يجسد مشروع قانون المالية لسنة 2009 الذي قدمه وزير الاقتصاد والمالية أمس الأربعاء أمام مجلس النواب الإرادة القوية للحكومة في تقوية مناعة الاقتصاد الوطني ومواجهة التداعيات السلبية للظرفية الاقتصادية الدولية، المطبوعة بأزمة مالية غير مسبوقة. وقد تمكنت الحكومة في السنة الجارية من المحافظة على التوازنات الماكرو اقتصادية ومباشرة العديد من الاصلاحات الهيكلية. وبفضل هذه السياسة حقق الاقتصاد الوطني نسبة نمو 6.8 في المائة، بارتفاع كبير عن السنة السابقة، وتم التحكم في التضخم في حدود 3.5 في المائة وتم تمنيع الاقتصاد الوطني، بمواجهة الصدمة التي أحدثتها الظرفية الدولية الصعبة، بالارتفاع المهول لأسعار المواد النفطية والأساسية، من خلال تدابير ناجعة لحماية القدرة الشرائية للمواطنين. وأرادت الحكومة تعزيز هذه النتائج المرضية في مشروع قانون المالية لسنة 2009، بعدد من التدابير والمقتضيات التي تهدف الى ضمان نمو اقتصادي قوي رغم الظرفية الاقتصادية الدولية الصعبة، يرتقب أن يصل الى 5.8 في المائة في سنة 2009، بفضل تعزيز الطلب الداخلي والرفع من معدل الاستثمار العمومي بنسبة 24.3 في المائة بالمقارنة مع سنة 2008. ليصل الى 133 مليار درهم، مما سيعطي دينامية جديدة لسياسة الأوراش الكبرى ويؤدي الى خلق المزيد من فرص الشغل. وأولى مشروع قانون المالية عناية خاصة للقطاعات الاجتماعية بتمكينها من 55 في المائة من الاعتمادات بالرفع من ميزانية قطاع الصحة بنسبة 21 في المائة والرفع من ميزانية قطاع التعليم الذي خصصت له اعتمادات تتجاوز 6 مليار درهم ثم تخصيص 29 مليار درهم للمقاصة، من أجل دعم القدرة الشرائية للمواطنين . وخصصت الحكومة 450 مليون درهم لدعم العائلات الفقيرة، من أجل تشجيع أبنائها على التمدرس، في إطار سياسة جديدة لتوجيه الدعم مباشرة الى الفئات التي تستحقه، وهو ما تجلى أيضا في تخصيص 900 مليون درهم لدعم التغطية الصحية، علما أن الحكومة تستعد لتفعيل نظام المساعدة الطبية للفئات المعوزة الذي ستنطلق تجربته النموذجية في جهة تادلة أزيلال. وفي السياق نفسه نفذت الحكومة التزاماتها مع المركزيات النقابية، في إطار الحوار الاجتماعي، بإيلاء مشروع القانون المالي أهمية خاصة للنهوض بالأوضاع المادية والاجتماعية للموظفين والأجراء في القطاع الخاص، بتقليص الضريبة على الدخل وتحسين أوضاع عدد من فئات الموظفين. وجسد مشروع القانون المالي سياسة الإصلاح التي تنهجها الحكومة في عدد من القطاعات الاستراتيجية برصد الاعتمادات الضرورية لانطلاق تفعيل المخطط الاستعجالي لإصلاح نظام التربية والتكوين ورفع ميزانية قطاع الفلاحة بنسبة 8 في المائة في إطار تنفيذ مخطط المغرب الاخضر ودعم تنمية العالم القروي بغلاف إضافي يصل الى 4 مليار درهم لترتفع الميزانية المخصصة في هذا الشأن الى 16 مليار درهم ثم الرفع من ميزانية وزارة الصحة لتنفيذ استراتيجيتها الوطنية لتطوير القطاع، فضلا عن الزيادة في ميزانية قطاعي السياحة والصناعة التقليدية ودعم صندوق تنمية الصادرات ب 500 مليون درهم. والى ذلك تهدف الحكومة، بمشروع القانون المالي، الى تحسين الحكامة والتدبير العمومي وتشجيع الاستثمار والعمل على إدماج الاقتصاد الوطني في محيطه الجهوي والدولي ودعم تنافسيته والتحكم في النفقات وتحسين المداخيل، لتحسين ظروف توازن المالية العامة. وإذا كان الاقتصاد الوطني، تمكن في السنة الجارية بشهادة المؤسسات المالية الدولية، من إظهار صلابته وقدرته على مواجهة صدمة ارتفاع أسعار المواد الأولية، فإن مشروع قانون المالية لسنة 2009 يعزز نفس المنحى ويقوي من إمكانيات بلادنا التي تتوفر على وضعية ماكرو اقتصادية سليمة ومستقرة لتحقيق نمو اقتصادي قوي.