نسر الأناضول» التي تجري خلال شهر أكتوبر على أراضيها مع قوات غربية لحلف «الناتو».
رئيس وزراء تركيا اردوغان فسر قرار أنقرة، وقال في مقابلات صحفية وتلفزية : «توجد حاليا حساسيات دبلوماسية في المنطقة، ونحن أخذنا بالاعتبار عندما قررنا التأجيل ضمير شعبنا. لأن شعبي كان يرفض مشاركة إسرائيل. ولذلك تشاورت مع الجهات المسؤولة عندنا وقلنا نعم، هذه المناورات ستجري ولكن إسرائيل لن تشارك فيها».
وكان اردوغان قد قال قبل ذلك لأعضاء حزبه أن «هناك دولا يحظى فيها الأطفال بالتعليم الأفضل والخدمات الصحية المتطورة. وفي أماكن أخرى هناك اليأس، الفقر، الحرب، وأسلحة الدمار الشامل. علينا أن نصغي لأصوات المظلومين، العراق احتل، وكذلك غزة. والبشرية تنظر إلى هذه المظالم من أبراج مريحة». وأضاف أن «البشرية بأسرها رأت قنابل الفوسفور تلقى على أطفال أبرياء في غزة فيما هي جالسة على أرائكها المريحة».
وقد تبين يوم الأثنين 12 أكتوبر أن تركيا لم تلغ فقط التدريبات المشتركة مع إسرائيل، المقررة ليوم الأحد وحتى 22 أكتوبر 2009 فحسب، بل ألغت أيضا التدريبات المقررة للصيف القادم.
تل أبيب استقبلت قرار «الناتو» بإرتياح زائد واعتبرته تعويضا عن التعاون المباشر وردا للإعتبار بعد منع الطيران الإسرائيلي من المشاركة في مناورات «نسر الأناضول»، والأهم من ذلك كله هو أن تل أبيب اعتبرت القرار الأطلسي خطوة المدخل للإنضمام الى الحلف بأفضل الأشكال التي تناسب سياستها، وهو المقصد الذي تسعى اليه منذ عقود.
إسرائيل ولإدراكها الأهمية التي لتركيا لدى حلف الأطلسي على الأقل حتى الوقت الحاضر مارست سياسة الجزرة والعصى تجاه أنقرة حيث عقد وكيل وزارة الخارجية يوسي غال يوم 11 أكتوبر جلسة طارئة للبحث في تداعيات هذه الأزمة على العلاقات الإسرائيلية التركية ودرس سبل إنقاذ مستقبل التحالف الاستراتيجي بين الطرفين. وبحسب موظف في الوزارة، فإن ثمة مخاوف إسرائيلية حقيقية من أن العلاقات مع تركيا في خطر حقيقي في أعقاب الدرك الذي وصلته بعد الحرب الإسرائيلية على غزة. وأضاف أنه يتحتم على إسرائيل تدارك الموقف بسرعة لتفادي الأزمة الخطيرة في العلاقات، معتبرا قرار تركيا إلغاء مشاركة إسرائيل في المناورات خرقا لتفاهمات إسرائيلية تركية أمريكية.
من جهته، اعتبر الوزير بنيامين بن اليعيزر أن من السابق لأوانه الحديث عن «أننا خسرنا العلاقة مع تركيا»، وقال للإذاعة العامة إن «تركيا ما زالت جارة مهمة لإسرائيل وعلاقاتنا بها تتميز بمصالح استراتيجية كبرى وعليا، ما يحتم العمل على تفادي حصول أي أزمة معها». وأيدت محافل أمنية هذا الموقف مشيرة إلى التعاون الوطيد بين وزارة الدفاع الإسرائيلية والجيش التركي. وتوقعت استمرار هذا التعاون الذي ازدهر منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، «لكن من دون إبرازه».
وحسب مسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية، فإن القيادة الإسرائيلية لم تحسن تقدير الأمور وحسبت أن الخلافات مع أنقرة مسألة تكتيكية، ولذلك حصل التدهور. ففي أغسطس الماضي جرى التدريب السنوي المشترك بين قوات البحرية من الطرفين، لكن تركيا رفضت فقط أن يشارك مندوب إسرائيلي في المؤتمر الصحافي لتلخيص هذه التدريبات، على عكس المتبع منذ عشر سنوات.
في المقابل، ارتفعت أصوات إسرائيلية تطالب ب «عدم الانحناء وخفض الرأس» أمام تركيا، وقالت إنه يجب التوضيح لأردوغان انه «لا يمكنه إمساك العصا من طرفيها، الحفاظ على مكانة تركيا لدى الغرب من جهة، ومن أخرى إقامة علاقات مع دول متطرفة».
شراكة أم عضوية
اعتمدت إسرائيل في علاقاتها مع دول الغرب على الحلف من أجل إنشاء ودعم دولة إسرائيل، وكادت في عام 1950 أن تصبح عضوا في الحلف، ولكن ذلك لم يحدث بسبب مخاوف من الولايات المتحدة من لجوء البلدان العربية إلى الكتلة السوفييتية للتسلح بقوة بما في ذلك السلاح النووي لإحباط سياسة إسرائيل.
وبعد حرب يونيو 1967، تطورت العلاقات بين أمريكا وإسرائيل تحت عباءة الحلف، وتبعتها في ذلك بلدان الناتو بصورة سرية، وخلال حرب أكتوبر 1973 أرسلت الولايات المتحدة طائراتها العسكرية وسحبت من مخازن الحلف في أوروبا مئات الدبابات وآلاف الأطنان من الذخائر والأسلحة لدعم الجيش الإسرائيلي، وفي عام 1982 وقعت الولايات المتحدة على مذكرة اتفاق استراتيجي مع إسرائيل بإقامة عدد من المستودعات والمخازن للأسلحة والذخيرة المتطورة. وقيل في بركسيل ان ذلك المخزون يمكن أن يستخدم لدعم الناتو في عملياته خارج الساحة الأوروبية.
ليس هناك اجماع في إسرائيل على قضية الإنضمام الى «الناتو»، حيث توجد مدرستان للتعاطي معها. وترى إحدى المدرستين أن الانضمام للحلف يوفر لإسرائيل ضمانة أمنية واقتصادية هائلة لا يمكن تقديرها على المدى القريب. وتقبل هذه المدرسة بأن تدفع إسرائيل الاستحقاقات المطلوبة مثل تعريف الحدود والتوصل لاتفاقات سلام مع الفلسطينيين والدول العربية وإنهاء التمييز ضد الأقلية العربية في إسرائيل حسبما تتطلب الأدبيات الرسمية المحددة لشروط العضوية. غير أن المدرسة التي تعارض الانضمام للحلف ترى أن ذلك يقيد حركة إسرائيل ويمنعها من امتلاك الحرية في الدفاع عن نفسها فضلا عن أنه يلزمها بتنازلات إقليمية ليس هناك إجماع حولها.
ويشير هؤلاء الى انه علاوة على ذلك، يجب على إسرائيل أن تأخذ في الاعتبار أن عضوية الحلف ستلزمها بتقديم مساعدات عسكرية لأي من الدول الأعضاء التي تتعرض لأي هجوم.
فالبند الخامس من ميثاق الحلف ينص صراحة على «أن أي هجوم على أي من دول الحلف سيعد هجوما على جميع دول الحلف».
وبالتالي فإن على تل أبيب أن تأخذ في الاعتبار أن هذا الالتزام من الممكن أن يدفعها مستقبلا لإرسال قوات من جيشها إلى خارج الحدود، والاشتراك في حروب ليس لها فيها ناقة ولا جمل، وهو ما سيجابه ب»حساسية» شديدة داخل إسرائيل، وسيقابل أيضا بالكثير من المعارضة من جانب الجمهور الإسرائيلي، حيث ستتعرض حياة الجنود الإسرائيليين للخطر في حروب لا تتصل بالدفاع عن إسرائيل.
ومن الناحية السياسية فإن على إسرائيل أن تأخذ في الاعتبار أن مواقفها السياسية، تتعارض مع المواقف السياسية لبعض الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف.
فإسرائيل يهمها للغاية أن تستمر الولايات المتحدة فقط في قيادة المسيرة السياسية فيما يتعلق بالصراع بالشرق الأوسط، وانضمام إسرائيل للناتو من الممكن أن يمنح الدول الأوروبية «شرعية كبيرة» للتدخل في الصراع مع الفلسطينيين، ومن ثم تكون النتيجة النهائية «تجميد» دور الولايات المتحدة وثقلها في إدارة هذا الصراع، وهو ما يتعارض مع المصالح الإسرائيلية لإن أوروبا قد تكون أقل انحيازا للأطروحات الصهيونية.
تنويع الوظائف
جاء في ورقة عمل أصدرها معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، تحت عنوان «إسرائيل والناتو.. الفوائد والمعوقات»، نوفمبر 2008 وأشرف على وضعها زكي شالوم المحاضر في جامعة بن غوريون بالنقب، والباحث في معهد أبحاث الأمن الرقمي التابع لجامعة تل أبيب: تعتبر إسرائيل من بين الدول المتوسطية التي عمل حلف الناتو على تعزيز التعاون معها، في إطار الرؤية الإستراتيجية الجديدة التي تبناها الحلف، تمشيا مع التطورات العالمية التي أعقبت نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي، واستجابة أيضا لأنماط جديدة من التهديدات تختلف بصورة جذرية عن التهديدات التقليدية التي كان يواجهها الحلف من قبل.
وهي الرؤية التي تقوم على تنويع الوظائف التي يقوم بها الحلف، وعدم قصرها على الجانب العسكري فقط، علاوة على تعزيز وجود الحلف في مناطق جغرافية خارج نطاق عمله التقليدي أيام الحرب الباردة.
وظهر هذا التعاون المتزايد بين إسرائيل والناتو بصورة واضحة في شهر فبراير عام 2005 عندما قام «ياب دي هوب شيفر»، أمين عام الحلف، بزيارة رسمية إلى إسرائيل، وذلك للمرة الأولى، وهي الزيارة التي شهدت انطلاقة التعاون العملي العسكري والإستراتيجي بين الحلف وإسرائيل.
وكانت الزيارة نتيجة منطقية للقرار الذي اتخذته قمة الناتو، التي عقدت في إستانبول بتركيا في الفترة ما بين 28-29 يونيو من العام 2004، بتعميق التعاون بين الحلف وبين دول متوسطية معينة.
وتضيف ورقة العمل، ينطوي تعميق التعاون الأمني مع الناتو، من وجهة نظر إسرائيل، على عدد من الميزات في أربعة مجالات رئيسة وهي: السياسي، والإستراتيجي- الأمني، والعسكري- التكنولوجي، والاقتصادي.
1- المجال السياسي: سيؤدي تعميق التعاون الأمني بين إسرائيل ودول الناتو بشكل تلقائي إلى تعزيز المكانة السياسية لإسرائيل في المنطقة والعالم، وسيتضح للفلسطينيين وللدول العربية الأخرى، خاصة مصر، أن المجتمع الدولي بلور علاقات ضرورية مع إسرائيل، حظيت باتفاق واسع بين عدد كبير من الدول.
ومع أن معظم الدول الأعضاء في الناتو لا تتفق مع إسرائيل في سياساتها تجاه الفلسطينيين، إلا أن ذلك لم يمنع هذه الدول من الموافقة على التعاون مع إسرائيل في المجالات الأمنية، والاقتصادية والسياسية، الأمر الذي يعني «سحب الشرعية» من الممارسات العدائية التي يشنها العرب والفلسطينيين ضد إسرائيل، لاسيما فيما يتعلق بالعمل على عزل إسرائيل سياسيا، وفرض مقاطعة اقتصادية عليها.
من ناحية أخرى، فإن تعميق التعاون الإسرائيلي مع «الناتو»، سيعزز من قيمة «المساومة» بين إسرائيل والولايات المتحدة، وكذلك مع دول الاتحاد الأوروبي، التي هي في غالبيتها أعضاء في الناتو.
فحتى الآن تعيش إسرائيل وفق تصور كونها دولة معزولة للغاية على الصعيد الدولي، وحليفاتها الوحيدة في العالم هي الولايات المتحدة.
وفي حال تعزيزها للتعاون مع الناتو، فستبدو إسرائيل على أنها دولة لا تعتمد في حماية أمنها على علاقاتها مع الولايات المتحدة فقط.
2- المجال الإستراتيجي- الأمني: سيعزز التعاون مع الناتو من قوة «الردع» الإسرائيلية في مواجهة أعداء محتملين، مما يدفعهم للأخذ في الاعتبار أن إسرائيل لن تكون وحيدة في حال حدوث مواجهة عسكرية معهم.
وحتى إذا لم يكن البروتوكول الذي وقعته إسرائيل مع الناتو ملزما للأخير بالتدخل العسكري لمساندتها، فإنه سيكون من المقبول للغاية أن تحصل إسرائيل على مساعدات عسكرية مباشرة من الناتو.
ومن ناحية أخرى، ستأخذ كل الأطراف المعادية لإسرائيل في الاعتبار أن تعميق التعاون العسكري بين الناتو وتل أبيب، سيؤدي بطبيعة الحال لتعميق التعاون العسكري بين إسرائيل وتركيا العضو الأساسي بالحلف.
ونتيجة لذلك، ستزداد احتمالات توسيع العمل العسكري من جانب إسرائيل ضدهم، إذا اقتضت الضرورة ذلك.
سوق تسلح
3- المجال العسكري- التكنولوجي: من شأن التعاون مع الناتو أن يتيح لإسرائيل الإطلاع على منظومات تكنولوجية متقدمة، وعلى وسائل قتالية أخرى، بشكل يمكنها من مواجهة التهديدات المستقبلية التي من الممكن أن تتعرض لها، سواء على مستوى الحروب العسكرية، أو على التحديات الأمنية الآنية.
كما أن التدريبات المشتركة مع دول الناتو من الممكن أن تحسن من خبرة الجيش الإسرائيلي وقدرته على تفعيل قوته بشكل واسع، لاسيما في مجال مكافحة الإرهاب، حيث ستتمكن إسرائيل من الإطلاع على مصادر معلوماتية ووسائل عمل لا تزال غير متاحة أمامها.
4- المجال الاقتصادي: سيمكن التعاون مع الناتو في هذا المجال إسرائيل من تحقيق مكانة خاصة في كل ما يتعلق بصفقات السلاح، واستيراد وتصدير المعدات الأمنية والقتالية مع دول الناتو، ما يعزز من المكانة الخاصة التي تحظى بها إسرائيل في هذا المجال مع الولايات المتحدة، حيث توصف إسرائيل «بأنها أهم حليفة للولايات المتحدة خارج نطاق الناتو».
وإجمالا يمكن القول إن استمرار تعزيز التعاون الأمني الإسرائيلي مع دول الناتو، يخدم المصالح الإستراتيجية والسياسية والأمنية الإسرائيلية، وينطوي على الكثير من المزايا، ومن الصعب للغاية أن نجد فيه أي جوانب سلبية.
أهداف جديدة وقديمة
أسس حلف شمال الأطلسي أو حلف الناتو عام 1949 بناء على معاهدة شمال الأطلسي التي تم التوقيع عليها في واشنطن 4 أبريل من العام نفسه. وإتخذ من بروكسل عاصمة بلجيكا مقرا لقيادته. وكان دور الحلف الرسمي في فترة التأسيس تولي مهمة الدفاع عن أوروبا الغربية ضد الاتحاد السوفياتي والدول التي شكلت سنة 1955 حلف وارسو في سياق الحرب الباردة.
قبل انهيار الاتحاد السوفيتي أقتصر دور الناتو غالبا على مواجهة محاولات الكرملين التوسع بمنظومته العسكرية والاقتصادية في القارة العجوز ولم تنجح الولايات المتحدة في جر حلفائها في الحلف الى توسيع نطاق تأثيرهم وتدخلهم أولا بسبب حذر الأوروبيين وعدم رغبتهم في تكرار مآسي الحروب، وثانيا بسبب محدودية قدرة هؤلاء على الأمتداد أبعد كثيرا من حدود القارة الأوروبية في وجه القدرات الضخمة للمعسكر الإشتراكي الذي كان يبحث عن منفذ الى المياه الدافئة.
خلال عدة فترات من فصول الحرب الباردة سعت واشنطن لمد أذرع الحلف الى منطقة الشرق الأوسط وغيره أما عن طريق مباشر بمشاركتها، أو عن طريق أطراف اخرى عندما واجهت مشاكل في تنفيذ مخططها، فدفعت تركيا أولا ثم بريطانيا الى الى تكوين حلف بغداد سنة 1955 بهدف معلن هو الوقوف بوجه المد الشيوعي في الشرق الأوسط وتأمين أمن العالم الحر خلال عقد الخمسينات، وكان يتكون إلى جانب المملكة المتحدة كل من العراق وتركيا وإيران وباكستان. إلا أن هذا الحلف حل بعد انسحاب العراق منه إبان إعلان ثورة 14 يوليو 1958.
بعد انهيار الإتحاد السوفيتي وحل حلف وارسو طالب الكثيرون في الغرب والشرق على السواء بحل حلف «الناتو» لأن مسببات قيامه قد انتهت، ولكن بعض أعضاء الحلف وفي مقدمتهم الولايات المتحدة رفضوا ذلك واختلقوا خاصة بعد احداث 11 سبتمبر 2001 أعداء جدد لمواصلة تبرير وجود الحلف.
وهكذا فإن المتابع لتوجهات حلف «الناتو» في فترة ما بعد الحرب الباردة يستطيع أن يؤكد أن منطقة الشرق الأوسط باتت من مناطق العالم التي وضعت في أولويات اهتمامات «الناتو»، وذلك بعد أن قام الحلف بمساندة الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان بشكل مباشر أو غير مباشر، مرورا بتوسيع الحوار مع دول جنوب المتوسط، وتطوير علاقاته بدول مجلس التعاون الخليجي، وانتهاء بفرض وجوده في منطقة بحر العرب وخليج عدن لتعزيز الأمن الملاحي. زيادة عن دوره الرقابي في منع تسليح قوى المقاومة في فلسطين ولبنان.
حلف الناتو تبنى السياسة الأمريكية بخصوص ضرورة تأمين الهيمنة على مقدرات المنطقة الشرق أوسطية من النفط والمواد الخام الأساسية الأخرى، بما فيها الطاقة التي يمكن توليدها من الشمس على مساحات من الأرض تفوق مساحة الولايات المتحدة.
وهكذا أصبح حلف الناتو الذراع الأساسية لتحقيق المصالح الإستراتيجية للغرب وهو ما يسير حتما في عكس مصلحة دول المنطقة، في زمن العولمة السياسية والاقتصادية، ليحولها إلى ما يشبه العولمة العسكرية، وذلك بخلق صيغ ناعمة للتعاون العسكري مع دول المنطقة، أو من خلال صياغات مرنة للتعامل، لتعود فكرة الاستقرار الأمني أولا إلى واجهة الوسائل والأدوات التي يستخدمها الحلف.
وتحت أعذار عديدة ومسميات مختلفة قد تكون نبيلة عندما تبحث عنها في القواميس تتدخل دول الاستعمار القديم والجديد أكثر فأكثر في شؤون دول الشرق الأوسط وأفريقيا، وتحرك حمى الطائفية وحركات الانفصال والتقسيم في نطاق محاولة رسم خريطة جديدة لكل منطقة الشرق الأوسط التي تمتد حسب المصطلح الأمريكي من أفغانستان مرورا بالعراق ومصر وصولا الى المغرب.
وريما لن يكون من المبالغة أن يأت اليوم الذي تملي فيه القوى الإستعمارية الجديدة تحت غطاء مسببات عدة على الدول المرشحة لمزيد من السيطرة الإستعمارية ماذا تزرع وتأكل وتلبس وتقرأ شعوبها وليس فقط التحكم في شأنها السياسي.
مشاركة إسرائيل في المنظومة الهادفة الى إعادة استعمار العديد من مناطق العالم ذات الأهمية الإستراتيجية القصوى كصحاب قرار له أبعاده التي تحدد حجم ومدى الأخطار المحدقة، وهو كوقع يختلف عن الشريك بالأسم فقط والمجبر على التعاون لأنه في الواقع ليس أكثر من تابع قنوع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.