سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لطيفة بناني سميرس رئيسة الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب في مناقشة مشروع القانون المالي لسنة 2011 وتيرة العمل ونسب تنفيذ البرامج مؤشرات دالة على أن الحكومة ناجحة في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية
قدمت لطيفة بناني سميرس تدخلا هاما وعميقا في اطار مناقشة مشروع القانون المالي الاربعاء الماضي بمجلس النواب في جلسة عامة اثر مصادقة لجنة المالية عليه، وقد جاء عرض رئيسة الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية شاملا استعرض الخطوط الكبرى للمجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما تضمن عددا من المؤشرات والارقام التي تنوء بحمولة كبيرة ودلالات عميقة تعكس المدى الحقيقي للعمل الحكومي. كما قدمت عدة ملاحظات وتعليقات تهدف الى تجويد العمل الحكومي والعمل البرلماني بما يحقق خدمة الصالح العام. وفيما يلي النص الكامل للتدخل السيد الرئيس السيدات والسادة الوزراء السيدات والسادة النواب يسعدني أن أتدخل باسم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية في المناقشة العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2011 وهو المشروع الرابع لهذه الحكومة ولهذه الولاية التشريعية. ونحن على مسافة أيام من احتفال المغاربة باليوم التاريخي، يوم قرر المغاربة أن يبرهنوا للعالم بأسره على المقدرة الخارقة والخلاقة لشعب يعشق السلام ويأبى الاستسلام، ويؤمن بأن التضحية هي عنوان وجوده. يوم قرر هذا الشعب أن يتجاوب مع نداء المسيرة الخضراء، يوم أبرز المغاربة أن خصالهم وسليقتهم لم تعتريها البلى، ولم تأتي عليها صروف الزمن، بل زادتها صقلا. المغاربة ملتفون بإصرار حول كل ما يوحدهم ويحفظ هويتهم. ونحن على مسافة من تألق هذا الالتفاف والتواصل الدائم بين الشعب وملكيته التي دأبت على الإعلان المستمر لمسؤولياتها على الحفاظ على المقومات الأساس لهذه الشعب (التراب - العقيدة –اللغة). وفي جو مشحون بالقلق – قلق مفتعل وحقيقي. القلق المفتعل المتمثل في خلق جو من التشكيك ومحاولة خلخلة الثقة وبث روح اليأس ونزع الاحترام الواجب والضروري للمؤسسات وتحويلها إلى مرمى للاتهامات، دون البحث والتمحيص والتمييز والتساؤل بتجرد وموضوعية عن حقيقة الأمر، ودون حتى رصد الجوانب المضيئة ومكافأة الجهود المبذولة. في تناس وتغافل لمدى خطورة تشويه المؤسسات على جو الثقة الايجابي والمحفزة الدافعة إلى البحث عن التطوير. وفي جو مشحون بالقلق الحقيقي نتيجة الرهانات والتحديات التي تعيشها البلاد من حيث: -استهداف الوحدة الترابية. -استهداف مجموعة من القيم التي صنعت وتصنع الهوية المغربية -الإصرار على مواجهة الانعكاسات السلبية للأزمة المالية والاقتصادية العالمية. -واستحضارا لكل هذه الملابسات والأجواء وقد بدا العد العكسي لانتهاء هذه الولاية التشريعية. فإننا في هذه المداخلة الموجهة لمناقشة مشروع الميزانية الذي هو فرصة للنقاش، والتحليل والمحاسبة والاقتراح، سنقف عند مداخل ثلاثة: أولا: البرنامج الحكومي ومنجزات الحكومة. ثانيا: انتظارات المرحلة القادمة. ثالثا: مناقشة مشروع الميزانية. أولا: البرنامج الحكومي ومنجزات الحكومة: إن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية يثمن عاليا المجهود الجبار والعمل الدؤوب الذي تتولاه الحكومة بكل مكوناتها في حرص شديد على الإيفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين عبر السهر على تنفيذ بنود البرنامج الذي تعاقدت عليه مع الشعب المغربي تحت مراقبة نواب الأمة، ونسجل بإيجاب تام أن هذا البرنامج يخطو بثبات في تنفيذ الأوراش الكبرى واهتمام السياسات العمومية المتعلقة بالجوانب الاجتماعية حيث تقدر إنجازات الحكومة في برنامجها بحوالي 66%.. فعلى مستوى الأوراش الكبرى التي خلقت دينامية جدية للاقتصاد الوطني نقدم نماذج على سبيل المثال لا الحصر: في مجال الطرق السيارة: - وصلت نسبة إنجاز الطرق السيارة 90 % حاليا، لتصل إلى 100% في سنة 2011. - الطرق السريعة التي ستصل إلى 1014 بعد الانتهاء من المقاطع المتبقية سنة 2012. - الطرق الخاصة بالعالم القروي التي ستنتهي في سنة 2012 لتصل طول الشبكة إلى 15.500 كلم مما سيفك العزلة عن 70.1%. - البنيات التحتية للنقل 100% باستثمار 120 مليار درهم. في مجال الموانئ: - انطلاق الجزء الثاني من ميناء طنجة المتوسطي سيرفع قدرته الاستقبالية للحاويات تصل إلى 8.2 مليون وحدة. في مجال السدود: -التزمت الحكومة بإنشاء 10 سدود كبيرة وصلت نسبة الانجاز 100 %. - 60 سد صغير ومتوسط أنجز منها حوالي 93% والمتبقي في طور الانجاز. في المجال الفلاحي: - انطلاق مخطط المغرب الأخضر الذي سيساهم في الناتج الداخلي الخام ب 174 مليار درهم - سيحدث المخطط 1.500.000 فرصة عمل. - سيضاعف 3.5 مرة صادرات شعب الحوامض والزيتون والفواكه. في مجال التشغيل: - تراجع المعدل الوطني الى 9.1%. - الميزانية العامة لثلاث سنوات الماضية أحدثت 52.800 منصب شغل - إحداث 155 ألف منصب شغل كمعدل سنوي ما بين 2000 و 2009 - تراجع معدل بطالة حاملي الشهادات العليا ب 18.3% - تراجع معدل بطالة حاملي الشهادات المتوسطة ب 16.7% - برنامج إدماج الباحثين عن الشغل حقق تشغيل 218.888 - برنامج مقاولتي حقق إحداث 3082 مقاولة ب 9616 منصب شغل. - المستفدين من عروض العمل بالخارج 34.464 شخص. - عدد الأجراء المستفيدين من الضمان الاجتماعي 2.698.376 في مجال المطارات: - ارتفاع في عدد المسافرين ب 3.76%. - حركة النقل الجوي الدولي للمسافرين 4.72%. - بناء محطات جديدة. في المجال الصحي: - تقليص عدد وفيات الأمهات إلى 132 لكل 100 ألف ولادة حية، مقابل 227. - السياسة الدوائية: 100 وصل معدل التوزيع 100 % بالنسبة للأنسولين، 98.8% بالنسبة لتصفية الكلي، 95 % للوازم الولادة، 81 % بالنسبة للأدوية الجنيسة. - نسبة الاستشفاء بزيادة 33 %. - تخصيص مبلغ 300 مليون درهم سنويا لشراء الأدوية المتعلقة بمحاربة السرطان. - تشغيل 114 مؤسسة صحية خاصة بالعالم القروي. - استفادة أزيد من 40 ألف أسرة في إطار البرنامج التجريبي لنظام المساعدة الطبية، وستصل بعد تعميمها الى 8.5 مليون من ذوي الدخل المحدود. في مجال السكن: - نسبة الانجاز 75% في مجال السكن الاجتماعي 113 ألف وحدة. - برنامج مدن بدون صفيح وصلت نسبة الانجاز 60 % هدم 30 ألف براكة سنويا. - المدن الجديدة نسبة الانجاز 100 % ستة مدن. - برنامج السكن بالأقاليم الجنوبية نسبة الانجاز 100% ب 50 ألف بقعة سكنية. - تقديم إعانة مالية مباشرة للأسر عند اقتناء السكن الاجتماعي. في مجال الطاقة: - إحداث الوكالة الوطنية للطاقة المتجددة و النجاعة الطاقية والوكالة المغربية للطاقة الشمسية. - أضخم مشروع لإنتاج الكهرباء من مصدر شمسي على الصعيد الدولي، حيث ستبلغ قدرة المنشأة 2000 ميكاواط. - مساهمة قطاع الطاقة في الناتج الداخلي الخام ب 7% سنة 2010. - تطور الصادرات المعدنية ب22 % سنة 2010. - ارتفاع نسبة الكهرباء القروية ب 98% . - ارتفاع نسبة الربط بالماء للعالم القروي 87%. في مجال التعليم: - استفادة الأسر من الدعم المالي المباشر 244%. - تعميم التعليم 94.7% بالنسبة للابتدائي و 75.4% بالنسبة للإعدادي. - انخفاض معدل الأمية إلى 34 % عدد المستفيدين 4 ملايين شخص. في المجال السياحي: - تحقيق رؤية 2010. -ارتفاع عدد السياح الى 8.34 مليون سائح. -تطور مناصب الشغل ب 448 ألف سنة 2010. - إطلاق جيل جديد من المحطات الشاطئية. - تسريع وتيرة إنجاز الطاقة الايوائية المبرمجة في مخطط بلادي. - دخول شركات طيران أجنبية للعمل بالأجواء المغربية 23 شركة. -13.35 مليون راكب سنة 2009 في مجال التجارة الخارجية: - انتعاش الطلب الخارجي الموجه للغرب بارتفاع 6.1% سنة 2010 رغم الازمة العالمية. - عودة الدينامية للقطاعات المتضررة من الأزمة الاقتصادية العالمية ( السيارات، الالكترونيك). - تنويع العلاقات التجارية الدولية. في مجال التجارة والصناعة والتكنولوجيات الحديثة: - بلغ عدد الوحدات الصناعية 7892 بزيادة 1% رغم الأزمة العالمية. -استقرار قيمة الاستثمار الصناعي ب 23.9 مليار درهم. - شغلت الصناعة التحويلية أزيد من 487500 سنة 2009. -ارتفاع صادرات قطاع السيارات ب 38 %. -ارتفاع صادرات قطاع الالكترونيك ب 25 %. في مجال الصناعة التقليدية: -نمو رقم معاملات الصناع التقليدين في المجال الحضري ب 13.5% . - نمو رقم معاملات الصناع التقليدين في المجال القروي ب 22% -نمو رقم معاملات المقاولات الصغرى والمتوسطة في المجال ب 14.5%. -نسبة انجاز التدرج المهني 114% . - نسبة الخريجين في التدرج المهني 49% - نسبة خريجي التكوين المهني 90% في مجال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية: - استفادة 5.4 مليون شخص، كما وصلت المشاريع الى 22.000 بغلاف مالي يصل إلى 13مليار درهم. حينما نستعرض هذه الأرقام، علما أننا لم نستعرض جميع الأرقام والمنجزات، لأننا نسعى للمقارنة ما بين البرنامج الحكومي الذي جاء بأرقام محددة في تعاقد وافقنا عليه، ويبدو أن الحكومة وفي ظل الأزمة العالمية والاقتصادية تسير في طريق إنجاز برنامجها ولم توقف أي مشروع من مشاريعها. إن كل هذه المجهودات وغيرها التي قامت بها هذه الحكومة مشكورة والتي زاوجت ما بين الدفع بقوة في اتجاه بناء واستكمال الأوراش الكبرى كرافعة اقتصادية، و الاهتمام بالقضايا الاجتماعية للمواطنين والتشغيل، مكنت بلادنا من كسب اعتراف دوليا في عدة مجالات ومنها: - منح المغرب جائزة دولية في برنامج القضاء على مدن الصفيح. - اختيار وزير المالية كأحسن وزير في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لسنة 2010 من طرف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. - الإشادة بالمغرب من طرف مؤسسات مالية دولية، في مجال السياسة المتبعة لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية. - تمديد فترة رئاسة المغرب لمبادرة ( mena-ocde ) للاستثمار إلى 2015 عوض 2013. - اختيار المغرب كمسهل للنقاشات الدولية بنيويورك حول إصلاح مجلس حقوق الإنسان. - اختياره منسقا للمجموعة الإسلامية حول القضايا الإنسانية. - اختياره منسقا بجنيف فيما يخص آلية الاستعراض الدوري الشامل. ثانيا: انتظارات المرحلة القادمة: وبعد الخوض في المنجزات الحكومية خلال هذه الولاية لابد من التطرق إلى انتظارات المرحلة القادمة كعنوان على الاستمرار في النهج التنموي الذي اختارته بلادنا. كما قد يكون قد بلغ إلى علمكم، فإن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية وبعد الخطاب الافتتاحي من السنة التشريعية الحالية والذي تطرق فيه جلالة الملك إلى العمل البرلماني والى الأهمية التي يوليها إياه، عقد يوما دراسيا لإطلاق آلية للنقاش حول البرلمان تحت عنوان: العمل البرلماني ومتطلبات الإصلاح، بحضور السيدين رئيسي المجلسين ومساهمة نخبة من الأساتذة والمفكرين المتخصصين في هذا المجال، وقد أسفرت الخلاصات الأولى للتحليلات عن ملاحظات أساسية توافقت مع مجمل التوصيات التي انتهى إليها المؤتمر الخامس عشر لحزب الاستقلال، وانتهت إلى أن الرفع من مردودية العمل البرلماني رهين بالرفع من مستوى الحياة الديمقراطية التي اختارها المغرب كسبيل لإشراك المواطنين في تسيير الشأن العام وتوفير كل الشروط لجعل الديمقراطية التمثيلية حقيقة على الأرض عن طريق الوصول إلى انتخابات تؤمن لها كل مواصفات النزاهة والشرعية وتتخلص من كل الشوائب والتشوهات التي من أهمها حاليا، استعمال المال، ولا يتسنى ذلك إلا بإعادة النظر جذريا: - في مدونة الانتخابات والتقطيع الانتخابي. - قانون الأحزاب بما يضمن وقف نزيف تشويه المشهد السياسي الذي يفقد المواطن الثقة في العمل السياسي ويؤكد مبدأ العزوف. - القيام بالإصلاحات السياسية لمواكبة ورش التغييرات الجذرية الضرورية التي نحن مقبلين عليها وعلى رأسها الجهوية الموسعة. -إصلاحات سياسية تضمن توسيع اختصاصات البرلمان لإضفاء طابع الموضوعية والنجاعة على مسؤولياته التشريعية والرقابية. - ضمان التفعيل على الأرض لفصل السلط. -القيام بنشر ثقافة جديدة لدى المواطنين لتحسيسهم بمفهوم الحق والواجب – الحرية والمسؤولية وأن الوطن ورش جماعي ومسؤولية مشتركة. - تفعيل المفاهيم التي ما فتئت السلطة العليا بالبلاد تلح عليها بجعل السلطة في خدمة المواطنين -الإدارة في خدمة المواطن، القضاء في خدمة المواطن أي تحويل الدولة إلى مفهوم جديد الدولة لخدمة المواطن. إن قانون المالية باعتباره آلية للسياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من الإجراءات التي تمس المواطن والبلاد في حياتهم وتؤطر مستقبلهم، فهو بالتالي ترسانة قانونية لتشخيص المشاكل العامة وطرق التعامل معها، وهو فرصة سنوية كذلك، للوقوف عند فعالية ونجاعة هذه السياسات وتقييم ما نفذ منها والإطلاع ومناقشة المقترحات المستقبلية. حيث يأتي على رأس هذه الترسانة، القانون التنظيمي للمالية، وهو القانون الذي ما فتئت كل الفرق تطالب به، وقد سبق لفريقنا أن وضع بشأنه مقترح قانون خلال هذه الولاية، ولكن أمام إعلان الحكومة عن تهيئها لمشروع قانون في هذا الإطار، قام الفريق بسحب مقترحه. ونعرف حاليا أن مشروع القانون هذا تم إنجازه وكنا نود أن يكون قد صودق عليه سابقا قبل نزول مشروع قانون المالية الحالي، الشيء الذي كان سيعفينا من تقديم مجموعة من الملاحظات حول هذا المشروع كما سنأتي على ذلك. وحتى يتسنى لنا في البرلمان أن نتعامل مع مشاريع قوانين المالية برؤية واضحة، تنطلق من الأهداف المنتظرة له بالمقارنة مع الإمكانيات المرصدة لكل برنامج أو نفقة عمومية وبالتالي إعطاء معنى لاختياراتنا المالية والميزانياتية التي نتحمل مسؤوليتها مع الحكومة في جميع الأحوال. إن مشروع القانون المالي الذي يجد أسسه القانونية الأساسية في الدستور وفي القانون التنظيمي، يحد كثيرا من صلاحيات البرلمان في التعامل مع هذا النوع من المشاريع على أهميتها المطلقة، ومن هنا نجد أن أحد المداخل الضرورية للرفع من دور البرلمان في بلورة وإخراج النصوص المالية يكون هو مدخل إصلاح الترسانة القانونية المرتبطة والمؤطرة للعمل المالي للدولة، وإعادة هيكلة الميزانية بمنطق الأهداف وليس الوسائل وتقييم النتائج ومساءلة المسؤولين. وإذ نؤكد على ضرورة القيام بإصلاحات سياسية، بالموازاة مع ذلك فإن هذان المطلبين اللذين نعتبرهما ملحين اليوم، سيزيدان إلحاحا في أفق تنزيل المشروع المغربي للجهوية الموسعة الذي سيستند بالضرورة إلى مزيد من اللاتركيز واللامركزية في مجال تدبير المالية العمومية. هذا الأمر ستنتج عنه صعوبات كثيرة للتتبع الميداني واليومي للصرف العمومي، إذا لم نقم بالإصلاحات الضرورية لطرق وميكنيزمات تدبير المالية العمومية الجاري بها العمل اليوم. إن موقفنا كأغلبية من الحكومة لم تطلب منا ولم نطلب منها شيئا ولم نعطيها صكوكا بيضاء، وحينما نوافق على الميزانية نكون قد أخضعناها لدراسة معمقة، بل إننا في فرق الأغلبية ألينا على أنفسنا أن نتقدم بمجموعة من التعديلات كان لأغلبها لدى الحكومة صدر رحب في قبولها، وتفهمنا عندما رفض بعض التعديلات إكراهات الحكومة وليس من مبدأ الرفض، وكانت تعديلاتنا تسير في اتجاه أهم القضايا الاجتماعية، ويتعلق الأمر بما أقدمت عليه الحكومة من تشجيع عملية الادخار والمسألة الثانية تتعلق بالتعليم الذي يعد العمود الفقري لهذا البلد لأنه بدون تعليم ومعرفة لن نخرج من الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، وهو توجه المغرب وسلوكه الحالي في تدعيم المجال التربوي، ومازالت هناك خطوات ضرورية خصوصا مسألة البحث العلمي كرافعة أساسية لكل التنمية ولكل اقتصاد يريد أن يحقق نتائج إيجابية. كما أيدت الحكومة مشكورة وجهة نظرنا في الأغلبية في أن تدعم وترفع من سقف المعفى بالنسبة للمقاولات الصغرى وجد الصغرى، لأن هاته الأخيرة هي دعامة حقيقية للإنتاج في إطار تحويل الاقتصاد غير المهيكل إلى اقتصاد مهيكل. كذلك ساهمت معنا الحكومة في وضع أساس جاد لتمويل صندوق التكافل العائلي الذي نصت عليه المدونة حيث خصصت له موردا قارا يتمثل في 20% من الرسوم القضائية بمبلغ 160 مليون درهم. إن مشروع القانون المالي هو في البداية والنهاية أكثر من أرقام وافتراضات واقتراحات ضريبية وميزانياتية، بل هو نتاج لفكر وأجواء سياسة عامة. فهو أولا تعبير سنوي عن ما تعاقدت عليه الحكومة في برنامجها السياسي العام، وعن طرق تفاعل كل المؤسسات الدستورية مع بعضها، وعن مدى تجاوب كل هذه المؤسسات مع مطالب الشعب الذي اختارها. إننا نعتبر مشروع القانون المالي الحالي كاستمرار للقوانين الثلاثة السابقة لهذه الحكومة على درب إتمام الأوراش والبرامج التي تعاقدنا من أجلها منذ ثلاث سنوات، وذلك على كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية والإصلاحية بما في ذلك تخليق الحياة العامة والرفع من مستوى الاستثمارات العمومية. وقد قمنا بقراءة متأنية لبنية الميزانية العامة انطلاقا من قاعدة التقاطب بين المداخيل والتحملات، مع تبيان ما لذلك من وقع وإسقاطات، إيجابية أو سلبية بحسب الحالة على تطور ونمو الاستثمارات العمومية في مواجهة سؤال التنمية الشاملة للبلاد. واعتبارا لهذا، نناقش هذا المشروع في ثلاثة محاور مركزة. يبحث الأول في مداخيل الدولة بهاجس تنميتها والرفع من مردوديتها، ونقف في الثاني عند حجم النفقات العامة بخلفيات ضبطها والتحكم فيها، ونقف في الثالث عند حجم الاستثمار العمومي في أفق تجاوز العجز البنيوي والاجتماعي. آليات التمويل العمومي وسبل الرفع من مرد وديتها رغبة منا في التركيز والاختصار سيقتصر كلامنا في موضوع آليات التمويل العمومي على ثلاث نقاط تتعلق على التوالي بموارد الميزانية العامة، وموارد الحسابات الخصوصية، وموارد مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة. 1-موارد الميزانية العامة: يتوقع المشروع الذي نحن بصدده أن تصل موارد الميزانية العامة إلى أكثر من 226 مليار و523 مليون درهم، مقابل توقع برسم السنة الجارية قدر ب 216 مليار و65 مليون درهم، فإذا كان الفارق الايجابي وإن على مستوى التوقعات يزيد عن 10 مليار درهم. فيهمنا البحث في هذا الرقم وإستجلاء مصادره وهذا أمر مهم، لأن تمنيع ميزانيتنا عن التمويلات الاستثنائية وارتكازها على التمويل الذاتي هو مؤشر قوي على جدية سياساتنا المالية والميزانياتية، وحتى نتمكن من تبيان ذلك نقف في ثلاث نقاط عند المكانة والقيمة التمويلية لكل من الضرائب والرسوم، ثم تقديم قراءة في مداخيل الاحتكارات المالية للدولة، وأخيرا الوقوف عند إشكالية الاقتراض. 1.1 الموارد الجبائية والجمركية: إن الملاحظة الأساسية التي تستوقف كل دارس لمشروع ميزانية 2011 هو الارتفاع المرتقب لكل عناصر التمويل الضريبي وشبه الضريبي، حيث ينتظر أن يرتفع منسوب الضرائب المباشرة بأكثر من 2% مقارنة مع توقعات 2010، لتصل هذه الزيادة الى أكثر من 11% بالنسبة للضرائب غير المباشرة، كما ستعرف الرسوم الجمركية ورسوم التسجيل والتنمبر نفس المنحى التصاعدي بنسب تتراوح على التوالي بين 6.17% و 5.05%. وبقدر ما نحبذ هذه المكانة المهمة التي أصبح يشكلها هذا النوع من الموارد بأكثر من 159 مليار درهم من أصل 226 مليار درهم كموارد مرتقبة للميزانية العامة، يبقى التفاوت الحاصل بين مختلف عناصر الموارد الضريبية أحد النقاط التي نود أن نقف عند بعضها، ونبحث بعض ميكانيزماتها وهي ملاحظات عامة تصب في اتجاه تحسين أداء البنية الضريبية لبلادنا. 1.1.1 الضرائب المباشرة وغير المباشرة: انطلاقا من أرقام المشروع نجد المقارنة بين هذين النوعين من المداخيل الضريبية أصبح يعرف بعض التفاوت لصالح الضرائب غير المباشرة على حساب الضرائب المباشرة، هذا بعدما كان الفارق واضحا لصالح الضرائب المباشرة خلال السنة التي نودعها بعد شهرين تقريبا، في حين أن العكس تماما هو الذي حصل بين 2009 و 2010، حيث ظل الفارق لصالح الضرائب المباشرة يزيد عن 5 ملايير درهم خلال السنة الثانية وزاد عن 10 ملايير درهم خلال السنة المالية 2009. إن هذه الملاحظة المرقمة ليست ملاحظة مجانية أو من أجل المقارنة لا غير، بل تستند إلى فلسفة مالية ترى العدالة الجبائية مع الضرائب المباشرة وليس مع الضرائب غير المباشرة، حيث يكون الملزم بالضريبة قانونا ومؤديها واحد بالنسبة للضرائب المباشرة. ثانيا لأن دور الضرائب المباشرة ومكانتها في البنية المالية لأية ميزانية يعتبر مؤشرا قويا على حيوية المجتمع وديناميته الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي السياسية، هذا لأن هذا النوع من الجبايات الذي يستند على مبدأ التصريح التلقائي والأداء الطوعي هو أحد المداخل للرقي بالمشاركة السياسية. وهذا على اعتبار أن الذي يؤدي الضريبة يراقب بالضرورة مسارها عبر مشاركته في الحياة السياسية وتتبع سبل تدبير الشأن العام. وإن كنا نتفهم هذا التحول في المداخيل الجبائية المباشرة مقارنة مع غير المباشرة منها ونعزوه إلى اعتبارات اقتصادية وأخرى تشريعية، أدت إلى انخفاض مستويات العبء الضريبي ارتباطا بالتدابير المتخذة لتعزيز القدرة الشرائية من خلال التخفيض من عبء الضريبة على الدخل بأربع نقاط خلال سنتي 2009 و 2010 والرفع من الحد الأدنى المعفى من هذه الضريبة وكذلك خفض معدلات الضريبة على الشركات خلال سنة 2008. فإننا من جهة أخرى نعتبر أن تحسن الموارد الجبائية وازدياد أعداد الخاضعين لكل ضريبة هما معيارين لتقييم وتبيان فعالية ونجاعة أي صلاح ضريبي. وإذ نتمنى أن نرى ابتداء من السنة المالية القادمة نتائج الإصلاحات الجبائية التي ساندناها ودافعنا عنها خلال السنوات الثلاث الأولى من ولاياتنا التشريعية هذه، وفي غياب إحصائيات مدققة ومحينة بالنسبة للسنتين الأخيرتين فيما يخص تركيبة الملزمين وطبيعتهم وعددهم ونسبة مساهمتهم في الدخولات الإجمالية لكل من الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات. يستشف من إحصائيات تعود إلى سنة 2008 أن هذين الضريبتين تعرفان تركيزا شديدا على نوع محدد من الملزمين بعينهم يأتي على رأسهم الموظفون والمأجورون بالقطاع العام بالنسبة للضريبة على الدخل. وتعرف الضريبة على الشركات نفس التركيز حيث يفهم أن 34% فقط من أصل 126.000 شركة مسجلة سنة 2008 هي التي ساهمت في الأداء الجيد لهذه الضريبة خلال سنتي 2009 و 2010، هذا في حين أن 66% من الملزمين بهذه الضريبة يسجلون نتائج سلبية كما تظهر ذلك بعض الوثائق المرفقة بالمشروع. أن من 2% فقط من الملزمين بهذه الضريبة يساهمون بنسبة 80% من الموارد الإجمالية المتأتية من الضريبة على الشركات. إن هذه القراءة في بنية هذا النوع من الضرائب الذي نؤكد مرة أخرى على أهميته القصوى في تمنيع الميزانية العامة للدولة عن التمويلات الاستثنائية، لا نقدمها على سبيل الانتقاد بل هي معطى سوسيو اقتصادي لا بد من أن نقف عنده ليس من باب المساءلة السياسية بل من باب التفكير الايجابي وبصوت عال من أجل الرفع من مستوى هذه المداخيل. وفي هذا الباب لا بد أن نشير أن من بين المواضيع التي يجب أن يعاد فيها النظر خدمة للإنتاجية الضريبية هو ما أصبح يعرف بالمصاريف الجبائية، أي مجموع الاستثناءات التي يتضمنها النظام الضريبي الوطني في شكل إعفاءات وتخفيضات وإسقاطات من القاعدة الضريبية. وإن كنا نتفق مع المبدأ العام الذي تأسست عليه فلسفة النفقات الجبائية على اعتبار أن الضريبة يمكنها أن تكون إحدى آليات التدخل العمومي في السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة تجاه المجتمع، نلاحظ على المستوى العملي أن عدد هذه الإجراءات الاستثنائية في تزايد مستمر، حيث تحدد بعض التقارير، التدابير التي تم إحصاءها في 384 تدبير استثنائي برسم سنة 2010، وتتوزع بشكل متباين بين مختلف الضرائب المباشرة وغير المباشرة ودون اعتبار الاستثناءات والإسقاطات التي تهم الجبايات المحلية والاقتطاعات الاجتماعية. إننا نجد هذا الرقم غير النهائي كبيرا وذلك بالنظر لما تحدثه هذه الاستثناءات من نقص مهم في مداخيل الميزانية العامة من آثار مالية لا تختلف في شيء عن النفقات العمومية المباشرة. فبحسب المعطيات المتوفرة، تشكل النفقات الجبائية برسم الضريبة على الشركات 16.5% من المداخيل التي توفرها هذه الضريبة و17.1% بالنسبة للضريبة على الدخل و21.8% بالنسبة للضريبة على القيمة المضافة وأكثر من 40.5% بالنسبة لواجبات التسجيل والتنبر، إن هذه الأرقام والنسب تدفعنا إلى المطالبة بالعمل على التقييم الجاد لهذه الإجراءات، وتبيان آثارها ليس فقط المالية وإنما الاقتصادية والاجتماعية التي سنت من أجلها. نؤكد على هذا لأن التقييم الذي يقدمه التقرير الخاص بالنفقات الجبائية يبقى على أهميته غير شافي في هذا الموضوع، لأنه يركز على التقديرات المالية للإجراءات الجبائية الاستثنائية ويعطي معلومات إحصائية بحسب القطاعات، في حين أن المطلوب هو تقييم لفعالية ونجاعة هذه الاستثناءات بالنظر إلى الأهداف المؤسسة لها. 1.2 الموارد غير الضريبية: نقف تحت هذا العنوان عند عائدات أملاك الدولة وعائدات مؤسسات الاحتكار والاستغلال والمساهمات المالية للدولة على أساس أن نعود في نقطة أخرى للقروض. إن هذين الموردين سيضمنان مجتمعان ما قدره 10 ملايير ونصف مليون درهم كمداخيل للميزانية العامة أي أكثر من 12% من مجموع موراد الميزانية العامة. وإذا كان من الواجب أن نسجل أهمية هذين الموردين كرأسمال ثابت للدولة، فإن توقع الزيادات بنسب 8.40% و 9.49% على التوالي خلال سنة 2011 مقارنة مع المداخيل المتأتية منهما خلال السنة الجارية يعطينا إرهاصات قوية على إمكانية تنمية هذا النوع من الموارد في المستقبل، ونخص هنا أملاك الدولة بكل أصنافها بما فيها القروية التي يجب إعادة النظر في قيمها المالية والعقارية. وفي نفس الاتجاه نؤكد فيما يخص عائدات مؤسسات الاحتكار والاستغلال والمساهمات المالية للدولة التي تساهم بأكثر من 10 ملايير درهم في تمويل الميزانية وبارتفاع مرتقب قدره 9.5% خلال السنة القادمة، على بعض الملاحظات الأساسية، تكون أولها أن 93% من هذه المساهمة يأتي من خمس أو ستة مؤسسات عامة وشركات بمساهمات عامة، وهو رقم قليل جدا مقارنة مع مجموع المحفظة العامة التي تتكون من 240 مؤسسة عامة و481 شركة منها 95 شركة للدولة و128 شركة تابعة عامة و258 شركة مختلطة. وبالتالي فإن التفكير في الرفع من مردودية هذه المحفظة، وتثمين مواردها يعتبر أحد المطالب التي نقدمها في هذا الشأن. هذا لأن مقارنة الموارد المتأتية منها لصالح الميزانية العامة تبقى دون المستوى مقارنة مع الموارد التي تخصص لها في شكل إمدادات مباشرة وغير مباشرة من الميزانية العامة، فقد بلغت على سبيل المثال هذه الإمدادات خلال سنة 2009 وحدها أكثر من 24 مليار درهم مسجلة ارتفاعا وصل إلى 43% مقارنة مع سنة 2008، 23% منها وجهت إلى منشآت عامة ذات نشاط تجاري محض. 1.3 الاقتراض العمومي: يرتقب أن تصل موارد الاقتراضات إلى أكثر من 54 مليار و200 مليون درهم خلال السنة المالية 2011، فبالمقارنة مع السنة الجارية ازدادت مكانة الاقتراض في تمويل الميزانية العامة بأكثر من أربعة ملايير درهم بعد ما تراجعت بأكثر من 20% خلال السنة المالية 2009. إن رقم 54 مليار درهم الذي يشكل نسبة تزيد عن 24% من مجموع موارد الميزانية العامة يعتبر رقما كبيرا وهو مرشح للارتفاع أكثر بموجب الإذن المطلوب للاقتراض الخارجي، وإذن الاقتراض الداخلي لمواجهة تكاليف الخزينة خلال السنة المالية القادمة. فبالنظر إلى حجم النفقات العامة المرتبطة بالفوائد والعمولات المتعلقة بالدين العمومي واستهلاكات الدين العمومي المتوسط والطويل الآجل والتي ستزيد عن 36 مليار و534 مليون درهم خلال السنة المالية 2011، يكون موقفنا من الاستدانة العامة واضحا خصوصا عندما نكون في بلد له من الإمكانيات ما يسمح له بالاجتهاد في الرفع من مستويات موارده الذاتية وضبط مصاريفه بشكل أحسن، نؤكد على هذا كما وقفنا عنده في مناقشتنا للمداخيل الجبائية. إن هذا الرقم وإن كنا نجده كبيرا مقارنة مع ما نتمناه لمستويات التمويل العمومي الذاتي لبلادنا، فهو يعبر عن تراجع مداخيل أخرى كمداخيل الخوصصة التي كانت تلعب فيما سبق دورا أساسيا في تمويل الميزانية العامة. 2 - موارد الحسابات الخصوصية: ودائما في قراءتنا لإشكالية الموارد نقف قليلا عند موارد الحسابات الخصوصية التي يرتقب أن تصل برسم السنة المالية القادمة إلى 51 مليار و924 مليون درهم وبزيادة تصل إلى أكثر من 13% مقارنة مع السنة المالية الجارية. فمن حيث المبدأ، قد سجلنا إبتداء من سنة 2008 موقفا سلبيا من تنامي ظاهرة الصناديق والحسابات الخصوصية وطالبنا بترشيدها من خلال التقليص منها عن طريق إدماج بعضها خاصة تلك المتقاربة في المهام وهي كثيرة. وكان مطلبنا يرتكز على أساسين أولهما إعطاء البرلمان حقه كاملا في المراقبة المالية والسياسية لهذه الآليات الاستثنائية في تدبير المالية العمومية، خاصة وأن هذه الصناديق تمول بشكل مباشر عبر مصادر عمومية في شكل ضرائب ورسوم وأتاوى خاصة واقتطاعات جبائية وشبه ضريبية بل وعبر إعانات وإمدادات من الميزانية العامة. وقلنا في نفس الاتجاه أن ما تتيحه هذه الآليات من مرونة في تدبير المالية العمومية كالسماح بربط المداخيل بالنفقات وترحيل الفائض من سنة إلى أخرى والبرمجة لأكثر من سنة مالية، هي أمور وتقنيات تدبيرية للمالية العامة يمكن توفيرها وتسطيرها في إطار القانون العام خاصة عبر إصلاح النصوص المنظمة للمالية العامة وعلى رأسها القانون التنظيمي للمالية. وعلى هذا المستوى نحبذ المجهود الترشيدي لهذه الصناديق والذي دأبت عليه هذه الحكومة حيث عرفت الحسابات الخصوصية إنخفاضا مهما مر من 132 سنة 2002 إلى 76 حسابا هذه السنة، ومع تحفظنا عن الإذن الذي تطلبه الحكومة بموجب المادة 35 من هذا المشروع، في إطار التأهيل لخلق حسابات خصوصية جديدة خلال السنة المالية القادمة، نحبذ استمرار الحكومة في مجهودها لترشيد هذا القطاع، من خلال هذا المشروع لحذف ثلاثة أخرى جديدة. وحيث أنني أتحدث في هذا الموضوع من باب تحسين الموارد العامة، سنقف عند الحسابات المرصودة لأمور خصوصية دون التعرض للأنواع الخمسة المتبقية، على اعتبار أنها لا تتوفر على مداخيل ذاتية وأنها تمول بصفة شبه كلية من الميزانية العامة. فبالرجوع إلى المعطيات المتوفرة عن بنية موارد الحسابات المرصدة لأمور خصوصية يتبين أن حجم الموارد الذاتية والأرصدة المرحلة من سنة مالية إلى أخرى يشكلان على التوالي أكثر من 92% و 94% بين سنتي 2007 و 2009، في حين انحصرت إمدادات الميزانية العامة بين 5.5% و 7.7% خلال نفس الفترة. إن هذه الأرقام تشير إلينا ببعض الملاحظات تكون أولاها هي أهمية الموارد الذاتية مقارنة مع إعانات الميزانية العامة، وفي هذا الصدد نطلب بالاجتهاد أكثر لضمان استقلالية كاملة لهذه الصناديق من أجل تخفيف الضغط على الميزانية العامة. أما الملاحظة الثانية فترتبط بأهمية نسب الأرصدة المرحلة من سنة مالية إلى أخرى، حيث بلغت أكثر من 48% من مجموع موارد هذه الحسابات خلال سنة 2009، إن حجم الترحيل يؤشر على بطء العمل في تنفيذ هذه الميزانيات. إن ما تقدمنا به في هذا المحور والذي تعمدنا أن نكون فيه مختصرين ومركزين كان يستند إلى فكرة أساسية وهي التفكير والمساهمة إيجابا مع الحكومة في وضع اليد على بعض النقاط التي اعتبرناها مهمة وذات إفادة، فيما يخص أفاق تطوير إنتاجية مواردنا المالية، وهو نفس المنطق الذي سنتعامل به في المحور التالي ومع أوجه الصرف العمومي بصفة عامة، لكن من منطلق التحكم والضبط. II التسيير العمومي أية حكامة: إن تعاملنا مع ميزانية التسيير كما تضمنها المشروع الذي بين أيدينا، سيكون بمنهجية معكوسة مقارنة مع منهجية تفاعلنا مع المداخيل العامة. تجاه هذه الأخيرة كان هاجسنا هو التفكير بصوت عال مع كل الفاعلين والبحث في سبل الرفع من إنتاجياتها ومردوديتها من دون المس بقواعد العدالة الجبائية. فبنفس المنهجية ستكون قراءتنا في ميزانيات التسيير للقطاع العمومي تحت أسئلة الحكامة والاقتصاد ونجاعة الصرف العمومي. ولهذا الغرض سأركز تدخلي في هذا الموضوع على التوالي في نفقات تدبير مصالح الدولة من الميزانية العامة والمؤسسات العمومية وبعض مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة والبحث في مكوناتها. 1- نفقات التسيير للميزانية العامة: يرتقب أن تصل نفقات التسيير للميزانية العامة إلى 152 مليار درهم تقريبا مقابل 137 مليار درهم مقارنة مع السنة الحالية أي بزيادة تفوق 11%. وأول ملاحظة تثيرها هذه الزيادة هو تناقضها مع بعض التصريحات التي تدوولت قبل إحالة هذا المشروع على مجلسنا، والتي كانت تفيد أن ميزانية التسيير ستعرف نقصا في حدود 10% واعتماد سياسة تقشفية في ما يخص الإنفاق العام في شقه التدبيري. وإن كنا نرى في التراجع الطفيف الذي تسجله نفقات المعدات والذي يزيد بقليل عن 1% مقارنة مع السنة الجارية منحى إيجابي، نلاحظ عكس ذلك زيادة ب 6.9% فيما يتعلق بنفقات الموظفين التي لا زالت تمارس ضغطا مهما على الميزانية العامة. 1.1 نفقات الموظفين: فبالنظر إلى بنية الميزانية العامة ستشكل تكاليف نفقات الموظفين أكبر خط استهلاكي للدولة على الإطلاق حيث ستصل إلى 86 مليار درهم من أصل 152 مليار درهم تقريبا كمخصصات التسيير في الميزانية العامة خلال سنة 2011. هذه النفقات التي لم تكن تشكل سوى 66.962 مليار درهم عندما بدأت هذه الحكومة في تحمل المسؤولية فقد وصلت اليوم إلى 86 مليار درهم، وهذا الأمر يمكن مقاربته من وجهة اجتماعية محضة وأخرى مالية مادية صرفة. أما الوجهة الأولى فتحسب لصالح الحكومة بالنظر للمجهودات التي تقوم بها في ما يخص خلق مناصب مالية جديدة كل سنة والتي وصلت إلى 18 ألف و 682 منصب مالي جديد برسم السنة المالية الجديدة، وكذلك نتيجة للمجهود الذي قامت به الحكومة في تسوية بعض الوضعيات الإدارية في موضوع الترقيات في الدرجات والرتب بالإضافة إلى الآثار المالية للحوار الاجتماعي الذي عملت به هذه الحكومة. أما المقاربة المالية الصرفة لهذه الأرقام بدلالاتها المادية التي قد لا ترى في الموضوع إلا ضغط كتلة الأجور القوي على الميزانية العامة قد تجانب الصواب. واعتبارا لهذه الوضعية التي تضعنا فيها المقاربتين وللدور الذي يجب أن تلعبه الدولة في مجال محاربة البطالة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وكذلك الاستجابة الى مطلب الرفع من مستوى التأطير في كل مناحي الحياة العامة خاصة في المجالات الاجتماعية والأمنية... نقر فعلا بأن ضغط الكتلة الأجرية لا زال مرتفعا في بلادنا مقارنة مع الاقتصاديات المماثلة وإن كان يعرف إنخفاظا بالنظر إلى الناتج الداخلي الخام. غير أن البحث عن حلول لهذه المعضلة لن يكون من خلال المطالبة بالحد من فتح مناصب مالية جديدة فقط، بل إن التخفيف من حدة ضغط الكتلة الأجرية على النفقات العادية للدولة قد يتأتى في المستقبل عبر إخراج نظام مندمج وموحد لتدبير الموارد البشرية يعتمد نظاما أجريا مرتبطا بإنتاجية ومردودية الموظف ومراجعة نظام العلاوات والتحفيزات. ونحن نعلم في هذا الصدد أن الحكومة منكبة على دراسة هذا النوع من الملفات وحيث نتمنى لها التوفيق، نطلب منها الإسراع لإخراج هذا الإصلاح إلى حيز الوجود. هذا لإن إجراءات من هذا النوع لمن شأنها أن تحسن من تدبير الموارد البشرية الوطنية والرفع من مستوى التأطير الإداري للبلاد وبالتالي التحكم في الكتلة الأجرية ومستوى عيش الإدارة المغربية كما سنقف عنده لاحقا. 1.2 نفقات المعدات والنفقات المختلفة: تحدد الميزانية العامة ما قدره 26 مليار و900 مليون درهم لتغطية كلفة المعدات وبعض المصاريف المرتبطة بالتدبير اليومي لمصالح الدولة في مختلف القطاعات والمجالات، هذا الرقم وإن كان سيعرف تراجعا طفيفا، لا يزيد عن 1.01% مقارنة مع السنة المالية الجارية، فهو رقم مهم يستوجب منا الوقوف عنده قليلا. أولا من حيث مكونات هذا النوع من الإنفاق العمومي وهي ثلاثة، فإن الانخفاض المشار إليه قد سجل على مستوى المكون الثالث المسى « النفقات الأخرى الخاصة بالمعدات « بما قدره مليار واحد و 430 مليون درهم والمكون الأول الخاص بأتاوات الماء والكهرباء والاتصالات بما قدره 39 مليون درهم تقريبا. في حين سجل المكون الثاني الخاص بالإعانات الممنوحة للمؤسسات العمومية ومرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة زيادة مهمة تزيد عن مليار و 193 مليون درهم. وإذا كان من الممكن التحكم في المكون الأول من خلال التحسيس بأهمية الترشيد واتخاذ بعض التدابير الإجرائية ومنها مثلا تحديد أسقف محددة للاستهلاك هذه المواد، فإن التحكم في المكون الثاني يمر أساسا وبالضرورة من خلال الدفع في اتجاه الرفع من مستويات التمويل الذاتي للمنشآت العمومية والسيكمات. 2-نفقات تدبير المؤسسات العمومية والمصالح المسيرة بصورة مستقلة: إن تنامي الإعانات الممنوحة للمؤسسات العمومية ومرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة من طرف الميزانية العامة والتي ارتفعت منذ ثلاث سنوات بأكثر من ثلاثة ملايير درهم يستوجب منا التوقف عند طرق تدبير هذه المرافق والمنشآت إن الفلسفة المؤسسة لهذه الآليات هي تنمية موارد ذاتية وفق طرق تدبيرية تختلف عن تلك المعمول بها في مجال تدبير الميزانية العامة، وما إيلاءها الشخصية المعنوية والاستقلال المالي إلا بهدف الرفع من أداءاتها المالية وبالتالي الزيادة في حصيلة الأقساط الراجعة للدولة من أرباحها المالية خاصة بالنسبة للمؤسسات والمنشآت العمومية ذات الطابع الاقتصادي والتجاري والمالي. نؤكد على هذا، لأن المعطيات المتوفرة تشير بأن القدرة على التمويل الذاتي لهذه المنشآت عرفت تراجعا ملحوظا سنة 2009 وبمعدل انخفاض وصل إلى 70% مقارنة مع سنة 2008 لصالح التمويل عبر الديون والتي زادت خلال نفس الفترة ب 11.8% في مقابل إمدادات الميزانية العامة التي عرفت ارتفاعا بنسبة 43% سنة 2009 مقارنة مع سنة 2008. نركز على هذا الأمر وبكل مسؤولية لأننا مقتنعين بأن هذه المنشآت تتوفر على كل الإمكانيات لتطوير مواردها الذاتية وبالتالي دعم الميزانية العامة، إذا ما احتكمت إلى طرق تدبيرية جديدة ومعقلنة لمواردها المادية والبشرية، فعلى هذا المستوى الأخير نعلم أن أعلى الأجور الذي تعرفها المنظومة الأجرية العمومية في المغرب تكون في هذه المؤسسات. وفيما يخص مستوى التدبير المالي، لقد أطلعتنا التقارير التي ينجزها المجلس الأعلى للحسابات على عدة خروقات منها مثلا منح رواتب مضاعفة، بيع منتوجات عقارية بأثمان تفضيلية لنفس أعضاء اللجنة التي شاركت في تقييم هذه الأثمان، تحمل نفقات ومنح وتسبيقات لأشخاص غير منتمين للمنشأة العامة، منح تعويضات جزافية دون أي سند قانوني.... إن هذا الموضوع يدفعنا إلى الوقوف قليلا عند إشكالية الحكامة بصفة عامة. فبقدر ما نحن مطمئنين لما تقوم به الحكومة من إصلاحات ذات طابع قانوني، قضائي و إداري في أفق تخليق الحياة العامة وإرساء قواعد الحكامة الجيدة للمرافق العامة، بقدر ما نحن مطالبين بالرفع من وتيرة العمل وعلى جميع الأصعدة لمأسسة ثقافة جديدة للتعامل مع المرفق العام. نعم لقد فعلت هذه الحكومة الشئ الكثير في هذا الباب، كإصدار وتفعيل المنظومة القانونية المتعلقة بالتصريح الإجباري بالممتلكات، وإحداث الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، وكذلك تنصيب وحدة معالجة المعلومات المالية التي تشتغل في مجال مكافحة غسل الأموال، وكذلك الأمر فيما يخص برنامج العمل على المدى المتوسط الذي وضعته اللجنة الوزارية المكلفة بتحيين وتتبع البرنامج الحكومي في مجال الوقاية من الرشوة ومحاربتها. هذا بالإضافة إلى العمل الجاد الذي أصبح يضطلع به المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية التابعة له. إننا نبحث عن أفق أوسع للحكامة الجيدة ترتكز على الشفافية والمسؤولية وتقديم الحسابات، هذا الأمر يمكن أن يتأتى لنا من خلال وضع آليات لتقييم السياسات العمومية بمؤشرات واضحة للنجاعة والجدوى والنتائج. هذا هو السبيل للتحكم في المصاريف العامة وحشد كل إمكانيات البلاد للاستثمار من أجل رفع تحدي التنمية وتجاوز العجز البنيوي والاجتماعي لبلادنا III الاستثمار العمومي وأفق التنمية الشاملة: إن إيماننا القوي بدور الاستثمار الخاص المساهمة في رفع تحديات التحول الاقتصادي والاجتماعي والمادي لبلادنا لا يثنينا عن الاستمرار في تأكيد الدور المهيكل للاستثمار العمومي. إن المراهنة على الاستثمار الخاص دشن في بلادنا مع بداية الثمانيات من القرن الماضي، فمنذ هذا التاريخ تراجعت نظرية الدولة المنمية لفائدة الدولة المنظمة أو المؤطرة. فإذا كان هذا أمرا صحيحا على المستوى النظري وطموح مشروع على المستوى السياسي. فإن الأرقام والواقعية السياسية تقتضي منا الاستمرار في إيلاء الاستثمار العمومي النوعي دورا أساسيا واعتباره مدخلا لاستقطاب الاستثمارات الخصوصية، وهذه المعادلة لن تكون قابلة للإعكاس بشكل معقول ومقبول إلا مع امتصاص العجز الاجتماعي والبنيوي الذي يشكل في نظرنا الدور المحوري للدولة. نقول هذا على اعتبار أن الاستثمار الخاص الوطني لا زال يعاني من بعض المشاكل المرتبطة بالتمويلات على الخصوص، في حين أن الاستثمارات الأجنبية ممكن أن تتراجع في كل حين لارتباطها بالمناخ الاقتصادي والمالي الدولي. لقد تراجعت بالفعل الاستثمارات المباشرة الموجهة نحو المغرب جراء الأزمة العالمية للسنتين الماضيتين بحوالي 27.4% سنة 2009 مقارنة مع سنة 2008، ويعزى هذا الانخفاض أساسا الى تقلص استثمارات كل من الدول الأوربية بحوالي 3 ملايير درهم سنة 2009، ووصل تراجع الاستثمارات الأمريكية الى أكثر من 17% خلال نفس الفترة ووصلت نسبة التراجع الى أزيد من 74% بالنسبة للاستثمارات الدول العربية الموجهة للمغرب. ودراءا لهذه الوضعية التي قد تكون مفاجئة بالنسبة للنمو الوطني نؤكد مرة أخرى على أهمية الاستثمار العمومي في رفع تحديات النمو الوطني. ولهذا السبب نثمن المجهود الاستثماري الذي يخصصه هذا المشروع الذي بين أيدينا حيث يرتقب أن يصل حجم الاستثمار العمومي بمكوناته الخمس الى أكثر من 167 مليار درهم سنة 2011 أي بزيادة أكثر من 5 ملايير درهم مقارنة مع السنة الجارية، في حين لم تكن كل هذه المكونات تحشد للاستثمارات العمومية سوى 106 مليار درهم سنة 2008 و 135 مليار درهم سنة 2009، وبالتالي يكون هذا التنامي الواضح للمجهود الاستثماري للدولة وباقي مكونات القطاع العام هو أحد النقاط المضيئة في عمل هذه الحكومة. هذا المجهود الذي ندعمه وندفع به، يتطلب منا أن نتوقف عند بعض مكوناته في ثلاثة نقاط لأهميتها، ويتعلق الأمر على التوالي باستثمارات الميزانية العامة بما فيها الصناديق والسيكمات، ثم عند استثمارات المؤسسات العامة، وأخيرا عند دور الجماعات المحلية في هذا المجهود الاستثماري بهاجس الرفع من هذه المجهودات خدمة للتنمية الشاملة. 1- استثمارات الميزانية العامة. ستبلغ نفقات الاستثمار العمومي المرصد بموجب الميزانية العامة، بما فيها اعتمادات الالتزام لسنة 2012 والاعتمادات المرحلة إلى أكثر من 101 مليار درهم خلال سنة 2011. بينما انحصر هذا النوع من الاستثمارات العمومية في 94 مليار بالنسبة لسنة 2010، مقابل أكثر بقليل 72 مليار خلال سنة 2009 وأكثر من 61 مليار درهم سنة 2008، أي السنة التي قدمت فيها هذه الحكومة أول مشروع مالي لها بعد تنصيبها. إن المنحى التصاعدي لتدخل الميزانية العامة في الرفع من وتيرة الاستثمار العمومي هو أحد خصائص هذه الحكومة الحالية، لأنها تمكنت من الزيادة في حجم ميزانية الاستثمار من الميزانية العامة بأكثر من 40 مليار درهم خلال أربع سنوات. وهذا أمر مهم ويتماشى مع طرحنا في دعم والرفع من مستويات الاستثمارات العمومية، لأهميتها في استكمال الأوراش الكبرى وخلق البنيات التحتية الأساسية لاستقبال ومصاحبة القطاع الخاص لاحتلال مكانته الحقيقية في دفع دينامية التنمية والتطور المنشود. نؤكد على هذا المنعطف والتحول الهام الذي أصبحت تعرفه الميزانية العامة في إرساء ثقافة استثمارية عمومية، بعدما ظل حجم الاستثمار منها لا يزيد عن 20 مليار درهم لعقود وعلى الأقل إلى حدود سنة 2004، وما يزيدنا إطمأنانا لهذا المنحى والاتجاه الاستثماري للميزانية العامة هو من جهة أخرى رصد أهم الأرقام لميزانيات فرعية حيوية وإستراتيجية كالتعليم بأكثر من 6.2 مليار درهم، التجهيز والنقل بأكثر من 5.5 مليار درهم، الفلاحة بأكثر من 5 ملايير درهم، الماء والبيئة بأكثر من 3.6 مليار درهم، والدفاع الوطني بأكثر من 4.3 مليار درهم. وهذه الأرقام التي أذكر بها هنا تخص فقط إعتمادات الأداء لسنة 2011 ودون اعتبار اعتمادات الالتزام لسنة 2012. 2- استثمارات المؤسسات والمنشآت العامة. لقد وقفنا عند هذا النوع من المنشآت والمؤسسات العامة، فيما سلف من هذه المداخلة لكن من وجهة نظر تنمية مداخيلها الذاتية وتحسين حكامتها الداخلية المالية والتدبيرية وذلك بهدف تخفيف الضغط على الميزانية العامة والرفع من دورها التنموي ومستويات تدخلاتها الاستثمارية، وهو الموضوع الذي نتناوله في هذا الموقع من تدخلنا. وعلى هذا المستوى نجد أن الدور الاستثماري لهذه المؤسسات والمنشآت قد عرف تطورا مهما خلال السنتين الأخيرتين، حيث مر المبلغ الإجمالي المرصد لاستثمارات هذه المؤسسات من 85 مليار درهم سنة 2009 ليستقر في ما مجموعه 111 مليار درهم خلال السنة الجارية ويتوقع أن يستقر في حدود 108 مليار درهم خلال السنة المالية القادمة. وهكذا يكون حجم الاستثمار المنجز بواسطة المؤسسات العامة خلال هاتين السنتين قد ناهز 220 مليار درهم وبمعدل إنجاز فاق 83 % ونسبة نمو زادت عن 79 % بالمقارنة مع الفترة الممتدة من 2005 إلى 2007. اعتبارا لهذه النسب والأرقام واعتبارا للمجالات الحيوية والإستراتيجية التي تتدخل فيها هذه المنشآت، كآليات عمل لتفعيل الرؤى الإستراتيجية القطاعية التي تبنتها الحكومة، نؤكد مرة أخرى أن لها من الإمكانيات ما يكفي لتسريع وتيرة عملها والرفع من نسبة إنجازاتها السنوية وخاصة تسريع وتيرة إنجاز الاستثمارات. وفي هذا الصدد تجب الإشادة بعمل اللجنة المكلفة بالسهر على إنجاز هذه الاستثمارات، التي تم إحداثها أواخر سنة 2008 خاصة المصادقة على ميزانيات هذه المنشآت في آجال معقولة ومحددة، ومنع اللجوء إلى التدابير الاستثنائية للمصادقة والتأشير على ميزانيات هذه المؤسسات، وكذلك الأمر بالنسبة لإجراءات المراقبة المالية من خلال ضبطها في آجال محددة. 3- استثمارات الجماعات المحلية. من المنتظر أن تصل استثمارات الجماعات المحلية خلال 2011 إلى 12 مليار درهم، فبالنظر إلى عدد هذه الجماعات الذي يزيد عن 1500 جماعة محلية، واعتبارا لأدوارها التنموية المتعددة والمهمة، نجد أن حجم الاستثمارات المتوقعة بالنسبة لهذه الجماعات يبقى قليلا مقارنة مع المجهود الاستثماري العمومي لباقي أدوات تدخل الدولة مجموعة أي لكل من الميزانية، والمؤسسات العمومية والصناديق الخصوصية... حيث لن تزيد نسبته عن 20.04% . ومن أجل فهم هذه الوضعية نتوقف قليلا عند بنية المالية المحلية والبحث في أفق تنميتها بالموازاة مع إشكاليات الإصلاح السياسي لهذه الجماعات. إن القراءة المتأنية للبنية المالية المحلية قد تساعدنا على إبداء بعض الملاحظات والآراء في الدور التنموي الذي أنيط بهذا النوع من المؤسسات. أولا لقد مثلت نفقات الاستثمار نسبة 33 % من مجموع نفقاتها ما بين 2002 و 2009 في مقابل 39.3 % لفائدة نفقات الموظفين و6.19 % بالنسبة لنفقات المعدات، في المتوسط خلال نفس الفترة فيما خصص الباقي لخدمة نفقات الدين، الذي يتفاوت من جماعة إلى أخرى، والذي أصبح يعرف منحى تصاعدي بمعدل سنوي يصل إلى 4.9% خلال نفس الفترة المدروسة. إن فهم بنية النفقات الجماعية، التي تظهر هيمنة واضحة لنفقات التسيير والمعدات على حساب نفقات الاستثمار خدمة للتنمية المحلية ورفع العجز خاصة على مستوى البنيات التحتية، لن يتأتى إلا من خلال الوقوف والتمعن في بنية المداخيل الجماعية، وسأقف باختصار شديد عند نوعين من الموارد من خلال تصنيفها في الموارد الذاتية والموارد المحولة من الدولة. فيما يخص النوع الأول والذي يتضمن نوعين من الموارد كذلك منها موارد تديرها الجماعات بنفسها والتي انتقلت من 20.8 % إلى 22.5 % ما بين 2002 و2009 في حين تراجعت الموارد التي تدار لصالحها من طرف مصالح الدولة من 23.7% سنة 2002 إلى 20.6 سنة 2009، وإن كان هذا المؤشر الأخير يشير بأن اختصاصات مالية أصبحت تحول تدريجيا لصالح الجماعات المحلية، الأمر الذي يعكس الثقة التي أصبحت تتمتع بها هذه الجماعات في المنظومة السياسية الوطنية وبالتالي الاعتراف بدورها التنموي. غير أن هذين النوعين من الموارد وبغض النظر عن الجهة المدبرة لها، لا زال بشكل أقل من 50% من المداخيل المحولة من طرف الدولة، هذا الصنف الأخير من الموارد الجماعية قد انتقل من 55.5 % سنة 2002 إلى 56.9 % سنة 2009. وبهيمنة كبيرة لصنف واحد أي حصة عائدات الضريبة على القيمة المضافة والتي تزيد عن 50 % من مجموع الموارد المحولة، مقارنة مع حصة الجهات من الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل والتي ظلت تتراوح بين 1 و 3 % خلال نفس الفترة. فالبنظر إلى هذه النسب والأرقام التي تضع الموارد الذاتية للجماعات في مكانة أقل من المستحقة للرفع من مستوى تدخل هذه الآليات، وإن كنا نقر بالإصلاح المهم للجبايات المحلية والذي دخل حيز التنفيذ إبتداءا من سنة 2008 والذي سن عدة إجراءات لتبسيط المساطر وعقلنة المنظومة الضريبية المحلية بحذفه لأكثر من 25 ضريبة لعدم مرد وديتها وتركيزها في 17 ضريبة بعدما كانت تصل إلى 42. بنفس المرجعيات التي تعاملنا بها مع الميزانية العامة وميزانيات المؤسسات العمومية التي أكدنا من خلالها على ضرورة العمل لإعطاء مكانة متميزة للموارد الذاتية على حساب الموارد الاستثنائية و الإعانات و القروض، نؤكد على نفس الشئ فيما يخص هذا المكون الحيوي للتنمية المحلية والمجالية وهم الجماعات المحلية بكل أصنافها. إن العمل في هذا الاتجاه هو أمر ممكن ومتاح، ذلك لأننا نجد في التفاوت ما بين الجهات قدرات حقيقية غير مستغلة لتوليد الموارد في معظم الجهات ولفائدة كل الجماعات ونفس الشئ يمكن الدفع به فيما يخص هوامش تحسين التحصيل. ومن بين الأفكار التي يمكن اقتراحها هو التفكير مستقبلا في اتجاه إعادة النظر في المنظومة التمويلية المحلية تسمح للجماعات المحلية بالاضطلاع بسلط مالية حقيقية تخولها الحق في سن موارد ضريبية تراعي الخصوصية الجماعية، واستعمال هذه الآلية ،إن اقتضى الحال، لتشجيع الاستثمارات المحلية، كما هو الحال بالنسبة للميزانية العامة. إن اقتراحات من هذا النوع تمر عبر إعادة النظر في الاختصاصات المخولة لمكاتب الجماعات المحلية باعتبارها سلطة منتخبة في اتجاه تقويتها وتوسيعها مع تقليص دور الوصاية والاقتصار على مراقبة المشروعية والمردودية. وكذلك الأمر بالنسبة للتقسيم الجماعي على سبيل تجاوز الاختلالات الجغرافية والسوسيو اقتصادية بين المجالات الترابية، وتمكينها من كفاءات بشرية إدارية وسياسية حيث يقتضي الأول إعادة النظر في النظام الأساسي للوظيفة العمومية الجماعية، ويقتضي الثاني إصلاح جذري للمنظومة الانتخابية من أجل تمكين الجماعات المحلية من نخب سياسية حقيقية، وذلك من خلال العمل على تصفية الأجواء الانتخابية التي تؤسس لهذه الجماعات، بعيدا عن سلوكات الارتشاء الانتخابي الذي يفسد العمل الجماعي في أصله، من خلال إرشاء تكوين مكاتب بعض المجالس مما يؤثر سلبا على استقرار الأغلبيات وتجانسها. على سبيل ختم هذه الكلمة التي اعتمدت منهجية تروم التفكير البناء والايجابي للرفع من الموارد الذاتية وضبط التحملات العامة من اجل الرفع من وتيرة الاستثمار في أفق تجاوز تحديات التنمية الشاملة، نؤكد على أن هذا المشروع جاء كحلة رابعة لاستكمال ما تعاهدت به هذه الحكومة. إن نسب التنفيذ السنوي للبرنامج الحكومي الأم تعتبر نسبا مهمة بلغت 22% سنويا و 66 % بالنسبة للسنوات الثلاث الماضية مجموعة، وبالتالي فإن السنتين المتبقيتين لهذه الولاية ستكون كافية لنعمل جميعا من أجل تنفيذ كل ما تعاقدنا عليه منذ ثلاث سنوات خلت. نقول هذا لأننا نجد وتيرة العمل ونسب تنفيذ البرامج مؤشرات دالة على أن هذه الحكومة قد نجحت إلى حد اليوم في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية ولها من القدرات والإمكانيات على أن تنجح أكثر في المستقبل القريب، لتنزيل كل برامجها على أرض الواقع وتعود أمام الناخبين بحصيلة إيجابية قمينة لوحدها أن تجعلها تكسب ثقة المغاربة في الاستحقاقات السياسية القادمة. هذا الأمر كان سيكون صحيحا ولا يقبل الجدل لو تمكنا أن نضمن للمنافسة الانتخابية الجو المناسب، تكون فيه كلمة الفصل للبرامج والأفكار وليس للنفوذ والمال والترحال السياسي. وحيث أن مستقبلنا يكون بالديمقراطية الحقيقية أو لا يكون، وحيث أن هذه الحكومة قد نجحت اقتصاديا واجتماعيا، فإننا نرغب أن تنجح سياسيا كذلك، لتكون أول حكومة تضمن للشعب المغربي انتخابات دون شائبات تذكر. ولهذا نطلب من الحكومة أن تسرع في فتح النقاش السياسي والقانوني حول المنظومة القانونية الانتخابية من الآن وعلى الخصوص، مدونة الانتخابات والتقطيع الانتخابي و قانون الأحزاب بما يضمن وقف نزيف تشويه المشهد السياسي الذي يفقد المواطن الثقة في العمل السياسي ويؤكد مبدأ العزوف، حتى نضمن مناخا سياسيا للاستحقاقات القادمة يكون في مستوى المكانة التي أصبحت تتبوأها بلادنا على أصعدة متعددة. وحتى نضمن أن نتجاوب مع الخطاب الملكي الأخير بمناسبة الاحتفال بذكرى المسيرة الخضراء، عندما تحدث جلالة الملك عن أن الوحدة الترابية هي العصب لجمع المغاربة ويتحدث عن المسؤولية، ومن باب المسؤولية أن نشجب وندين من هذا المنبر كل المحاولات التي تستهدف إلى تفتيت هذه الوحدة بممارسات سياسوية لن تفيد أحدا على الإطلاق، إنما تمس أركان الاستقرار الذي يعمل الجميع وعلى رأسه الحكومة على إرساء قواعده عبر البرامج الاجتماعية والاقتصادية وعلى النهوض ببلاد شامخ أشم لا مجال فيه للعبث. إنه من باب العبث أن نغذي العصبية القبلية وأن نتحدث كأفراد، إنه من باب العبث ان نشعل فتيلا دون أن نعرف مساره، وليتحمل الكل مسؤولياته الظرفية والتاريخية، لأننا إن متنا فالتاريخ لا يموت. لكن لن نترك مجالا لعبث العابثين فالمغاربة أقوياء للوقوف ضد كل المحاولات والسيناريوهات التي تريد أن ترهب المواطنين والوطنين الحقيقيين عن جدية عملهم وعن هيبة هذا الوطن.