مباشرة بعد انتهاء أشغال الدورة الأولى لمنتدى المستقبل تمت المبادرة لعقد لقاء غير رسمي هدف بالأساس لتجاذب الحديث حول تعاطي المغرب مع هذا المشروع، والمحددات التي حكمت مواقفه منذ انطلاق الحديث في بداية السنة الجارية، ذلك أن المغرب رغم توجيه الدعوة له من أجل حضور قمة سي آيلاند في يونيو الماضي لم يحضر وتريث في الانخراط الريادي فيه، رغم أن دولا عربية أخرى حضرت القمة كما لم يحضر أيضا قمة استانبول الخاصة بحلف الأطلسي في نهاية نفس الشهر، والتي عالجت موضوع شراكة أمنية جديدة تنسجم والتحديات الجديدة في المنطقة ككل و توازي التطور الحاصل على المستوى السياسي والاقتصادي على صعيد مجموعة الدول الثماني. المغرب واحتضان المنتدى حملت نتائج اجتماع سي آيلاند عدة عناصر دفعت المغرب نحو تغيير موقفه، وذلك وفق ثلاث محددات، أولا عدم القبول بأن يفرض أي شيء من الخارج، وضرورة إدراج مشكلات النزاع التي تعرفها المنطقة بكل من فلسطين والعراق ضمن المشروع، وأن حضور إسرائيل في هذا المسلسل غير وراد مادام الأمر يتعلق بنقاش مسلسل إصلاحات في المنطقة، وهي محددات عكست تخوفات وتساؤلات اشترك المغرب في طرحها مع عدد من الدول وخاصة على الصعيد الأوربي، وعرفت نوعا من الاستجابة في بيان قمة آيلاند والذي أعلن صراحة الأخذ بعين الاعتبار التجارب الأوروبية في هذا المجال وعلى راسها تجربة مسلسل برشلونة، مما حول موقف المغرب نحو تفاعل أكثر جدية، لاسيما بعد أن أقدمت الولاياتالمتحدة على الاتصال بالخارجية المغربية في يوليوز الماضي عارضة استضافة المغرب للاجتماع الثاني لمنتدى المستقبل على أن يكون الاجتماع الأول بدولة أوربية، وعلى إثر سلسلة اتصالات تشاورية للمغرب مع عدد من الدول الأوربية تم التوافق على اقتراح أن يكون الاجتماع الأول بالمغرب، وذلك بالنظر لموقعه وتجربته إزاء كل من مسلسل برشلونة والنزاع العربي- الإسرائيلي. لقد فرض تحمل المغرب لمسؤولية استضافة الاجتماع الأول طرح مجموعة من القضايا على مستوى التحضير للاجتماع، منها ما ارتبط بالحضور ومنها ما ارتبط بجدول الأعمال وقضاياه، حيث أن اجتماع نيويورك التحضيري لم يعرف حضور عدد من الدول كموريتانيا وليبيا والسودان وسوريا ولبنان وإيران، حيث تحرك المغرب لصالح حضور هذه الدول، وهو ما تم باستثناء السودان حيث رفضت بشدة دول أروبية منها فرنسا وألمانيا فضلا عن الولاياتالمتحدة حضورها، وتم الاتفاق على أن لا تناقش قضية دارفور في غياب الحكومة السودانية وهو ما تم في نهاية المطاف، أما إيران فقد اعتذرت وتلا ذلك اعتذار كل من وزير خارجية سوريا ولبنان في آخر لحظة عن المجيء ومع تعويضهما بمساعدين من مستوى عال، أما على مستوى جدول الأعمال فقد برمج حضور وزراء المالية والاقتصاد وعدم الاكتفاء بوزراء الخارجية فضلا عن إرجاء موضوع التربية والتعليم حتى تتضح الصورة أكثر ويقع التفاهم حول المفاهيم المؤطرة لمسألة النظم التربوية، هذا بالرغم من كون ملخص الرئاسة تطرق لهذا الملف معلنا عن برمجة اجتماع لوزراء التربية في ماي المقبل بالأردن، أيضا على مستوى جدول الأعمال تمت برمجة كلمات لكل من جامعة الدول العربية والاتحاد الأوربي بما يخدم مشروع دعم الهيئات الإقليمية ورغم التحفظ الأمريكي من أن هناك دولا مسلمة غير عربية مشاركة في الاجتماع كتركيا وباكستان، وتم تجاوز هذا التحفظ بإعطاؤها هي الأخرى كلمات في الجلسة الافتتاحية. دور المغرب في اللقاء المشار إليه والذي انعقد أول أمس الأحد، أعلن مسؤول مغربي فضل عدم الإفصاح عن نفسه أن مبادرة إعداد مسودة البيان جاءت من المغرب وأجرى في سبيل ذلك عدد من الاتصالات، كما استثمرت اللقاءات الإقليمية التي عرفتها المنطقة كاجتماع وهران ل5+5 وقمة الناتو في نونبر ببروكسيل، وقبل الاجتماع كانت هناك مجموعات عمل متعددة شاركت فيها عدد من الدول العربية، واختص المغرب بموضوع المقاولات، كما كانت هناك مجموعات همت قضايا الديموقراطية والاستثمار والتمويلات الصغرى والتربية، ورغم أن المغرب يتحمل مسؤولية التنسيق إلى غاية الاجتماع القادم بالبحرين، إلا أنه لم يقرر مسألة إحداث أمانة دائمة أو سكرتارية خاصة، أي أن هذا المشروع لم يصل لدرجة تعبئة كافة الأطراف بل ما تزال سلوكات عدد منها مشوبة بالحذر وخاصة إزاء الثقة في القول الأمركي بأن الإصلاحات لا يمكن أن تفرض من الخارج، أي أن المستقبل ليس مطمئنا. المعطى المؤسساتي من الناحية المؤسساتية تمت المقارنة مع تجربة المؤتمر الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي انطلقت في أواسط التسعينات، حيث توفر ذلك المشروع على أمانة دائمة ومؤسسات لضمان تطبيقه إلا أنه فشل بعد ثلاث دورات ولم يعد أحد يحيل عليه كتجربة ناجحة، وفي الوقت نفسه هناك تجربة مسار برشلونة للشراكة والتي لم تعرف إحداث مؤسسة دائمة سوى لجنة للتنسيق ورغم ذلك ما يزال هذا المسار قائما دون أن نغفل ما يعتريه من ضعف وكذا ما يلحظ من تصميم أوروبي على إعطاء الأولوية فيه لقضايا مكافحة الهجرة السرية والمخدرات والإرهاب. ومن خلال هاتين التجربتين فالمعطى المؤسساتي قائم ويمكن التطور إليه إذا ما ظهرت الحاجة إليه، أما الآن فلم يظهر أنه من المستحسن القيام بإحداث مؤسسات دائمة. ليونة الموقف الأمريكي وعلاقة بما سبق طرحت قضية حول حيثيات الليونة التي ظهرت في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي كولن باول، ومدى كونها مرتبطة برغبة في تسويق صورة إيجابية عنه قبيل مغادرته لموقع المسؤول الأول عن الخارجية الأمريكية، حيث كان التعليق هو أن مجمل عملية الإعداد لاجتماع الرباط تمت بتنسيق مباشر مع كوندوليزا رايس المستشارة الحالية للأمن القومي بالبيت الأبيض والمسؤولة القادمة عن ملف الخارجية الأمريكية، وأن التنسيق معها هم مختلف القضايا من الحضور والبرنامج والبيان، ولهذا من الصعب اختزال الأمر في شخص باول. كما وظف الاحتجاج على المنتدى من خارجه، لمصلحة مواجهة بعض الأطروحات الأمريكية، والتأكيد على ضرورة احترام الخصوصيات الثقافية والدينية وأن الإصلاحات يجب أن تنبثق من الداخل لا أن تفرض من الخارج، وأن الشارع يفكر في قضايا أخرى، هذا في الوقت الذي عجز فيه ممثلوا المؤتمر المدني الموازي عن حسم المتدخلين الاثنين نيابة عن ممثلي المؤتمر الأربعة الحاضرين في الاجتماع، حيت تم اللجوء في نهاية المطاف إلى منح الكلمة للأربعة، مع الإشارة إلى أن الضغط الأمريكي كان قويا لصالحهم. الدلالة الاستراتيجية لاحتضان المغرب للاجتماع من ناحية أشمل، فقد وظف احتضان المغرب للاجتماع لصالح تعزيز موقعه في المنطقة، وتأكيد أهمية النموذج الذي يمثله بالنظر لمشروع الإصلاحات من ناحية، وبالنظر للتحديات المتزايدة في المنطقة من ناحية أخرى، وأهمها ما يجري حاليا على صعيد الحلف الأطلسي أو على صعيد المنطقة المغاربية، بخصوص الأول نلحظ المبادرة التي سبق الإعلان عنها في استانبول في يونيو الماضي وجرى تطوير تنزيلها في عدد من الاجتماعات للحلف، آخرها اجتماع دجنبر بروكسيل، والتي يحرص المغرب على إبقاء علاقته بها في الإطار الثنائي مستندا على تجربته التاريخية في العلاقة مع الحلف منذ نيل الاستقلال ثم الحوار المتوسطي بدءا من ,1995 وخاصة وأن دولا كانت ترفض العلاقة مع الناتو انرخطت بكثافة في مشاريع مناورات وعلاقات متطورة، وعلى المستوى الثاني نلحظ الجمود الحاصل في العلاقات المغاربية، بسبب من الإصرار الجزائري على مناهضة الموقف المغربي إزاء مشروع الحل السياسي لقضية الصحراء المغربية، والذي تطور أخيرا إلى حد المطالبة الجزائرية الرسمية بتغيير المبعوث الشخصي لكوفي عنان ألفارو دوسوتو مما يقدم دليلا إضافيا على التورط الجزائري في القضية، فضلا عن غياب استعداد حقيقي للجزائر لتطبيع العلاقات مع المغرب، وبموازاة هذه الأزمة الباردة، هناك الأزمة القائمة بين ليبيا وموريتانيا والتي تطورت إلى حد إعلان ليبيا تخليها عن رئاسة الاتحاد المغاربي، ولهذا ساهم هذا الاحتضان في تقوية موقع المغرب في ظل التقاطبات الجيو- استراتيجية بالمنطقة، إلا أنه تعزيز يبقى بحسب المتتبعين مرتهنا لحسابات المصالح الأمريكية رغم كل ما يجري من تلطيف أو تعديل لبعض تفاصيلها وجزئياتها. خلاصة الواقع أن اجتماع المنتدى بالرباط أفضى لطمأنة بعض الأنظمة من أن النموذج العراقي في جلب الإصلاحات والديموقراطية على ظهر الدبابات غير مطروح في المستقبل المنظور، وعلى العكس من ذلك التصريح رسميا بأن وتيرة الإصلاحات ستحددها كل دولة بحسب إمكاناتها وظروفها، كما جرى تعديل المشروع الأمريكي في عدد من جوانبه التي تهم بقاء بعض الأنظمة من قبيل الدعم المباشر لمعارضتها، والتساؤل القائم هو عن الثمن الذي قدم؟ فالموقف الأوروبي لا يفسر وحده ما جرى، ويجعل من المشروع التساؤل عن تعلق الأمر بضمان استئناف التطبيع مع الكيان الصهيوني حسب ما يجري الحديث عنه هذه الأيام؟ أو تعلقه أيضا بالاستجابة لمطالب تغيير مناهج التعليم وتعزيز التعاون الأمني والعسكري والانفتاح السياسي الجزئي؟ أو أن هناك حيثيات أخرى قد تكشف الدورات القادمة للمنتدى عنها. مصطفى الخلفي اقرأ الملف الخاص بالمشروع الشرق الكبير http://www.attajdid.ma/dossiers/alsharq%20alawsat/Default.asp