مدينة و كُبْل !! هجرَتِ المدينة المسحورة .. في الطريق ، شعرت بالزمن يتوقف عندها ،انبعثت من أعماقها عناوين و أسماء ، و قهقهات و شطحات ، و دماء و صرخات .. كما في الكوابيس : * مجزرة الأندلس ! * رياشة الرحمة ! * إصلاح جميع أنواع الكوكوت و تركيب الأسنان ! * mecanicien dentiste * boulanger de la tempete * شفناج الحب ! * مصحة الوداع ! * حمام للنساء و الرجال فقط ! * حجام يختن الأطفال و يقلع الأضراس و فقيه يسبب للنساء ! ... تحت مطر خفيف ، فركت عينيها .. تلمست الوسادة فإذا هي حَجَر ، و قدماها حافيتان و جسدها عارٍ إلا من بقايا أسمال ، و كُبْل ثقيل !! الترقية !! في الساحة الكبيرة ، تحت شمسية سوداء ، جلس القرفصاء إلى جانبها .. استقرأت الورق ، و ردد خلفها : " ها قلبي .. ها تخمامي .. ها باش ياتيني الله !! "... و همست في أذنه : اسعد ، إني أرى ترقية مهمة في وظيفتك ، في طريقها إليك ! أريد منها هدية تذهب عنك الأذى و المكاره !! انتفض كالملدوغ .. و غادر المكان بعد أن عبث بالأوراق في الهواء ، و هو يقول في نفسه : ما نفعُ البكاء حتى لو استطعتََه ؟! هراء .. عاطل يترقب ترقية !!! مصلحة الحزب !! قال في نفسه بحسرة ، و هو يتجمل استعدادا للموعد المعلوم : إن الحياة تكون أحيانا قاسية ! ... في القاعة الكبيرة ، توسط المنصة المزينة بالورود و اللافتات و الأعلام .. تناول جرعة ماء ، نقر على الميكروفون .. ثم أعلم الحضور ، في حزن ، بأنه إزاء الوضع السياسي الذي ما فتئ يزداد ضبابية و غموضا ، و يكرس الممارسات التي خال الجميع أنها غدت من الماضي .. لا بد من تبني مسار تصحيحي ، يفسح المجال للوجوه الشابة ، و يضمن مصالح الحزب و مستقبله .. و عليه ، قرر اعتزال السياسة ، و تسليم الحزب لابنه !! درس في الحساب !! أفرغ القنينة السادسة في جوفه ، دفعة واحدة .. رمى ابنته ذات الخمسة عشر ربيعا بالسابعة ، أخطأ رأسها ! جرت إلى الباب ، فهامت على وجهها في الظلام ، و سبة " قحبة " تطن في مسمعيها !.. أصاب زوجته بالثامنة .. تحت المطر ، احتمت بمصراع السطح .. أحكم إغلاق الباب من الداخل ، و عاد إلى ليله ، كما العادة ، يستأنف الحساب !! لا وقت نضيعه !! عنّت من فضاء غير محدود من الاستفهامات الملتبسة ..أحست روحها شتاتا مبعثرا من غير حرارة و لا جمال .. قالت لزبونها المتعجل : لا وقت نضيعه ، الأجر أولا ! التفِت ، هناك تحت الشجرة .. ذاك زوجي ، عاجز عن العمل . و في يده ابنتنا ، تحتاج عاجلا إلى دواء !! الباب الخلفي !! دخل إلى معتركها نحيفا ، محمولا على الأكتاف ، بالزغاريد و الهتاف .. لا يعلم و لا يكسب ! و ها هو ذا الآن ، من الباب الخلفي ، يغادر وحيدا .. يكسب و يعلم ، أن الشباب حفظوا عن ظهر قلب : " اللص و الكلاب " و " الآن هنا أو شرق المتوسط مرة أخرى " ! ... و ملوا من الانتظار !!