خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط، اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرات اعتقال بحق رئيس حكومة إسرائيل ووزير دفاعه السابق    البطولة الوطنية الاحترافية لأندية القسم الأول لكرة القدم (الدورة 11): "ديربي صامت" بدون حضور الجماهير بين الرجاء والوداد!    الملك يأذن بدورة المجلس العلمي الأعلى    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    تنسيقية الصحافة الرياضية تدين التجاوزات وتلوّح بالتصعيد    الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية        "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    دراسة: تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    جمعويون يصدرون تقريرا بأرقام ومعطيات مقلقة عن سوق الأدوية    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة العلاقات المغربية -الجزائرية و مشكلة الصحراء المغربية
نشر في التجديد يوم 05 - 08 - 2002

أكدت المداولات الأخيرة لمجلس الأمن حول مستقبل عملية التسوية الأممية لنزاع الصحراء المغربية ،الدور المركزي لأزمة العلاقات المغربية -الجزائرية في استمرار حالة الغموض الشديد الذي يلف مستقبل هذه العملية،و هي خلاصة عززت خلاصة سابقة ارتبطت بالفشل الذي منيت به جهود عقد القمة المغاربية في حزيران/يونيو الماضي، وكلها تحيل على أن دراسة العلاقات المغربية -الجزائرية هي بمثابة المفتاح لفهم مختلف المشكلات التي يعرفها الوضع المغاربي إن على مستوى مشكلة الصحراء أو على مستوى العلاقات بين دوله و كذا مسلسل الاندماج المغربي المعطل أو مستوى التفاعل مع السياسات الأوروبية و الأمريكية الموجهة للمنطقة.
وعلى الرغم من فترات التعاون والهدوء النسبي التي عرفتها العلاقات ،فإن السمة الغالبة لها منذ حصول الجزائر على استقلالها في 1962 هي سمة التوتر و الاحتراب ،مما يكشف عمق الأسباب المنتجة لهذه الوضعية وتعقد الملفات المطروحة على البلدين، و اللذان اقترابا في محطات سابقة، من حافة المواجهة العسكرية المفتوحة،بعد أن خاضا في بداية الستينات ما عرف بحرب الرمال بسبب مشكلة الحدود بينهما.
و بغية فهم الوضع الراهن ،سنقارب تطور أزمة العلاقات و العوامل الفاعلة في هذا التطور و الملفات المركزية في هذه الأزمة،وانعكاس ذلك على قضية الصحراء الغربية،كمقدمة لاستشراف مستقبلها.
1- العوامل الفاعلة في تطور العلاقات بين البلدين :
يرتهن الوضع العام للعلاقات المغربية-الجزائرية عموما و التناقض الحاد بين البلدين إزاء قضية الصحراء خصوصا لعدة عوامل تاريخية و جغرافية و أيديولوجية فضلا عن العوامل الدولية ،وهي عوامل تشكلت طوال الأربعين سنة الماضية،دون إغفال رواسب الماضي.
و يمكن تركيز هذه العوامل في النقط الثلاث التالية:
1 المستوى التاريخي و الأيديولوجي والذي يعود إلى اختلاف التطور التاريخي للبلدين، فالمغرب ذو رصيد تاريخي وازن في الاستقلال السياسي والهوية الواحدة ذلك أنه"مصدر السلطات و الإمبراطوريات و نقطة تجمع للتاريخ الإسلامي- العربي في شمال إفريقيا و لأنه أيضا يتمتع ببنية داخلية تجمعها حاجة استعادة وحدة ماضيه و يحتل موقعا جغرافيا مطوقا للمغرب (...) بالمقابل فإن الجزائر،كوحدة سياسية ،تسعى لانتشال نفسها من غموض تاريخي و إيجاد هوية قومية بدونها تنتهي الثورة إلى مأزق حاد ،دواؤه الوحيد الذوبان في وحدة المغرب العربي"1،و تبلور ذلك بوضوح في التمايز الذي عرفه كلا النظامين السياسيين للبلدين، نظام ملكي في المغرب ونظام جمهوري في الجزائر، وما استتبع ذلك من تنامي خوف مغربي من تمدد جزائري للهيمنة عليه لاسيما في ظل الحضور المتعاظم عربيا وإفريقيا ودوليا للجزائر2، وقد برز هذا بوضوح في مضامين الحرب الإعلامية الإيديولوجية بين البلدين، مباشرة بعد حرب الرمال سنة 1963 حيث اعتبر العاهل المغربي أن طبيعة النظام الذي اختاره المغرب هي التي تقلق الجزائر واعتبرت الجزائر أن الاشتراكية هي التي تقلق المغرب3،كما يفسر هذا العامل
أحد الأسباب التي كمنت وراء الدعم الجزائري لبعض فصائل المعارضة المغربية .
2 الخلاف الحدودي والذي تدافع فيه الجزائر عن حدودها كما تركها الاستعمار الفرنسي في مقابل المغرب الذي يطالب بحدوده كما كانت قبل مجيء هذا الاستعمار والتي تمثل معاهدة لالة مغنية (18/3/1845) إطارا مرجعيا لها، و هي المعاهدة التي وقعها المغرب مع فرنسا بعد هزيمته في معركة إيسلي في 14/8/1844 بسبب دعمه لثورة الأمير عبد القادر الجزائري،و في تلك المعاهدة تم النص على استمرارية الحدود التي كانت بين المغرب و تركيا لتصبح هي الحدود بين المغرب و الجزائر،إلا أن الاتفاقية أبقت منطقة الصحراء الشرقية في الجنوب (أي منطقة تندوف) في وضعية غامضة ، وقد تلت هذه الاتفاقية عدة اتفاقيات أخرى في 1901 و 1902 كانت ترتبط بدرجة تقدم التوغل الاستعماري لفرنسا في المغرب و سعيها لتثبيت وجودها في الجزائر مما كان يفضي للانتقاص التدريجي من التراب المغربي ، ومنذ حصول المغرب على استقلاله و مشكلة الحدود مع الجزائر مطروحة،إلا أنها تؤجل حتى لا تعتبر طعنا للثورة الجزائرية،إلى أن حصلت الجزائر على استقلالها في يوليو/تموز 1962 ويتجدد طرح المشكل،وقد نجم عن هذا الخلاف الحدودي مواجهات عسكرية بين البلدين عرفت بحرب الرمال في شهر
أكتوبر/تشرين الأول 1963، بعدتصاعد الأحداث الحدودية طيلة شهري تموز/يوليو و شتنبر/أيلول من نفس السنة،حيث تقدم المغرب نحو منطقة تندوف و فشلت المفوضات التي تمت في بداية شهر أكتوبر بين المغرب و الجزائر و حضرها عن الجزائر عبد العزيز بوتفليقة الرئيس الحالي لها4 ،وقد تم احتواء النزاع بعد تدخلات عربية و إفريقية كما عالج لقاء مصغر في القمة العربية بالقاهرة في 1964 بعض أسباب النزاع ، إلا أن المشكل المتعلق بالصحراء الشرقية بقي عالقا خصوصا بعد اكتشاف الحديد بها وتجدد المطالب المغربية بضرورة تسوية المشكلة ،ليكتسي النزاع بعدا دوليا حيث اصطبغ بصراعات الحرب الباردة و اصطفاف المغرب لجهة الولايات المتحدة في مقابل اصطفاف الجزائر لجهة الاتحاد السوفياتي ، و لاسيما بعد انقلاب بومدين في 1965،و لم يخل التوتر من صدامات عسكرية في 1967 أدت لسعي المغرب لطرح النزاع على الأمم المتحدة5، و ما غذى النزاع بقوة هو صعوبة استغلال الحديد المكتشف إلا إذا تم نقله عبر الصحراء في اتجاه المحيط الأطلسي أي عبر المرور على المغرب ،باعتبار الكلفة الكبيرة لنقله من منطقة تندوف إلى الساحل المتوسطي للجزائر في الشمال، و هو ما فرض على
الطرفين الدخول في مفاوضات تتيح الاستغلال المشترك لمناجم الحديد في مقابل الاعتراف المغربي بجزائرية منطقة تندوف،كان من ثماره مفاوضات إيفران في 15 كانون الثاني 1969 ثم مفاوضات 27 أيار1970 و بعدها مفاوضات 15 يونيو/حزيران1972 و التي انبثقت عنها معاهدة حول الحدود المغربية الجزائرية نصت على اعتراف المغرب بجزائرية تندوف ،والمشاركة في انتاج و تسويق حديد تندوف،ودعم الجزائر لمغربية الصحراء6،و تلى ذلك تصريحات جزائرية مؤيدة للحق المغربي في الصحراء ،منها تصريح الرئيس الجزائري بومدين في مؤتمر القمة العربي بالرباط في تشرين الأول /أكتوبر1974 من أن مشكلة الصحراء لا يهم سوى المغرب و موريتانيا، و أن الجزائر مع المغرب و موريتانيا و تؤيد تحرير كل شبر من الأرض لا فقط في الصحراء الغربية بل ايضا في سبتة و مليلية وكل الجزر التي لاتزال تحت الاحتلال الإسباني7 .
إلا أن احتداد النزاع المغربي مع الاستعمار الاسباني حول الصحراء، وقرب تمكن المغرب من حسم النزاع لصالحه مما يعني خروج الجزائر بدون مكاسب، و في المقابل تقوي العلاقات الجزائرية الإسبانية واشتداد عود جبهة البوليزاريو المدعمة من ليبيا و بالتالي بروز احتمالات تجاوز الممر المغربي لتسويق الحديد من خلال دعم مشروع دولة صحراوية توفر هذا الممر بدون كلفة كبيرة،دفع نحو حصول تحول في الموقف الجزائري منحاز كليا لصالح أطروحة تقرير المصير و قيام دولة صحراوية، وهو ما برز بوضوح بدءا من 1975 8.
3- العامل الدولي، حيث أن سياسات القوى الدولية تجاه المنطقة المغاربية ارتكزت على التحكم في العلاقات المغربية -الجزائرية ، و الموازنة بين طرفي هذه العلاقات ،سواء أثناء الحرب الباردة أو ما بعدها ،و ذلك بحسب الأولوية المحددة من طرف القوى الأجنبية و التي ترى في المنطقة خزانا نفطيا(الجزائر) و موقعا استرتيجيا(المغرب)فضلا عن كونها سوقا للسلاح بامتياز، و هي اعتبارات عززها الماضي الاستعماري لفرنسا ،و التي كانت تعتبر المنطقة مجال نفوذ تقليدي لها.ورغم انهيار الاتحاد السوفياتي فإن رياح الحرب الباردة لم تغادر المنطقة حيث حافظت الجزائر على علاقتها العسكرية الاستراتيجية مع روسيا،واستمرت هذه الأخيرة في تبني الأطروحة الجزائرية بخصوص نزاع الصحراء داخل مجلس الأمن، و في المقابل نجد الولايات المتحدة أكثر مراعاة للمطالب المغربية بخصوص النزاع ،رغم بروز نزعة توظيفية لهذا الأمر من أجل فتح البوابة العسكرية الجزائرية.
الخلاصة هي أن قضية الصحراء كانت توجد في قلب صراع دولي في تلك المرحلة ليس باعتبار مساحتها الجغرافية أو ثرواتها الطبيعية فقط، بل باعتبار دورها في تعميق تبعية دول المنطقة أيضا، واستمرت هذه الوضعية رغم انتهاء الحرب الباردة وهو ما نرصده من خلال مستويات ثلاث:
أ المنطقة المغاربية هي منطقة حيوية للأمن الاستراتيجي ولأوروبا ولحوض المتوسط، وهو ما جعلها تمثل بؤرة من بؤر الصراع الدولي وذلك منذ بداية هذا القرن، حيث يرى تقسيم المغرب إلى عدة أجزاء بين الدول الاستعمارية من خلال عدة معاهدات توجت بعقد مؤتمر الجزيرة الخضراء (15/1/1906 7/4/1906) الذي استمر طيلة ثلاثة أشهر وعرف صراعات دولية حادة على المغرب حضرت فيها كل من ألمانيا وفرنسا وإسبانيا، بريطانيا، البرتغال، إيطاليا، التدخل الدولي الراهن على اختلاف أشكاله الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية هو بمثابة "استمرار للمعالجة الدولية التنافسية الساعية إلى تحديد شروط غلبة استراتيجية لأحد الأطراف الدولية المتنازعة"9 .
ب ساهم الصراع الدولي في مرحلة الحرب الباردة في توظيف الصراع حول الصحراء المغربية لتحقيق عدة أهداف، منها التحكم في الممرات المائية، تشكيل الأحلاف العسكرية، إلا أن أهم هدف خدمته القضية هو أنها أصبحت أداة إشغال وإبعاد لغرب العالم الإسلامي والعربي عن شرقه وخصوصا المغرب والجزائر اللتان سبق أن عبرتا عن انشغال معتبر بالقضايا العربية والإسلامية،كما أثبت ذلك دالشامي في دراسته عن "الصحراء الغربية..عقدة التجزئة في المغرب العربي".
ج أفضت تطورات الصراع في المنطقة إلى ارتفاع الحاجة إلى الدعم الأجنبي عسكريا واقتصاديا، لهذا النظام أو ذاك، وهو ما جعل القضية عنصر استنزاف للمقدرات الذاتية من جهة وعنصر تعميق للارتهان والتبعية من جهة أخرى، وهو ما أصبح يعطي مبررا للتدخل الأجنبي وحسب د. الشامي فسيكون "التعاطي مع موضوع الصحراء إحدى الوسائل الهادفة إلى إطالة عمر المصالح الأجنبية في شمال إفريقيا خصوصا وعموم القارة عموما"10،و هو ما جعل التعاطي الدولي يخضع لسياسة اللاحسم لفوائدها الأمنية والاستراتيجية ولخدمتها لخيار التجزئة والاستنزاف والتبعية لدول العالم الإسلامي على أساس توازن دقيق بين الجزائر و البوليزاريو من جهة أولى والمغرب من جهة ثانية، مارسته في مرحلة أولى فرنسا وبدرجة أقل الولايات المتحدة، في مرحلة ثانية أخذت الولايات المتحدة الزمام واستمرت به لحد الآن.
الخلاصة هي أن العوامل الثلاثة جعلت من تعميق ارتهان المغرب لنزاع الصحراء رهانا جزائريا تضمن من خلاله إشغال المغرب عن المطالبة بالصحراء الشرقية ،مثلما هو حال إسبانيا التي اختارت نفس الموقف حتى لا يتحرك المغرب للمطالبة بتحرير سبتة و مليلية و الجزر المحتلة من جهة أولى ،و عملت في نفس السياق على توفير التغطية للتدخل الأجنبي في المنطقة من جهة ثانية.
2-نزاع الصحراء و العلاقات المغربية-الجزائرية
منذ سنة 1976 و على غاية نهاية الثمانينات، اتسم وضع العلاقات بحصول تقدم مطرد للأداء الجزائري وسط ترحيب خفي وحذر من القوى الأجنبية الساعية لإحداث توازن إقليمي يضمن استمرار المشكلة بل ويزيد من تعقيدها. دون أمل في حلها أو في رجحان الكفة لصالح هذا الطرف أو ذاك.
في هذه المرحلة التقى عنصران، الأول صادر عن صحراويي البوليزاريو والثاني عن الجزائر.بالنسبة للأول، فقد بدت إرهاصاته الأولى في المؤتمر الثاني لجبهة البوليزاريو (25/8/1974) و الذي حددت الجزائر كحليف استراتيجي للجبهة.
فبعد المسيرة الخضراء في نونبر/تشرين الثاني1975 و استرجاع المغرب للصحراء، أصبح المغرب هو المستعمر، وما قوى ذلك هو بقايا التجربة المرة لمؤسس البوليزاريو عند تحركه لجلب الدعم من داخل المغرب، وفي ظل هذا التحول، بدأ التنسيق مع إسبانيا لضمان مساعدتها في الانتشار داخل الصحراء، هذا من جهة، وحصل الارتماء الكلي في أحضان المشروع الجزائري من جهة أخرى. وتوج ذلك بإعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في 27/2/1976 وما تلاه من تصاعد قوتها خاصة وأن المغرب لم يمارس سياسة جذب لهم بل حصل العكس، أي دفعهم لأحضان الجزائر.
أما الثاني، فإن الجزائر لم تنظر في استرجاع المغرب لصحرائه إلا تهديدا لوحدتها ووسيلة لتطويقها ومقدمة لإجهاض ثورتها كما صرح بذلك الرئيس بومدين في خطاب ألقاه يوم 24/2/1976 وما عزز ذلك هو سياسة التجاهل والعزل التي اعتمدها المغرب، و لهذا نجد أن الجزائر قررت رفض ومواجهة اتفاقية مدريد الثلاثية في 14/11/1975 وخوض حرب استنزاف سياسية وعسكرية طويلة الأمد ،لقد وجدت الجزائر نفسها ملزمة بالتحرك العاجل وعلى كل المستويات لتجاوز العزلة التي حصلت لها عقب المسيرة الخضراء11.و هو ما تجلى في حصول أول مواجهة عسكرية مغربية/جزائرية في امغالا يوم 26/1/1976 استمرت ثلاثة أيام، وأعلن خلالها المغاربة أنهم أسروا حوالي 100 جندي جزائري وقد انتهى التوتر العسكري على إثر الوساطة المصرية في شخص حسني مبارك، وتحرك عدد من الدول العربية لتطويق الأزمة12،و شهدت المرحلة مواجهات ديبلوماسية كثيفة بين المغرب و الجزائر و التي رأت نفسها معنية بتطور النزاع و تبنت أطروحة تقرير المصير للشعب الصحرواي13.
النتيجة هي اعتماد الجزائر لخيار يقوم على الحرب المباشرة عن طريق البوليزاريو أولا والضغط الديبلوماسي ثانيا.
في 7 مارس 1976 سيتم قطع العلاقات الديبلوماسية والتي لم تعد إلا بعد إثنتي عشرة سنة أي سنة 1988،و تلا ذلك إغلاق الحدود و طرد المغاربة المقيمين في الجزائر، كما نجحت هذه الأخيرة في توفير اعتراف عدد معتبر من الدول بالجمهورية الصحراوية وصل عددها إلى ما يزيد عن سبعين اعترافا. و زادت من الضغط على موريتانيا وهو ما أفضى إلى حصول انقلاب عسكري في يوليوز 1978 أدى إلى تكون نظام موريتاني من الصحراء وتسليم منطقة وادي الذهب التي كانت من نصيب موريتانيا حسب اتفاقية مدريد إلى البوليزاريو عبر اتفاق بينها و بين موريتانيا في 5/8/1979. وقد أدى انهيار موريتانيا وانسحابها من اتفاقية مدريد إلى فقدان المغرب لحليف كانت له أهميته المركزية في الاستراتيجية الديبلوماسية والعسكرية له بالرغم من ضعف موريتانيا، وهو ما ساعد الجزائر على رفع ضغطها الديبلوماسي، بحيث أن عددا من الدول الإفريقية غيرت موقفها مباشرة بعد انسحاب موريتانيا من النزاع14، كما أن الجزائر أصبحت متصلبة إزاء أي حل سياسي للنزاع15 ووجه ذلك بتحرك عسكري للمغرب نجح في استرجاع إقليم وادي الذهب ميدانيا وتنظيم حملة لممثلي السكان لمبايعة العاهل المغربي في
14/8/1979، ونشير هنا إلى أن وفاة الرئيس الجزائري بومدين في 1978 أدى لفشل مبادرة لتسوية المشكلات العالقة بين البلدين بصفة شاملة.
مع بداية الثمانينات ستطرأ متغيرات دولية وإقليمية وازنة، مما دفع بكل من المغرب والجزائر إلى الدخول في مفاوضات سرية سنة 1981 إلا أنها فشلت بسبب تباعد مواقف البلدين، حيث ركزت الجزائر على:
إشراك البوليزاريو كمفاوض أصيل في النزاع وتكون الجزائر بمثابة وسيط.
إقامة الجمهورية الصحراوية على أساس حدود معترف بها، يتم الاتفاق بشأنها.
المغرب العربي هو الإطار الملائم لاستغلال خيرات المنطقة.
أما الموقف المغربي فركز على:
المفاوضات هي مع الجزائر.
مغربية الصحراء لا رجعة فيها
إمكانية تطبيق مقررات منظمة الوحدة الإفريقية لا سيما قرارات نبروبي الثانية القاضية بوقف إطلاق النار وإجراء الاستفتاء15.
بموازاة ذلك كانت المواجهة الديبلوماسية قوية، فعلى صعيد منظمة الوحدة الإفريقية عمدت الجزائر إلى طرح القضية منذ شتنبر/أيلول 1977 مدعمة ب خمسة عشرة دولة عضو في المنظمة ومستفيدة من موقعها في منظمة عدم الانحياز التوسع السوفياتي في القارة الإفريقية من خلال تبني عدد من الأنظمة المستقلة حديثا للتوجه الماركسي16، وفي اجتماع المنظمة بفريتاون سنة 1980 طرحت عضويتها إلا أن النصاب لم يكن متوفرا، وقد حاول المغرب سحب البساط عبر الموافقة في مؤتمر نيروبي الأول سنة 1981 على مسألة الاستفتاء.
إلا أن الجزائر مارست ضغوطا قوية على الأمين العام للمنظمة الذي قام باستدعاء الجمهورية الصحراوية للمؤتمر التاسع عشر للمنظمة بأديس أبابا سنة 1983 ودعا الطرفين إلى التفاوض، واكتمل ذلك في المؤتمر العشرين المنعقد أيضا بأديس أبابا سنة 1984، حيث أعطيت العضوية الكاملة للجمهورية الصحراوية مما اضطر المغرب إلى الانسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية17(. لقد شكلت سنة 1984 نقطة تحول في تعامل الأمم المتحدة مع نزاع الصحراء الغربية حيث أنها منذ سنة 1976 كانت تربط قراراتها بتلك التي تخرج بها منظمة الوحدة الإفريقية وذلك تجنبا لازدواجية الحلول وربما تعارضها18.
و أدى ذلك إلى انتقال عملية حل النزاع إلى الأمم المتحدة، والتي، إلى غاية سنة 1988 ،كانت تكتفي بإصدار توصيات تدعو لحل سياسي عادل للقضية ارتكازا على القرار 1514 الصادر عن الجمعية العامة بتاريخ 14 12 1968 والداعي للقضاء على كافة أشكال الاستعمار.
بموازاة ذلك وأمام اشتداد الهجمة الديبلوماسية، اتجه المغرب إلى تعزيز وجوده الميداني، مستفيدا في ذلك من التحولات الدولية/العربية، والمتمثلة أولا في سقوط الشاه، دركي أمريكا في الخليج وما فرضه من سعي أمريكا إلى رفع دعمها للأنظمة المتعاونة والمغرب ضمنها والمتمثلة ثانيا في توقيع اتفاقية كامب ديفيد وما فرضه هو الآخر من سعي غربي لتعميم الخطوة المصرية وفك الحصار عليها وذلك هو ما قدمه المغرب في مؤتمر فاس 1982 فضلا عن لقاء شمعون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بإيفران سنة 1984.
تبعا لذلك استفاد المغرب من الدعم العسكري للإدارة الأمريكية في عهد رونالد ريغان والذي اتجه أي الدعم إلى ضمان التوازن العسكري بالمنطقة واعتمد المغرب في هذا الصدد "استراتيجية عسكرية ذات شقين: تمثل الشق الأول في الوحدات المتنقلة" التي وضعت على كاهلها عمليات تمشيط الإقليم وتطهيره من قوات البوليساريو، وتمثل الشق الثاني في إقامة جدران دفاعية من الرمال والأحجار مع بعض البناءات وتجهيزات الرصد بالرادار والحماية بحقول الألغام"19واكتمل ذلك بتحقيق اختراق مهم في المجال الديبلوماسي عبر توقيع المغرب لاتفاقية الاتحاد العربي الإفريقي "مع ليبيا سنة 1986، والتي من خلالها تم إيقاف الدعم الليبي لبوليزاريو.
في النصف الثاني من الثمانينات بدأت المعطيات المحيطة بالقضية تتغير وعلى وجه الخصوص نذكر:
تراجع العائدات الجزائرية من المحروقات في مقابل ارتفاع الأعباء السياسية والاجتماعية الناجمة عن تحمل تكاليف احتضان البوليزاريو.
انتهاء الحرب الباردة وانهيار الكتلة الشرقية وتفكك الاتحاد السوفياتي في مقابل ازدياد قوة الولايات المتحدة ورفع درجة تركيزها على المنطقة المغاربية.
اتجاه عدد من بؤر التوتر والنزاعات في عالم المعالجة، والمطالبة بفعالية أكبر للمنطقة الأممية في ذلك، نذكر هنا، إيقاف الحرب العراقية/الإيرانية، الانسحاب السوفياتي من أفغانستان لتطورات التي عرفها القرن الإفريقي، جنوب إفريقيا.
و هي معطيات انعكست على العلاقات المغربية الجزائرية، و ذلك في إطار مناخ إيجابي في إطار العلاقات العربية/العربية (توقيع اتفاق الطائف، ...) و كان من ثماره التحضير لإنشاء اتحاد المغرب العربي، خصوصا بعد حصول تفاهم مغربي اممي حول مشروع تسوية لقضية الصحراء.
3-التسوية الأممية و التقاطب المغربي-الجزائري
في نهاية عقد الثمانينات، تقدم الأمين العام للأمم المتحدة السيد خافيير ديكويلار باشتراك مع منظمة الوحدة الإفريقية بمقترحات لتسوية سلمية لمشكلة الصحراء إلى الطرفين،و تقوم هذه المقترحات على أساس تنظيم استفتاء لتقرير مصير الإقليم في اتجاه خيارين: الاندماج مع المغرب أو الاستقلال عنه ،وقد قبل الطرفان من حيث المبدأ بهذه الخطة في 30/8/1988.
على ضوء ذلك تم تعيين ممثل خاص للأمين العام الأممي قام بوضع خطة تفصيلية لتنظيم الاستفتاء وأصدر مجلس الأمن في 19/4/1991 القرار الأممي 690 بإنشاء بعثة أممية في الإقليم سميت بالمينورسو تقوم بالإعداد والإشراف على مسلسل الاستفتاء على أساس أن يبدأ سريان وقف إطلاق النار في 6 شتنبر 1991، وقد هدف المسلسل الأممي إلى الوصول لحل عادل ونهائي لمسألة الصحراء المغربية تمكن سكان الإقليم من ممارسة حق تقرير المصير و الاختيار دون أية قيود عسكرية أو إدارية بين الاستقلال أو الاندماج مع المغرب20. و جاء تبلور هذا المشروع إفرازا لسلسلة تطورات نوعية في المنطقة ،و توازى ذلك مع عودة العلاقات الديبلوماسية المغربية الجزائرية بعد قطيعة دامت 14 سنة وذلك على إثر لقاء 10/06/1988 بين الملك الراحل الحسن الثاني و الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد و هذا التقارب أشر لتراخي قبضة المؤسسة العسكرية الجزائرية في توجيه السياسة الخارجية للجزائر من جهة أولى ،كما ساعد على دعم عملية التفاهم على تسوية نزاع الصحراء الغربية عبر إجراء استفتاء بإشراف أممي و هي خطة جرى التفاوض عليها طيلة 1988-1990 من جهة ثانية، و فشل سياسات المحاور
الثنائية و خصوصا بعد التجربة المرة لمحور المغرب-ليبيا في مقابل محور الجزائر -تونس-موريتانيا و التي أدت لإضعاف كافة الأطراف من جهة ثالثة، و هي تطورات ارتبطت بتراجع حدة الضغط الأجنبي على المنطقة و الناجم عن تقلص حدة التقاطب الدولي بين المعسكرين الشرقي و الغربي بسبب بداية تفكك المعسكر الشرقي دون إغفال البروز المتصاعد للتقاطب الفرنسي -الأميركي و كذا تبلور تحدي التكتل الأوربي في مواجهة دول الشمال الإفريقي.
إلا أن فترة الازدهار في العلاقات المغاربية عموما و المغربية-الجزائرية خصوصا لم تدم طويلا حيث عاد الاحتراب المغربي-الجزائري ، و الذي جاء محصلة طبيعية للتطورات التي عرفها النظام السياسي الجزائري و صعود التيار المناهض للمغرب داخله لاسيما انهيار الوضع الأمني الجزائري،و استفحال أزمة الاستفتاء بالصحراء المغربية،و قد ظهرت إرهاصات تجدد النزاع "البارد" بين البلدين و انعكاسه على مسيرة الاتحاد المغاربي في ربيع 1993 عندما دعا وزير الخارجية المغرب عبد اللطيف الفيلالي آنذاك،إلى وقفة مراجعة للاتحاد المغاربي بسبب مواقف الجزائر المستفزة للمغرب في قضية الصحراء،و جاءت أحداث فندق أطلس أسني بمراكش في غشت 1994،و التي تورط فيها فرنسيون من أصل جزائري قاموا بإدخال السلاح للمغرب بغية القيام بتفجيرات تقدم الدليل على إصابة المنطقة المغاربية ككل بعدوى "الإرهاب الإسلامي" ،و تدفع المغرب بالتالي للقبول بالمشاريع الإقليمية الرامية لمواجهة الإسلاميين بدعم من دول جنوب أوروبا ،إلا أن العكس هو الذي حصل حيث سارع المغرب في بيان رسمي (16/09/1994) إلى اتهام الأمن العسكري الجزائري بالوقوف وراء مخطط لزعزعة استقرار المغرب،مما
أدى إلى فرض التأشيرة على الجزائريين بما فيهم حاملي الجنسية الفرنسية ،و إغلاق الحدود مع الجزائر،و انضاف لذلك الموقف السلبي للجزائر إزاء تقرير لمجلس الأمن حول قضية الصحراء في خريف 1995،و هو ما اتخذه المغرب مبررا لتوجيه رسالة رسمية للجزائر بصفتها تتحمل الرئاسة الدورية للاتحاد و ذلك في 20دجنبر1995 يدعو فيها إلى إيقاف نشاطات و مؤسسات الاتحاد مؤقتا.
و كانت النتيجة المنطقية لذلك هي عودة سياسة المحاور الثنائية في المنطقة و التي ارتكزت على حاجة كل من تونس و الجزائر لتنسيق جهودهما في مواجهة الإسلاميين في البداية ليتطور الأمر فيما بعد إلى محاولة تنسيق المواقف إزاء المشاريع الأوروبية و الأميركية المطروحة على المنطقة.
ما عزز من ذلك هو السياسات الغربية "الجديدة" تجاه المنطقة وإعادة هيكلة التنافس الدولي حولها و بروز الاستقطاب الفرنسي-الأميركي عبر طرح عدة مشاريع لإدماجها في خطط التحكم السياسي و الهيمنة الاقتصادية و الضبط العسكري بما يحول دون تمكن الدول المغاربية من بناء وحدة حقيقية بينها،و نذكر هنا ثلاثة مشاريع كبرى برزت فيها هذه التوجهات بوضوح ،حيث طرح مشروع الشراكة الأورو-متوسطية المعروف بمسار برشلونة1996 ،و طرح بعد ذلك مشروع حلف الناتو المسمى بالشراكة من أجل السلام 1995،و الهادف لإدماج الدول المغاربية في مشروع أمني-عسكري يروم التحكم في المنطقة بما يضمن عدم تأثر دول جنوب أوروبا بالاضطرابات الاجتماعية و السياسية لشمال إفريقيا،ثم جاء المشروع الأميركي المسمى بمبادرة إيزنستات للشراكة المغربية الأميركية1998 ،و هو مشروع يدعو إلى إقامة شراكة اقتصادية بين أميركا و كل من المغرب و الجزائر و تونس مع استثناء ليبيا و موريتانيا ،الأولى بدعوىقضية لوكربي و الثانية لوجودها ضمن مشروع أميركي آخر للشراكة مع إفريقيا،مع الإشارة إلى أن مشروع الناتو لم يستثن موريتانيا منه.و يمكن أن نضيف لهذه الحيثيات الهجوم الصهيوني
التطبيعي بعد توقيع اتفاق أوسلو 1993 و الذي تجلى في فتح مكتبي اتصال بكل من المغرب و تونس سنة 1994 ،و فتح سفارة إسرائيلية في موريتانيا1999،و تنشيط العلاقات شبه العلنية الإسرائيلية -الجزائرية بعد المصافحة الشهيرة لبوتفليقة مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني باراك أثناء حضورهما لجنازة الملك الراحل الحسن الثاني 1999.و عموم هذه التطورات أدت إلى تعميق الخلافات بين الدول المغاربية و بروز قوي لرغبة القوى الكبرى في التدخل و الهيمنة و هو ما يتعارض مع كل مشروع وحدوي، و انضافت لذلك وضعية الحصار المفروض على ليبيا و الذي كشف هشاشة الاتحاد و ضرب مصداقية الطروحات الوحدوية بسبب خضوع مواقف كافة الدول للموقف الأميركي ،مما حدا بليبيا إلى رفض تسلم الرئاسة الدورية للإتحاد من الجزائر في يناير1994.
و قد تجددت آمال تجاوز العلاقات المغربية الجزائرية لأزمتها مع مجيء بوتفليقة للحكم في ربيع 1999 و صدور إشارات إيجابية من طرف المغرب مهدت للتحضير للقاء بين البلدين في صيف 1999 إلا أن وفاة العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني أدت إلى إرجاء اللقاء ، ليقع بعده انهيار مفاجئ في هذا المسار بعد اتهام الجزائر للمغرب بإيواء الجماعات المسلحة الجزائرية في شتنبر1999،و تستأنف العلاقات مسارها الانحداري و الذي اشتد بعد عزم الأمم المتحدة على طرح مشروع حل سياسي لقضية الصحراء يرتكز على منح حكم ذاتي موسع للصحراء في إطار السيادة المغربية.
5-الأزمة الحالية في التسوية الأممية و الخلاف المغربي -الجزائري
مع وصول مسلسل التسوية الأممية للأزمة ،أخذت الأمم المتحدة تدفع في اتجاه مشروع حل سياسي متفاوض عليه ، و هو ما أدى لتعيين جيمس بيكر كمبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة يضطلع بوظيفة رعاية التفاوض حول هذا المشروع و تقريب وجهات النظر إزائه، و هو ما تم بشكل واضح في لقاء برلين في شتنبر 2000، و الذي أعلن فيه المغرب استعداده للدخول في حوار صريح حول موضوع الحل السياسي، و هو ما أدى لقلب التوازن المغربي الجزائري بخصوص قضية الصحراء ،لاسيما بعد إعلان الأمم المتحدة لمشروع اتفاق الإطار الخاص بالحكم الذاتي في يوليوز2001 ، و الذي قوبل بمعارضة جزائرية شديدة.
إلى جانب هذا التحول الاستراتيجي في تدبير الأمم المتحة لنزاع الصحراء المغربية ،انضافت كل من قضيتي فتح الحدود(مطلب مغربي) و قضية تفعيل الاتحاد المغاربي و عقد القمة الرئاسية له (مطلب جزائري)،ليشكل كل ذلك المحاور الأساسية للخلاف المغربي الجزائري في الظرف الراهن و التي أدت إلى إحياء الملفات القديمة ، و على رأسها ملف ترسيم الحدود بين البلدين ، و التعاون الأمني بينهما، و التضارب في السياسات إزاء المشاريع الأوروبية و الأمريكية للمنطقة لاسيما بعد السعي الجزائري للاندماج في المنظومة المتوسطية عسكريا (الناتو في فبراير 2000) و اقتصاديا (اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوربي )،و الحرص الجزائري على إبعاد المغرب من المجال الإفريقي بعد الدعم الذي قدمته الجزائر للمبادرة الليبية المتعلقة بالاتحاد الإفريقي و التي أعلن عنها في إطار القمة الإفريقية الاستثنائية سرت 2و هو تفاهم كان من آثاره حضور البوليزاريو في قمة سرت الثانية ،مما أعاق إمكانية عودة المغرب للمنظمة الإفريقية و التي أصبحت بدءا من هذه السنة تدعى بالإتحاد الإفريقي ، و في المقابل رغبة الجزائر في النشاط من خلال القناة الفرنسية في إفريقيا عبر حضورها في
القمة الفرنسية -الإفريقية بياوندي في أواسط يناير 2001 و ذلك بعد أن قاطعتها منذ بداية السبعينات..فضلا عن عودة أجواء سباق التسلح الذي انخرطت فيه الجزائر من السنة الماضية عندما أقدمت على اقتناء أسلحة بريطانية بتغطية قطرية بقيمة 7.5 مليون دولار ثم تلتها هذه السنة الصفقة العسكرية الضخمة من روسيا بقيمة 2.5 مليار دولار أثناء زيارة بوتفليقة لروسيا في أبريل-نيسان2001 و التي تم ترسيمها هذه السنة.
و لقد لعبت التطورات التي عرفتها الساحة الدولية بعد تفجيرات 11سبتمبر2001 في خلق حالة استقطاب بين البلدين إزاء الحملة الأمريكية ضد "الإرهاب" و هو استقطاب ساهم في خلخلة التوازنات الاستراتيجية في المنطقة.
وتبرز محاور الصدام الجزائري المغربي الراهن في :
أ-قضية الصحراء و أطروحة التقسيم
شهدت العلاقات المغربية الجزائرية انحدارا رهيبا في أواخر شباط/فبراير المنصرم ، وذلك بعد تقديم الأمين العام كوفي عنان لتقريره ول وضعية عملية التسوية الأممية بالصحراء و الخيارات المستقبلية لها ،1-خيار غجراء الاستفتاء2-خيار منح حكم ذاتي موسع في إطار السيادة المغربية3-خيار تقسيم الصحراء بين البوليزاريو والمغرب 4-خيار سحب بعثة المينورسو من الصحراء،و انكشف في مداولات مجلس الأمن أن الجزائر هي صاحبة اقتراح التقسيم،لينفجر صدام مغربي -جزائريحيث أعلن المغرب أن هذا الموقف يكشف الأطماع التوسعية للجزائر و نزوعاتها الهيمنية في المنطقة نكما يبطل دعاوي " حق تقرير المصير" التي كانت ترتكز عليها في دعمها لجبهة البوليزاريونمعتبرا أن هذا مناقض للمبادئ التي انبنى عليها الاتحاد المغاربي، وقد تجدد نفس الأمر لكن بحدة أقل في مناقشات مجلس الأمن حول قضية الصحراء أواخر شهر يوليو/تموز المنصرم،مما حدا بالمغرب على أن يتهم الجزائر بمحاولة إفشال الحل السياسي لقضية الصحراء و نسفه، و أنخطة التقسيم تهدد المغرب و غيره بالبلقنة، و ما زاد من تأزيم الوضعية إقدام بوتفليقة على زيارة مخيمات تندوف و التي عدت سابقة حيث لم يسبق أن
قام بها رئيس جزائري منذ 1976وذلك نهاية فبراير شباط الماضي، وعاد بعدها ليعلن أن قضية الصحراء ليست ملفا يطوى ومصير الاتحاد المغاربي مرهون بها،كما أكد في رسالة بعث بها إلى زعيم جبهة البوليزاريو أن الحكومة الجزائرية علىمواصلة دعمها للجبهة وأن الجزائر متشبثة بخيار تقرير المصير كحل لنزاع الصحراء و ما يستلزمه من تطبيق لخطة التسوية ،و هي المواقف التي تحكم التعاطي الجزائري مع القضية و شكلت خلفية للتحرك الجزائري في اتجاه روسيا من أجل التأثير عليها لمواجهة المقترح الأمريكي القاضي باعتماد خيار الحكم الذاتي الموسع مع تعديل اتفاق الإطار ، و هي مواجهة برزت بوضوح في الاجتماع الأخير لمجلس الأمن و أثمرت عدم اعتماد المقترح الأمريكي و إعادة الاعتبار لخيار تقرير المصير في سياسة الأمم المتحدة إزاء الملف، مما ينعكس سلبا على وضعية العلاقات بين البلدين ، و هو ما برز في خطاب العاهل المغربي آخر الشهر الماضي،عندما انتقد ما سماه "تبني طرح تقسيمي أسقط كل التبريرات الواهية التي يتم بها تضليل الرأي العام العالمي تحت ذريعة الدفاع المزعوم عن مبدأتقرير المصير" مشددا على رفض المغرب لكل "طرح تجزيئي "،و هي تطورات تكشف أن
تجاوز أزمة شهر فبراير /شباط الماضي يكن تجاوزا حقيقا ،رغم زيارة وزير داخلية الجزائر يزيد زرهوني للمغرب أواسط مارس المنصرم و تدارس عدد من الملفات الأمنية بين البلدين، وتلتها رسالة من الرئيس بوتفليقة إلى الملك محمد السادس قال فيها بأن الجزائر ليست لها أطماع لا في الصحراء و لا في المغرب،معلنا استعداد الجزائر لتحسين العلاقة مع المغرب و ترك ملف الصحراء للامم المتحدة، و هو ما قدم مؤشرا آنذاك على وجود إرادة لتجاوز الأزمة بين البلدين ،إلا أن الأحداث التي تلت ذلك كذبت التوقعات، ليبقى ملف الصحراء العائق المركزي أمام أي مشروع لتجاوز الأزمة بين البلدين، خاصة و أن المغرب يعتبر أن أي تحرك جزائري في مواجهة مشروع الحل السياسي من جهة وكذا الدعم الجزائري غير المباشر لأطروحة التقسيم من جهة أخرى بمثابة ضرب لخطاب الوحدة المغاربية.
ب-الاختلاف حول الإحياء الشامل للاتحاد المغاربي
أدت استمرار العجز عن حسم الأزمة الأمنية الداخلية للجزائر إلى خلق عامل موحد للنظام الجزائري خصوصا بعد اشتداد الضغط و النقد الموجه للعسكر ، يتمثل في السعي تلعويض الفشل الداخلي بانتصارات ديبلوماسية و ذلك عبر التمكن من إحياء الاتحاد المغاربي بزعامة جزائرية،و استثمار التغيرات الحاصلة في المشهد المغاربي لاسيما بعد وفاة الملك المغربي الحسن الثاني ثم الاتجاه نحو تخفيف الحصار على ليبيا مما قلص من الموانع التي تقف في وجه الرغبة الجزائرية و ذلك لصالح مشروع الزعامة المغاربية لها بحيث برز رهان جزائري لعقد القمة المغاربية قبل متم سنة2001، وشكل اجتماع مجلس وزراء الخارجية المغاربيين في مارس-آذار2001 الخطوة الأولى في هذا المسار، إلا أن الفشل كان مآل هذه الخطوة بسبب غياب المغرب و بعد جمود مؤقت للمبادرة تمكن العمل المغاربي من استئناف ديناميته عبر تنظيم اجتماع لمجلس الشورى المغاربي في 5-6/09/2001 الدورة الرابعة لمجلس الشورى المغاربي بمشاركة كافة الدول المغاربية و بعده اجتماع وزراء خارجية الأتحاد في أواسط كانون الثاني 2002، و الذي تمكن من تحديد أمين عام جديد للاتحاد و انطلاق التحضير الجدي لعقد القمة
المغاربية، إلا أن تجدد الأزمة في مسلسل التسوية الأممية لقضية الصحراء مع صدور تقرير الأمين كوفي عنان حول الموضوع و الذي كشف فيه عن وجود استعداد جزائري لمناقشة مشروع تقسيم للصحراء بين المغرب و البوليزاريو، مما أطلق حملة مغربية مضادة ، ورغم احتوائها في الفترة الماضية إلا أنها تجددت في الآونة الأخيرة ونتج عنها فشل انعقاد القمة المغاربية في يونيو/حزيران2002 و تأجيلها في آخر لحظة،بعد فشل إقناع المغرب بحضور القمة فضلا عن موريتانيا مما دعا بليبيا أن تطلب تأجيل القمة ، و يمثل هذا التضارب في الموقف من عملية الاندماج المغاربي العامل الثاني وراء استمرار الخلافات المغربية الجزائرية و التي تعكس في العمق صراعا حول الزعامة المغاربية.
ج-قضية الحدود بين البلدين
انضافت هذه النقطة بشكل مفاجئ إلى أجندة الملفات بين البلدين ،حيث أعلنت الجزائر أواخر شهر يوليو /تموز الماضي عن استعدادها لرفع ملف الحدود مع المغرب إلى الأمم المتحدة، من أجل الفصل بصفة نهائية في الخلاف الحدودي مع المغرب ،و ذلك من أجل الترسيم النهائي للحدود، وتنطلق الجزائر من اتفاقية يونيو 1972، و ما يفسر سعيها لطرح الملف هو بروز مسعى مغربي لمراجعة الموضوع كلية بعد ظهور أطروحة التقسيم لاسيما و أن المغرب لم يصادق نهائيا على الاتفاقية،و التي كانت موافقة المغرب عليها مشروطة بالاستغلال المشترك لمناجم الحديد بتندوف و دعم الجزائر لاسترجاع المغرب لصحرائه و هو ما لم يتم ، و لهذا ينتظر ان يعرف هذا الملف اصطداما بين البلدين في المستقبل، لاسيما بعد الموقف الجزائري السلبي إزاء الأحداث التي عرفتها جزيرة تورة(ليلى) وغياب دعم جزائري واضح للحق المغربي في الجزيرة على خلاف مواقف بقية الدول المغاربية و العربية و الإسلامية.
إن القضايا الثلاث المطروحة آنفا تفسر عدد من التوترات التي تعرفها علاقات البلدين إن على الصعيد الإفريقي أو على صعيد العلاقة مع الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة ،كما تفسر الهزال الشديد للمبادلات التجارية و الاقتصادية بين البلدين،و العجز عن تسوية الخلاف القائم حول إغلاق الحدود البرية بين البلدين منذ 1994.
خلاصة استشرافية
تاسيسا على ماسبق ،تصبح احتمالات تسوية الخلافات المغربية الجزائرية و حصول انفراج في العلاقات البينية مسألة مستبعدة في المستقبل، بل إن الأفق الأكثر احتمالا هو استمرار الوضع الحالي و الذي يشبه حالة حرب باردة متحكم فيها .
1 -الشامي،علي الصحراء الغربية-عقدة التجزئة في المغرب العربي ص214 دار الكلمة-بيروت 1980
2 -نفسه ص216.
3 - الأعرج عبد القادر: السياسة المغاربية في المحيط المغاربي (1956 1994). رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا ص 67 كلية الحقوق الرباط.
4 -Hodges,Tony Western Saraha- the Roots of Desert War P92-93 Lawrence Hill and Company:Westport,Connecticut 1983.
5 -الشامي م.س.ص 222-223.
6 -نفسه ص 224-225و Hodges,Tony Op.cit P 196 .
7 - الشامي نفسه ص 232 و قد لاحظ الشامي أن وزارة الخاجية الجزائرية لم تنشر خطاب الرئيس بومدين في القمة مما جعل المصدر الوحيد هو النص المسجل في وزارة الخارجية المغربية ، كما أشار إلى أن بعض المسؤولين الجزائريين يتهم المغرب بتحريف الخطاب،إلا أنه لم يصدر أي تكذيب رسمي.
8 - Hodges,Tony Op.cit P 162.
9 - الشامي ص:334.
10 - الشامي نفسه ص 335.
11 - عبد الجبار مطعيش "العلاقات المغربية الجزائرية من 1830 إلى اليوم" نونبر 1992. رسالة دبلوم الدراسات العليا. كلية الحقوق ص 248 254
12 -الشامي /.س.ص 238.
13-Damis,J.Conflict in North Africa -The Westen Sahara Dispute P 62-73 Hoover Institution Press :Stanford University, Stanford California .
14 -. الأعرج م.س ص 85.
15 تاج الدين الحسيني "وسائل السلام في العلاقات الدولية المعاصرة ودورها في تسوية نزاع الصحراء الغربية" أطروحة دكتوراه دولة. كلية الحقوق. الرباط 1984 ص 469 نقلا عن الأعرج م.س ص 85
15 - الحسيني نفسه ص 483 484
16 - عبد الجبار مطعيش م.س ص 272 274
17( - نفسه ص 280 281
18 - مطعيش. م.س ص 289
19 - التقرير الاستراتيجي للمغرب 95/1996- ص 139 -إنجاز مركز الدراسات و الأبحاث في العلوم الاجتماعية-الرباط-1997
20 - تقريري الأمين العام المؤرخين في يوم 19/4/1991 ( رقم S/22464) ويوم 18/6/ 90 ( رقم S 21360)
مصطفى الخلفي
باحث مغربي في العلوم السياسية-كلية الحقوق -جامعة محمد الخامس-الرباط.وقد أعدت الدراسة بناءا على طلب من موقع الجزيرة .نت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.