تشييع جنازة الراحل محمد الخلفي إلى مثواه الأخير بمقبرة الشهداء بالبيضاء    "التقدم والاشتراكية" يحذر الحكومة من "الغلاء الفاحش" وتزايد البطالة    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جامعة الفروسية تحتفي بأبرز فرسان وخيول سنة 2024    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مداخلة الأستاذ أحمد الزيدي رئيس الفريق الإشتراكي بمجلس النواب في المناقشة العامة لمشروع قانون المالية رقم 22.12 برسم السنة المالية 2012 (الجلسة العامة التي عقدها مجلس النواب يوم الاثنين 9 أبريل 2012)


السيد الرئيس ،
السيد رئيس الحكومة،
السادة الوزراء ،
السيدات والسادة النواب ،
ونحن بصدد تحضير مناقشة أول قانون المالية لهذه الحكومة وهي تنهي أكثر من مئة يوم على تنصيبها وقفنا حائرين أمام المنهجية التي يجب اعتمادها في ظرفية سياسية تشوبها الإثارة الإعلامية والخطاب الحزبي الشعبوي على حساب المسؤولية السياسية الاقتراحية من أجل حل المشاكل الاجتماعية الأساسية.
حيرة المواطن الملتزم المسؤول جعلتنا أمام منهجيتين:
أولهما: منهجية الانسياق مع المناخ السياسي العام المفتعل والتعاطي للبوليميك (polémique) والماركوتين (Marketing) الإعلامي من أجل خلق «شبه أحداث سياسية» لا تركز إلا على «شكليات الظواهر» (apparence des phénomènes) وجوانبها المثيرة والسكوت على جوهرها (leur essence) وكيفية معالجتها عبر اقتراحات ملموسة تجيب عمليا على الانتظارات الكبرى التي انتخبنا المواطنون من أجلها.
المنهجية الثانية: منهجية الالتزام الحقيقي بمصلحة البلاد دون أي اعتبار ديماغوجي أو انتخابوي من أجل البحث عن الحقيقة دون أي مزايدة وصراع حزبي ضيق قد يساهم في الخلخلة الحالية لمجتمع يحتاج إلى شجاعة سياسية حقيقية من أجل اعتماد الإصلاحات البنيوية التي يفرضها الوضع المتأزم للبلاد.
وفي هذا السياق لا بد من التأكيد على أن المغرب يوجد اليوم في منعرج خطير من تاريخه الحديث حيث يعرف مجتمعه تحولات كبيرة قد تعصف باستقراره إذا لم يتم التحكم فيها لتوجيهها نحو التقدم والرقي. فما هو عمق هذه التحولات.
أول هذه التحولات: الحمولات الاجتماعية والثقافية لانتقال ديمغرافي لم ينته بعد وخاصيته تتجلى في زعزعة البنيات الاجتماعية التقليدية للبلاد، وهو يؤدي في النهاية إلى تنامي مطالب اجتماعية مستعجلة عند شرائح واسعة من الشباب ومن النساء تحث ضغط التمدرس وتطور أنماط العيش في سياق عولمة جارفة.
ثانيهما: التراجع المطلق لآليات الوساطة المجتمعية التقليدية وبروز غليان اجتماعي معمم وتيه إيديلوجي قد ينتج سلوكات مجتمعية متناقضة (كتطور العلمانية من جهة والرجوع إلى عقائد روحانية من جهة أخرى).
ثالثها: استنفاد دور ومهام النموذج التقليدي للدولة في تدبير المالية العامة والتنمية الاجتماعية المبني على مقاربة تعتمد زيادة المداخيل من أجل تفعيل الاستثمار العمومي وإنجاز الأوراش الكبرى.
لقد فقد مناقشة مشروع القانون المالي جاذبيتها ليس فقط لأن الحكومة تأخرت بما لا يقل عن ستة أشهر في تقديم المشروع أمام البرلمان، ولكن لأنها أضاعت على الاقتصاد الوطني أكثر من نصف عام مع كل الآثار السلبية الملازمة لهذا التبذير في الزمن (وحكومة غير حريصة على الزمن ستجد صعوبة في الإقناع بعدم استحضاره في برامجها.
أجل، إن الحكومة بصدد تعطيل الدينامية الاقتصادية في البلاد لفترة ستمتد إلى خريف 2012، تاريخ الشروع في مناقشة مشروع القانون المالي لعام 2013 . وقد كنا، مع الرأي العام، سنعذرها لو أن هذا التأخير كانت وراءه إجراءات نوعية جديدة تستجيب لحاجيات الاقتصاد الوطني وتطلعات الشعب المغربي على اختلاف فئاته. ومع كامل الأسف فإن ذلك ما لم نعثر عليه في مشروع القانون لا من حيث الإجراءات الاقتصادية والمالية ولا من حيث الرؤية السياسية التي تؤطر السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
ذلك أن الوضعية السياسية في جميع أنحاء العالم تتسم بالاضطراب نظرا للمطالب الاجتماعية المتنامية والملحة. وأمام هذا الوضع تظهر الدولة عاجزة جراء مستوى العجز المالي وفاقدة تدريجيا لشرعيتها.
وهكذا أبانت الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية عن محدودية نموذج حكامة الدولة المرتكز على نمو رأسمالي اعتمد باستمرار على المديونية.
لقد أصبح هذا النموذج في تدبير الميزانية العمومية حبيس مفارقة صعبة التجاوز:
- فمن جهة تتطلب تلبية الحاجيات الاجتماعية الأساسية تصاعدا مستمرا في الإنفاق العمومي؛ ومن جهة أخرى تتطلب مواصلة النمو وخلق فرص الشغل تخفيض لضغط الضريبي لمواجهة تحدي التنافسية.
وينتج عن هذه المفارقة تفاقم عجز الميزانية وتنامي لا محدود للمديونية.
وأمام هذه الوضعية لا يتبقى للدولة كهامش حقيقي من أجل تجاوز هذه المفارقة والخروج من هذا المأزق، سوى تحسين مردوديتها المؤسساتية عبر إنتاج خدمة عمومية أحسن وبكلفة أقل.
إن هذا الهدف هو ما يبرر اليوم أكثر من أي وقت مضى ضرورية اعتماد إصلاح عميق وحقيقي لدواليب وأدوار الدولة.
لقد استحكم هذا القصور في الرؤية في مكونات المشروع وجثم عليه وتجسد في فلسفته ومرجعيته وفي فرضياته الهشة وفي عدم جرأته وتصديه لجذور الإشكالات الاقتصادية والمالية والمعضلات الاجتماعية التي تواجه المغرب في مرحلة مفصلية من تاريخه: مرحلة يؤطرها دستور جديد، ودينامية اجتماعية مطلبية غير مسبوقة، وتأثيرات إقليمية ودولية لا راد لقدر اختراقها للقرارات السيادية سوى السياسات الإرادية والجرأة في اعتماد القرارات الشجاعة التي لا تكتفي بتدبير ترقيعي تتحكم فيه الهواجس الانتخابوية، ولكن سياسات وإجراءات تطبعها المسؤولية ونتائجها، مسؤولية المجموعة أو الفريق الحكومي الذي يتصرف ويبني السياسات وفق منطق الدولة أي من موقع المسؤولية وليس من موقع المزايدات الحزبية.
والواقع أن القصور الحكومي لا يفاجئ لأننا عشنا منذ تعيين الحكومة، على إيقاع تناقضات وتخبط حكومي يبرهن على أننا لسنا أمام منطق الدولة ومسؤولية تدبير الشأن العام ولكن أمام استحكام الرؤى والمصالح الحزبية تارة والشعبوية تارة أخرى.
في اعتقادنا اليوم أن حكومة التناوب الثاني، توجد موضع مساءلة صريحة عن الاسبقيات وترتيبها أية أسبقية في أجندتها غير المعلنة هل العمومي أم الحزبي؟ هل الإعلامي وأحيانا الدعائي؟ أم الميداني؟ لكن يبدو أن الأصح هو أن الأسبقية تسير في اتجاه تثبيت عائلتها السياسية في المقام الأول عبر مناصب المؤسسات الصانعة للقرار السياسي والاقتصادي والأمني، ثم تأتي بعد ذلك «البرامج» التي يبدوا أنها غير جاهزة، إذا لم نقل غير موجودة، كما وقفنا على ذلك في القانون المالي.
إن طبيعة هذا السؤال لا تختزل النوايا الطيبة ولكنها تسائل المنطق السياسي التدبيري خاصة وقد لمسنا حرص الحكومة وباستماتة نضالية من أجل تمرير قوانين تنظيمية بعينها تصب في هذا المنحى أعطيت لها الأسبقية حتى على القانون المالي نفسه، وبالتبعية في نفس الإطار السياسي هل سنفتقد طويلا إلى قرارات حكومة شجاعة تتجاوز منطق الفضح والإحراج إلى منطق المعالجة والقرارات المسؤولة التي لم نعثر عليها ونحن نناقش القانون المالي.
ففي أي مناخ جاء قانون المالية 2012:
أولا: من حيث تصور الأداة جاء هذا القانون على إيقاع حكومة أصبح بعض أعضائها مدمنين في مجالات الترويج الإعلامي الاستهلاكي حكومة تتجاذبها خلافات داخلية لا يمكن إخفاؤها رغم الجهود المضنية لرئيس الحكومة. فإذا تجاوزنا أخلاقيا شكل تقديم الميزانية نفسها بوزيرين في سابقة تعتبر الأولى من نوعها فإن تنازع الاختصاصات والتجاوزات القطاعية ظل حاضرا بقوة.
- بين مكونات الحكومة حول توقعات نسبة النمو مراجعتها إلى 3% بدل 4,2 % .
- بين وزير العدل ووزير السياحة حول الدوافع التي تفسر اختيار السياح للمغرب.
- بين وزير الاقتصاد والمالية ووزير الشؤون العامة حول تنازع الاختصاصات
- بين وزير الاتصال ووزير الشبيبة والرياضة حول إلغاء مداخيل الألعاب من خريطة مداخيل الإشهار التلفزي.
ناهيك عن الصراع الواضح داخل اللجان البرلمانية بين أطراف نفس الأغلبية والذي لا داعي لذكره هنا وفي موضوعات ذات حساسية خاصة مثل التعليم والمهرجانات الثقافية والفنية.
إننا عندما نقف عند هذه الإشكالات فليس من باب التشفي أو من باب اغتنام الفرص للنقد، ولكن لأننا ندرك أن الصراع داخل الحكومة وأغلبيتها يضعف من أدائها على مستوى الحكامة.
ثاني هذه التمظهرات يتمثل في أن الحكومة التي أطلقت فرضيات متفائلة في التصريح الذي قدمته أمام البرلمان وعند تقديم مشروع الميزانية العامة، هي نفس الحكومة التي عادت لتراجع حساباتها بعد أن اصطدمت بعناد الواقع وبحقائق تدبير الشأن العام. فعلى سبيل المثال وعدت أحزاب الائتلاف الحكومي خلال الحملة الانتخابية بتحقيق معدلات نمو تراوحت بين 6 و 7 في المائة وهي النسبة التي راجعتها نفس الأحزاب إلى 5،5 في المائة في البرنامج الحكومي وإلى 4,2 عند تقديم مشروع القانون المالي ثم إلى 3% حاليا. إننا أمام تراجع في نسبة بأكثر من النصف ، لقد كنا استباقيين وتوقعيين عندما نبهنا الحكومة إلى مخاطر رفع سقف الوعود.
ويتمثل التمظهر الثالث للقصور في أن الأحزاب الرئيسية في الائتلاف الحكومي لا ترغب، أو هي ليست قادرة، على أن تتحمل مسؤولية قراراتها أمام الرأي العام. فقد اعترفت أطراف في الأغلبية ذاتها أن أطرافا أخرى ما تزال تتصرف وكأنها في المعارضة. وهذه حقيقة شاخصة للعيان في خطابات ومسلكيات هذه التنظيمات وفي إعلامها الذي ما يزال يمارس خطاب المعارضة، وفي مواقف نقاباتها المتميزة بالتصعيد والتهييج، وفي مواقف أذرعها الدعوية والإيديولوجية.
ولعل هذه التمظهرات وحدها كافية على التدليل على ضعف وازع المسؤولية لدى الحكومة، وإنها لمفارقة غريبة في التاريخ السياسي للديمقراطيات، خاصة في سياق مؤسساتي ودستوري يوفر للحكومة كل الصلاحيات وكل الإمكانيات و السلط لتتخذ الإجراءات التي بها تعارض ذاتها في إعلامها ونقاباتها والتنظيمات الموازية لأحزابها. إننا نقول هذا من باب حرصنا على تجنيب بلادنا صدمات اليأس من السياسة جراء عدم الوفاء بالوعود ، وجراء ازدواجية الخطاب.
وينقلنا الحديث عن الوعود إلى موضوع بنى عليه الحزب القائد للأغلبية الحالية تصدره نتائج الانتخابات، ألا وهو محاربة الفساد والريع والامتيازات . لقد سبق لنا في الفريق الاشتراكي أن التزمنا أمام الرأي العام بأننا سنكون سند الحكومة الرئيسي في محاربة الفساد والريع بكل أشكاله، وهو ما نعيد التأكيد عليه اليوم، إلا أننا مع كامل الأسف لم نجد في إجراءات الحكومة وسياساتها ولو إرهاصات دالة على الجرأة في التصدي لهذه الآفة التي تؤثر على الاقتصاد والسياسة ... اللهم بعض الخرجات الإعلامية المدغدغة لمزاج الرأي العام متبوعة بتهديدات وزراء بالاستقالة في حالة الفشل في تحقيق الإصلاح.
إننا نسائل السيد رئيس الحكومة والسادة الوزراء، بكل تقدير ألا ترون بأن التهديد بالاستقالة في أكثر من مناسبة، هو أسلوب يتنافى ومنطق الحكومة السياسية التي تشتغل بمنطق المسؤولية الجماعية والتضامن الحكومي.
ولعل الخرجة الوحيدة والتي اكتشف الرأي العام في النهاية أنها محدودة هي تلك التي كان موضوعها مأذونيات النقل الطرقي بين المدن، فهل يكفي أن نسرب للإعلام لوائح المستفيدين من رخص النقل بين المدن لنقول إننا نحارب الريع علما بأن أعضاء في الحكومة السابقة أكدوا أن اللائحة كانت جاهزة، وأن تسريبها تحصيل حاصل.
إن الشفافية في حدودها الدنيا تقتضي أن يعرف الرأي العام من يستفيد من ماذا، ولكن ذلك لا يكفي إذ المطلوب التصدي للريع والامتيازات في شموليتها وفي مختلف القطاعات والأنشطة والاستثناءات والاحتكارات : امتيازات الصيد في أعالي البحار وفي العقار العمومي وفي مقالع الرمال والأحجار والرخام والمناجم إلخ...، والتصدي لا يكون فقط بكشف الأسماء واللوائح، التي نذهب معكم بعيدا ونقترح أن تنشر بالأسماء وبرقم بطائق التعريف الوطنية ومواقع المسؤولية للمستفيد حتى لا يقع الخلط، ولكن باقتراح خطط لإنهاء الامتيازات وتحويل هذه القطاعات من أنشطة ريعية إلى حقول إنتاج واستثمار وفق مبادئ الإنصاف والاستحقاق و تكافؤ الفرص والمنافسة الشريفة.
وفي علاقة بالريع يتطلع الرأي العام إلى معرفة إجراءات الحكومة في محاربة الفساد وإعمال الحكامة ( وهي شعارات مركزية في حملتكم الانتخابية وفي مطالب الشارع المغربي)، وهو ما لم نعثر عليه في القانون المالي.
فمشروع القانون المالي كرس نفس التدبير السابق المبني على التسيب المؤسساتي حيث رصد اعتمادات هامة دون ربطها بالنتائج وبالاستهداف المجالي والاجتماعي.
تواري الوعود
لقد كان حريا بحكومة تزعم محاربة الفساد، تجاوز هذا النوع من التدبير وإقرار البدائل المتساوقة مع الظروف الجديدة
لقد توارت الوعود بالحكامة وبإجراءات لفائدة الفئات المحتاجة، من الخطاب السياسي للأغلبية وحلت محلها الخرجات الإعلامية الموجهة للاستهلاك لا غير. وما يسري على شق الحكامة يسري على القضايا المركزية التي كان تقديم مشروع القانون المالي فرصة للحكومة لإعمال الإصلاحات بشأنها والتي تعتبر ضرورية وتلازم الدستور الجديد.
وإذا كان قانون المالية هو الآلية الأساسية المتضمنة لأهداف وفلسفة السياسة الاقتصادية والاجتماعية، وإذا كانت مناقشته تمكن من تحليل واقعية هذه الأهداف، فإن هذا المبتغى ما يزال مؤجلا في عهد هذه الحكومة التي (وهذا مظهر من مظاهر القصور) عجزت عن توفير المعطيات الضرورية التي تمكن البرلمان والفاعلين الاقتصاديين والسياسيين والمحللين من التعرف بعمق على الآليات العمومية والأهداف المتوخاة من تسخيرها، فقد عجزت الحكومة أو على الأقل قصرت في تزويدنا بالمعطيات المتعلقة بتنفيذ قانون المالية ووقع هذا التنفيذ على المجتمع ونجاعة ووقع الاستثمار العمومي على النمو وعلى معدل البطالة وعلى إطلاق الديناميات الاقتصادية، أي معدل الإنجاز الحقيقي للاستثمارات العمومية بما في ذلك ميزانية الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية والصناديق الخصوصية.
لقد جاء قانون المالية في شكل أرقام لتدخل الدولة والمنشآت العمومية دون أي حرص على تحديد برامج استعمال الاستثمار العمومي وتوطينه المجالي واستهدافه الاجتماعي والاقتصادي.
ومع كامل الأسف، فإن هذه الثغرة وهذا العجز في المعطيات، هما من الأسباب الرئيسية التي تحد من مساهمة البرلمان في مراقبة الميزانية العامة.
في الوقت الذي كان فيه الرأي العام ينتظر قطيعة مع الماضي، وفاء من أحزاب الأغلبية بوعودها في الحملة الانتخابية وفي البرنامج الحكومي، ها نحن مع القانون المالي في إطار استمرارية انتقائية، وفي الوقت الذي كانت الأغلبية تقول إنها ستنتهج سياسة اقتصادية شاملة ومندمجة ها نحن أمام المقاربات القطاعية التي كانت هدف انتقادات في التعاطي مع سياسات الحكومة السابقة.
وأكثر من ذلك فإننا أمام مقاربة ممركزة تقتصر على رصد الاعتمادات المالية لمختلف الوزارات دون أية رؤية أفقية مؤطرة ودون ربط حجم الاعتمادات بنتائج نجاعة وفعالة السياسات المعتمدة في هذه القطاعات، والحكم بالنجاح أو الفشل بطبيعة النتائج المحققة. ولسنا في حاجة إلى التدليل على أن هذه المقاربة هي إخلال بالمبدإ الدستوري الأساسي المتمثل في ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وقد كان من الطبيعي أن تنتج هذه المقاربة فرضيات سبق أن وصفناها بأنها هشة وغير واقعية ومثالية في عدد من الأحيان يزيد من هشاشتها غياب المطابقة بين ثلاث عناصر:
1) الطموحات والأهداف
2) الآليات والموارد
3) الرؤية ومنهجيات التدبير
يضاف إليها الإرضاءات بين مكونات الأغلبية الحكومية، وهي علة ستظل تطارد الائتلاف الحكومي ما لم يتحمل رئيسه مسؤوليته ويمارس اختصاصاته في مجال التحكيم والتنسيق.
أول الفرضيات الهشة: هي تلك المتمثلة في معدل النمو المتوخى تحقيقه وهي فرضية، كما سبق أن قلنا، غيرتها الحكومة ثلاث مرات في اتجاه التخفيض منذ تقديم برنامجها أمام البرلمان.
إن نسبة 4،2% تبدو صعبة المنال لعدة اعتبارات منها بالأساس آثار الجفاف على الزراعة وتربية الماشية، والأزمة العالمية خاصة في منطقة الأورو، وأيضا بسبب انعكاسات التبادل الحر على المداخيل العمومية وعلى النسيج الاقتصادي الوطني. وحتى يدرك الرأي العام الأهمية المركزية لمعدل النمو وسط مجموع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، يتعين التوضيح أن هذا المؤشر ليس مجرد رقم ولكنه يرهن مؤشرات مركزية أخرى. كمستوى التشغيل ونسبة نمو المداخيل الجبائية وحجم العجز.
ثاني الفرضيات الهشة: يتمثل في نسبة عجز الميزانية التي حددتها الحكومة في 5%، وهي نسبة صعبة التحقيق بالنظر بالخصوص إلى كلفة اعتمادات المقاصة التي قد تصل إلى 53 مليار درهم بسبب ارتفاع أسعار النفط (123 دولار للبرميل إلى حدود 6 أبريل فيما بنى مشروع الميزانية توقعاته على أساس 100 دولار للبرميل)
ومن أجل تغطية هذا العجز (المقدر ب 60 مليار درهم) ستلجأ الحكومة إلى الاقتراض الخارجي(20 مليار) والداخلي ( 40 مليار في السوق المالي الداخلي) مع ما لذلك من تبعات سلبية نذكر منها:
التبعات السلبية
أ) الإجهاد الذي سيلحق بالسوق المالي الداخلي ومنافسة الدولة للقطاع الخاص في الحصول على القروض.
ب) تضخم كلفة الدين العمومي من جديد بعد الانخفاض الذي شهدته ما بين 2000 و 2007. (خفض من 24 مليار إلى 10 مليارات). وبقدر ما نتساءل عما إذا كنا في بداية العودة إلى الخضوع لإملاءات مؤسسات بروتن وودز بسبب استدانة محتملة وبسبب الأزمة الاقتصادية، بقدر ما نحذر من فقدان القرار السيادي في الأمور المالية وفي السياسات الاقتصادية والاجتماعية، مع كل التداعيات التي تلازم هذا الوضع على المستوى الاجتماعي.
افتح قوسين هنا للقول بأنه لا بد من استحضار الماضي القريب وبالذات استحضار الصعوبات التي مرت منها الأوضاع الاقتصادية والمالية والتي أوصلت البلاد إلى وضعية شبيهة بوضعية اليوم، كان ذلك في السبعينات مما جعلنا ندخل في سياسة التقويم الهيكلي الشهيرة - فالالتجاء إلى صندوق النقد الدولي ثم التعاقدات المشروطة.
وضعية استمرت 12 سنة بآلامها وانتكاساتها... والكل يتفق أن ما ربحه المغرب في فترة التناوب الأولى هو استرجاع المغرب لقراره السيادي في المجال المالي واستقلاليته عن صندوق النقد الدولي..
اليوم وفي ظل وضعية مالية واقتصادية عالمية مضطربة واقتصاد داخلي في وضعية صعبة فإن المغرب لا يتحرك إلا بالاقتراض إذ أصبح رقم 500 مليار من الديون متداولا بقوة داخل الأوساط المالية والاقتصادية.
فإذا كانت 2007 قد سجلت فائضا مكن من تخفيض الديون الخارجية لأقل من 10 مليارات دولار فإن المغرب اليوم كما أشرت يتحرك حتما بالاقتراض، ويرهن مستقبل البلاد، ومستقبل الأجيال القادمة.
فالقروض التي نباشرها اليوم تخصص إما لتسديد قروض سابقة، أو لضخ مزيد من الدعم لصندوق المقاصة الذي لا يمكن أن يبقى إلى ما لانهاية خارج منظومة الإصلاحات بحجة ضمان سلم اجتماعي لكن بكلفة لا طاقة للاقتصاد الوطني بها.
إننا كمعارضة نحذر من فقدان استقلالية القرار المالي السيادي وعودة صندوق النقد الدولي لفرض املاءاته على بلادنا، وإن وضعية دول متقدمة في أوروبا اليوم وهي تفقد قرارها السيادي وتخضع لاملاءات المؤسسات البنكية مع ما يرافقها من فاتورة اجتماعية ضخمة تحتم علينا أن نكون في وضعية الحذر الدائم.
أما ثالث الفرضيات الهشة: فتتمثل في التفاؤل الذي يبديه مشروع القانون المالي في ما يتعلق بالمداخيل الجبائية، المتوقعة سنة 2012 إذ اعتمد معدلا لنمو هذه المداخيل في حدود زائد 5 % متفائلا بالنسبة للظرفية الاقتصادية.
لقد كان من المنطقي بعد أن أسس القانون المالي توقعاته على فرضيات هشة وأحيانا غير واقعية أخرى، أن يتجنب التوجه إلى الإشكالات الحقيقية التي تواجه الاقتصاد المغربي ويتجنب الحديث عن الإصلاح.
وهكذا تجنبت الحكومة الحديث عن إصلاح نظام المقاصة على النحو الذي يضمن استفادة الفئات المحتاجة التي استحدث من أجلها هذا النظام وعلى النحو الذي يخفف العبء عن الميزانية العمومية ويعطي للتضامن معناه الحقيقي.
وفي سياق نفس الرؤية تجنبت الحكومة موضوع الإصلاح الضريبي وتعاملت معه ببرغامتية تزعم الفعالية وتغفل الطرف الثاني الأساسي في المعادلة أي تحقيق العدالة الضريبية وتحفيز دافعي الضرائب من أشخاص ذاتيين ومعنويين على المساهمة وعلى اعتماد الشفافية وفي مناسبة مناقشة القانون المالي نشدد على مطالبة الحكومة بالإسراع ببلورة هذا الإصلاح الذي يتعين أن يأخذ بعين الاعتبار تطورات المجتمع المغربي وحاجيات الاقتصاد الوطني والدور المحوري للضريبة في التمويل العمومي.
ونعتقد في الفريق الاشتراكي أن السياسة الضريبية هي التي تمكن من توزيع الثروات وتجنب تركيز الوسائل في أيدي أقلية، وإقامة التوازن بين الإنتاج والاستهلاك والتحفيز على العمل على حساب المضاربة وتحفيز الدينامية. وفضلا عن ذلك فإن الدستور الجديد ينص على الإنصاف والعدالة الجبائية (الفصلان 39 و 40 من الدستور).
الاتحاد معارضة مواطنة:
لقد التزمنا كمعارضة اتحادية بأن نكون قوة اقتراحية ومعارضة مواطنة وأننا سنساند كل القرارات الإيجابية التي تأتي بها الحكومة. ومن هذا المنطلق انخرطنا في عدد من التعديلات التي جاءت بها الحكومة وتلك التي جاءت بها أغلبيتها. وكنا ننتظر أن تتجاوب الحكومة مع تعديلاتنا وخاصة تلك المتعلقة بمواجهة آثار الجفاف بالعالم القروي من ثلاث زوايا: التشغيل في العالم القروي.. مديونية الفلاحين الصغار والمتوسطين . تعزيز البنيات الأساسية من مسالك وطرق وماء وكهرباء، إلا أن الحكومة كان لها رأي آخر وهذا من حقها ولن يمنعنا ذلك من الاستمرار في موقفنا.
لقد رفضت الحكومة تعديلاتنا الجوهرية الأخرى مستعملة أغلبيتها العددية على الرغم من أنها تعديلات في صالح أوسع فئات الشعب المغربي ومن شأن اعتمادها تطوير النسيج الإنتاجي وإعمال قيم التضامن.
هكذا رفضت الحكومة تعديلاتنا بشأن تحفيز البحث من أجل التطوير وانبثاق مقاولات ابتكارية وتجسير العلاقة بين الجامعة والمقاولة، ضدا على اقتصاد المعرفة الذي لا يمكن لأي بلد اليوم أن يتطور بدونه.
ورفضت الحكومة تعديلا جوهريا ينطلق من مبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص يتمثل في تمكين الطلبة المحتاجين الراغبين في متابعة دراستهم بجامعات ومدارس ومعاهد عليا ذات صيت وطني ودولي من الحصول على قروض بضمانات من الدولة وبمعدلات فائدة تؤديها هذه الأخيرة. إنه تعديل يتوخى الاستثمار في المستقبل وفي الموارد البشرية وكان سيمكن آلاف الكفاءات المغربية من مواصلة دراساتها العليا.
ومرة أخرى رفضت الحكومة تعديلا تقدمنا به في الفريق الاشتراكي يتوخى وضع نظام تغطية صحية لحوالي مليون ونصف من التجار والحرفيين وأفراد أسرهم أي ستة ملايين مغربي، في الوقت الذي اجتهدنا في تقديم حلول عملية وفي الوقت يقضي فيه هذا التعديل بمساهمة بسيطة (في حدود 40 درهم للمنخرط) من جانب الدولة.
إن المنطق التشاركي الذي أعلنتم ودافعتم عنه في تصريحكم الحكومي لا زال في حاجة ماسة إلى بلورته بشكل عملي حتى لا يتأثر هذا المسعى النبيل بحسابات سياسوية أو فئوية.
إن الدولة للجميع وليست حكرا على طرف سياسي دون الأخر وأن منطق التعاقد المنبثق من صناديق الاقتراع والمحمى دستوريا هو التطبيق العملي لتشارك سياسي تقوم فيه المعارضة بدورها بجانب الأغلبية المتحملة للمسؤولية التدبيرية والسياسية.
السيد الرئيس،
السادة الوزراء،
السيدات والسادة،
وفاء منا لمنهج المعارضة الذي تعهدنا أمام الشغب المغربي والشركاء السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين بأتباعه، نود أن نناقش في هذه المناسبة، وفي هذا الإطار الدستوري قضايا نعتبرها جوهرية. ويتعلق الأمر ب :
1) نجاعة الاستثمارات العمومية
2) مسألة الأولويات في السياسات العمومية
3) إعادة توزيع أدوار الدولة
إن تحليلا سيوسيو اقتصاديا لإشكالية الاستثمار العمومي في المغرب تجعلنا نقف على المفارقة التالية: على الرغم من الإمكانيات المالية الكبرى التي ترصدها الدولة للاستثمار العمومي، فإن وقعها الاجتماعي والاقتصادي وخاصة على مؤشرات التشغيل والمستوى المعيشي للمواطنين وعلى معدل النمو، لا يرقى إلى مستوى الطموح مما يستدعي تشخيص العوامل التي تعيق خلق دينامية اقتصادية أسرع وأكثر قوة يقف وراءها الاستثمار العمومي.
1) ويتمثل أول هذه العوامل في تواضع نسبة إنجاز الاستثمارات العمومية بسبب غياب برنامج استعمال مدقق لهذه الاستثمارات وخاصة بالنسبة للمؤسسات العمومية، وضعف تقييم ومراقبة الإنجاز في ما يرجع للجودة واحترام الجدولة الزمنية. ولعل مضمون التقرير الخاص بالمؤسسات العمومية والمنشآت العامة المرفق بميزانية 2012 أكبر دليل على غياب المعطيات المتعلقة ببرامج استعمال المؤسسات العمومية للموارد الاستثمارية.
فالتقرير لا يتضمن معطيات حول ما الذي تحوله الدولة للمؤسسات العمومية.
2) ثاني الإشكالات، والذي يلتقي مع الأول في الإفلات من المراقبة البرلمانية، هو إشكال الحسابات الخصوصية. وبالإضافة إلى مشكل توطين المشاريع المبرمجة في إطارها مجاليا وضعف وقع هذه المشاريع، تطرح مسألة النجاعة وتعدد التدخلات وبالتالي تشتيت الجهد والإمكانيات العمومية وتنازع الاستهداف.
في هذا الصدد تطرح بحدة إشكالية الصناديق الخصوصية الذي يصب تناسلها في نفس التسيب المؤسساتي حيث يؤدي إلى ثلاثة أنواع من الاختلالات :
أ- تهريب الصناديق من المراقبة البرلمانية
ب- تعزيز مركزة الموارد
ت- تعقيد ولوج المستفيدين في الجهات والأقاليم.
وبناء على ذلك فإن مردودية ونتائج هذه الصناديق ستكون جد محدودة.
وسنظل في الفريق الاشتراكي حريصين على مراقبة كل الأموال العمومية بالوسائل التي يوفرها لنا القانون.
وسنظل حريصين على حق المواطنين أينما كانوا في الولوج إلى الخدمات الاجتماعية والاستفادة من الموارد العمومية وفق مبادئ الإنصاف والاستحقاق.
3) وتأتي في المقام الثالث إشكالية الجهوية واللاتركيز. فحتى في غياب معطيات حول التوزيع الجهوي للموارد العمومية وحول التوطين المجالي للبرامج التي تستعمل فيها هذه الموارد، فإننا نسجل مفارقة أخرى تتمثل في عدم تناسب الأرقام المتعلقة بالمنجز على الصعيد الوطني مع الواقع المجالي وضعف وقعه على ظروف عيش السكان وعلى ولوجهم إلى التجهيزات والخدمات العمومية وعلى مؤشرات الفقر والتمدرس والولوج إلى الخدمات الصحية إلخ...
II مسألة الأوليات في السياسات العمومية:
إذا كان لا أحد بإمكانه الجدال في الدور الريادي الذي قامت به الأوراش الكبرى في النمو خلال العشر سنوات الأخيرة وفي تجهيز البلاد، فإن السؤال المطروح يتمثل في الاختيار بين هذا النوع من الاستثمارات وتلك الموجهة إلى قطاعات منتجة للقيمة المضافة مجاليا. ومن جهة أخرى علينا أن نسائل أنفسنا مثلا عما إذا كانت الإعفاءات والامتيازات الممنوحة قد أسفرت عن النتائج المتوخاة وعما إذا كان ما يزال هناك مسوغ للاستمرار في هذه السياسة الإعفائية؟
إننا مطالبون جميعا بتحديد معايير التقرير بشأن أي استثمارات ننجز وبأية أولوية، علما بأن نجاعة أي استثمار من وجهة نظرنا في الفريق الاشتراكي يجب أن تقيم من خلال معدل مردود يته الداخلية ووقعه وأثره الاقتصادي العام ووقعه الاجتماعي والبيئي.
إن هذا الحجم الكبير للاستثمار العمومي الذي يبلغ 188 مليار درهم يطرح علينا التساؤلات التالية: هل كان من الممكن تحقيق نتائج أفضل بإنفاق نفس الاعتمادات المرصودة في مشاريع أخرى؟
إننا نتساءل على سبيل المثال هل كان من النجاعة إعطاء الأولوية للقطار فائق السرعة (تي جي في) أم لتطوير النقل الحضري والقروي؟
ومن أجل الرفع من الوقع الاقتصادي للاستثمار لا مناص من اعتماد الأفضلية الوطنية بالنسبة للمقاولات المتواجدة بالمغرب، مهما يكن أصول المساهمين فيها، وإعمال مبدأ الموازنة الصناعية وتخصيص ما لايقل عن 30 % من الصفقات العمومية للمقاولات الصغرى والمتوسطة المغربية.
III- إعادة توزيع أدوار وتدخلات الدولة
إن المفارقات المسجلة بين ضخامة حجم الموارد التمويلية وكلفة الاستثمار العمومي وأهمية الاعتمادات المرصودة لعدد من القطاعات من جهة وثمار هذا المجهود وأثاره على المعيش اليومي للمواطنين واستمرار استفحال المشاكل الاجتماعية التي قد تتحول إلى مصدر اصطدام بين الدولة والمجتمع من جهة أخرى، يجعلنا نتساءل عما إذا لم يكن نموذجنا التنموي قد استنفد أدواره، في العديد من الاختيارات. وإن مما يعزز هذا الطرح ويسعفنا في اعتماد اختيارات جديدة هو السياق الإصلاحي الجديد الذي ولجته بلادنا باعتماد دستور جديد مع كل المقتضيات التي ينص عليها في جوانب الحقوق والمسؤوليات والحكامة والمحاسبة وتكافؤ الفرص والإنصاف إلخ.
إن الجهد العمومي في حاجة إلى التجميع وإلى الأدوات التي تجعله ينتج النجاعة والفعالية.
لقد حققت بلادنا العديد من المكاسب والإصلاحات المؤسساتية والسياسية والاقتصادية، إلا أن النتائج الاجتماعية لهذه الإصلاحات تبدو محدودة بسبب حجم الخصاص وتضخم الطموحات وتوسع مجال الحريات إلخ .. إن هذا ما يتطلب في نظرنا نموذجا جديدا للتنمية من مرتكزاته الحكامة وإعمال المبدأ الدستور المتمثل في الربط بين المسؤولية والمحاسبة، والتضامن والعدالة الاجتماعية والإدماج بين السياسات العمومية واعتماد مقاربة ترابية ومجالية وتقييم السياسات العمومية باستحضار معيار الاستهداف الاجتماعي .
إن تحسين مردودية الدولة عبر إنتاج خدمة عمومية بجودة أحسن وبكلفة أقل يستلزم إصلاح دواليب الدولة المغربية عبر ثلاث أوراش مركزية:
1- إصلاح القانون التنظيمي للمالية
2- إصلاح اللاتركيز
3- إصلاح الجهة.
على الرغم من نتائجها الإيجابية فقد أبانت السياسات العمومية عن محدوديتها في التخفيف من الفوارق الاجتماعية والتباينات بين الجهات والأقاليم وبناء عليه حان الوقت للقيام بمراجعة جذرية لهذه السياسات وفق رؤية تنموية مندمجة ومتنامية وناجعة.
ويشكل تفعيل الجهوية المتقدمة فرصة تاريخية لبلادنا لإعادة النظر في النموذج التنموي السائد وإصلاح دواليب الدولة على المستوى الترابي والمركزي.
كيف تعاملنا مع الميزانيات القطاعية:
لقد تعامل أعضاء الفريق الاشتراكي بمجلس النواب مع الميزانيات القطاعية التي جاء بها القانون المالي بكل الجدية اللازمة ? مستحضرين سلم الإكراهات التي تواجهها البلاد على مستوى الخصاص وتراكماته وعلى مستوى الأسبقيات. وسنعود إلى هذا الموضوع بالتفصيل اللازم في مناقشة الميزانيات الفرعية. حسبنا هنا أن نتوقف عند بعض الميزانيات التي أثارت نقاشا كان في بعض محطاته حادا.. مع ملاحظة عامة وهي أننا في الفريق الاشتراكي اعتبرنا هذه الميزانية ميزانية أزمة وأن القانون المالي أصبح متجاوزا وفيه تصميم على معارضة مستفزة. فإذا كان القطاع الفلاحي مثلا اليوم أمام امتحان صعب نظرا لضعف التساقطات خلافا للتوقعات، فإن فاعلية ومناعة القطاع ستظهر خلال هذه السنة ومدى قدرة وزارة الفلاحة على ملء الفراغات الناتجة عن سنة جفاف على اعتبار أن السنوات الأربع الأخيرة عموما كانت سنوات ممطرة، وقد ساهمنا باقتراحات عملية في جانب معالجة أزمة الجفاف لم تستجب الحكومة ولو لجزء منها خاصة على مستوى التشغيل في العالم القروي، وهو موضوع يهم 13 مليون من الساكنة، ومعالجة مديونية صغار الفلاحين والمتوسطين منهم، وانقاد الماشية واقتراح مشاريع لفك العزلة عن العالم القروي وتعزيز بنياته التحتية.
وإذا كان دور الفلاحة يبقى مركزيا في الاقتصاد الوطني، فإن التصنيع يجب أن يظل اختيارا استراتيجيا.
في هذا الصدد نطرح تساؤلا نعتبر أنه يجسد اختيارا جوهريا:
هل من المجدي أن يستمر الاقتصاد الوطني في الاعتماد على الطلب الداخلي أم يتعين كذلك إنعاش الاقتصاد الموجه للتصدير؟ ألا يحتم علينا هذا الاختيار اعتماد التصنيع كأولوية وطنية لأنه الكفيل بخلق فرص شغل قارة واستيعاب مهارات من مختلف المستويات وإنتاج قيمة مضافة حقيقية؟
إننا لا نتفهم كيف ترصد لقطاع بهذه الحيوية ميزانية لا تتجاوز 250 مليون درهم لتحفيز الاستثمار الصناعي .
لقد كان حريا بالحكومة على الأقل أن ترفع هذا الاعتماد إلى مستوى الاعتماد المخصص للفلاحة.
هل سنفصل انبثاق أقطاب صناعية وطنية كبرى أم سنركز على دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة؟
وإذا كان اختيارنا لصالح هذه الأخيرة، فإننا مطالبون بوضع مخطط لدعم هذه المقاولات، كما اعتمدت ذلك الولايات المتحدة الأمريكية منذ 50 سنة وكما هو معتمد في أوروبا حاليا، وخاصة بتخصيص 30 % من الصفقات العمومية لهذا الصنف من المقاولات.
التعليم:
لقد أعدنا في مناقشة هذا القطاع سؤال المسؤولية والمحاسبة أولا على مستوى البرامج التربوية وقلنا بأنه حان الوقت ? إن لم يحن منذ أمد طويل حان الوقت للقطع مع التجارب التي تتعرض لها المناهج التربوية، وكأننا أمام تجارب مخبرية مادتها أبناء وبنات الشعب المغربي، وطرحنا أيضا مسألة المحاسبة بخصوص البرنامج الاستعجالي الذي خصصت له ميزانية غير مسبوقة 45 مليار درهم وجاءت الحكومة الحالية لتعلن عن إلغاء عدد من مكوناته واتخاذ مجموعة إجراءات تقتضي المسؤولية والمطالبة بفتح تحقيق في شأن إلغائها كذلك أثرنا مسألة المناصب المالية في مجال التشغيل بقطاع التعليم. فمن أصل 7200 منصب شغل جديد حوالي (2000) ألفي منصب شغل هي في الواقع مجرد تسوية لوضعية توظيفات سابقة. من حق البرلمان أن يعرف كيف تمت هذه التوظيفات وبناء وعلى أية معايير تم الاستناد فيه ومن استفاد منها، إننا نعيد السؤال وننتظر جوابا من الحكومة وهنا يتبلور سؤال المحاسبة فعلا.
العدل:
إن العدل أساس الملك، وعندما تتحرك العدالة يتحرك الاطمئنان لدى ذوي النوايا الحسنة بقدر ما يتحرك الهلع لدى المفسدين. لقد شكلت دراسة ميزانية وزارة العدل فرصة للبرلمان لمناقشة الكثير من القضايا سنعود لها في حينها، فقط أكتفي هنا بالقول بأن العدالة كل لا يتجزأ، وإن ملف الشهيد المهدي بن بركة سيظل كما كان بالأمس وبغض النظر عمن يجلس في كرسي الوزارة، سيظل ملفا تاريخيا يسائل ضمير القضاء في بلادنا، وسواء جعله السيد وزير العدل والحريات من أولوياته أم لا ، فإن دم وروح المهدي ورفاقه ستظل حاضرة في الذاكرة الوطنية فمناخ اليوم ليس هو مناخ الأمس دستوريا ووطنيا، كما أن العدالة الانتقائية لم تكن في أي يوم من الأيام مدخلا لأي إصلاح حقيقي
المبادرات:
بنفس المنطق تعاملنا مع مختلف القطاعات كالصحة والتشغيل والسكن نساند كل ما هو إيجابي وننبه ونقترح أو نعارض كل ما هو دون ذلك.
لكننا لا نخفيكم السيد الرئيس انزعاجنا من ظاهرة لاحظناها في أكثر من قطاع ألا وهي التجاء العديد من وزراء حكومتكم إلى أسلوب العودة إلى الصفر، بالإعلان عن مناظرات أو فتح حوار وطني خاصة عندما يتعلق الأمر بقطاعات تم فيها هذا النوع من التدبير، بل ومنها من لم يمض على إخضاعه لنفس التمرين إلا وقت قصير تطلب ميزانيات وإمكانيات وجهود، ومع ذلك نعيد نفس السيناريو. إننا نعتقد بأن هذا النوع من التدبير يجانب مبدأ حكامة الحفاظ على الموارد ونجاعة النتائج.
خلاصة تحليلنا ومقترحاتنا تؤدي إلى القول :
وأخيرا فإن المغرب في حاجة إلى نموذج جديد للتنمية الاجتماعية. فعندما نقارن الاعتمادات المرصودة للقطاعات الاجتماعية (التعليم والصحة والسكن والتنمية البشرية وصناديق التضامن وصندوق الموازنة) والتي تشكل ما بين 60 و 65% من الميزانية العامة للدولة من جهة، وترتيب المغرب في ما يخص مؤشر التنمية البشرية (الرتبة 130)، فإنه من الواضح أنه يتعين تغيير النموذج الحالي وأن العديد من الأسئلة تفرض نفسها من قبيل: لماذا كل هذا الإنفاق بنتائج ضعيفة؟ هل يتعلق الأمر بمسألة أولويات أم بقضية تنفيذ؟ هل يتعلق الأمر بمشكل موارد مالية وبشرية أم بمسألة حكامة؟
كيف وإلى متى سنؤجل إصلاح نظام المقاصة علما بأن ماليتنا العمومية لا يمكن أن تتحمل إلى ما لا نهاية صندوقا تتجاوز اعتماداته 50 مليار درهم وهي في تزايد مستمر؟ ف 50 مليار درهم هي كلفة إنجاز 50 مركزا استشفائيا سنويا، وخمس مرات مقطع الطريق السيار فاس وجدة سنويا؟
إن هذه التساؤلات تطرح إشكالية الوقع المجتمعي لتدخل الدولة عبر الاستثمار العمومي، وغن القرارات الشجاعة وحدها الكفيلة بالإنكباب على إصلاح دواليب الدولة من أجل تحسين مردوديتها المؤسساتية وتجاوز مأزق العجز المالي والمديونية واستقلال القرار السادي الوطني الحالي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.