كشف الممثل الشخصي ووزير الدولة في الحكومة الجزائرية عن جوهر الخلاف الحقيقي القائم بين المغرب والجزائر، والذي أدى لمسلسل التدهور المتواصل في العلاقات بينهما، حيث صرح بوضوح ليومية الخبر في عددها ليوم أمسأن الجزائر لا تمانع في فتح الحدود بشرط اعتراف المغرب بالشرعية الدولية في ملف الصحراء، وبشرطالتزام التعاون مع الجزائر على محاربة التهريب والمخدرات ومراقبة الحدود أمنيا، الموقف الذي عدته اليومية الجزائرية جديدا يمثل في عمقه الرد الجزائري على رفض المغرب لزيارة الوزير الأول الجزائري أحمد أويحيي للمغرب، والذي جاء عبر تصريحات مفصلة كشفت الشيء الكثير عن الأزمة الحالية في العلاقات المغربية الجزائرية، وقدمتها شخصية وازنة في الحكومة الجزائرية، وعلى معرفة بالقضية منذ شغلت موقع وزير الخارجية ومعرفة بقربها الكبير من الرئيس الجزائري، كما نشرت في صحيفة جزائرية معروفة بمواقفها المناهضة للوحدة الترابية للمغرب، وهي الجريدة التي تعد إلى جانب أخريات بمثابة تيرمومتر العلاقات المغربية الجزائرية، واختارها زعيم البوليزاريو ليوجه رسالته لالنخبة المغربية. التصريح المشار إليه جاء في سياق حوار مطول أعلن خلاله الوزير الجزائري عن استعداد الجزائر للذهاب إلى أبعد حد ممكن، بشرط ما سبق، أما فيما يخص موضوع إلغاء زيارة الوزير الأول الجزائري، فقد عبر عن استغرابه من تصرف المغرب من الناحية السياسية وواصفا إياه هذا الموقف بأن فيه شيئا من عدم اللياقة الديبلوماسية، وأنه سلوك أحادي الجانب، ومتسائلا عما ذا سيجنيه المغاربة منه، وبخصوص قضية الصحراء المغربية فقد كشف بلخادم أن الجزائر قامت بحركة استباقية من أجل إفشال المقترح الفرنسي الإسباني القاضي بعقد ندوة رباعية، حيث رفضت الجزائر أن يتجاوز الأمر المغرب والبوليزاريو، ليتهم المغرب بأنه يريد أن يربح اقتصاديا من فتح الحدود ونظهر نحن في صورة الذي يتنازل عن مواقفه. تطرح هذه المواقف التي جاءت ضمن حوار شامل تمت فيه العودة لتطور الاتحاد المغاربي والأزمات التي عرفها وآخرها تأجيل القمة المغاربية الأخيرة، عددا من التساؤلات، أولى هذه التساؤلات ترتكز على الخلفيات التي دفعت الجزائر على لسان بلخادم للتعبير عن هذه المواقف بهذا الوضوح، وهل هي محاولة لإبراء الذمة إزاء التفاعلات الدولية لتطورات الأزمة بين البلدين، حيث يظهر أن الجزائر لم تحسب جيدا أبعاد الرسالة التي وجهت للبوليزاريو عشية الاستعداد لعقد القمة المغاربية، وطبيعة المضامين التي حملتها والتي غابت عن الخطاب الرسمي الجزائري منذ مدة، ليفاجأ المغرب بها وتنحدر العلاقات الثنائية نحو مسار الأزمة من جديد، والمثير أن هذه التطورات تأتي في ظل تطورين، فمن جهة نجد أن العلاقات الفرنسية-الجزائرية عرفت توترات موازية للتوتر المغربي-الجزائري، ومن جهة أخرى باشرت الولاياتالمتحدة بدء الحوار مع تونس حول مشروع التفاوض على اتفاقية للتبادل الحر على غرار الموقعة مع المغرب، في ظل ما نقلته الصحافة حول موقف سلبي أمريكي عبر عنه السفير الأمريكي بالجزائر من التوتر الجزائري-المغربي. أما ثاني التساؤلات فيهم منطق المقايضة والمساومة الذي انفضح من هذا الحوار والذي كشف العلاقة المباشرة للجزائر بنزاع الصحراء وأنها توظف ملفات القضايا الثنائية لصالح الضغط على المغرب من أجل التنازل عن سيادته، ذلك أن الخلاف القائم منذ صيف 2003 هو حول المشروع الذي قدمه بيكر لمجلس الأمن ورفضه المغرب في حين قبلته الجزائر وبعدها البوليزاريو، وبقي تنفيذه رهينا باتفاق الأطراف ثم استقال بيكر وخلفه شخص دوسوتو الذي عارضت الجزائر مساعيه بقوة، ثم ذهب وما تزال الأممالمتحدة تبحث عن بديل، فالأمر في عمقه لا يرتبط بشرعية دولية بل بخطة شعارها الأساسي هو إيجاد حل سياسي متفق عليه بين الطرفين، وهو ما لم يتحقق في مشروع جيمس بيكر الثاني مثلما لم يتحقق في مشروع جيمس بكير الأول الذي قبله المغرب ورفضته الجزائر والبوليزاريو بل وذهبت الجزائر إلى حد اقتراح مخطط للتقسيم في تناقض صريح مع دعاوى الشرعية الدولية، كما أن رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق اسماعيل حمداني نشر منذ مدة في الخبرالجزائرية (8 يونيو الجاري) أن الجزائر في 4 ماي 1987 كانت مستعدة للعمل مع المغرب على حل سياسي يقوم على حفظ السيادة المغربية والتي كانت يشار لها بالعلم والطابع البريدي. الواقع أن هناك أزمة حادة أخذت تنمو وطالت مستوى الثقة بين الطرفين، المشبعة بإكراهات نفسية وحساسيات ضيقة كما ظهر في مواقف المسؤول الجزائري، بما يعقد إمكانيات الحل المستقبلي ويفرض الاستعداد لما هو أسوء، أما مساومة المغرب على وحدته مقابل فتح الحدود، فيفضح وهما جزائريا بالقوة، واستخفافا كبيرا بالسيادة المغربية، وقبل ذلك مؤشرا يطعن في صدقية الدعاوى الجزائرية بالذهاب أبعد في العلاقات الثنائية، يدفع للقول لا حاجة بفتح الحدود إن كانت مدخلا لتجزئة المغرب. مصطفى الخلفي