أوصى الأمين العام كوفي عنان بتمديد ولاية بعثة الأممالمتحدة بالصحراء المغربية ستة أشهر إضافية، لكن دون أن يمنح مبعوثه الجديد ألفارو دوسوتو صلاحيات حقيقية لتجاوز المأزق الناجم عن التشبت بمخطط بيكر الثاني، ذلك أن التقرير بقي في حدود وصف الأزمة الحادة للخطة الأممية، والتي عجزت عن بلورة حل سياسي مقبول من الطرفين وذي قابلية للتحقيق، مما يطرح على مجلس الأمن تحمل مسؤوليته ووضع توجهات واضحة لاشتغال مبعوث الأمين العام، والانطلاق في ذلك من المعطيات الأخيرة والتي أبان عنها تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بداية الأسبوع الماضي، وضمنه إحدى عشر عضوا من مجلس الأمن امتنعوا عن تأييد مشروع القرار الجزائري، الذي أصر على تجاهل المبعوث الشخصي لكوفي عنان، وعدم اقتراح أية خيارات تتيح له الوسائل اللازمة لصياغة مخطط جديد، وتجاوز المراوحة والدوران في فلك الخطة القديمة. أبعاد المأزق الأممي لقد أبرز تقرير كوفي عنان المقدم لمجلس الأمن يوم 20 أكتوبر الجاري أبعاد الازمة الحادة للأمم المتحدة بالصحراء المغربية وذلك من خلال ثلاث مؤشرات، الأول يهم غياب أي تقدم بين الأطراف حول التوافق على خطة بيكر الثانية، بل إن احتمالات هذا التقدم تتراجع بالمقارنة مع الفترات السابقة، أما المؤشر الثاني فأسوء من الأول، حيث كشف عن أنه لا يوجد أي اتفاق حول ما يمكن عمله للتغلب على الخلاف المستحكم القائم مما يعني وجود حالة من الغموض المستقبلي عند الامين العام، وتطرق المؤشر الثالث لتسجيل القلق من التصعيد الجديد في تبادل الاتهامات بين الأطراف، وهذا المؤشر يحد من إمكانات حل الخلافات القائمة فالأولوية ستكون تبعا لذلك هي لاحتواء هذا التصعيد حتى لا يتطور بشكل سلبي، أما مباشرة حوار بين الأطراف حول خطة الحل السياسي فمسألة تصبح ثانوية في وضع من هذا النوع، ونعتبر أن هذه المؤشرات الثلاث هي التي جعلت من توصية كوفي عنان تقتصر على اقتراح تمديد ولاية بعثة المينورسو ستة أشهر إضافية دون أي تحديد سياسي توجيهي آخر على أمل أن يستفيد كلا الطرفين، والدولتين المجاورتين من هذه الفترة الزمنية في التعاون بحسن نية مع ممثلي الخاص لإنهاء حالة الجمود الراهنة ولتحقيق تقدم نحو إيجاد حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين حسب ما ورد في الفقرة ما قبل الأخيرة من تقرير كوفي عنان لمجلس الأمن، وهي الفقرة التي تجنبت الإشارة مباشرة لخطة بيكر الثانية كما كان يجري في التقارير السابقة، رغم أن التقرير في معرض تطرقه لانشطة المبعوث الشخصي في الفترة السابقة أحال على قرار مجلس الأمن 1541 لأبريل 2004 والذي أيد خطة بيكر الثانية بوصفها حلا سياسيا أمثل يوقم على أساس الاتفاق بين الطرفين، وهو ما يكشف حالة تردد في موقف الأمين العام بين الاستمرار في اعتبار خطة بيكر الثانية هي الحل الأمثل وبين التقدم نحو تجاوزها وفتح أفاق صياغة خطة مغايرة. يبين التردد المثارانفا في التقرير حالة المخاض الذي يعرفه تدبير النزاع، وكذا تفاقم العجز عن اتخاذ قرارات واضحة، تستفيد من فشل المبعوث السابق جيمس بيكر ولا تدفع قسرا نحو تكرار نفس أخطاءه، وأهمها التلفيق الذي قام به بين كل من مشروع الحل السياسي ومشروع الاستفتاء، من أجل بلورة خطة للسلام، ترضي الجزائر بعد أن رفضت خطة بيكر الأولى في يوليوز 2001 والمسماة باتفاق الإطار. فالجزائر التي تدافع عن الخطة الثانية لبيكر كانت رافضة للخطة الأولى، والتي رغم القبول المبدئي للمغرب لها فإن رفض الجزائر كان كافيا من أجل دفع المبعوث السابق نحو التفكير في صياغة خطة ثانية، خاصة بعد تفجيرات 11 شتنبر وبروز أهمية الجزائر في الحرب الأمريكية على الإرهاب، إلا أن المثير هو هذا التعامل بمكيالين من طرف الأممالمتحدة، ففي حالة خطة بيكر الأولى لم يقع تشديد الضغط على الجزائر والبوليساريو من أجل تغيير موقفهما من الخطة وجرى الأخذ باعتراضاتهما وتجاوز الخطة، أما في حالة الخطة الثانية فقد تم العكس عبر المطالبة المنتظمة للمغرب منذ يوليوز 2003 من أجل القبول بالخطة رغم اعتراضاته الجوهرية، وهو خيار أفضى إلى اشتداد المأزق الأممي بالصحراء المغربية، وهي وضعية ما تزال قائمة بفعل التصلب الجزائري، ومن ذلك أن الأمين العام كوفي عنان في تقريره الأخير وأثناء عرضه لأسباب الأزمة الحالية أشار إلى موقف الجزائر المعارض لمسألة مناقشة أي جانب من جوانب خطة بيكر الثانية ما لم يوافق المغرب عليها، وذلك على خلاف موقف موريتانيا المعبرة عن استعدادها لدعم أي حل يقبله الطرفان. ونعتبر أن حل هذا المأزق يتمثل في العودة لاعتماد نفس المنهجية السابقة، أي تجاوز خطة بيكر الثانية والانتقال نحو إعداد مشروع حل سياسي جديد، وهو التوجه الذي بدأت إرهاصاته في التحركات التي رعتها الخارجية الإسبانية طيلة المدة الأخيرة، حيث سبق لها أن اعتبرت على لسان وزير خارجيتها موراتينوس أن مخطط بيكر الثاني ليس مقدسا وأنه لابد من منح المبعوث الجديد لكوفي عنان صلاحيات حقيقية في المبادرة والاقتراح، كما أن نتائج التصويت الذي عرفته الجمعية العامة هي الأخرى تعزز من التوجه الدولي لمصلحة تدشين حوار مشروع حل سياسي جديد، وإلى جانب ذلك الموقف الأخير لوليام بيرنز مساعد وزير الخارجية الأمريكي حيث جدد تشبث الولاياتالمتحدة بحل سياسي لمسألة الصحراء ودعم الإدارة الأمريكية لجهود الأمين العام للامم المتحدة السيد كوفي عنان وممثله الخاص والرامية إلى يجاد حل لهذه القضية، والإشادة بقرار المغرب القاضي بإلغاء إجراءات التأشيرة بالنسبة للمواطنين الجزائريين الراغبين في الدخول إلى الاراضي المغربية، وهي المعطيات التي تفسر من جهة تشنج البوليساريو بعد صدور التقرير الأممي. أفق الخطة لايقتصر الاشتغال الاممي في قضية الصحراء المغربية على التفاوض حول مشروع الحل السياسي، بل هناك جوانب أخذت تتعاظم أهميتها، ففضلا عن قضية الأسرى المغاربة البالغ عددهم 412 أسيرا، والذين يمثل استمرار أسرهم خرقا لمقتضيات الخطة الأممية وللعديد من قرارات جلس الأمن، برزت سلسلة قضايا أكدها التقرير الأخير للأمين العام، وترتبط بإجراءات الثقة والعلاقات العائلية بين الصحراويين في مخيمات تندوف والصحراويين داخل الأقاليم الجنوبية، ومن ذلك نجاح المرحلة الأولى من برنامج تبادل الزيارات الأسرية، حيث تم تبادل 50 زيارة طيلة الستة أشهر الأولى من البرنامج والتي امتدت من مارس إلى غشت ,2004 واستفاد منها 1208 شخص منهم 619 من مخيمات تندوف، وبلغ عدد المسجلين 19009 شخص ضمنهم 11884 من مخيمات تندوف حسب تقرير الأمين العام، مما يفتح إمكانات هامة لطرح قضية عودة الصحراويين من المخيمات واعتبار ذلك أولوية في تسوية النزاع، لاسيما مع التقدم في الإجراءات الخاصة ببناء الثقة والتطور نحو توفير خدمات الهاتف، والنقاش الجاري حول خدمات البريد، ثم الاستعداد لتنظيم الحلقات الدراسية الحوارية بين أعضاء من كلا المنطقتين بدءا من ,2005 وهي كلها تطورات مشجعة، وتساعد على فك معالجة الجوانب الإنسانية والاجتماعية عن الارتهان للوصول لحل سياسي كامل ونهائي، بل إنها ستساعد على توفير أرضية جديدة لهذا المشروع، أقلها تخفيف الضغط الصادر من الجزائر على قيادة البوليساريو وإتاحة الإمكانية لتدبير المشكلات الخاصة بالصحراء في إطار السيادة المغربية. كما برزت قضية ثانية في هذا الملف تمثلت في مشكلة الهجرة غير المشروعة وتحول المنطقة الصحراوية إلى ساحة لشبكات الهجرة غير المشروعة، مما يطرح تحديات أمنية جديدة تحتم الإسراع في تسوية النزاع، فحسب تقرير الأمين العام فظهور مهاجرين سريين بالمنطقة الفاصلة والملغومة بشكل مكثف، والذين يظل بعضهم تائها دون الوسائل الضرورية للعيش على امتداد فترات طويلة، يشكل موضوع انشغال متنام، و هذا الجانب يعد، بشكل واضح، جزءا من ظاهرة أكثر انتشارا مرتبطة بتهريب الأشخاص بالمنطقة. ومع ذلك أرفع هذه القضية لينظر فيها مجلس الأمن، لأن هذه الظاهرة تجري بمنطقة عمليات المينورسو التي لاتتوفر لا على تفويض ولا على الموارد الضرورية لمواجهتها، كشف التقرير معطيات عن تبليغ البوليساريو للأمم المتحدة عن حالات للهجرة السرية، ويظهر ان لجوء البوليساريو لتبيلغ الأممالمتحدة جاء من أجل إبعاد ما أثارته تقارير إعلامية عن تورط البوليساريو في شبكات للهجرة غير المشروعة، ونخص هنا بالذكر ما سبق أن صرح به الصحفي غريغوار دونيو من قناة فرنسا الثانية قد تقريرا حول شبكات الهجرة السرية نحو جزر الكناري للصحيفة الاسبانية (أ.بي.ثي) في طبعة يوم 15 أكتوبر الجاري أن الاشخاص من جنوب المغرب الذين يهربون المهاجرين السريين إلى جزر الكناري (...) هم صحراويون موالون للبوليساريو. خلاصة ترك التقرير المهمة الصعبة لأعضاء مجلس الأمن من أجل الحسم في حالة التردد في التدبير الاممي لعملية تسوية النزاع، مما سيجعل من مداولات المجلس محطة حرجة لن تقل عن المخاض الذي جرى على هامش تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الموضوع، وسيكون على القوى الدولية أن تتحمل مسؤوليتها في هذا الاجتماع، والإقدام على إلغاء اعتبار مخطط بيكر الثاني حل أمثل للنزاع، ومنح المبعوث الجديد صلاحيات حقيقية لحل النزاع، مما سيجعل من هذه المداولات محطة امتحان حقيقي لصدقية الخطوات الإسبانية لإيجاد مخرج من المأزق الراهن، وهي العناصر التي ستجعل من المداولات الجارية بالمجلس ذات طبيعة استثنائية تفرض على المغرب مضاعفة جهوده، وتأكيد خياره في بلورة وضع يتيح للسكان بالصحراء المغربية تدبير شؤونهم في إطار السيادة المغربية. مصطفى الخلفي