لم يكن الاجتماع الأول لمنتدى المستقبل ليوم 11 دجنبر الجاري مجرد محطة عادية في مسار الدورة الاستعمارية الجديدة، تشبه ما سبقها من محطات واجتماعات بدءا من قمة الدول الثماني في يونيو الماضي وانتهاءا بالاجتماعات التحضيرية التي انطلقت مع بداية الخريف، ذلك أن نتائج الاجتماع وخاصة من خلال وثيقة ملخص الرئاسة نجدها قد كشفت عن مرحلة متقدمة في بلورة الآليات الكفيلة بتطبيق مقتضيات هذا المشروع، بما يجعلنا أمام مؤتمر جديد يشبه مؤتمرو الخزيرات الذي انعقد قبل حوالي مائة عام في 1906 وأفضت إجراءاته التي رفعت شعار الإصلاحات والسيادة والحرية الاقتصادية إلى فرض نظام الحماية بعد أقل من ست سنوات، أي أن النتائج المعلن عنها، شكلت تطورا دالا يعفي الكثير من مناهضي هذا المشروع في البحث عن أدلة رفضه ومعارضته. وبموازاة ذلك تمكنت عدد من الفعاليات والهيئات المدنية من تحقيق اختراق هام على صعيد توحيد موقف المجتمع المدني المغربي وتجميع مكوناته ضد هذا المشروع، حيث تتالى صدور عدد من البيانات المنددة بمنتدى المستقبل والرافضة لمشروع المنتدى المدني، وتطور ذلك إلى طرح مشروع مبادرة مدنية من أجل الإصلاح السياسي والديموقراطي، ولم يبق من الجمعيات المنخرطة في مشروع منتدى المستقبل سوى جمعيتين هما المنظمة المغربية لحقوق الإنسان وجمعية بدائل. كلا التطورين على درجة عالية من الأهمية، فالأول يفضح طبيعة المشروع الاستعماري القادم، أما الثاني فيكشف عن تنامي حركة المعارضة له، ويؤهل للانتقال لمرحلة جديدة بعد انتهاء المنتدى، تفرض تجاوز الدائرة المحلية وبلورة مشروع في المواجهة على الصعيد العربي والإسلامي. منتدى المستقبل: نقطة تحول في المشروع الاستعماري تبرز أهمية العودة للتاريخ في كونها تتيح الاستشراف المحكم للمستقبل، وامتلاك الرؤية السليمة لما يجري من أحداث ووقائع تبدو في ظاهرها جزئية وعفوية وسطحية إلا أنها في دلالتها وتراكمها تكشف عن سيرورة تحولات عميقة في المسار الحضاري للأمة، ومن ذلك حدث تنظيم منتدى المستقبل، والذي نظر إليه الكثيرون باعتباره اجتماعا ضمن سلسلة الاجتماعات المقررة في مشروع الشراكة من أجل التقدم والمستقبل في حين أن هذا الاجتماع يمثل نقطة تحول في مسار المشروع الاستعماري الجديد. ويمكن التدليل على الخلاصة الآنفة بعدد من الحيثيات أهمها: - التمكن من عقده داخل المنطقة المستهدفة بهذا المشروع، والتي يسميها المشروع بمنطقة الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا حيث تتجاوز المنطقة العربية لتضم إسلامية من خارجها، بلغت من حيث المجموع أزيد من عشرين دولة مع استثناء السودان، والذي رغم تحرك عدد من الدول العربية من أجل حضوره إلا أن الرفض الأمريكي حال دون ذلك. - طبيعة الاهداف التي برمجت له، والتي جعلت منه محطة الانتقال من الشعارات الكبرى كما وردت في بيان الدول الثماني الصادر عن قمة سي أيلاند ليونيو ,2004 إلى مرحلة البرامج التفصيلية، وتدقيق ذلك في بيان عام توقع عليه دول المنطقة المستهدفة وكذا دول مجموعة الثمان والتي تضم كل من الولاياتالمتحدةوفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا واليابان وكندا وروسيا، بعد أن كانت البيانات السابقة تصدر إما بإسم هذه المجموعة أو بإسم الدول العربية، وهو ما يعني أن المنطقة الآن بعد صدور ما سمي بملخص الرئاسة ببنوده الثلاثة والثلاثين أصبحت أمام وثيقة ذات مرجعية إلزامية لها مادامت قد اشتركت في بلورة مقتضياتها وبنودها، ويشبه هذا التحول ما جرى في يونيو الماضي عندما كان هناك خلاف بين وثيقتين الأولى أوروبية والثانية أمريكية وبعد قمة الدول الثماني أصبحت هناك وثيقة واحدة هي المرجع لتطوى بذلك صفحة المعارضة للمشروع الأمريكي في المجال الأوروبي، ثم بعد اجتماع منتدى المستقبل بالرباط طويت صفحة المعارضة الرسمية لدول ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير. - محاصرة المعارضة الجزئية الفرنسية لهذا المشروع، والتي كانت ترفض تحويل منتدى المستقبل إلى إطار مؤسساتي يضطلع بتدبير ما يسمى بشراكة بين كافة الاطراف، وهو الموقف الذي أصرت فرنسا على الإعلان عنه في ندوة صحفية لوزير خارجيتها مشييل بارنيي بعد انتهاء الاجتماع، والتشديد على ضرورة احترام مسار برشلونة دون أن تصل إلى حد التحلل من مشروع منتدى المستقبل فهو في نظرها اجتماع هام، ورغم ذلك صدرملخص بيان رئاسة المنتدى متضمنا في نقطته الثالثة هذا التوجه حيث ورد فيها طموح المنتدى الى توفير فضاء لحوار غير رسمي مرن ومفتوح وشامل، وأنه يعد ركيزة الشراكة وإطار عمل للحوار والتعاون، وتقرر أن تعرف في البحرين في 2005 اجتماعا لتقييم ما تحقق وتبادل الأفكار حول المستقبل، على أن يكون اجتماع منتدى المستقبل في الأردن في سنة ,2006 وبموازاة الدورة القادمة اجتماع آخر في مصر في مارس 2005 يهم وزراء خارجية دول الأعضاء في مجموعة الثمانية وأعضاء جامعة الدول العربية، وهو ما يعني تحوله لآلية مؤسساتة بدورية انعقاد محددة وتتابع مدى التزام الأطراف وتقرر في الالتزامات المستقبلية. - أما الحيثية الرابعة فتمثلت في دمج عدد من الهيئات المدنية والحقوقية والاقتصادية المحلية في مشروع المنتدى، وذلك من خلال تنظيم كل من مؤتمر الرباط الخاص بالهيئات المدنية ومؤتمر باريس الخاص برجال الأعمال، وهي خطوة هدفت إلى توظيف الهيئات غير الرسمية في تطبيق مقتضيات المشروع والضغط بها على الأنظمة لصالح توجهاته. أية نتائج؟ وعند العودة إلى نص بيان الدول الثماني ليونيو 2004 حول موضوع منتدى المستقبل نجد البيان نص صراحة في بنده الثامن على أنه سيكون أساسيا لهذه الشراكة الجديدة قيام منتدى للمستقبل يرسخ جهودنا بحوار علني ومستديم، وسيوفر المنتدى إطارا على المستوى الوزاري، يجمع بين وزراء الخارجية، والاقتصاد في الدول الثماني والمنطقة ووزراء آخرين في نقاش مستمر حول الإصلاح، مع اشتراك قادة الأعمال والمجتمع المدني في حوارات موازية، وسيكون المنتدى وسيلة للإصغاء إلى حاجات المنطقة، والتأكد من أن الجهود التي نبذلها مجتمعين تستجيب لتلك الاهتمامات، وهو ما جسدته وثيقة المنتدى الصادرة عن اجتماع الرباط تحت إسم ملخص الرئاسة، ذلك أن القراءة الأولية لها تبين عدد من الخلاصات، أهمها أولا التمكن من توظيف وإدماج مختلف مشاريع الشراكات المطروحة على المنطقة وخاصة منها الأوربية في إطار المشروع الأمريكي، وخاصة منها المرتبطة بالشق السياسي . وعلى صعيد ثان تم الإعلان عن وجود سلسلة مشاريع قطاعية تقدمت بها عدد من الدول في إطار هذا المشروع ومنها المشاريع التي اقترحتها كل من تركيا واليمن وإيطاليا بشأن الحوار حول دعم الديمقراطية، والبحرين بخصوص شبكة صناديق التمويل، والاردن فيما يخص فريق عمل حول الاستثمار، والاردن واليمن بشأن التمويلات الصغيرة، والاردن بشأن التربية، والمغرب والبحرين المتعلق بالتكوين المقاولاتي، وأفغانستان والجزائر بشأن محو الامية، ومصر والولاياتالمتحدة لدعم الآليات الاقليمية على مستوى هيئة التمويل الدولي للمساعدة الفنية قصد إنعاش المقاولات الصغرى، كما أعلن عن نتائج مدارسة تلك المشاريع وكيفية تطبيق بعد انتهاء الاجتماع، وهي منجزات تعد قياسية بالنظر للفترة التي أعد فيها مشروع المنتدى، وتكشف من جانب على قوة الضغط الأمريكي والتي كان من مؤشراتها في اجتماع منتدى المستقبل قوة وضخامة الوفد الأمريكي بحيث ظهر أن ملفات هذا الاجتماع شبه معدة سلفا من لدن الراعي الأمريكي، دون أن نغفل بعض التحولات في الخطاب الأمريكي من قبيل الحديث عن فكرة الإصلاحات من الداخل وأنه لا يمكن فرض شيء من الخارج واحترام الخصوصيات المحلية، وهي كلها مفردات تبقى قاصرة عن تغطية التصميم الأمريكي على إحداث التغييرات المطلوبة. من مؤتمر الخزيرات إلى منتدى المستقبل إن الدراسة المتمعنة في هذا المشروع تخلص إلى التشابه الكبير بينها وبين مؤتمر الخزيرات الذي انعقد في بداية سنة ,1906 باستثناء فارق أساسي هو كون المشروع الأمريكي الراهن مشروع يستهدف عموم الدول العربية وعددا من الدول الإسلامية، أما مؤتمر الخزيرات فقد كان يستهدف المغرب لوحده، لكن من حيث المضمون والأطراف نجد تشابهات كبيرة، فقد حضرته كل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولاياتالمتحدة وإسبانيا والبرتغال والسويد والنمسا- هنغاريا وهولندا وبلجيكا وروسيا، كما كانت قضيته هي الإصلاحات والحفاظ على السيادة والوحدة والحرية الاقتصادية والأمن وإنشاء نظام بنكي وقضايا الضرائب والجمارك والعلاقة مع الدول الغربية، وهي القضايا التي نجدها تتكرر وأحيانا بنفس المفردات والصيغ في مشروع الشرق الأوسط الكبير، غني عن الذكر أن مؤتمر الخزيرات من حيث شروطه وبنوده أدى لفقدان المغرب لاستقلاله بعد أقل من ست سنوات حيث وقع نظام الحماية في مارس ,1912 حيث أن شروط مؤتمر الخزيرات فرضت على المغرب الاقتراض من الدول الاستعمارية لتنفيذ تلك الإصلاحات والتي كانت تنص على إحداث قوة للشرطة، وتلى ذلك اضطرابات ثم عجز عن سداد القروض جعل المغرب يسقط ضحية نظام الحماية الاستعماري. الآن يتكرر نفس السيناريو خاصة عندما يدرس الباحث مجريات ووقائع ونتائج الاجتماع الأول لمنتدى المستقبل، حيث نجد معالم آلية جديدة للتحكم في مستقبل المنطقة ككل، ويرهن تطورها ويفقدها استقلالها بشكل تدريجي، ويطرح تحديا مستقبليا على مناهضي هذا المشروع وخاصة على صعيد التفكير في آليات تنسيقية ذات بعد عربي وإسلامي وطرح مباردات فكرية وعلمية وميدانية مضادة له. مصطفى الخلفي اقرأ الملف الخاص بالمشروع الشرق الوسط http://www.attajdid.ma/dossiers/alsharq%20alawsat/Default.asp