الوقت متأخر جدا ، هبت مهرولة من السرير كالملسوعة ، و اتجهت صوبه .. كأنما هو في حلم ، كان يحلق في سماء منتداه ، متنقلا بين أركانه و زواياه ، و أنغام القمر الأحمر ترحل به بعيدا بعيدا .. في الزمن الجميل الذي أبت أيامه أن تعود !!
لكزته بقوة ! ارتطم رأسه (...)
لأول مرة عبرَتِ الجسر الصغير الفاصل بين المدينة و قصر العمالة ، رفقة صِبية مثل سرب من الطيور القرمزية ! غنت الأرض تحت أقدامهم قصائد من الشعر العذب المفعم بشمس لا تأفل .. سيظل هذا اليوم بحياتها و بحياتهم إلى الأبد ..
اكتشفوا دغل " فوغال " أجمل مما (...)
لا داعي للاستغراب ، فهو اسم علم كبقية الأسماء ! صاحبته عمرت طويلا ، إلى حد أنها عاشت ما يناهز ثلاثة عقود من الزمن ترتق مسالك مدرجات القرية و حقولها مقوسة الظهر ، كمن يبحث عن شيء ضاع منه في كومة قش ! باكرا ، تحمل على ظهرها طبق الخبز إلى الفرن الوحيد (...)
"
أعود في المساء و لا أعثر لك على أثر في البيت !! " ، جملة واحدة ظل صداها يتردد في مسمعيها طوال طريق العودة إلى بلدتها ، التي هجرتها قبل أمد طويل ، حينما زفت إلى بيت زوجها في سن الورد .. أرسلت الطرف بعيدا .. طيور اليمام البري تصطف في أسراب صغيرة ، (...)
هل صحيح أن قصة أغنية " خربوشة " واقعة تاريخية ، بطلها أحد القياد الذي نصبه الاستعمار الغاشم لكبح جماح القبائل الثائرة . و الذي أصر على انتزاع "خربوشة " حبيبة ابنه لنفسه ، لكنها ترفضه ، بل تتحداه إلى إعلان التمرد عليه ، صابرة على ما تتلقاه من صنوف (...)
في ساحة البلدة الغبراء يتأبطون محافظهم بمحاذاة الطريق ، وقفوا يغالبون الجوع ، بما اقتنوه من بائع متجول يدفع عربة مهترئة . نصحهم رائدهم في الصيد بأن يحترسوا من الحصى المخالط للفستق المملح ! ولم تدم فترة وجيزة حتى نسي الناصح فضائل نصيحته ، فأخذ في (...)
شَغَلَ محركَ البحث ، و انطلق في الإبحار كعادته ، مُقلبا صفحات موقع عالمي شهير ، يتردد عليه عشاق " النّت " كثيرا ، للبحث عن معارفهم القدامى و أصدقاء جدد .. رفرف قلبه مثل عصفور عانق الحرية بعد أسر طويل ، عندما وقع بصره ، بغتة ، على اسم .. في فرح طفولي (...)
الوقت ظهيرة حين قذف به باب المرحاض الضيق و المظلم إلى فناء الدار ، حيث يتمدد أفراد الأسرة مفترشين حصيرا كبيرا من دوم متآكل ، تتوسطهم صينية تشي ملامحها المحدودبة بإبلائها في أعتى المعارك ! تسرد و معداتها فصول عهود غابرة من السمر و المحن .. توحي (...)
حليمة برقوق ..
بيت مظلم أشبه بمغارة بدائية ، يوصد بابه بقفل أخضر من طراز بائد ، يؤرخ للعهود الأولى لابتكار الأقفال ، إنه بجدارة تحفة ناذرة يصلح عرضها لتعميم الفائدة و المتعة ! كانت النسوة قديما يوظفن أمثاله أيام العصر الذهبي للصناديق الخشبية ، (...)
أصابع امتصت الأيام رشاقتها و نضارتها ، و استنفذت زبدها و قوتها ، خطوط و رموز خضراء من الوشم تعلو الجلد المهترئ ، تحكي عن ملاحم الحب المتوهج و العنيد ، الطافح بأريج الرمان و تميجة . إنها درس حقيقي في أركيولوجيا الزمن و الإنسان ! آه كم داعبت هذه (...)
العودة ..
في المساء عبر طريق العودة واقفا في منتصف الأوطوبيس رقم 11 ، مسندا ظهره إلى بلور الإغاثة السميك ، ينتشي بنسيم رقيق متصاعد من البحر ، متسربل بعطور ملائكية !! لأول مرة يكتشف البحر ليلا .. ذوائب تتراقص ، تقترب لتتقاطع ، فتبتعد لتختفي .. (...)
مدينة و كُبْل !!
هجرَتِ المدينة المسحورة .. في الطريق ، شعرت بالزمن يتوقف عندها ،انبعثت من أعماقها عناوين و أسماء ، و قهقهات و شطحات ، و دماء و صرخات .. كما في الكوابيس :
* مجزرة الأندلس !
* رياشة الرحمة !
* إصلاح جميع أنواع الكوكوت و تركيب (...)
حب وامتنان ..
" وردية " تصغر زوجها " قدور" كثيرا ، رابضت و إياه في خنادق الحقل و البيت .. خرود ولود .. شمرت عن ساعديها ، و بنت و إياه على أنقاض جُحر التابوت المتهالك منزلا حديثا من ثلاثة طوابق ، و دكانا نذرت نفسها فيه بائعة حاذقة ! حازت (...)
يجهد عينيه الغائرتين لتتبع شريط الأخبار في أسفل الشاشة :
خبر عاجل : قصف إسرائيلي متواصل من الجو و البر و البحر على غزة المحاصرة ، مقتل أطفال و نساء و شيوخ بالفوسفور الأبيض .. يطلع عليه وثائقي ، ملء الشاشة ، يستعرض عمليات الفتك و الدمار الصهيونية (...)
دكان ضيق ، لا يتسع لأكثر من ثلاثة جلوساً على كراسٍ قصيرة الأرجل ، واحد لصاحبه الإسكافي و الآخران للضيوف ، تتوسطهم مائدة صغيرة وضعت عليها أدوات و مستلزمات الحرفة ( مطرقة و كماشة ، و مقص تقليدي كبير و سكين ، و إبرتان واحدة متوسطة الحجم و أخرى كبيرة ، (...)
المكان : مدرسة المصلى ، مدرسة لبرارك ، مدرسة سيدي عبد الحليم ، مدرسة الصومعة ، أو مدرسة أخرى ..
الزمان : عهد من عهود المطر ..
أجهل مصدر القوة الخفية التي تجذبني ، و تقودني عبر الدروب و الأزقة التي كنت أسلكها نحو المدرسة ، و أجدني واقفا في ذات (...)
الطريق إلى الذاكرة مستعص و محفوف بالمخاطر ! ما إن تشرئب الرغبة من أقصى الدواخل إلى اقتفاء معالمه ، حتى تقرع طبول التمنع ، و تصطف متاريس التوزع بين الحلم والحسرة ! ملامح و أمكنة و أزمنة تضيع كل يوم في زحمة الحياة .. إنها الأبواب الحقيقية لكل مدينة .. (...)