الجزء الثاني قدمت "التجديد" في عدد أمس الجزء الأول من الندوة التي نظمتها بعد انتخابات 27 شتنبر2002. ندوة شارك فيها كل من الأساتذة خالد السفياني بصفته كاتبا ومحللا سياسيا، وعبدالله البقالي بصفته صحافيا في يومية "العلم" الناطقة باسم حزب الاستقلال، ومحمد يتيم عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ونائب برلماني جديد، وجامع المعتصم بصفته المدير المركزي للحملة الانتخابية لرمز "المصباح"، ومصطفى الخلفي بصفته باحثا وصحافيا في جريدة "التجديد". في الجزء الأول قدم المشاركون قراءاتهم في نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، ومغرب ما بعد الانتخابات. واليوم نقدم مداخلات المشاركين حول موقع حزب العدالة والتنمية في الخريطة السياسية الجديدة، ومستقبله بين الأحزاب المغربية ومشاهد عن التحالفات الممكنة، وإليكم نص الجزء الثاني من الندوة: كيف تنظرون الأستاذ يتيم إلى مستقبل حزب العدالة والتنمية وإلى مستقبل أدائه السياسي ضمن الخريطة السياسية التي أصبحت تتشكل الآن، وقد أصبح هذا الحزب رقما وازنا وصعبا داخل الحقل السياسي المغربي. محمد يتيم قبل أن نطرح موقع حزب العدالة والتنمية من المؤسسات، لابد أن أعقب على ما أورده الزميل البقالي، ذلك أن ورش الإصلاح الدستوري وعلى أهميته المعتبرة، هناك مبدأ عام يعتمده حزب العدالة والتنمية ويقضي بضرورة مسألة ومحاسبة كل من يحكم، وهذا أساس الديمقراطية التي تقوم على أساس التعاقد بين الشعب والحكم الذي يتم بمقتضاه تقويض جزء من السيادة من قبل الشعب للحاكم مقابل المحاسبة والمسألة، وهذا لا يجادل فيه أحد، والنظام نفسه لا يعترض على هذا، أما بخصوص القداسة المنصوص عليها في الدستور المغربي، وتأويلاتها على المستوى العملي لا يجب أن نتصورها باطلاقيتها لأنه ليس هناك اعتراض على إمكانية تقديم النصح للملك وأن تكون له بطانة صالحة، تنصح له في مصلحة البلاد والعباد، ولا تتعارض مع تفويض للصلاحيات الواسعة للجهاز الحكومي وللوزير الأول، لكي نخرج الملكية من إشكال، لأنه الآن أصبح هناك إجماع على الملكية وبقدر ما استطعنا أن يكون الصراع على المستوى السياسي وليس على المستوى السيادي، بقدر ما يكون ذلك مريحا، ويدعم الاستقرار ويطور التجربة الديمقراطية، وهذه قضية لدى حزب العدالة والتنمية واضحة، ويبقى أن نختار التوقيت الملائم للتنزيل. كما يطرح سؤال آخر هل استفادت الحكومة من جميع الصلاحيات الممكنة، واستنفذ المهام الموضوعة رهن إشارته واستطاع تفعيل الأدوار والحكم بما هو متاح له من صلاحيات بالرغم من حدوديتها؟ أدلت وبوضوح أن الإشكال كما تبين هو أن الحكومة السابقة كانت محتشمة جدا وكانت تضع حسابات من أجل استمرارها على حساب اتخاذ إجراءات ناجعة، كان من الواجب اجراؤها ولا تحتاج لموارد أو إمكانات كبيرة لانجازها، بقدر ما تحتاج إلى الشجاعة السياسية لطرح ملفات ينبغي أن تطرح. كما أعتقد أن النقاش الذي دار حول مصداقية الانتخابات والمؤسسات المنتخبة يبقى نسبيا بالمقارنة مع نظرة الخارج إلى هذه التجربة، والتي تتمتع بالقبول، من قبل سياسيين وإعلاميين وجهات من أصحاب القرار، بغض النظر عن التقييمات ووجهات النظر التينوردها، لأن الأوساط الدولية عبرت بإيجابية هذه التجربة كما أن هذا أيضا لا يجعلنا ننفي أن انتخابات 2002 كانت أفضل من انتخابات 1997 على المستوى الشعبي والجماهيري، بغض النظر عن الدخول في التفاصيل التي لا يدركها إلا السياسي المحنك والملاحظ الدقيق لأن المعطيات التي أوردها الأستاذ خالد السفياني دقيقة لا يمكن أن يلتقطها أي كان، لأن الصورة والنظرة العامة كانت أفضل من السابق. كما أن الحكومة المقبلة ستكون أقوى من سابقاتها، وستعطي للتجربة المقبلة اسقرارا، وعلى الوزير الأول أن ييشغل مكانه كاملا قبل أن يفكر في تنازع الصلاحيات، لأن الاشتغال على المساحة الموجودة أولى من البحث عن مساحات أخرى أكثر تعقيدا. أما بالنسبة للقضية الدستورية فكلنا متفقون على أن تبقى على رأس جداول الأعمال ووقتها دائما حاضر دون أن ننسى أنه يمكن أن تطرح هناك صعوبة الدخول في استشارات متوالية ومتقاربة قبل أن يستقد الأداء الحكومي والنيابي وتستقر باقي المؤسسات، ومن تم يكون لازما أن تطرح نقاشا واسعا في المسألة الدستورية من حيث طبيعة الإصلاحات، ومداها وهل يمكن أن تكون فيمصلحة استمرار الوحدة واللحمة الوطنية. وهذا يحتاج بدون شك إلى نقاش. وبخصوص التحالفات نحن في حزب العدالة والتنمية لازلنا نناقشه وسنستدعي الهيآت التي تقرر في الموضوع، كما أن المعطى المرتبط بتقارب الحساسيات والتصورات ربما سنكون اقرب إلى حزب الاستقلال أكثر من أي طرق أخرى بالرغم من أن ما أوردته لن أجزم أنه هو القرار المتخد والمسألة كذلك ترتبط بالإشارة التي ستكون في البرلمان عند افتتاحه يوم الجمعة المقبل وللإشارة التي سيقدمها الحكم من خلال تعيين الوزير الأول، وما يدور في إطار العائلة الحركية، وكذلك عملية الانتقال المنتظرة بين النواب من حزب لآخر وهذا ما يدعونا للتريث ليكون موقفنا مبني على معطيات واضحة. خالد السفياني: أولا غير مسموح أن يقال اليوم في المغرب إن الانتخابات كانت أقل تزويرا من الانتخابات السابقة. وعلى كل حال كان هناك تقدم ولو أنه طفيف. ثانيا إنني أطرح هل توفرت إرادة سياسية لإجراء انتخابات نزيهة أم لا. وأجيب: لم تتوفر الإرادة السياسية لتكون الانتخابات شفافة لأنني أعرف أن هناك إكراهات وأقدرها. ثالثا: هل يمكن اليوم وفي رمشة عين وبين عشية وضحاها أن نعتبر أن وزارة الداخلية وزارة نزيهة قادرة على إنتاج انتخابات ديمقراطية وشفافة وهي الوحيدة التي أشرفت على كل شيء فيها. بالطبع نقول لا، لأن وزارة الداخلية كجهاز مخزني لم يتغير فكيف لي أن أثق بالنسب التي أعطيت، بالرغم من أنني لا أعتقد أن كل النتائج وقع فيها تزوير حيث العديد من المقاعد حصل عليها أصحابها بعرق جبينهم وعن جدارة واستحقاق وهذه الميزة طبعت البرلمان السابق، لكن للأسف الشديد يبقى الاتجاه العام أن نتائج انتخابات 2002 وقع فيها تلاعب وتزوير. رابعا لماذا لم يعلن عن النتائج من قبل وزير الداخلية مع العلم أنها كانت لدى الوزارة منذ صباح يوم السبت إن لم يكن السبب هو أن الخريطة لم تهيأ إلى حدود تلك اللحظة. ولو كان شيء من الذكاء السياسي عند من أشرفوا عن هذه الانتخابات لأعلنوا بالتدريج عن بعض المقاعد التي لن يقع فيها تغيير ولو بنسب قليلة. إن هذا التأخر في الإعلان الرسمي عن النتائج إلى يوم الأحد 92 شتنبر مساء بل إن وزير الداخلية أعلن يوم السبت 82 شتنبر عن بعض الأرقام وعن أخرى مخالفة لها تماما يوم الأحد، حيث كانت هناك أحزاب أعلن عن فوزها بمقاعد يوم السبت ويوم الأحد حصل أن حازت نفس الأحزاب على مقاعد أقل والمثال هنا نتائج الحزب الوطني الديمقراطي، الاتحاد الديمقراطي، جبهة القوى الديمقراطية. وكانت الطامة الكبرى حين أعلن وزير الداخلية أن الاتحاد الاشتراكي حصل على 54 مقعدا وحزب الاستقلال حصل على 34 مقعدا ليتضح فيما بعد أن مقعدا حصل عليه حزب الاستقلال نسب إلى الاتحاد الاشتراكي لينضاف لرصيد هذا الحزب الأخير. لكن إرادة أن يبقى الاتحاد الاشتراكي هو الأول، تم الإعلان عن نتيجة جديدة والجميع يعرف أنها ليست له. إن هذه الأشياء وقعت ونحن في مشارف القرن الواحد والعشرين ونأمل في عهد جديد يعيد الثقة إلى المواطن في العمل السياسي ويعطيه إمكانية الإبداع ومسؤولية المشاركة في التقرير والتنفيذ ومواجهة التحديات. حق لي بعد هذا أن أتساءل عن الجديد، هل هناك من تحسن؟ من قبل كنا نتصارع داخل اللجنة الإقليمية والوطنية، وهذه المرة ليس هناك لجنة أصلا يتصارع فيها أحد، ومن قبل كانت هناك احتجاجات داخل لجنة يرأسها قاض وهذه المرة لم تكن، فكانت وزارة الداخلية هي المهيمنة والمسيطرة. كيف إذن يمكن أن نتصور أن تقدما على مستوي الإرادة السياسية وعلى مستوى تقدم الحياة السياسية قد حصل؟ وهل استطاعت الأحزاب الحاكمة أن تفرض إرادة إجراء انتخابات نزيهة والاحتكام للسيادة الشعبية؟ مع الأسف لا يمكن أن نجيب إلا بالسلب نظرا لغياب هذه الإرادة. جامع المعتصم: أنا أعتقد من جهتنا أن حزب العدالة والتنمية لم يعد كما كان من ذي قبل بأربعة عشر نائبا برلمانيا فقط بل أصبح فريقه الآن يتكون من 24 عضوا وهذا الرقم لا محالة يعتبر رقما وازنا وأساسيا وسيكون تجاوزه أو عدم الاكتراث له وهما وخطأ فادحا، ولذلك ستكون معارضته إن بقي في المعارضة قوية ووازنة. هذا من جهة. ومن جهة أخرى نحن في حزب العدالة والتنمية نستبعد أن تحصل أية مشاركة في حكومة يقودها حزب الاتحاد الاشتراكي لعدة معطيات على قائمتها أن حزب الاتحاد الاشتراكي بصفته الحزب الذي قاد الحكومة السالفة هو من أوصلها إلى آخر نقطة من نقط الفشل على كل الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها وكان استمرار مظاهر الفساد المالي أهم مؤشر على فساده وعدم صلاحيته للاستمرار في قيادة الحكومة، وأعتبر بالموازاة أن دعمنا له أو أي تحالف معه هو دعم لاستمرار الفساد المالي والإداري والأخلاقي وهذا ما لا نريده ولا نرضاه. ولك أن ترى مثلا كيف أن وزير المالية الذي تولى مهمة وزارة الاقتصاد والمالية كانت فقط 51 مليار سنتيم مجموع النسبة المخصصة للمنح الإضافية لتنتقل سنة 2002 إلى 03 مليار سنتيم وهكذا وزير المالية يوقع على تعويضاته بنفسه لنفسه. ثم إن من محددات عدم المشاركة في حكومة يقودها الاتحاد الاشتراكي كون هذا الحزب من أكبر المطبعين في هذا البلد مع الكيان الصهيوني، وإن حزبا ينساق وراء مصالح خاصة به على حساب شعب مسلم يعاني كل أنواع الاحتلال الصهيوني لا يشرفنا أن نتحالف معه، أضف إلى ذلك أن حزبا اختلق قضية ما يسمى بالسلفية الجهادية في لحظة الحملة الانتخابية للحصول على مقاعد أكثر وتخويف الشعب المغربي من الإسلاميين لا يمكن إلا أن نعارضه ونكون ضده. مصطفى الخلفي: أعتقد أن التقدم النيابي الدال لحزب العدالة والتنمية يطرح تحديات ضخمة على الحزب ومسؤوليات جسيمة يجب التعاطي معها بجرأة ومهارة. فسواء كان الحزب داخل الحكومة أو خارجها هو ملزم بتقديم عطاء سياسي نوعي تنتظمه الشعارات المركزية للحزب والتي يمكن حصرها في أربع ملفات كبرى: تعزيز المرجعية الإسلامية والدفاع عنها. محاربة ومناهضة نظام الامتيازات وإقرار سياسة اجتماعية عادلة ومراجعة سياسة نظام الأجور. مناهضة الاختراق الصهيوني الفرنكفوني للبلاد. تخليق الحياة العامة وتوطيد الحريات.وأعتقد أن هذه الملفات الأربعة تمثل أرضية في تحديد شروط الحزب سواء تعلق الأمر بمشاركته في الحكومة أو في مساندته لها دون أن يوجد داخلها على أساس أن يقع تفصيلها وتدقيقها في نقط عملية برنامجية واضحة. وعلى صعيد آخر أعتقد أن التغيير السياسي الحقيقي والذي يمكن أن ينتج عن اقتراع 72 شتنبر 2002 يرتبط بالعمل على تغيير المعادلة السياسية سواء في تشكيل التحالفات وامتلاك الجرأة على المبادرة في ذلك. بحيث يمكن أن يقع إسقاط الحكومة المشكلة أثناء التصويت على التصريح الحكومي إذا لم تكن تسندها أغلبية واضحة. . السفياني في اعتقادي من له غيرة عن البلاد في هذه المرحلة يجب عليه أن يحاول قدر الإمكان إنقاذ ما يمكن انقاذه من الحياة السياسية المغربية. ولا أتفق على أن الحكومة التي ستنبثق عن هذه الانتخابات سوف تكون أقوى من سابقاتها لأن الخريطة السياسية أكثر بلقنة من التجربة السابقة وما عرفته من عمليات تزوير سنة 97. وبالتالي أية حكومة كيفما كانت تشكيلتها سوف لن تكون متناغمة ومنسجمة لأن هناك اختلافا في الرؤى والبرامج والتصورات وهذا ما سينعكس على قراراتها المحدودة، وإن كانت الحكومة لن تكون لها قرارات، لأن المشكلة بالنسبة لليوسفي وحكومته السابقة هي أنه هناك منطقا مخزنيا في مخ مجموعة من الناس يمنعهم من أن يبادروا ويملي عليهم ولو عن خطإ انتظار الإشارة والقرار. كما أن هناك مسألتين أساسيتين أولاهما هو أن الحكومة عندما تريد أن تقدم لنا حصيلتها بعد مدة ولايتها، أحسن ما يمكن أن تقوم به هو أن تقدم حصيلتها وليس حصيلة الملك، لأن عبد الرحمان اليوسفي قدم حصيلة الملك وكأن لسان حاله يقول سوف أمنعكم أيها المغاربة من مناقشة حصيلة الملك التي تبنيت، لأن الدستور يمنع أي استدراك على الخطابات الملكية وقرارات جلالة الملك. وأحسن ما يمكن أن يقدم أن نحاسب الحكومة المقبلة ولو على القدر القليل الذي سيمكنها من أن تساهم به في تدبير الشأن العام، وكي نصل إلى ذلك لابد من تغيير الدستور عبر حوار صريح ومتدرج، بما يجعل المغرب قادرا على فتح أبواب الانتقال الديمقراطي، ومواجهة التحديات المطروحة عليه، وعلى الجميع أن يدرك أن نظام الملكية يختلف عن النظام الجمهوري، فإذا كان نظام الحكم كملكية محسوم فيه في المغرب، فالإشكال هو أن هناك من يريد أن يدخل في أدمغتنا أن دستورنا مثل الدستور الفرنسي، في حين أن رئيس الجمهورية الفرنسية يحاسب وينتخب من قبل شعبه، بينما الملك لا يمكن أن يحاسب، ليس في المغرب فقط بل في كل بلدان العام وله مكانته الخاصة. ولذلك كانت كل الديمقراطيات الملكية برلمانية والنظام الدستوري يسمح أن تختار الحكومة بشكل ديمقراطي وأن تقدم حصيلتها وتأخذ الجزاء عليه سلبا أو إيجابا. أمر آخر هو أن التحالفات التي يمكن أن تكون في اعتقادي وهذا موجه لكل من بقي في نفسه شيء من الحس الديمقراطي تنطلق من برامج، فمثلا إذا كنت حزبا أومن بالدفاع عن القضية الفلسطينية وإذا كان الحزب الذي سأتحالف معه حزبا مطبعا ولا يلتزم في برنامج عمله بأنه سوف يحارب كل أشكال التطبيع ويتوقف عن ممارسته، لا يمكن أن يقع معه أي تحالف، لأنني سأخلق واقعا خطيرا على مستقبل الحياة السياسية في البلاد. إن حزبا لا يلتزم أن يوقف جلد أضلع الشباب في شوارع العاصمة الرباط وباقي المدن المغربية بالهراوات "الوطنية" لا يمكن أن يتحالف معه، وآخر لا يلتزم بإعادة النظر في قضية الأجور ومحو نظام الامتيازات، والمعاشات الزائدة وكذلك تخفيض رواتب الوزراء وعلى رأسهم الوزير الأول... أيضا لا يمكن أن يتحالف معه. كيف يمكن أن تتفق الأحزاب على أنه لا مجال لوزراء السيادة وهنا أستسمح الأستاذ البقالي لأن الوزراء ليس كلهم للسيادة فهناك وزراء سيادة في وزارتهم، وهناك وزراء سيادة خارج الحكومة، وكثيرا ما صرح اليوسفي واليازغي أن وزراء السيادة لا يشكلون سوى ثلاث وزارات، بل الصحيح أن هناك أكثر من هذا فهناك الأمانة العامة للحكومة والأوقاف والعدل والداخلية والخارجية، وزارتين لكل منهما. إضافة لإدارة الدفاع الوطني ثم حق لي أن أسأل اليوسفي لماذا لم يقدم في "حصيلته" مجموعة من الوزارات (الداخلية الدفاع الأوقاف الأمانة العامة والعدل...) لأنها خارج سيادته، والوزارة الوحيدة التي تحدث عنها هي الخارجية ليقول إن السياسة الخارجية حققت إنجازات كبيرة، ليقول بعد ذلك خطاب 20 غشت يجب إعادة النظر في كل ما يتعلق بالسياسة الخارجية وبكل القائمين عليها وبعد ذلك لست أدري هل ما يزال عبد الرحمان اليوسفي متمسكا بما جاء في تصريحه أم أنه أصبح مقتنعا بخطاب 20 غشت وعليه أن يوضح للشعب المغربي هل ما جاء به صحيح أما ما ورد في خطاب 20 غشت. وقد أوردت هذه الأمثلة لأن المنطق الذي يمكن أن يرجع بصيصا من الأمل، ويبقي على مصداقية بعض الأحزاب النظيفة، هو أن لا يقبل أي تحالف إلا في إطار برناج واضح ومعلن ومستعدة كل الأطراف المتحالفة أن تلتزم به. فوز الحركة الإسلامية في انتخابات 27 شتنبر2002 دلالات وعبر كآخر محور: كيف تنظرون لهذا التقدم الواضح الذي حققته الحركة الإسلامية في حزب العدالة والتنمية؟ عبد الله البقالي: بصفتي متتبعا لصحافة حزب العدالة والتنمية ومن قراء جريدة "التجديد" ألمس تناقضا في بعض المواقف ولذلك نحن الآن في حاجة إلى أن تتكلم المؤسسات بوضوح كامل وتعطي المعطيات الكافية لتحليل هذه المعطيات نفسها على أسس سليمة. وبالنسبة لي أرى أن اندماج الحركة الإسلامية في العمل السياسي شيء إيجابي، ولا أقول إدماج لأن هذه الصيغة تفيد أن هذا الفعل تم بفعل فاعل، ولكن الأمر يتعلق بانصهار طبيعي في التجربة السياسية. وإنني كنت ومازلت وسأظل أردد أن المغرب في حاجة إلى جهود جميع أبنائه، وبالتالي لم يعد من حق أي كان أن يمارس الإقصاء ضد أي كان، سواء كان هذا الآخر أقلية أو أكثرية. فلابد من الآن من الاعتراف بالتعددية ضمن المجتمع المغربي بيمينه ويساره ومختلف مكوناته، وضمن هذا الإقرار هناك صعوبات منهجية كثيرة في استثمار المتفق عليه لصالح هذا البلد، والآن هناك العديد من القضايا والأسئلة المطروحة ونتقاسم الأجوبة عليها، وقد نتفق بشأنها وقد نختلف، وقد نتفق على جزء ونختلف حول جزء آخر مهم أو غير مهم. وهنا أقول إن الحركة الإسلامية التي تجيب بوضوح كما الشأن بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، وأنا متابع لصحافته التي تجيب على عديد من القضايا كقضية الدمقرطة وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وكثير من القضايا التي تحاول بعض الأطراف توظيفها لإقصاء الطرف الإسلامي، وأعتقد أنه من الإيجابي جدا للحركة الإسلامية وقد اندمجت في صميم العمل السياسي أن تستمر في توضيح المواقف والرؤى حول هذه القضايا السابقة وغيرها على أساس المرجعية الإسلامية التي هي مرجعية كل المغاربة، وعلى أساس المصلحة العامة التي تكرس وتفضي إلى دمقرطة البلاد. وخارج هذا النطاق أعتقد أن المواطن هو من له الحق وحده في الحكم على أي طرف سياسي في الاندماج أو عدم الاندماج في الخريطة السياسية، وأعتقد أن الناخب الآن عاقب التيار اليميني الإداري وصوت لفائدة تيار آخر هو التيار الإسلامي والتيار المحافظ إن صح التعبير وهو حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية بالخصوص، وبغض النظر عن موقفنا من الانتخابات، فالتطور حصل لحزبين اثنين هما حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية أما حزب الاتحاد الاشتراكي فقد عوقب من طرف المواطنين بالتراجع عما حصل عليه سنة 7991 من حيث عدد المقاعد، ومعنى هذا أن الناخب هو من يحكم على اندماج الحركة الإسلامية أو اندماج أي توجه سياسي آخر، على أساس أنه لم يعد من المنطق إطلاقا ممارسة أسلوب الإقصاء في المجتمع السياسي عامة، سواء كان في الميدان الطلابي أو في غيره من الميادين كالبرلمان وباقي المؤسسات. يجب أن نقبل منطق اللاإقصاء بشكل عام لأنه سيمكننا من التعامل بوضوح وبثقافة جديدة، ثقافة البحث عن القاسم المشترك لتفعيله وتطويره وتوجيهه لخدمة الصالح العام. كيف ترون من موقعكم الأستاذ جامع المعتصم دلالات هذا الاندماج السياسي للحركة الإسلامية بالمغرب في الحقل السياسي؟ جامع المعتصم: أنا أرى أن النتائج الأخيرة لانتخابات 72 شتنبر 2002 أظهرت فعلا أن الحركة الإسلامية مكون أساسي في الحقل السياسي للبلاد، أي أنه لا يمكن أن يتجاوز هذا المكون ولا يمكن أن يقصى. ويمكن أن أقول إن هذا المكون وما حققه من نجاح قد أعطى نكهة خاصة للديمقراطية بالبلاد، حيث إنه لو لم يكن، في اعتقادي وجود العدالة والتنمية حزبا مشاركا لحق لنا أن نتساءل فعلا كيف كانت ستكون نسبة المشاركة لو لم يشارك هذا الحزب، ذلك أن مشاركته حركت في الدوائر التي قدم فيها مرشحين منه ما نسبة 51% صوتت لصالحه، ويمكن أن أقول إن أحزابا أخرى عبأت ضده وبالتالي حركت نسبة أخرى. ولذلك يمكن أن أقول إن نسبة 02% أو ما يفوق ذلك من النسبة المشاركة 25% قد شاركت فعلا بسبب انخراط حزب العدالة والتنمية في العملية الانتخابية. وثانيا أجزم بأن مشاركة الحركة الإسلامية لن تكون إلا عامل استقرار للبلاد وهذه التجربة ينظر إليها الآن من طرف العالم الإسلامي على أنها تجربة يجب أن تحتذى، وهذا الاعتبار وضعه حزب العدالة والتنمية في اعتباره منذ أن قرر المشاركة ومنذ أن اختار الطريقة التي يندمج بها تدريجيا في العمل السياسي ولذلك أعتبر أن هذه التجربة بالنسبة للمغرب يجب أن تنجح كذلك بالنسبة للحركات الإسلامية على الصعيد العالمي والإسلامي كي تكون مثالا يحتدى خاصة لدى بعض الدول التي تعيش فيها الحركة الإسلامية حالة إقصاء مريرة كحالة الجزائر وتونس مثلا. وثالثا أقول إن الحركة الإسلامية وجزء منها فقط هو الممثل في حزب العدالة والتنمية قد شارك أيضا في انتخابات 7991، وتجربة 41 برلمانيا خلال خمس سنوات أظهرت أن ثقة المواطنين به ارتفعت مما يدل على نجاح تجربته رغم محدوديتها بمحدودية عدد نوابه. لكنها كانت تجربة ناجحة وأدعو المواطنين إلى التأمل فيما أقول وقراءته جيدا، وأقصد أنه لا يوجد أو على الأقل لا أتصور أن حزبا سياسيا رشح برلمانييه ولم يتمكن إلا واحد منهم فقط من العودة إلى البرلمان، لكن هذا حصل عند حزب العدالة والتنمية إذ جميع برلمانييه الذين أعيد ترشيحهم في انتخابات 2002 حصلوا على تزكية وثقة ناخبيهم وتوفقوا في العودة إلى البرلمان إلا برلماني واحد هو عبد الله أيت شعيب بورزازات لظروف مرتبطة بالذي تحدثنا عنه بداية الندوة حيث حصل على نسبة جيدة من الأصوات احتل بها المرتبة الأولى في المدينة، ولكنه زور عليه في الهوامش بحيث كانت هناك أكثر من 007 مكتب وكان من الصعب عليه تغطية كل هذه المكاتب ومن تم كان هو البرلماني الوحيد الذي لم يوفق في العودة إلى البرلمان مجددا، وجميع البرلمانيين من حزب العدالة والتنمية الذين أعيد ترشيحهم رجعوا إلى البرلمان بمن فيهم الأستاذ عبد الله شبابو الذي رتب في الرتبة الثانية بمدينة طنجة، وهذا أبلغ دليل على أن برلمانيي حزب العدالة والتنمية في تجربتهم الأولى كانوا في المستوى، وليس فقط على مستوى قضايا ناخبيهم فحسب، بل أيضا على مستوى قضايا الأمة والمجتمع بصفة عامة. ومن الدلالات الأخرى التي نستشفها من خلال هذا النجاح فكانت عاملا مساعدا في الفوز ذاك الفشل الذريع الذي منيت به جميع الأحزاب، فنحن يوم دخلنا إلى الحملة بالحجم الذي دخلنا به، عولنا فقط على 03 مقعدا فإذا به صار عندنا 24 مقعدا، وترجع أسباب إضافة 21 مقعدا إلى ما كنا عليه من قوة وتنظيم مقابل فشل الأحزاب الأخرى و ضعفها، بمعنى أن المنافسة في الحملة الانتخابية كانت ضعيفة بسبب ضعف الأحزاب نفسها. هذه إذن أهم الملاحظات التي أراها عاملا مساعدا على إحداث توازن حقيقي بالبلاد وتدل دلالة واضحة على أهمية انخراط هذا المكون الإسلامي في المجال السياسي والدور الذي يمكن أن يلعبه في استقرار البلاد ودور هذا المكون في تحريك عجلة تقدم أية حكومة. فالحكومة التي كانت إلى عهد قريب تخاف من 41 نائبا فقط، أصبح خوفها واحتياطها أكثر وأشد من 24 برلمانيا. ونحن لا يمكن أن نتخلى عن مسؤليتنا في الدفاع عن مصلحة هذا البلد كيفما كانت الظروف وعن الدفاع عن قضايا الأمة كيفما كانت في خدمة مغربنا. كيف تنظرون من موقعكم الأستاذ السفياني لتقدم الإسلاميين في انتخابات 2002 على حساب تراجع حزب الاتحاد الاشتراكي؟ إلى أي حد ستثبت الحركة الإسلامية خالد السفياني: أنا قلت إن هذه الانتخابات لم تفرز أية نتائج وبالتالي لا يمكن أن أتحدث عن إعادة الثقة في الاتحاد الاشتراكي، وطبعا هناك من نجح من هذا الحزب عن جدارة واستحقاق ولا أشكك في الجميع، ولذلك فعندما لا تفرز الساحة السياسية انطلاقا من صناديق الاقتراع بشكل كامل، لا يمكن أن نتحدث عن إعادة الثقة. ولكن بالمقابل يمكن أن نتحدث عن تقدم الحركة الإسلامية من خلال حزب العدالة والتنمية، لأنه تقدم ملموس من خلال عدد المقاعد المحصل عليها، أم أن أتحدث عن كون الناخبين قد أعادوا التصويت على هذا الحزب أو ذاك برغم فشله في الحكومة السابقة فهذا كان يوجب الإعلان عن النتائج الحقيقية حتى يمكن الحكم بذلك. وأعتقد أن السؤال الأساسي الآن هو: إلى أي حد ستثبت الحركة الإسلامية بالمغرب سواء المشاركة منها داخل حزب العدالة والتنمية أو بقية مكونات الحركة الإسلامية الأخرى غير المشاركة في هذه التجربة زيف كل ما يقال عن الحركة الإسلامية في العالم ومن طرف أعداء الأمة العربية والإسلامية وأعداء الهوية الإسلامية، أعتقد أن المسار يتجه نحو إثبات أن الحركة الإسلامية يمكن أن تكون حركات سياسية منخرطة في العمل السياسي ومنخرطة في صنع القرار السياسي ومنخرطة في الإطار الديموقراطي ومؤمنة بالديموقراطية وهذا شيء أساسي، لأن جوهر ما يقال ضد الحركة الإسلامية هو أنها غير ديموقراطية وغير مؤمنة بالرأي الآخر، لكنها للحقيقة ترفض أن تقصى وترفض أن تقصي الآخر أيضا، وما يحدد مواقفها هو المبادئ دون تشنج ودون إلغاء للفكر الآخر. كل هذه القضايا التي طرحت أعتقد أن بوادرها بدأت تبرز منذ مدة من خلال ممارسات وكتابات وتصريحات بعض الممارسين والعاملين في حقل الحركة الإسلامية. وفي اعتقادي هناك عنصران أساسيان بالنسبة لاستمرار نجاح التجربة، بل لتطوير هذه التجربة نفسها. العنصر الأول ويتعلق بمدى إمكانية إثبات حزب العدالة والتنمية صدقه في ما يطرحه من مبادئ، واختلافه عن بعض الأحزاب الأخرى أنه لا يطرح مبادئ من أجل استجداء سياسي، وهذا شيء أساسي لتطوير وتعميق ثقة المواطنين في هذا الحزب وفي الحركة الإسلامية. وهنا أقول إن أي تحالف مع أي حزب يجب أن يستند إلى برنامج واضح. محمد يتيم مقاطعا: اطمئن لن نتحالف مع حزب الاتحاد الاشتراكي خالد السفياني: بالعكس أنا يهمني أن تفرضوا على حزب الاتحاد الاشتراكي التنازل عن بعض الأمور وتتحالفون معه، ومتى قبل الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي الخروج من نيابة رئاسة الأممية الاشتراكية فلتتحالفوا معه آنذاك، وأقول بصفة عامة لا يمكن لحزب العدالة والتنمية أن يتحالف مع أي حزب آخر ولو كان حزب الاستقلال، ما لم يكن هناك برنامج واضح ومضبوط. وإن أي تحالف دون هذه الضوابط سيكون بوضوح انتحارا سياسيا لحزب العدالة والتنمية. وأنا أؤكد أن الناس صفقوا لحكومة عبد الرحمان اليوسفي في بدايتها، لكن خيانة المبادئ المعلنة والشعارات المعلنة والبرنامج المعلن والتراجع في قضايا جوهرية، وعدم تلبية حاجيات في الإمكان تلبيتها كيفما كانت طبيعة الحكومة، كل هذه القضايا جعلت المواطن المغربي يحكم على ما يراه ويلمسه حكما قاسيا. وأخشى أن تصبح نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة 02% أو 01% كما قال من قبل الأستاذ يتيم إذا لم تتم منذ الآن ممارسة مغايرة للعمل السياسي. النقطة الثانية والتي تتعارض نسبيا مع هذه النقطة هي كيف يمكن تحقيق المرونة السياسية التي أعلنت عن تحقيقها العدالة والتنمية خلال هذه المرحلة في ظل هذه الشروط المستجدة، فقبل الآن لم يكن هناك إمكانية المشاركة في الحكومة والآن تغير الوضع وأصبحت هذه الإمكانية متاحة، كما الشأن بالنسبة للتأثير في التصويت في البرلمان وقد يصل الأمر إلى إسقاط الحكومة أو رفض التصريح الحكومي. إذن كل هذا يلقي المسؤولية على حزب العدالة والتنمية في كيفية التسيير والتدبير وأيضا كيف يمكن إنجاح هذا الاندماج السياسي للحركة الإسلامية. وفي إطار هذا كله أقر أنه لن تكون هناك تنازلات من الحركة الإسلامية داخل العدالة والتنمية مقابل كراسي معينة. مصطفى الخلفي: هناك ملاحظات مركزية تهدف إبراز دلالات مشاركة الحركة الإسلامية في المجال السياسي منها: إن حزب العدالة والتنمية تنتظره عدة انتظارات وتحديات بمعنى أنه ملزم بألا يفكر بنفس المنهج والأسلوب الذين كان يفكر بهما في السابق، وملزم بتجاوز الآليات والأدوات التي كان يشتغل بها في السابق. أي عليه أن يستوعب أنه ليس مسؤولا فقط عن تجربة الحركة الإسلامية وانخراطها في العمل السياسي بالمغرب بل مسؤولا أيضا عن بلد بالكامل، فوزنه السياسي يؤهله لذلك. إن حزب العدالة والتنمية ليس في موقع اتهام حتى يعمل على إثبات حسن النية ويكفيه في ذلك شهادة وفد البرلمان الأوروبي الذي زار الحزب وقال إن حزب العدالة والتنمية يستحق أن يكون في الحكومة لأن له برنامجا طموحا وواقعيا ومرنا. وعلى مستوى التأطير الحزبي أظهرت نتائج الأوراق الملغاة أن ما نسبته فقط 3% من مجموع الأصوات الملغاة 51% هي فقط لحزب العدالة والتنمية. وملاحظة أخرى نضيفها في هذا السياق كون حزب العدالة والتنمية قد نجح بعامل الجماهير المرتبطة به، فهو لم يستعمل وسائل ولا أدوات الدولة ولم يستعمل الولاءات التي يتوفر عليها في بعض الأقاليم ولم يستعمل التزوير ولا أي شيء من هذا القبيل. ومسألة أخرى نستشفها من فوز الحركة الإسلامية وأصبحت تطرح الحاحيتها وهي ضرورة العمل على توسيع هامش الحريات على صعيد الحركات الإسلامية كلها بالمغرب، إذ كيف يعقل أن تكون بالمغرب حركات أمازيغية مثلا أكثر راديكالية من العدل والإحسان أو من البديل الحضاري أو من الحركة من أجل الأمة ومع ذلك تجدها مرخصا لها، بينما عدد من هذه الحركات الإسلامية غير مرخص لها، فإذا مم يخاف النظام؟ أدار الندوة: عبد الرحمان الخالدي