«أين هي الثروة؟ وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم إنها همت بعض الفئات فقط؟ ألاحظ خلال جولاتي التفقدية بعض مظاهر الفقر والهشاشة وحدة الفوارق الاجتماعية بين المغاربة»... هذا واحد من بين المقاطع القوية في الخطاب الملكي الأخير بمناسبة الذكرى ال15 لجلوس محمد السادس على عرش المغرب. طبعا جاء الخطاب الملكي في واد والأشرطة الدعائية للقنوات التلفزية الرسمية التي أعدت بالمناسبة في واد آخر، وهذه واحدة من مفارقات هذه البلاد العجيبة، فالملك وضع حصيلته في الحكم على محك النقد والدراسة والمراجعة، والسيد العرايشي والسيدة سيطايل حملا البندير والتعريجة، وبدآ يرقصان في الوقت الذي قال صاحب العرس إن هناك شيئا ما على غير ما يرام في المملكة، وإن البلاد تمشي بسرعتين أو أكثر، وإن منظر الهشاشة والفقر والتفاوت الاجتماعي في المغرب لا يسمح لأحد بالغناء ولا بالفرح، فما بالك بالرقص... إذا كان الملك محمد السادس قد امتلك جرأة الاعتراف بأن في عهد حكمه إيجابيات وسلبيات، وأن البلاد لم تحقق ما كان ملكها يصبو إليه، فإن على الحكومة، أولا، والبرلمان، ثانيا، ومؤسسات الدولة، ثالثا، أن يتحملوا المسؤولية، وأن يتخذوا قرارات ملموسة لإعادة توزيع الثروة، ووصول فواكهها إلى المغرب غير النافع والشباب العاطل والفئات الأكثر هشاشة في المجتمع. هذه هي الفرصة بالنسبة إلى السيد رئيس الحكومة لإخراج مشروع توزيع الدعم المباشر على الفئات الفقيرة مقابل كل المليارات التي ربحها من سحب الدعم عن المحروقات، وتقليص ميزانية صندوق المقاصة، وعليه أن يقول للذين يخافون صعود أسهم حزبه في بورصة الانتخابات إن هو أقدم على توزيع 1000 درهم على الفقراء والأرامل الذين لا يملكون أي دخل: «عليكم أن تخافوا غضب الفقراء لا شعبية العدالة والتنمية». على البرلمان أن يقوم بوظيفة المراقبة الحقيقية لصرف الميزانية على عدد من المخططات الكبرى والمشاريع التنموية التي تستهلك الملايير من الدراهم دون أن تظهر فوائدها الملموسة على أرض الواقع (ما العيب في أن يطلب البرلمان من المجلس الأعلى للحسابات أن يقوم بدراسة تقيمية جريئة للمخطط الأخضر والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مثلا). لقد عودتنا الطبقة السياسية على إخلاف موعدها مع تاريخ الاستحقاقات المهمة في هذه البلاد، ولهذا فإنني، شخصيا، أخشى ثلاثة منزلقات يمكن أن تفوت هذه اللحظة النقدية التي أطلقها الخطاب الملكي، وهو يضع يده على أكثر الجراح إيلاما في الجسد المغربي. أولا: حذار من أن يصير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مركزا للتفكير والتخطيط ووضع السياسات العمومية، وأخذ القرار في الاختيارات الاستراتيجية التي ترهن مستقبل البلاد لعقود قادمة بعيدا عن الحكومة والبرلمان الخارجين من صندوق الاقتراع والمعبرين عن الشرعية الانتخابية والديمقراطية. حذار من السقوط في النزعة التقنوقراطية التي رأينا حصيلتها في خطاب الملك وتقارير البنك الدولي التي وضعت المغرب في الرتبة 129 على سلم التنمية البشرية. ليست وظيفة الحكومة أن تنفذ توصيات هيئة استشارية مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، بل وظيفتها التخطيط والتنفيذ وتحمل مسؤولية الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية غدا أمام الناخب. ثانيا: حذار من الاستهلاك الإعلامي للحظة المكاشفة هذه التي أطلقها الخطاب الملكي الأخير، والتحول من البحث عن المسالك المخنوقة التي لا تسمح بتدفق الثروة الوطنية إلى الفقراء وتبقيها محصورة في الحدائق الخلفية للمنتفعين الجدد والقدامى من النظام، إلى مجرد دراسة تقنية لمفهوم الثروة غير المادية وكأننا نبحث عن معيار خاص بنا لنقول إن ترتيبنا على سلم التنمية البشرية، الذي تعده الأممالمتحدة كل سنة، لا يعطي صورة حقيقية عن بلادنا. ليس حلا أن نستبدل المرآة لكي نعدل من صورتنا فيها. الحل هو تغيير الصورة الحقيقية وليس المرآة. ثالثا: حذار من أن تقرأ الطبقة السياسية في الحكومة والمعارضة أن الخطاب الملكي الأخير لم يطلب من الحكومة سوى الاستماع إلى توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي. إن هذا مؤشر على عودة الملكية التنفيذية إلى الواجهة، وأن الملك سيختار وسيخطط ويرسم خارطة الطريق ويكلف المجلس بإعداد الدراسات والتوصيات والسياسات القطاعية، ولا يترك للحكومة سوى التنفيذ. هذا فهم خاطئ، الدستور كله بني على أساس ربط المسؤولية بالمحاسبة، وجعل الاختيار الديمقراطي جزءا من ثوابت البلاد، لهذا لا يجب الخلط بين مسؤوليات الجالس على العرش ومسؤولية الحكومة المنبثقة عن صناديق الاقتراع، التي ستحاسب على الاختيار والتنفيذ معا.