هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد نجيب الشابي (الأمين العام السابق للحزب التقدمي الديمقراطي التونسي) ل"التجديد": الديمقراطية لا يمكن أن تستقر مع إقصاء الإسلاميين
نشر في التجديد يوم 02 - 11 - 2010

التطور الكبير الذي حصل في الوعي السياسي للحركة الإسلامية تمثل بشكل خاص في استدماج الديمقراطية في خطابهم السياسي، وبالنسبة إلي مجرد إعلان ذلك في خطابات وبيانات ومواقف هو شيء مهم، لأنه يشكل أرضية للمحاسبة السياسية
الأستاذ المحامي أحمد نجيب الشابي، من القيادات السياسية الوازنة في تونس، شغل منصب الأمين العام السابق للحزب التقدمي الديمقراطي، وهو اليوم يشغل عضوية مكتبه السياسي، كما يدير صحيفة الموقف الأسبوعي. وعلاوة على العمق الذي يتميز به الشابي في تشخيص واقع التجربة الديمقراطية في العالم العربي عموما، وفي تونس خصوصا، فالرجل، يتمتع بفكر سياسي نقدي ثاقب، وبقدرة كبيرة على التحليل والاستشراف. وهو من أشد المدافعين عن الديمقراطية في تونس، ومن المؤمنين بفكرة لقاء الإسلاميين والقوى الديمقراطية التقدمية في إطار وفاق تاريخي من أجل الديمقراطية. لكنه، ضمن رؤية واقعية، يرى الشابي، أن المرحلة الراهنة تقتضي قبول إدماج كل الأطراف السياسية في العملية السياسية دون أي إقصاء، بما في ذلك الإسلاميين، ووجود حد أدنى من التوازنات السياسية التي تحمل الأطراف السياسية على الالتزام بتعهداتها السياسية. ويعتبر في حواره هذا أن تجربة الاندماج السياسي للإسلاميين ساعدتهم كثيرا في تطوير وعيهم السياسي، في اتجاه استدماج الديمقراطية في خطابهم ومرجعيتهم الفكرية، ويرى أن تجربة المشاركة السياسية للإسلاميين في المغرب نموذجية تستحق التأمل، وأنها ساهمت في عملية تركيز استقرار الوضع السياسي وتقوية المؤسسات وتجنب تجارب الاحتراب التي حصلت بين قوى المجتمع والسلطة في بعض البلدان العربية ، وإليكم التفاصيل :
يبدو أن الهاجس الأكبر الذي كان يؤطر المؤتمر الذي انعقد في البيضاء لتقييم حصيلة عشر سنوات من الديمقراطية في الوطن العربي أن الانتقال إلى الديمقراطية لا يمكن أن يحصل بدون اتفاق بين الإسلاميين والقوى الديمقراطية، في نظركم ما الذي يبرر الحاجة إلى التوافق بين هذه القوى؟ وهل الديمقراطية استعصت إلى درجة صار فيها المفتاح الوحيد للإصلاح السياسي في الوطن العربي يمر بالضرورة عبر لقاء بين الإسلاميين والقوى الديمقراطية والتقدمية؟
في اعتقادي، الديمقراطية في كل مجتمع من المجتمعات، وخاصة المجتمعات التي ستنتقل إلى الديمقراطية، تقتضي توافقا بين مكونات المجتمع. لا بد لهذه المكونات أن تتفق على المبادئ والقواعد التي سيتم التعايش على أساسها، وبالتالي، الديمقراطية بطبيعتها تدمج ولا تقصي. ولذلك، من مقتضيات الديمقراطية أن يتم هناك لقاء بين الفاعلين السياسيين والمفكرين للحوار حول طبيعة هذا التوافق. وفي هذا الإطار يمكن أن ندرج الحوار الذي انطلق بين الحركة الإسلامية والحركة الديمقراطية والتقدمية التونسية سنة .2005 لقد كان الهدف من هذا اللقاء هو الديمقراطية، وأنها ليست فقط آليات للوصول إلى الحكم أو التداول على السلطة، ولكن الديمقراطية تقتضي أن تنضبط الحكومة المنتخبة لما يطلق عليه اليوم بحقوق الإنسان، أي الحقوق الأساسية التي لا تقبل التأجيل، والتي في إطارها وعلى أرضيتها لا يمكن للعملية الديمقراطية أي مضمون. وقد انطلق هذا الحوار منذ خمس سنوات، وانتهى إلى الاتفاق على وثيقة تأسيسية تتضمن القضايا الأساسية الملحة التي تعتبر المقدمة الأساسية للفعل السياسي. وأعتبر أن ما أنجزناه مهم جدا، لأنه ساهم في تعزيز الثقة بين المكونين الأساسيين للحركة السياسية في تونس، فالعلاقات اليوم جيدة بين الحركة الإسلامية والقوى الديمقراطية والتقدمية. لكن، أعتقد أن الديمقراطية اليوم، لاسيما في المجتمعات التي تريد الانتقال إليها، لا تتطلب فقط كتابة وثيقة تأسيسية تتضمن القضايا الاتفاقية الأساسية، وتكون بمثابة ميثاق أخلاقي، وإنما تتطلب الانتقال إلى الفعل. ثم إن الديمقراطية لا تتعلق فقط بالفاعلين السياسيين، ولكنها تتعلق أيضا بالمناخ السياسي. وفي حالة تونس، أنا أعتبر أن المناخ غير ملائم كثيرا للفعل السياسي للانتقال إلى الديمقراطية. لأننا نواجه تحديات كبرى، فالنظام يريد احتكار السلطة والاستمرار بشكل غير منقطع فغي الحكم، والمجتمع يحتاج إلى إصلاحات جوهرية، لكن حالة القمع، وطبيعة المجتمع الاستهلاكي الذي عملت السلطة على تطويره وتشجيعه، كل ذلك جعل المواطن لا ينخرط الآن بشكل منظم في العمل العمومي، سواء تعلق الأمر بالعمل السياسي أو العمل المدني في اتجاه التغيير الديمقراطي. هذا لا يعني أن الحالة في تونس جامدة. فالحالة في تونس تتطور، ولكنها تتطلب تفاعلا بين القوى السياسية وهيئات المجتمع المدني والمواطن. وبشكل عام، أستطيع القول بأن الشروط لم تكتمل بعد، وكل الرهان اليوم هو أن ننجح في إشراك المواطن في العمل العمومي. والحقيقة، أن المواطن اليوم، في كثير من البلدان العربية، ومنها تونس، مشغول ومهموم بدرجة أولى بهمه المعيشي، فهمه الأساسي هو تحسين ظروف عيشه. فهو يشعر بالغبن والحيف، ولذلك، ما لم يشعر المواطن أن العمل السياسي يرتبط أساسا بهمه المعيشي ويتطلع إلى تحسين ظروف عيشه، فيصعب أن ينخرط فيه. فالديمقراطية، والانتقال الديمقراطي، كما يتم عرضها على المواطن، تبدو له بعيدة عن تحقيق هدفه المتعلق تحديدا بتحسين ظروف معيشته. ولذلك، فالتحدي المطروح اليوم على الفاعلين السياسيين هو أن يعملوا على تطوير خطابهم وسلوكهم السياسي لإدماج هموم المواطن في صلب مشروعهم للانتقال إلى الديمقراطية وأن يعملوا على حسن توظيف القضايا الاجتماعية في فعلهم السياسي.
يبدو من خلال الاستقراء العام لحالة السياسة في الوطن العربي، أن هناك توجها من لدن الأنظمة السياسية لتعميق الخلاف بين القوى الفاعلة في المجتمع، وإعادة استدعاء الخلاف الإيديولوجي خاصة بين الإسلاميين واليسار بغية فك الارتباط أو منع حصوله بين هذين المكونين الأساسيين في المشهد السياسي، وبالتالي عدم إعطاء أي فرصة لقيام كتلة تاريخية أو جبهة واسعة للمطالبة بالديمقراطية. في نظركم ما هي خلفيات هذا التوجه؟
السياسة التي تعتمدها الأنظمة السياسية العربية تتلخص في مقولة ''فرق تسد''. في الحقيقة، إن النظام التونسي الحالي في بداية عهده، تمكن من تحييد النخبة التي كانت تحكم، وتمكن من تحييد المنظمة الشغيلة، ونال في البداية تأييد النخب العلمانية بسبب الشعارات التي أعلنها في بداية الأمر. لكن اتضح فيما بعد، وتحديدا في انتخابات ,1989 أن القوة الرئيسية التي تواجهه هي الإسلاميين. ولذلك استغل بعض الأخطاء ليجهز على الحركة الإسلامية، وقام ببعض الإصلاحات الجزئية كعربون صدق على نيته في خدمة الديمقراطية، ولكنه كان في الحقيقة يريد تحييد القوى الديمقراطية العلمانية. وهكذا تم الإجهاز على الإسلاميين، وكانت الحملة عليهم جد قاسية، فاستطاع النظام في البداية أن يصور للقوى العلمانية أن الإسلاميين يشكلون خصما أساسيا للديمقراطية، ولا أخفي أنه استطاع في أول الأمر أن يربك النخبة العلمانية، لكن في نهاية الأمر، تبين أن هذه الحملة لم تكن انتصارا للديمقراطية ضد خصم لها، وإنما كانت في الحقيقة انتكاسة كبرى للديمقراطية في تونس انطلقت شراراتها الأولى سنة ,1987 وقد بدأ لدى هذه النخب شعور بضرورة إعادة تقييم الموقف، وفتح حوار بين المكونين الأساسيين للقيام بفعل سياسي يجبر النظام على إيقاف النهج الأمني والقبول بإجراء إصلاحات سياسية عميقة وجوهرية. ثم لا ننسى في هذا الإطار أن نشير إلى الموقف الدولي الذي ينزعج في العموم لوصول الإسلاميين إلى السلطة. فهذا الموقف يتفهم مثلا ضرورة التعامل الحقوقي مع الإسلاميين ويندد بالانتهاكات التي تلحقهم، ويناهض التعذيب الذي ق يمسهم، ويطالب بضرورة تمكينهم من شروط المعادلة الحاكمة، لكن حين يتعلق الأمر بمسألة الديمقراطية، هناك خشية من قبل الدول الغربية من أن يؤدي صندوق الاقتراع إلى وصول الإسلاميين إلى مربع السلطة ومن ثمة تغيير الأوضاع الاستراتيجية المرتبة في المنطقة. فهناك العديد من العوامل الاستراتيجية والسياسية التي تتدخل لتعيق التقارب بين الإسلاميين والقوى الديمقراطية والعلمانية. لكن، مع ذلك، يبقى الأمر في النهاية مرتبطا بإرادة الفاعلين السياسيين. وفي الحالة التونسية، فقد تجاوزنا مرحلة بناء الثقة بين المكونين، وأعتقد أم المرحلة الراهنة تتطلب أن تنضج الشروط أكثر ويصير المناخ السياسي أكثر قابلية لقيام فعل سياسي في اتجاه الديمقراطية.
تحدثتم بإيجاز عن الدور الدولي في تعميق الخلاف بين النخب والتعامل المتردد مع الحركة الإسلامية. في نظركم إلى أي حد يمكن أن نعتبر أن الدور الخارجي يشكل تحديا أساسيا أمام التمكين للديمقراطية في الوطن العربي وفي التجربة التونسية تحديدا؟
العامل الدولي من هذه الزاوية تعزز في مناسبتين، المناسبة الأولى بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر سنة ,2001 فهذه الأحداث تم استثمارها من قبل الحكومات العربية، وصارت الشماعة التي تستند إليها لتبرير القمع والتضييق على المعارضين لاسيما منهم الإسلاميين. وبطبيعة الحال، فإن الصدمة التي أحدثتها هذه الأحداث في الغرب ولاسيما منه الولايات المتحدة الأمريكية خلقت تخوفا كبيرا من الإسلاميين، أما المناسبة الثانية، فهي الانتخابات التي جرت في فلسطين، والتي أعلنت كل الأطراف عن نزاهتها وأقرت بشفافيتها بالمعايير الدولية وأفرزت سلطة إسلامية. وقد كانت هذه السلطة الإسلامية بطبيعتها ونهجها المقاوم تتعارض مع المصالح الاستراتيجية والإقليمية للغرب في المنطقة. هذا أيضا ولد خوفا من العملية الديمقراطية، فهذان الحدثان المهمان كانا محددين أساسيين في نظرة الغرب إلى الإسلاميين. فهذان المحددان شكلا معطى من المعطيات، التي جعلت القوى الدولية تتردد في دعم أي ديمقراطية حقيقية في الوطن العربي، وتعمل في المقابل على تعميق الخلافات بين القوى الإسلامية والديمقراطية خوفا من أن يتكرر نموذج الانتخابات الفلسطينية التي قادت إلى وصول الحركة الإسلامية إلى السلطة وبالتالي إرباك مع المصالح الاستراتيجية والإقليمية للغرب.
صدرت في الآونة الأخيرة بعض الإشارات من قبل النظام التونسي تم قراءتها وتأويلها من قبل البعض على أنها محاولة من أجل الدفع بعملية انفراج سياسي نسبي مقدر ومدروس ، ومن ذلك الإفراج عن بعض معتقلي حركة النهضة الإسلامية والسماح لبعض قياداتها المغتربة للدخول إلى الوطن، في حين لا زالت قيادات الحركة الإسلامية تعتبر أن النظام السياسي لم يقم بأي خطوة لرفع حالة الاحتقان السياسي التي تعيشها تونس بسبب هيمنة النظام السياسي على السلطة. ما هو موقفكم؟ وهل يتعلق الأمر ببعث رسائل إلى القوى السياسية المعارضة؟
على المستوى الداخلي لا نلاحظ أي نوع من الانفراج. بالعكس، هناك حالة من التضييق والتعقب للنشطاء في حقوق الإنسان والصحفيين والإعلاميين والديمقراطيين والسياسيين. هناك قضايا عدلية لا أقول يومية ولكنها تحدث على الأقل مرة أو مرتين كل شهر، وهناك أيضا تضييق كبير على حرية التعبير وحرية الإعلام وتضييق على حرية الاجتماع وحق التنظيم، وهناك غلق للباب في وجه كل أوجه المشاركة السياسية. وحالات الإضراب على الطعام المتزايدة في تونس تقدم دليلا على الاحتقان السياسي وانسداد كل قنوات الحوار بشكل سلمي وإيجابي. أيضا تقع من حين لآخر توترات اجتماعية تؤشر على غياب أي قنوات للتواصل والحوار بين السلطة والمجتمع. النظام يستعد لتغييرات دستورية غير شعبية تهم ترشيح الرئيس لولاية ثالثة. ثانيا، لا يتعلق الأمر بالسماح بعودة المغتربين من قيادات الحركات الإسلامية، وإنما الأمر يتعلق بكون بعض القيادات بالمهجر التي طال بها الاغتراب، بدأت تراجع مواقف الحركة الإسلامية من السلطة، وتكتب ذلك على شبكة الانترنت في شكل رسائل إلى الحكم لفتح باب العودة لها إلى تونس. والحكم، في اعتقادي، استغلها، لتعميق الخلاف داخل الحركة الإسلامية ومحاولة عزل قياداتها التاريخية (أقصد تحديدا الشيخ راشد الغنوشي) وقد عادت في هذا الإطار بعض الوجوه المهاجرة بعد عشرين سنة من الاغتراب والنفي إلى البلاد ولكن ليس من البوابة السياسية، وإنما من باب حل المشكلة على أساس شخصي وليس سياسي..
في نظركم ما هي العناصر التي لا بد من توفرها في تونس من أجل الوصول إلى مصالحة حقيقية؟
أنا في رأيي أي مصالحة تتطلب توافقا من قبل النظام والمجتمع على حد سواء. النظام اليوم غير مقتنع ويرى أنه غير محتاج إلى أي طرف سياسي يشاركه في السلطة، فهو يحتكرها بالكامل، وينعزل ويستبد بالحكم. وصورته الخارجية جد سلبية. وأعتقد أنه حينما تتغير الأوضاع وتتعدل موازين القوى بين القوى السياسية الحالية، سيسعى النظام إلى الأطراف السياسية الفاعلة من أجل الحوار معها. وبصورة عامة، يمكن القول بأن النظام السياسي التونسي مسؤول عن الاستبداد إلى أن تتغير موازين القوى. ولذلك، فهو مستمر في إقصاء الإسلاميين ولا يسعى إلى الاعتراف بهم أو إدماجهم في العملية السياسية كما هو الحال في المغرب مثلا، فهو ليس بحاجة إلى الإسلاميين ولا في حاجة إلى قوة سياسية أخرى ولا في حاجة إلى المجتمع المدني ، حتى المحامين يبدو أن علاقتهم جد متأزمة مع السلطة، فلا توجد قنوات للحوار معهم. هناك التنظيم العمالي الذي بدأ يسترجع استقلاليته ويسعى إلى الدفاع عن المطالب اليومية الاجتماعية ونسجل في هذا السياق أن الحوار الاجتماعي نفسه متأزم. بكلمة، يؤشر التقييم العام لعلاقة النظام بالمجتمع أن هناك حالة من الاستغناء والانفراد بالسلطة والهيمنة على الحكم في تغييب كامل للقوى السياسية ومكونات المجتمع المدني.
أليس من المفارقة أن تكون تونس بهذا المستوى من التضييق على الحريات السياسية والمدنية والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، ولا نجد أي ضغط أوربي أمريكي على تونس، مع أن الديمقراطية وحقوق الإنسان تعتبر إحدى أدوات الضغط التي تنتهجها الدول الغربية مع حكومات أخرى عربية مثل المغرب مثلا. أليس من المفارقة أن تستثنى تونس من ذلك؟ ألا يعكس هذا حالة من الازدواجية في تعامل هذه الدول مع الديمقراطية وحقوق الإنسان؟
لابد أن نميز في الموقف الغربي بين موقف الدول وبين موقف المجتمع المدني، فالمجتمع المدني في الغرب يناصر قضايا الحرية وحقوق الإنسان في تونس ويناصر المناضلين من أجل الديمقراطية. أما الحكومات، فهي تخدم مصالحها الاستراتيجية والإقليمية في المنطقة، اقتصادية كانت أم عسكرية أم أمنية أم سياسية. وبالتالي، فالجانب الحقوقي وقضية دعم الديمقراطية يمثل جانبا من جوانب السياسة الغربية. بالنسبة إلى موقف الغرب من تونس، فتحكمه جملة من الاعتبارات: فتونس بلد مستقر، وتونس بلد متعاون في المجال الدبلوماسي والأمني، وتونس تحقق درجة من النمو تجعلها تدخل في خانة الدول المرضي عليها. فالحكومات الغربية تعرف أن سجل تونس في مجال حقوق الإنسان أسود، وبالتالي هم يضغطون من أجل تحسين سجل حقوق الإنسان دون أن يغفلوا الأبعاد الأخرى. تونس عمليا هي الابن المدلل للاتحاد الأوربي ولصندوق النقد الدولي في الميدان الاقتصادي. ولذلك فمسألة حقوق الإنسان والديمقراطية ليست معزولة عن المصالح الاستراتيجية وبالتالي، فطرح المسألة الحقوقية يبقى محكوما بهذه الأبعاد التي تربط العلاقة بين تونس والدول الغربية. وهذه ليست قاعدة خاصة بتونس، ولكنها تسري على جميع الدول. ولذلك، نرى من حين لحين وزارة الخارجية الفرنسية أو وزارة الخارجية الأمريكية تصدر بيانات وتقارير حول وضعية حقوق الإنسان في تونس، لكنها لا تتجاوز حد الإشارة والتنبيه، إذ ليس من شأن هذه التقارير أن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول. الخلاصة، علينا أن ندرك أن الدول عامة، والدول الغربية خاصة، لها مصالح، وأن تحركها في إطار حقوق الإنسان والديمقراطية يكون دائما محكوما بسقف مصالحها الاستراتيجية.
هناك تجربة طويلة لإدماج الحركة الإسلامية في العملية السياسية على طول الوطن العربي، وهناك نقاشات انطلقت بحدة مؤخرا سواء بين قيادات هذه الحركة أو بين الباحثين المهتمين بالظاهرة حول كلفة هذه المشاركة وجدواها ومردوديتها السياسية. في نظركم ما هو تقييمكم لمشاركة الإسلاميين في العملية السياسية؟
لا بد أن نؤكد أولا أن الديمقراطية لا يمكن أن تستقر في أي بلد مع إقصاء مكون هام في حجم الإسلاميين. فالإسلاميون لهم وجود قوي، ولا يمكن تصور قيام ديمقراطية واستقرارها بدون مشاركتهم. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، في رأيي إن الإسلام السياسي تطور تطورا كبيرا منذ دخوله في تجربة الاندماج السياسي، إذ لم يبق على نفس المقولات، ودمج في فكره الكثير من المفاهيم والمقولات التي تؤصل للديمقراطية وذلك أولا بسبب مشاركتهم السياسية ودخولهم ضمن قواعد اللعبة السياسية ، وثانيا بسبب التحولات العميقة التي حدثت في العالم وتغير المناخ الدولي نتيجة العولمة، وهذا شيء طبيعي، إذ لا يمكن لهذه الحركة أن تبقى معزولة عما يجري في العالم من تطورات. وبشكل عام، يمكن أن نقول بأن التطور الكبير الذي حصل في الوعي السياسي للحركة الإسلامية تمثل بشكل خاص في استدماج الديمقراطية في خطابهم السياسي. وبالنسبة إلي مجرد إعلان ذلك في خطابات وبيانات ومواقف هو شيء مهم، لأنه يشكل أرضية للمحاسبة السياسية. أمامنا اليوم تجارب لإدماج الإسلاميين في العملية السياسية. لكن في رأيي التجربة المغربية والتجربة التركية تمثلان تجربتين نموذجيتين لا بد من التأمل فيهما. فتجربة الاندماج السياسي للإسلاميين في المغرب هي جزء من عملية تركيز استقرار الوضع السياسي في المغرب، لأن الإسلاميين في المغرب لهم حجم جماهيري معتبر، ويقبلون المؤسسات، وانخراطهم في هذه المؤسسات يمنحها قوة واستقرارا، و يجنب المغرب الوقوع في احتراب كما وقع في بعض الدول. المثال الثاني والأهم، والذي أعتبر أنه رائد، هو التجربة التركية. فالأتراك يعطون اليوم المثال أن الإسلام السياسي والديمقراطية يمكن أن يتعايشا بل يمكن للديمقراطية أن تتطور عما كانت عليه في تركيا. فتركيا اليوم أصبحت تمثل طرفا أساسيا في قضايا الاندماج في الاتحاد الأوربي. وهي التي تطالب بالانضمام إلى الاتحاد الأوربي، وبعض الدول الاتحاد الأوربي هي التي تتخوف من هذا الانضمام. وبشكل عام، يمكن القول بأن المثال التركي بين أن الاستقرار مرتبط بالديمقراطية، كما بين أن الديمقراطية يمكن أن تتطور بالإسلاميين، كما بين أيضا أن التطور الاقتصادي يمكن أن يحصل على يد الإسلاميين، وبالتالي في رأيي، المنافسة مع الإسلاميين هي حق لكل من لا يشاطرهم الرأي، ولكن منعهم من هذا الحق، أو إنكار مشاركة الإسلامية في العملية السياسية يفسد العملية الديمقراطية. ولذلك، بالنسبة إلي، ليس لدي أي تخوف من وصول الإسلاميين إلى الحكم، فإذا كانت المصلحة الوطنية هي الأساس، وإذا كانت اللعبة الديمقراطية متفق عليها، وإذا كان هناك حد أدنى من توازن المجتمع يحمل كل الأطراف على الوفاء بالتزاماتها فلا خوف من وصول الإسلاميين إلى السلطة. مثلا في المغرب، يد الإسلاميين ليست مطلوقة، فهناك توازنات يأخذها الإسلاميون بعين الاعتبار، وتدفعهم إلى تحسين فعاليتهم الديمقراطية ضمن سقفها. أيضا موازين القوى في المشهد السياسي المغربي غير مختلة، إذ لو كانت كذلك لشهدنا انحرافات أخرى، فوجود قوى سياسية وقوى أخرى مضادة داخل المجتمع يحمل الأطراف على احترام تعهداتها الديمقراطية، ويعطي للديمقراطية فرصة من الزمن حتى تستقر وتتحول إلى ثقافة عامة في المجتمعات. مع الأسف الحصار الدولي الذي فرض على غزة لم يشجع الديمقراطية على الاستقرار في فلسطين، ولكنه حول الصراع إلى عدم قبول نتائج الديمقراطية، ومحاصرة الإسلاميين من الخارج ودفع الانشقاق في الداخل. فبالتالي المجتمع الدولي كان مسؤولا عن إفساد التجربة الديمقراطية في فلسطين. ولو استمرت التجربة الديمقراطية الفلسطينية على نفس الميثاق الذي انطلقت عليه، ولو بقي المجلس النيابي بقواه الإسلامية والعلمانية واليسارية، ولو بقيت مؤسسة الرئاسة ومؤسسة الحكومة، ولو حوفظ على هذه التوازنات، بالتأكيد كانت التجربة الديمقراطية الفلسطينية ستتطور بشكل إيجابي، لكن الصراع العربي الإسرائيلي الذي يتمحور على قضايا غير الديمقراطية وحقوق الإنسان هو الذي كان عاملا في وأد هذه التجربة من خلال الرهان على أطراف لم يكن في مصلحتها الاستمرار في العملية الديمقراطية. خلاصة الكلام، هو أن الإسلاميين هم جزء من المجتمع، لهم ما للأحزاب وعليهم ما عليهم، والمطلوب أن يكون هناك وفاق بين القوى السياسية، وأن يكون هناك حد أدنى من توازن القوى لإتاحة الفرصة كي تستقر الديمقراطية وتنضج في مجتمعاتنا العربية وأن تتحول إلى ثقافة جامعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.