ثمة حركية خارجية متسارعة في المحيط المغاربي تكشف عن تعاظم تحديات التأثير الأجنبي في السياسات المحلية لدول جنوب المتوسط، وذلك من خلال مؤسسات وآليات متعددة، بدءا من انعقاد الاجتماع الأول لرؤساء القيادة العامة لحلف شمال الأطلسي مع الدول والأطراف المشاركة في مايسمى بالحوار المتوسطي، والتي تضم كلا من المغرب والجزائروتونس وموريتانيا ومصر والأردن ثم الكيان الصهيوني، يوم 17 نونبر الجاري، وانتهاءا بالتحضيرات الجارية لمنتدى المستقبل المقرر أن يعقد بالمغرب يومي 11 و12 دجنبر المقبل، ومرورا باجتماع وزراء خارجية دول المغرب العربي الخمس مع نظرائهم من خمس دول أوروبية متوسطية في إطار اجتماع 5+,5 وذلك بدءا من يوم أمس الثلاثاء وإلى غاية اليوم. دلالات حركية ومن خلال متابعة مضامين ما يطرح بخصوص اللقاءات المتعددة الأطراف المثارة آنفا، تبرز بجلاء أولوية الأمن ومكافحة الإرهاب كهاجس مستحكم في سياسات الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية وذلك ضمن رؤية تعتبر أن معالجة هذا الهاجس تتم من خلال إعادة صياغة تدريجية للمنطقة ككل تحت مسمى الإصلاح والشراكة، ولئن كان منتدى المستقبل قد استقطب تركيزا نقديا عليه، فإن الاجتماع الذي تم في إطار حلف الأطلسي لا يقل عنه خطورة، خاصة وأنه هو الآخر يندرج ضمن الرؤية الأمريكية للشرق الأوسط الكبير لكن في بعدها الأمني والتي اعتمدت من لدن الحلف تحت اسم مبادرة إستانبول للتعاون بتاريخ 28 يونيو الماضي، كما أن اندراج الدول الرئيسية للاتحاد الأوروبي ضمن مشروع الشراكة من أجل التقدم والمستقبل المشترك مع دول الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا، والذي يعد منتدى المستقبل محطة رئيسية فيه، وهو مشروع صدر بعد قمة أيس لاند في ويونيو 2004 من طرف الدول الصناعية الثمان، وشكل بذلك خطوة نحو إدماج الاتحاد الأوروبي في المشروع الأمريكي للشراكة مع الشرق الأوسط الكبير وذلك بعد تعديل بعض جزئياته، أي أن مستقبل علاقة دول جنوب المتوسط وضمنها المغرب مع الاتحاد الأوروبي أصبح هو الآخر مرتهنا في أهدافه وتوجهاته وأولوياته للمشروع الأمريكي في إعادة صياغة المنطقة العربية ككل. نحو منتدى مستقبل عسكري أعطى اجتماع بروكسيل أولوية خاصة لقضية مكافحة الإرهاب، فاللقاء الذي تم على صعيد رؤساء القيادة العامة لحلف شمال الأطلسي مع دول الحوار المتوسطي والمكونة من إسرائيل والأردن وخمس دول من شمال إفريقيا (مصر، المغرب، تونس، الجزائر، موريتانيا) يعد الأول في مسار هذا الحوار والذي انطلق منذ أواسط التسعينيات وانضمت إليه الجزائر لاحقا، كما يأتي بعد إعلان للحلف في قمته يونيو الماضي عن مشروع الشراكة الأمنية، حيث يعرض الحلف فيها على دول ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير المشاركة في نشاطات تعاون عملية في مجال الأمن والتي أعلن في نفس الاجتماع أنها تواكب الشراكة التي انخرط فيها الحلف في التسعينيات والمسماة بشراكة من أجل السلام وحوار دول المتوسط الطويلي العهد للحلف. دلالة ما سبق هو أن المنطقة تنخرط بشكل حثيث في تنفيذ استحقاقات الشرق الأوسط الكبير، وإذا ما تم اعتبار منتدى المستقبل بمثابة واجهة سياسية فإن اجتماع الحلف هو جزء من الواجهة الأمنية والعسكرية التي تبنى هي الأخرى بشكل متدرج، وإذا ما كانت الأولى ستعرف غياب الكيان الصهيوني، فإن الثانية تعرف حضوره ليبرز بجلاء حجم الاستفادة المحققة من طرف الكيان الغاصب من هذا المشروع. ومن ناحية أخرى فإن قضية اجتماع بروكسيل كان هدفها البحث في سبل تعزيز التعاون الثنائي خاصة في مجال محاربة الإرهاب حيث تمت مدارسة القضايا المرتبطة بتبادل فعال للمعلومات الاستخبارية الخاصة بالإرهاب، وتقديم المعطيات الخاصة بعملية أكتيف أندي افور(optration Active Endeavour) المتعلقة بحراسة ومراقبة الملاحة بالحوض المتوسطي، وذلك من خلال تقديم تفاصيلها للدول الموجودة خارج الحلف، وهي المبادرة التي اعتمدت بعد أحداث 11 شتنبر وهمت ضبط مجال الملاحة والسفن العابرة للمتوسط، ضمن استراتيجة لمكافحة الإرهاب على مستوى حوض المتوسط، كما كان الاجتماع مناسبة للتطرق للبرامج السابقة ومن ذلك مشاركة القوات المسلحة المغربية في عدد قوات حلف الأطلسي بكوسوفو (كفور) والبوسنة (سفور) وانخراطها في عمليات أخرى لحفظ السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية وكوت ديفوار وهايتي، مما كان محط إشادة من لدن الحلف. إلا أن النقطة الأهم في الاجتماع فقد ارتبطت بالاستعداد لبلورة برنامج عمل مستقبلي أوسع يضيف لقضايا مكافحة الإرهاب والتعاون في العمليات والمناورات المشتركة وتقديم التسهيلات العسكرية في الموانئ حول قضايا أخرى من مثل الاتجار في السلاح وتهريب البشر، وهي توجهات أعلن عنها بوضوح رئيس اللجنة العسكرية للحلف الألماني الجنرال هيرالد كوجات، أي أن هذا الاجتماع شكل محطة نحو صياغة استراتيجية أمنية جديدة يحتمل أن تطرح في الاجتماع القادم والمقرر في ماي ,2005 أي أن مشروع تأسيس منتدى مستقبل عسكري بموازاة المنتدى المعلن عنه في دجنبر المقبل عملية تجرى في صمت وبشكل سريع، تجاوز حتى سرعة منتدى المستقبل الأصلي، ويعزز بالتالي القراءة التي اعتبرت هذا المنتدى بمثابة تعبير عن موجة استعمارية جديدة متعددة الرهانات والأهداف العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية والحضارية. يبدو أن التغييرات المستهدفة للمنطقة بلغت حدا من التسارع لا تترك مجالا للتفاعل المباشر معها، ولا تسمح للدول المعنية بها لبلورة الخيارات السيادية الخاصة بها، بل إن القضايا الداخلية والخاصة لهذه الدول هي الأخرى إما مهمشة أو مرشحة لفرض حلول تحكمية، وهي تحديات نوعية في مسار العلاقات الدولية تطرح على الفاعلين الثانويين كيفية الجمع بين خيار الحفاظ على القضايا الخاصة كأولوية في السياسة الخارجية وبين خيار الاندراج غير المشروط في الأولويات المفروضة من الخارج، وبالنسبة للحالة المغربية فإن هذه الثنائية تضعنا في مفترق طرق بين مواصلة تقوية عملنا الديبلوماسي لصالح القضية الوطنية مثلما نشهد حاليا في الجولة الملكية بامريكا اللاتينية والتي ستشمل كل من المكسيك والبرازيل والأرجنتين والبيرو والشيلي، دون إغفال الأبعاد الاقتصادية لهذه الجولة، وبين التفاعل مع الاستحقاقات الأوروبية والأمريكية والتي تضعنا في مواجهة تحديات كبرى تحمل معها مخاطر تهديد السيادة الوطنية والتمكين للمشروع الصهيوني. مصطفى الخلفي