« دعوني، السادة أعضاء الحكومة، الزملاء والزميلات في الأغلبية أن أصارحكم بأننا في الفريق الاشتراكي، ورغم اجتهادنا، لم نعثر في مشروع القانون المالي الذي نناقشه اليوم على ما يقنعنا بكونه يرقى إلى مستوى التحديات الكبرى التي تواجهها البلاد، وإلى مستوى مطالب وحاجيات المواطنين، وإلى مستوى المرحلة التي ولجتها بلادنا باعتماد دستور 2011. المواطنون وهم يتابعون اليوم هذا النقاش من حقهم أن يتساءلوا خارج الأرقام الجافة عما هي الغاية من القانون المالي نفسه ؟ هل المسألة محاسبية محضة؟ هل الأمر يتعلق بتوزيع اعتمادات مالية على قطاعات أم أن هناك ألغاز لا يعرفها إلا فقهاء المالية، إلى غير ذلك من الأسئلة المشروعة، والتي أصبحت حاضرة بقوة أمام الخلط في المشهد السياسي الذي نعيشه اليوم من قبيل مَنْ في الأغلبية؟ و مَنْ في المعارضة؟ القانون المالي في نظرنا وبكل بساطة، حضرات السيدات والسادة، هو تلك الوسائل المادية التي توضع بين يدي الحكومة لتنفيذ برنامجها الذي صادق عليه البرلمان.. - حكومتكم اليوم لا نعرف برنامجها، وهذا موضوع سنعود إليه. - إن الوسائل التي توضع أمام هذه الحكومة هي أساسا وأيضا بكل بساطة : - من أجل تحسين ظروف عيش المواطنين وتوفير الخدمات الاجتماعية لهم في مرافق عمومية تقدم خدمة عمومية - هي من أجل إعطاء الإمكانات لتنفيذ المخططات والاجتهادات والبرامج الكفيلة بتطوير القطاعات الإنتاجية - هي من أجل إعطاء الوسائل ووضع الآليات والبرامج لتحسين القوة التنافسية للاستثمار وللمقاولة في ارتباط مع النمو ومتطلبات سوق الشغل والمنافسة الدولية. - وهي أخيرا وسائل من أجل الحفاظ على التوازنات الماكرو-اقتصادية وتعزيز آليات حمايتها. هذه هي الثوابت المتفق عليها لقراءة مشروع قانون مالي والقول بأنه إما حاملا لمؤشرات قانون مالي تنموي ديناميكي، أو قانون مالي تقشفي. مشروع القانون المالي الذي نناقشه معكم اليوم ما هو لا بتنموي ولا بتقشفي. وسنقدم لكم الدلائل الملموسة لاختلالاته. إنه مشروع يسير على الهامش حتى من البرنامج الحكومي القديم الذي نصبت على أساسه الحكومة القديمة, بل ويسير على النقيض من العديد من الشعارات التي تضمنها هذا البرنامج. ومرد هذا الإشكال إلى الاعتبارات السياسية التي أقحمت الأغلبية الحكومية البلاد فيها والالتباسات المتعددة التي زادت المشهد السياسي خلطا وضبابية، ووضعت البلاد في محطة انتظار زارعة بذلك اليأس بعد الآمال الكبرى التي أطلقها اعتماد دستور 2011 والذي جاء ثمرة توافق وطني لمحاربة الفساد. وحتى يتبين للرأي العام حقيقة هذا الاستنتاج، دعونا السيدات والسادة، أن نسرد بعض حالات هذا التخبط الحكومي: 1) لقد رهنت الأزمة الحكومية، و التي تعتبر أطول أزمة حكومية في تاريخ المغرب، رهنت البلاد لمدة ثمانية أشهر منذ مطلع 2013، وظل رئيس الحكومة ووزراءه وأحزاب الأغلبية ينكرون وجود أزمة إلى أن حصل انسحاب مكون أساسي من الحكومة وانضم إلى المعارضة. وبطبيعة الحال في إطار الحلول الترقيعية اضطرت الأغلبية إلى أن تضيع ثلاثة أشهر أخرى من الزمن السياسي للبلاد لترمم ذاتها، في تحالف مع ألذ الخصوم السياسيين للحزب الأغلبي، وهذا ما يطرح، بمنطق السياسة، إشكالية الأخلاق في السياسة ذاتها. 2) لقد كان هذا القرار المخرج السهل الذي وجدته الأغلبية والذي اعتبرناه ردة سياسية واستخفافا بالرأي العام, خاصة وان الحكومة تضخمت بالتكنوقراط الذين يحتلون ربع مقاعدها، رغم افتخارنا بكفاءة العديد منهم، وخاصة أيضا وأننا عشنا تكرار إعادة صباغة بعض الكفاءات في آخر لحظة بألوان سياسية ، في زمن الحديث عن الترشيد والحكامة، إلى تضخيم عدد أعضاء الحكومة (من 31 إلى 39) كمخرج للصراعات على المناصب والقطاعات الوزارية, حيث تم تجزيء المجزء وتشتيت المشتت نزولا عند منطق الإرضاءات والولاءات العائلية. 3) وفي إطار مراكمتها للتعسف ترفض الأغلبية خضوع الحكومة للتنصيب البرلماني متهافتة وراء تأويل اختزالي ومتهرب من مقتضيات الدستور. نعم سيقال لنا بأن الدستور غير صريح في هذا الباب لكن هل كان الدستور صريحا في حرمان البرلمان من الحق في التشريع بالنسبة لمقترحات القوانين التنظيمية. لقد قالت الحكومة وقتها أنها لحظة تأسيس أو ليست هي نفس اللحظة؟ لقد كان من باب الشجاعة السياسية ومن باب السعي إلى تكريس الفصل بين السلط واحترام بعضها البعض أن تقدم الحكومة برنامجها أمام البرلمان مادام تغيير جذري وأساسي قد وقع في أغلبيتها مع ما يفترضه ذلك من تغيير في الأفكار والتصورات والمقاربات والأولويات الحكومية. وهي إذ تعارض ذلك فإنها تزيد من الالتباس الحاصل في النسق السياسي المغربي، وتعيدنا إلى ما قبل دستور 2011. (قد يقال أيضا أن المجلس الدستوري حسم، لقد حسم شكلا وليس جوهرا). وعوض أن تواجه الحكومة الإشكالات السياسية الناجمة عن التجاذبات الناجمة عن تناقضاتها الداخلية وتركيبتها ورؤيتها للسياسة ومقاربتها الاختزالية للشأن العام، اختارت أسهل المخارج وهي التهرب، وخطاب المظلومية والإلقاء باللوم على المجهول وتبرير الفشل. ولدى كل مساءلة سياسية عمومية لأعضاء الحكومة من جانب المعارضة يردد أعضاؤها أسطوانة إرث الماضي. والأغرب في خطاب عدد من أعضاء الحكومة وبالضبط من الحزب الأغلبي فيها هو أنه عند كل مساءلة دستورية، هنا تحت قبة البرلمان وفي كل مناسبة وبغيرها يتم التهرب من المسؤولية بالقول «عندما كنتم في الحكومة ماذا فعلتم «وبإلقاء اللوم على حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وتحميله عدم تسوية ملفات يعرف الرأي العام كم اجتهد فيها الاتحاد وكم قدم من شعبيته من أجل تسوية معضلات سياسية واقتصادية واجتماعية ومجالية كبرى. وليس من باب المنة القول أن دور الاتحاد كان دائما حاسما في مراحل الصراع من اجل الديمقراطية، ولكن أيضا وأساسا في تجنيب البلاد السيناريوهات العبثية التي تعيش نتائجها الكارثية اليوم العديد من بلدان العالم الثالث ولاسيما في محيطنا الجغرافي . واسمحوا لي أن أتوقف بهذه المناسبة عند هذه الخرجات لأقول باسم الاتحاديات والاتحاديين على امتداد الوطن، ولأذكر من لا ذاكرة له : أولا: إن خرجات بعض أعضاء الحكومة في مواجهة المعارضة، والمعارضة الاتحادية بالذات، ليست من منطق رجالات الدولة لأن هؤلاء الرجالات الحقيقيون المتمرسون سواء كانوا في الحكم او في المعارضة هم من يتحلون بفضيلة الاعتراف للناس بما قاموا به؛ ورجال الدولة لا يعلقون مشجب فشلهم بالافتراء على الماضي, بل على التاريخ. فكيف لكم التنكر لإسهام قادة من طراز عبد الرحمان اليوسفي ورفاقه و امحمد بوستة وإخوانه ومحمد بن سعيد ايت ايدر ورفاقه في هذا الذي تحقق في المغرب، دون أن أنسى الشهداء المؤسسين للنضال الديموقراطي في هذا البلد وفي مقدمتهم عريس الشهداء المهدي بنبركة رئيس أول مجلس تشريعي في المغرب المستقل ورفيقه الشهيد عمر بنجلون احد مبدعي استراتيجية النضال الديمقراطي إلى جانب رجل الدولة الكبير عبد الرحيم بوعبيد. وهنا لابد من فتح قوس للتشديد على أنه لا يليق الاحتفاء بالذكرى 50 للبرلمان المغربي وذاكرة العمل البرلماني دون أن يكون على رأس المكرمين رمزيا عريس الشهداء المهدي بنبركة. ثانيا: إننا في النسق السياسي والحزبي المغربي، كما الشعب المغربي، نعرف السلالة السياسية لكل من في هذه القاعة، وتاريخ الميلاد السياسي لكل تشكيلة سياسية ومواقف كل طرف في مجموع تاريخ البلاد السياسي المعاصر. لا أحد يمكنه المزايدة على الاتحاد الاشتراكي في ما يخص ضرائب النضال وفي الوطنية وفي ما آلت إليه أمور البلاد . وإنني أدعوكم إلى مناظرة مفتوحة خاصة بحصيلة حكومة التناوب بالأساس والحكومات التي لحقتها ليتبين الرأي العام الإرث الحقيقي. ثالثا: عليكم أيها الإخوة أن تدركوا أن وصولكم اليوم إلى تدبير الشأن العام جاء بفضل تراكم نضالات ومساهمات سياسية وفكرية للأحزاب الوطنية والتقدمية. إن تاريخ الإصلاح والحقوق لم يبدأ في 25 نونبر 2011 ، إذ أن الفائزين في هذا الاقتراح لم يجدوا المغرب أرضا مفلسة سياسيا، تولوا الحكم والمغرب بلد مؤسسات وحقوق وموارد وطاقات، وبالطبع مع اختلالات وخصاصات، ولكن البلاد كانت على سكة الإصلاح وأقلعت تنمويا وحددت وتوافقت على ثوابتها واختياراتها. وإذا كان من باب الأخلاق السياسية بالنسبة لجزء من مكونات الأغلبية أن تدافع عن حصيلة ما حققته حكومة التناوب والحكومات اللاحقة التي كانت تشارك فيها، فإننا نتوجه اليوم إلى مجموع الأغلبية إليهم صراحة لنقول أن ما تحقق في المغرب من مكاسب وحقوق وإصلاحات كبرى وإنقاذ البلاد من السكتة القلبية ومن الانفجارات الاجتماعية ما كان ليتحقق لولا تضحيات القوى الوطنية والتقدمية والحداثية وفي صلبها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ولولا حكمة وحصافة النزوع إلى التوافق بين القوى الوطنية التقدمية والمؤسسة الملكية . فبفضل نضال أحزاب ومنظمات الحركة الوطنية والتقدمية والحركة الحقوقية والمناضلين الشرفاء لما تيسر لكم اليوم أن تحكموا. اسمحوا لي قبل أن أعرج على فرضيات وتوجهات مشروع قانون المالية أن أبرز سماته كما يراها الفريق الاشتراكي: السمة الأولى : وتتمثل في أن مشروع القانون غير محكوم برؤية بعيدة أو على الأقل متوسطة المدى، إذ المفروض فيه كأداة للسياسة الاقتصادية والاجتماعية وللتنمية أن يحدد الأهداف التي يتوخاها مدبر الشأن العام لما بعد سنة من إعمال مقتضيات الميزانية وهذا القصور نراه طبيعيا في حكومة عجزت عن أن تبصم سياسيا هذا المشروع الذي يبقى خارج أية استراتيجية للإصلاح بأهداف واضحة وأجندات مدققة في الزمان وفي المجال وفي القطاعات. إنني عندما أضع وأنجز قانونا ماليا فلكي أحقق التراكم وأحقق الانتقال إلى الأحسن، وهذا إبداع غائب عن الحكومة. السمة الثانية: تتمثل في أن المشروع محاسباتي بامتياز, إذ يحكمه هاجس البحث عن أسهل السبل لتحقيق المداخيل وعلى نحو مكيافيلي لا تهمه الوسيلة بل الغاية، لذلك توجه إلى الضرائب السهلة التحصيل وإلى فئات بعينها. السمة الثالثة: وتتمثل في الطبيعة الانتقائية لمشروع القانون، فهو لا يخضع لأي مرجعية مذهبية اقتصادية، فلا هو بالمشروع الليبرالي ولا هو بالمشروع الاجتماعي ولا هو اجتهد في التوفيق بين اقتصاد السوق ومجتمع التضامن، إذ أن الحديث عن التقشف والترشيد مجرد شعار لا أثر له في الواقع اليومي للتدبير ولا حتى في أرقام القانون نفسه. فنفقات التسيير لم تنخفض وكتلة الأجور تضخمت بنسبة 6% ونفقات التجهيز ب3% والريع الاقتصادي وسياسة الامتيازات تتضخم وخير مثال على ذلك ما ورد في المادة 6 من مشروع القانون بشأن ما سمي بمنحة التنازل عن مأذونيات خدمات النقل الجماعي للمسافرين, إذ عوض إخضاعها للضريبة وفتح القطاع وتحريره من لعنة المأذونيات, تشرع الحكومة لمنح امتيازات إضافية لمن استفاد من هذا الريع الذي يجثم على النسق الاجتماعي المغربي لمدة خمسين عاما. ألسنا أمام مثال صارخ لإعادة إنتاج الريع والاتكالية ومعاداة ثقافة الإنتاج والاستحقاق؟ ألسنا أمام إعادة ترسيخ للفساد؟ أليس هو الفساد بعينه؟ السمة الرابعة: وتتمثل في كون مشروع القانون تائه فكريا، إذ أنه لا يعكس، العلاقة الجدلية بين الإجراء المالي والهدف الاقتصادي والأثر الاجتماعي ، وهذا ناجم طبعا عن ضعف أو بالأحرى العجز في الرؤية السياسية التي من المفروض أن تحدد وتدقق أهداف السياسات العمومية وتدخلات الدولة المالية. السمة الخامسة : وتتمثل في أنه قانون مالي يكرس الاستمرارية غير المنتجة, إذ بسبب تغييب التقييم الذي يجعل الفاعل السياسي والاقتصادي والمدبر الإداري والآمر بالصرف في صورة ما تحقق، ويغيب التقويم وبالتالي تصحيح الأخطاء وتحسين التدخلات والبرامج ونتائجها وأثرها على الاقتصاد وعلى الشغل؛ وتلك حالة البرامج والاستراتيجيات القطاعية التي كانت ناجعة في سياقات معينة وتحتاج اليوم إلى التجويد أو التغيير أو المراجعة. إن قانونا ماليا بهذه الميزات التي ليست منهجية ولكنها سياسية بالأساس، يعطي الانطباع بأننا أمام حكومة في طور التعلم وغير احترافية ولم تصل بعد إلى مرحلة الاحتراف وهو ما ينعكس في مضمون وتوجهات وفرضيات مشروع قانون المالية. لقد سبق لنا في الفريق الاشتراكي أن نبهنا في مناقشة أول قانون مالي لحكومة ما بعد دستور 2011 إلى أشكال القصور التي تميز ممارستها للشأن العام، ونبهنا إلى هشاشة الفرضيات التي أوردتها في أول وثاني قانون مالية. وقد ثبت بالملموس ما نبهنا إليه بشأن فرضيات النمو والعجز والمقاصة. ويؤسفنا أن نقف اليوم على تكرار الحكومة لذات الأخطاء في وضع الفرضيات. فلا المحيط الدولي أي الطلب الخارجي ولا الإجراءات العمومية في ذات القانون المالي يمكن أن ييسر تحقيق بعض الفرضيات من قبيل ما يتعلق بنسبة النمو. عندما قلنا بأن مشروع القانون المالية الذي نناقشه لا هو بالتنموي ولا بالتقشفي فإننا ندرك ما نقول. فالحكومة تقول إن هذا القانون يهتم بالطبقات الصغرى والمتوسطة وبالمجالات الاجتماعية يقولون أيها الإخوة بأنه مشروع اجتماعي تعالوا نقرأ معا ميزانية القطاعات الاجتماعية ونرى الخلاصات، ولنبدأ بالقطاعات ذات البعد الاجتماعي: - سبع وزارات: التعليم بشقيه - الصحة - السكنى - التشغيل - الشباب - التضامن والأسرة : 72 مليار درهم - سبعة صناديق داعمة: 9 مليار درهم - المقاصة : 42 مليار درهم المجموع حوالي 124 مليار درهم ... ميزانية ضخمة فعلا، بل هو رقم خيالي وأتوقف معكم عند هذا الرقم، كيف تفسرون أنه بهذه الميزانية الكبيرة يوجد المغرب اليوم في المرتبة 130 من أصل 186في مؤشر التنمية البشرية حسب برنامج الأممالمتحدة الإنمائي. المسألة إذن ليست مسألة إمكانات واعتمادات, بل هي مسألة التدبير الجيد.. مسألة الحكامة.. مسألة تداخل الاختصاصات، مسألة تشتيت الموارد، إذ تتحول الاعتمادات الضخمة إلى حصص موزعة على أكثر من وزارة ولا يستطيع أي منها القيام بمشاريع مهيكلة، ومسألة الجودة وضعف الأثر الاجتماعي للإنفاق العمومي الذي هو من مالية الشعب ومن ضرائب المواطنين. وقد جاء تكوين الحكومة من 39 وزيرا ليزيد في تأزيم ما هو مؤزم أكثر وجعل القطاعات تتخبط في تسطير الحدود الفاصلة بين بعضها البعض.. ما يتردد داخل الأروقة يفيد بأن الحكومة تواجه اليوم مشاكل اختصاصات غير مسبوقة فقد يتطلب الأمر سنتين على الأقل للحسم في تنازع الاختصاصات بين بعض الوزارات, بل وأحيانا حل المنازعات حول الإدارات والمكاتب. (فوجئنا في إحدى الميزانيات القطاعية «كراء مقرات» التقشف) ميزانية اجتماعية ليس في أسبقياتها التشغيل.. هل هي ميزانية اجتماعية؟ نقول هذا ونتمنى أن تثبتوا العكس.. الحكومة في مجال التشغيل احتفظت بنفس البرامج في الوقت الذي تبدع فيه الحكومات في خلق مناصب شغل والبحث عنها بكل الوسائل باعتبار التشغيل معضلة المعضلات: فهو وسيلة الكرامة والاستقرار وشرط استنبات روح المواطنة. اعتمدتم برامج استنفدت أهدافها. لا يهم فيما تقدمت أو تخلفت المهم أنها حاولت . برنامج مقاولتي وصل لمحدوديته اعتمدتموه.. برنامج إدماج .. الذي تحول عن أهدافه وأصبح وسيلة هدر المال العام بالتحايل على الباحثين عن شغل وإمضاء عقود لا تتجاوز الستة اشهر فما أقل مع الشباب الباحث عن الشغل وتسريحهم قبل نهاية العقد لاستبدالهم بعقود جديدة كي تستفيد المقاولات من امتيازات التحملات الاجتماعية على نحو متكرر. صحيح أن التشغيل لا يفرض على المقاولات لكن مسؤولية الحكومة هي تحسين مناخ الاستثمار وتشجيع المستثمرين وإحلال الثقة داخل النسيج الاستثماري واعتماد الفعالية والسرعة في التعامل مع المناخ الاستثماري. لقد أمضيتم أزيد من نصف سنة بيضاء لتشكيل الحكومة. أبهذا نخلق مناخ الثقة؟ اليوم ومن باب مسؤوليتنا الوطنية والسياسية كقوة اقتراحية ننبه الحكومة إلى أنه أمام استفحال الهدر المدرسي وفشل المنظومة التعليمية و وجود آلاف الأطفال ما بين 10 و 14 سنة في الشارع بدون مقعد دراسي وبدون تكوين وبدون آفاق فإن قنبلة موقوتة توجد في قاعة الانتظار وعلى الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها إزاءها. وفي المقابل هناك قطاعات إنتاجية محركة للاقتصاد وللاستثمارات العمومية كالفلاحة والسياحة والصناعة على سبيل المثل لا الحصر.. هذه القطاعات سجلت تراجعا في ميزانياتها وهذا من المؤشرات السلبية. ونعود لموضوع الاستثمارات العمومية التي بلغت ميزانيتها في مشروع 2014 أزيد من 186 مليار درهم. في 2013 أقدمتم فجأة على حذف 15 مليار درهم من ميزانية الاستثمارات العمومية، لن نعود للنقاش الذي أحدثته فجائية القرار وتأثيره السلبي على الاقتصاد وعلى زعزعة الثقة في المؤسسات, بل الأخطر هو أنه في وقت لا زال الاقتصاد الوطني لم يهضم هذا التقليص تأتي دورية السيد رئيس الحكومة لتقلص من نفس ميزانية الاستثمارات العمومية وبكيفية غير شفافة بحوالي 10 ملايير درهم. على أي فالحكومة لا يمكنها أن تنكر اليوم أن حجم الاستثمارات العمومية ظل في منحى تصاعدي واليوم توقف هذا النمو بكيفية قطعية إذا أضيفت لهذا الانكماش المشاكل التي يتخبط فيها مناخ الأعمال من تعقيدات إدارية وانعدام أي دعم للمقاولة بل وتعطيل حتى إجراءات استعادة الضريبة على القيمة المضافة وأداء ما ترتب على الدولة وبعض المؤسسات العمومية من ديون بالنسبة للصفقات، فإننا نكون بهذا الوضع أمام أزمة متعددة الأطراف تنبئ بأسوأ العواقب. وفي هذه اللحظة من النقاش العمومي المؤسساتي نتوقف معكم عند موضوع بالغ الحساسية، يتعلق الأمر بالمديونية. لقد حذرنا على مدار السنتين المنصرمتين على الخصوص من مخاطر فقدان بلادنا للقرار السيادي إزاء المؤسسات المانحة واللجوء من جديد إلى حلول الاستدانة. اليوم وفي آخر هذه السنة 2013 ولو أنكم لم تمدونا بهذا الرقم فإننا نقول لكم بأن توقعاتنا تفيد أن المديونية ستصل إلى 62% من الناتج الداخلي الخام أي حوالي 500 مليار درهم متجاوزة بذلك الخط الأحمر, أي أقل من 60% (أسائل السادة الوزراء الذين عندما نسائلهم في إطار القانون عن بعض القضايا يجيبوننا عندما كنتم في الحكومة ماذا فعلتم؟ هل يستطيعون من باب النزاهة الفكرية أن يقولوا للشعب المغربي ماذا فعل الاتحاد الاشتراكي وهو في وزارة الاقتصاد والمالية بخصوص المديونية الداخلية والخارجية. ألم يضح في موضوع التوازنات الماكرو-اقتصادية بمصلحة الحزب لفائدة مصلحة البلاد؟)، ألم تخلص إدارة حكومة التناوب البلاد من هاجس تحكم المؤسسات البنكية الدولية بخفض الدين الخارجي من 24 مليار دولار إلى 9 ملايير دولار (واليوم عدنا إلى 28 مليار). على أية حال مسألة المديونية ليست مسألة جدل سياسي هي مسألة مرتبطة بالأجيال وأنتم تتحملون اليوم المسؤولية التاريخية في هذه المحطة. ونقول المسؤولية التاريخية لأن الأمر سيرهن البلاد وقراراتها وسمعتها ومستقبلها. وليس ضروريا أن نكون خبراء في المالية والاقتصاد للوقوف على هذا الواقع. إنكم تتحملون مسؤولية تاريخية في توريث الأجيال القادمة ثقل دين كبير يكبح تقدم البلاد ويرهنها وقد يكون أصل الإفلاس. ولكي نتمكن من خفض المديونية يجب أن تتجاوز وتيرة النمو نسبة العجز ... اليوم النمو في منطقة الاضطرابات ونسبة 4 % هي المرجحة (إياكم أن تعوذوا لتقولوا لنا بأنكم ستحققون نسبة 7 % ولو كمعدل). الأخطر من كل هذا أنه للسنة الثانية على التوالي في ظل حكومتكم الموارد الذاتية للدولة تقل عن ميزانية التسيير ,الأرقام موجودة , معنى هذا بالدارجة.الاستثمار كله يشتغل بالمديونية. لقد اختارت الحكومة أسهل الحلول لزيادة الموارد العمومية حيث يعول مشروع القانون بالأساس على الضريبة على القيمة المضافة التي يتوخى زيادة الموارد المتأتية منها بنسبة 3 %، والضريبة على الدخل التي يعول على أن ترتفع ب 7 % وهذه مداخل سهلة لزيادة الموارد علما بأن أي زيادة في الضريبة على القيمة المضافة هي زيادة في الأسعار وبالتالي إثقال لكاهل المستهلك. وفي المقابل تسلم الحكومة بانخفاض الضريبة على الشركات ب 7 %. إن الأمر في الشأن الضريبي بعيد عن أن يختزل في النسب، إذ الأمر يتعلق بالفلسفة والتصور الذي ينبغي أن يحكم كل سياسة جبائية. وعوض إعمال العدالة الجبائية ومحاربة التملص الضريبي لجأت الحكومة إلى القنوات السهلة (الضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة)، إذ أن مصدر 83% من الضريبة على الدخل هي من أجور الموظفين والمأجورين. لقد تغافلت الحكومة الإصلاح الشامل للنظام الضريبي بل وتناست حتى توصيات المناظرة الوطنية حول الإصلاح الضريبي على تواضعها. لقد أقامت الحكومة الدنيا ولم تقعدها بشأن نظام المساعدة الطبية RAMED والذي جاءت به حكومة التناوب من المفترض أن يمول في جزء كبير منه من صندوق التماسك الاجتماعي. والواقع أنه في الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن استفادة حوالي 5 ملايين مواطن، فإن الحقيقة هي نصف هذا العدد فقط هم من يمكنهم الاستفادة من هذا النظام ,لأن الوصولات لا يعتد بها مع العلم أن نظام الحصول على هذه البطاقة جد معقد وتعتريه العديد من الاختلالات، ومع العلم أيضا أن المرافق الطبية العمومية التي من المفترض أن تستجيب لحاجيات المرضى لم تعرف التحسن الموازي للطلب من حيث الموارد البشرية ومن حيث الحكامة ومن حيث التجهيزات والبنيات الأساسية . لن أفصل في معضلات التعليم والتكوين في بلادنا، إذ يعفينا تشخيص جلالة الملك لاختلالات هذا القطاع، ولكن لابد من التشديد على ضرورة حماية المدرسة العمومية وتجويد خدمتها ومنتوجها. لقد جاء هذا المشروع يتغنى بتنزيل إصلاح قطاع العدل لن نناقشكم في هذا المجال فكيف أنه مرفوض من طرف جل مكونات الجسم القضائي إن لم نقل جميعه : من محامين وقضاة وموظفين. وتظل الاختلالات المجالية وتوزيع الثروات على نحو غير عادل بين الجهات والمجالات من سمات المغرب في العقد الثاني من الألفية الثالثة، إذ أن أربع جهات تنتج 50% من الثروات فيما يقطن 60% من الساكنة الفقيرة بخمس جهات (سوس و الغرب و مكناس-تافيلالت و مراكش- تانسيفت والشرق). وتظل الفوارق بين المدينة والبادية من أهم الاختلالات التي يعرفها المغرب. فعلى الرغم من المجهود المبذول منذ سنة 1995 في مجالات الكهربة والماء الصالح للشرب واعتماد برنامج دائم لتجهيز البادية في إطار محاربة آثار الجفاف مع حكومة التناوب، فإن الهشاشة والفقر واستمرار معاناة سكان البادية مع النقص في خدمات التعليم والصحة ومن البطالة ومن الأمية وضعف وسائل الإنتاج بالنسبة للفلاح الصغير، لا تهدد المجال القروي فحسب وإنما من شأنها أن تفاقم أوضاع الهشاشة في المدن، خاصة في هوامشها وفي المراكز الحضرية التي تنمو بسرعة كبرى على نحو عشوائي وقد تحولت إلى معضلات عمرانية ديمغرافية كبرى. وفي هذا الصدد كان حريا بالحكومة أن تتخذ الإجراءات الضرورية لتوفير أسباب الاستقرار في البادية بل ولجعلها جاذبة للاستثمارات ومغرية بالإقامة. وإذا كان المخطط الأخضر قد حقق نتائج جد إيجابية في الشق المتعلق بعصرنة الفلاحة التسويقية وفي زيادة الإنتاج وخلق أقطاب فلاحية وتحقيق الاكتفاء في عدد من المنتوجات، فإنه آن الأوان للتركيز أكثر في هذا المخطط على دعامة الفلاحة التضامنية وعلى الفلاح الصغير والمتوسط وتمكين هذه الفئات من الولوج إلى التمويل ومن اقتناء وسائل الإنتاج في إطار تعاضدي بقصد زيادة الإنتاج وتحسينه. ومع كامل الأسف, فإن عددا من الإجراءات الضريبية المتضمنة في مشروع القانون المالي تناقض التوجه الفلاحي للمغرب خاصة عندما تفرض الحكومة ضرائب على أدوات إنتاج في قطاع حيوي بالنسبة للبلاد لجهة التشغيل والأمن الغذائي واستقرار الساكنة وعصرنة الإنتاج وانفتاح المنتجين، في وقت كان فيه تضريب الفلاحة ارتجاليا ومحتشما ولا نعتقد أنه سيحقق المتوخى منه من حيث المداخيل مادامت الآليات المعتمدة لإعماله غير ناجعة. إن تنمية البادية لا يمكن أن تختزل في اعتبارها خزانا ومزودا للسوق الوطني بما يحتاجه من غذاء، ولكن بضرورة إكمال تجهيزها وتحسين ظروف سكانها والتخفيف من الهوة الحاصلة بين المدينة والبادية وتمكينها من الخدمات الاجتماعية. لقد انتهى العهد الذي كانت فيه البادية مجرد احتياطي انتخابي لأحزاب بعينها خاصة وأن نخب أبنائها يلعبون اليوم دورا حاسما في الحياة الوطنية، وخاصة أيضا في ظل انتشار الوعي بالحقوق الأساسية. تعطيل الإصلاحات وكلفتها في كل المعضلات التي ذكرنا وتلك التي يواجهها المغاربة منتجون ومستهلكون ومهنيون ونخبا، يبقى البحث عن الأسباب وتشخيصها أحد مداخل معالجتها وتجاوزها. وإذ نعيد التشديد على أن مقتضيات الدستور الجديد توفر لهذه الحكومة ما لم يتوفر لغيرها من صلاحيات وإمكانيات مؤسساتية وسلط، فإننا نؤكد على أن تعطيل الإصلاحات، أو بالأحرى عجز الحكومة عن إعمالها يظل يكلف المغرب والمغاربة الكثير وسيبقى كابحا لإعمال جيل الإصلاحات الجديدة التي تضمنها وتوخاها دستور 2011. وفي هذا الصدد أرى من الواجب تذكير الحكومة بمسؤوليتها التاريخية في مصادرة حق البرلمان في التشريع من خلال استعمال مقتضى دستوري لم يسبق لأي حكومة في تاريخ المغرب أن استعملته زاعمة، على لسان أحد وزرائها أن التشريع في ما يخص القوانين التنظيمية محصور على الحكومة وهو ما كذبه وزير بدون انتماء قبل يومين أخيرا أمام مجلس النواب، فمن نصدق إذن؟ وفضلا عن أن المصادرة هاته يراد بها ترسيخ تقليدي رجعي جديد، فإنها مصادرة لحق دستوري وسياسي ولوظيفة ثابتة معروفة ومكفولة للبرلمانات في الدول الديمقراطية أو حتى ما قبل الديمقراطية. إننا لم نفهم الباعث لدى الحكومة من هذا الاعتراض على حق البرلمان في التشريع هل النرجسية أم الغرور أم الاستبداد أم التلذذ بالإقصاء أم نزعة التحكم. وفي جميع الأحوال فإن تعطيل إعمال مقتضيات الدستور وإخراج القوانين وإحداث المؤسسات المنصوص عليها فيه، ليست من مصلحة البلاد ومضيعة للزمن السياسي. وبالموازاة مع كبح الدينامية التشريعية تعطل الحكومة إصلاح قطاعات وقضايا استراتيجية. ويتعلق الأمر على الخصوص بالقانون التنظيمي للمالية ونظام الموازنة وفي قلبه صندوق المقاصة والنظام الضريبي واللاتركيز واللامركزية ونظام التقاعد. فيما تبقى وعودها بشأن محاربة الفساد مجرد خطاب انتخابي دعائي دون إجراءات على الأرض. لقد وعدت الحكومة منذ أول مشروع قانون مالي قدمته أمام البرلمان بإعداد مشروع قانون تنظيمي جديد للمالية (ومرة أخرى الشيء بالشيء يذكر. وفي هذا الصدد نذكر بأن آخر إصلاح لهذا القانون كان في عهد حكومة اليوسفي) وها نحن نناقش ثالث مشروع قانون في ظل هذه الحكومة التي لم تستطع بلورة مشروع على الرغم من توفرها على مساهمات ومواقف واقتراحات جميع الفرق البرلمانية، وعلى الرغم من أننا في الفريق الاشتراكي وضمن هذه المساهمات، تقدمنا بمذكرة قيمة بشهادة الجميع. وشكل إصلاح المقاصة وعدا أساسيا في البرنامج الحكومي وفي خطابات رئيس الحكومة والوزراء. ومع أن نظام الموازنة أصبح معضلة مالية واقتصادية، فإن الحكومة لم تتسلح بالشجاعة السياسية لإطلاق تفاوض وطني حول هذا الآلية، علما بأن التأخير في هذا الإصلاح يكلف البلاد ما بين 20 و 30 مليار درهم سنويا، أي ما بين 3 و 4 نقط مائوية في العجز، وعلما بأن المستفيد الأول من الموازنة هم من لا يستحقونها. وعوض التصدي لهذه المعضلة وبلورة الإصلاح في إطار التشاور والإصغاء المتبادل لجأت الحكومة إلى إجراء معزول باعتماد مقايسة أسعار المحروقات على الأسعار الدولية، وهو إجراء وإن كنا لا نعارضه فإنه بالنظر إلى كونه معزولا لن يحقق المتوخى منه وما ستجنيه الحكومة من هنا ستنفقه هناك (كلفة التأمين على ارتفاع الأسعار وآلية تعويض مالكي وسائل النقل العمومي مع كل الإشكالات التي تطرحها إلخ). إن نفس التوجه التقاعسي يطبع تعاطي الحكومة مع إعمال الجهوية المتقدمة وإخراج النصوص المتعلقة بها في إطار تشاور مؤسساتي، ومع إصلاح الإدارة واللاتركيز مع ما لذلك التعطيل من تكاليف مالية وفي مجال الديمقراطية ومن أثر على حجم المشاركة الشعبية والانخراط في انتخاب المؤسسات. قبل سبع سنوات، وبالضبط في نفس هذا الشهر من 2007، حذرنا من أن يتحول نظام التقاعد في المغرب إلى معضلة مالية واجتماعية، ودعونا إلى إصلاح هذا النظام. وكررنا هذا الكلام في عملنا الرقابي وفي مناقشة كل قوانين المالية على مدى سبع سنوات، وتَشَبُّثُنَا بهذا المطلب الذي يرقى إلى مكانة الإشكالية الوطنية مرده في جزء منه إلى أننا عندما كنا ندبر الشأن العام من 1998 إلى 2002، اضطرت الحكومة آنذاك إلى تأهيل صناديق التقاعد بما لا يقل عن 15 مليار درهم لإنقاذ صناديق التقاعد من الإفلاس وضمان استمرارية بعضها إلى 2015 على أن يتم اعتماد إصلاح جذري لهذا النظام وفق منهجية التشاور والتوافق. وبعد سنتين من عمر هذه الحكومة ما يزال إصلاح نظام التقاعد حبيس دائرة الخطاب في الوقت الذي تقتضي المسؤولية السياسية أن يتصدر هذا الملف الإصلاحات الكبرى. إننا مرة أخرى أمام عجز حكومي إزاء ملف حيوي لمستقبل البلاد. ويظل إصلاح القضاء رغم الحوار الوطني غير مضمون النتائج مادامت المكونات الأساسية للمهنة من قضاة ومحامين وغيرهم ونقابات مهنية والهيئات الحقوقية متحفظة عن منهجية ومضامين الحوار وما انبثق عنه. ونصل إلى أم القضايا، قضية وحدتنا الترابية، التي يجب أن تتصدر كل السياسات والبرامج إذ لا تنمية ولا تقدم ولا مستقبل ولا اعتزاز بالانتماء لأي بلد إلا بتحصين السيادة والوحدة على كامل التراب الوطني. في هذا الصدد، إذ نجدد انخراطنا في التعبئة التي دعا إليها جلالة الملك محمد السادس في خطابي افتتاح السنة التشريعية وخطاب الذكرى 38 للمسيرة الخضراء، وإذ نذكر بمواقف الاتحاد الاشتراكي العملية والشجاعة عبر تاريخ هذه القضية، نود أن نؤكد ما يلي: 1 ) إن وجود الملف بين يدي الأمم المتحد لا يجب أن يثنينا عن إنجاز الاستثمارات الكبرى في أقاليمنا الجنوبية وتوطيد انتمائها للوطن الأم. وفي هذا الصدد ندعو إلى تنفيذ التوصيات والخطط التي توجت تقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، 2) يتعين أن تستهدف المشاريع الإنمائية تحسين ظروف عيش السكان وتضمن كرامتهم واستفادتهم بعدالة من الموارد التي قد تتأتى من هذه المشاريع، التي يجب أن تساهم في تيسير الاندماج الاجتماعي خاصة للشباب، على أساس الإشراك في المبادرات وبلورتها، 3) وإن يتم تصحيح الاختلالات التي تعترى نمط التنمية الحالي المعتمد في الأقاليم الجنوبية المغربية والحرص على الالتزام بمعايير الحكامة ومبادئ الاستحقاق والإنصاف وتكافؤ الفرص ومحاربة الريع المحلي، 4)إشراك النخب المحلية ذات المصداقية ، النخب النظيفة المؤهلة وتمكينها من تدبير الشأن المحلي في الإدارات التقنية والاجتماعية ، 5) تشجيع المبادرات المدنية والحقوقية الجادة الوحدوية والحرص على صيانة حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مع التصدي في إطار القانون لأي استغلال للحرية والحقوق للإخلال بالأمن الوطني أو لأهداف انفصالية، 6) دعم القدرات الدفاعية وجاهزية القوات المسلحة الملكية وقوات الدرك وقوات الأمن الوطني والقوات المساعدة لمواصلة مهمتها النبيلة في الذود عن حوزة الوطن. وفي هذا الصدد لا يفوتني توجيه تحية تقدير وإكبار إلى هذه القوات وقائدها الأعلى جلالة الملك محمد السادس. 7) الاستمرار في المطالبة رسميا وشعبيا بإجراء إحصاء اللاجئين بتندوف ومطالبة المنظمات الحقوقية بالعمل على إلقاء الضوء على هذه الرقعة المظلمة في المنطقة، حيث ترتكب خروقات جسيمة لحقوق الإنسان. نقول هذا ونحن ندرك، على الأقل في الاتحاد الاشتراكي وفريقه النيابي، المعبأين دوما لخدمة هذه القضية في المحافل الإقليمية والدولية، نحن الذين كان موقفنا الوطني متميزا وجريئا من هذه القضية المقدسة، ندرك أن مسؤولية النظام الجزائري في إطالة أمد النزاع ثابتة وأن عمر هذا النظام واستمراره مرتبط بإطالة النزاع المفتعل في المنطقة. داعين الشعب الجزائري وقواه الحية إلى إدراك كلفة النزاع على المنطقة. وفي صلب الوحدة والهوية الوطنيتين، نعيد التساؤل عما الذي يجعل الحكومة مستمرة في التسويف في إعمال مقتضيات الدستور في ما يتعلق باللغة والثقافة الأمازيغيتين, إذ أنها مقابل رفض التعامل مع المبادرات البرلمانية في هذا الشأن تؤجل إعداد القانون التنظيمي لهذه القضية الوطنية إلى نهاية ولايتها. إن ألمر لا يتعلق بمزاج الحكومة وأجندتها الخاصة,بل بمسألة وطنية لا تقبل التأجيل. ارتباطا بنفس الشأن، موضوع لا يمكن تغييبه في لحظة مثل هذه؛ يتعلق الأمر باحترام حقوق الإنسان وحماية الحريات العامة. لقد كنا ننتظر من الحكومة العمل على صيانة المكتسبات بدل الاستمرار في العديد من الخروقات والتي سبق لنا أن نددنا بها في عدة مناسبات، ونعتبر أي تراجع في هذا الميدان لا يشكل نكوصا إلى الوراء فقط ، بل تشويشا على صورة بلادنا في المنتظم الدولي وإحراجا لبلادنا في معركتها للدفاع عن الوحدة الترابية. إن احترام حقوق الإنسان لا يتعارض مع الحفاظ على الاستقرار والنظام العام، ويجب أن يصبح اختيارا لا رجعة فيه. وفي هذا الإطار، ندعو الحكومة إلى دعم عمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان وتنفيذ توصيات النص القانوني المؤسس له في اتجاه تقوية أدواره والرفع من مصداقيته في الداخل والخارج، واحترام الحق في النقد والاحتجاج السلمي. وفي هذه المناسبة لا بد أن نتوقف عند موضوع الانتخابات المحلية والجهوية، لقد كنا ننتظر من الحكومة أن تفي بالتزاماتها التي جاءت في التصريح الحكومي بإنجاز الإصلاحات الضرورية الكفيلة بجعل محطة الانتخابات المقبلة لحظة سياسية إصلاحية هامة وليس تمرينا روتينيا سهلا. إننا نعتبر في الفريق الاشتراكي أن اختزال الأمر اليوم في تحديد تواريخ الاستحقاقات المقبلة بدون التفكير الجدي في معالجة الأعطاب التي تعاني منها المؤسسات والتي تحد من مردوديتها وفعاليتها وتضعف من مصداقيتها، سوف لن يؤدي إلا إلى المزيد من الاختلالات والعزوف الانتخابي والهدر في الموارد وفي الإمكانيات. لذلك نعتبر أن الإصلاحات الترابية في مجالي اللامركزية واللاتركيز والجهوية هي إصلاحات استراتيجية تقتضي حوارا جديا بين الفاعلين وشجاعة سياسية للقطع مع ممارسات الماضي وتأهيل بلادنا للانخراط في مرحلة جديدة في البناء الديمقراطي والتدبير التنموي وفرز نخب جديدة كفؤة وذات مصداقية. إن تركيزنا، في مناقشة هذا المشروع، على قضايانا الوطنية ، لا يجب أن ينسينا التزاماتنا العربية والاقليمية. لا يجب أن ينسينا مساندتنا المطلقة واللامشروطة لكفاح الشعب الفلسطيني من أجل حريته وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وبهذه المناسبة نطالب المجتمع الدولي بالعمل على عجل من أجل إبراز الحقيقة في وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل أبو عمار. كما نجدد دعمنا اللامشروط لكفاح الشعوب العربية من أجل الحرية والديمقراطية والتنمية والاستقرار، في مقدمتها الشعب السوري الشقيق. إننا واثقون من أن انتفاضة شعوب المنطقة التي استطاعت أن تطيح بأنظمة شمولية فاسدة كنظام بن علي والقذافي ومبارك، قادرة على ربح معركة الاستقرار والأمن والديمقراطية، بدون وصاية أجنبية أو حنين إلى أي هيمنة فكرية أو إيديولوجية. وفي الختام، وانطلاقا من المبادئ التي تحكمنا في المعارضة الاتحادية كمعارضة مواطنة اقتراحية متوجهة إلى المستقبل، نشدد أهمية الثقة في بناء المستقبل، والثقة في الإصلاحات تحتاج إلى التعبئة الجماعية وانخراط مكونات الشعب المغربي فيها، والتعبئة الجماعية لا يمكن أن تحصل والحكومة مستمرة في ترديد خطاب المظلومية وفي تكرار ما يعطي الانطباع بأننا في حملة انتخابية مستمرة، والقطع مع هكذا منهجية في الحكم يقتضي التحلي بالمسؤولية وتحمل الكلفة السياسية لهذه المسؤولية.