قراءة في التجربة التونسية 1981-1991 تندرج هذه المساهمة في إطار إغناء النقاش حول تجربة الحركات الإسلامية سواء من حيث السلوك السياسي، أو من حيث التنظير الفكري. وقد قمنا باختيار القطر التونسي كمجال للدراسة لاعتبارات موضوعية وعلمية. فمن ناحية، يتبين أن التيار الإسلامي التونسي دخل المجال السياسي بشكل مبكر ، فأقدميته بالنسبة إلى نظرائه في المغرب العربي تماثل أقدمية التيارات المصرية بالنسبة للحركات الإسلامية في البلدان العربية ككل. ومن ناحية أخرى، يرى دارسو هذا التيار بأنه مثل حالة نموذجية في الفترة مابين1981 و 1991، لكونه كان سباقا إلى تجاوز العديد مكن المراحل التي كانت التيارات الأخرى تجهلها إلى عهد قريب، بل أنه تيار غير مسبوق من حيث الطفرة التي حققها على مستوى الممارسة السياسية و الخطاب الفكري الذي أبان عن فاعلية كبيرة في التكيف مع الحقائق المحلية2. لذلك فإن مهمة هذه الدراسة هي تتبع مظاهر هذا التميز من خلال تقييم العلاقات التي جمعت الحركة الإسلامية متمثلة في حركة النهضة والنظام السياسي التونسي. نص المداخلة كان عقد السبعينيات مرحلة استغرقتها عملية البناء الداخلي للحركة الإسلامية بتونس سواء على الصعيد التنظيمي - من خلال التفاعلات التي شهدتها بنياتها الداخلية وعمليات الانشقاق والتحالف التي جرت بين مختلف مكوناتها الفكرية -، أو على صعيد الخطاب الفكري والسياسي - من خلال تفاعل الأفكار داخل الحركة - ، الشيء الذي ساعدها على بناء خطاب متميز وشديد التأثر بالظروف المحلية . أما في مرحلة الثمانينيات، فقد أرادت الحركة ولوج المجال السياسي، فعلاوة على استفادتها من ظروف التقاطب الحاد بين النظام السياسي والاتحاد العام التونسي للشغل، فإن التفاعلات المتلاحقة للنسق السياسي في هذه المرحلة، ستدفع خطاب الحركة إلى إبداء مزيد من الرغبة في الانفتاح على المجال السياسي والتوافق مع مكوناته، خصوصا أمام ما أبداه النظام من مبادرات عديدة ومؤشرات على بداية انفراج سياسي تخفف من حدة مركزيته وسلطويته. ففي محاولتنا لكشف وتحليل الأشكال التي استقبل بها الخطاب مبادرات النظام المتكررة لفتح باب المشاركة السياسية، وموقفه من المصير الذي انتهت إليه هذه المبادرات. ( المبحث الأول). سيكون الإشكال الذي سيشغلنا هو معرفة ما إذا كانت استراتيجية التوافق التي عبر عنها الخطاب في هذه المرحلة مجرد مناورة من أجل تجنيد الرأي العام لكسب الاعتراف القانوني بالحركة كحزب سياسي، تمهيدا لتحقيق غايتها الكبرى (إقامة الدولة الإسلامية)، أم كان اختيارا مبدئيا يهدف بالفعل إلى إقرار مصالحة وطنية شاملة، والمساهمة في إنجاح محاولات الانتقال الديمقراطي في عقد الثمانينيات؟ في سعيه إلى التخفيف من مركزيته واحتكاره السلطة، كان النظام التونسي طيلة عقد الثمانينيات يعلن عن رغباته المتكررة في فتح باب التعددية السياسية والسماح بتشكيل أحزاب منافسة للحزب الحاكم. ويمكن تقسيم مسلسل الانفراجات التي عرفها هذا العقد إلى ثلاثة مراحل، امتدت المرحلة الأولى منها من 1981 إلى 1984 (الفقرة الأولى)، فيما شملت المرحلة الثانية الفترة الفاصلة بين 1984 و 1987 (الفقرة الثانية)، حيث ساهم التغيير الذي حدث على مستوى السلطة في بداية فترة انفراج ثالثة امتدت إلى غاية 1991 (الفقرة الثالثة). الفقرة الأولى : توافق 1981-1984 طبقا لتوصيات المؤتمر الطارئ للحزب الدستوري الليبرالي المنعقد في 10 أبريل 1981، أعلن بورقيبة عن عدم معارضته إنشاء أحزاب سياسية، رابطا السماح للهيئات السياسية بالعمل القانوني بعدة شروط، أهمها أن تعلن صراحة عن نبذها للجمود والتعصب المذهبي والديني، ثم عدم التبعية أيديولوجيا أو ماديا لأية جهة أجنبية. ومباشرة بعد هذا الإعلان، بدأت الحركة الإسلامية تهيئ نفسها للدخول للمعترك السياسي بإصدار مجموعة من البيانات تعلن فيها عن مجموعة من الإجراءات الهادفة إلى تكييف الحركة مع شروط النظام، وإعلان قبولها قواعد اللعب المحددة من طرفها. الموقف من العنف الطبيعة الحزبية للحركة المسائل الإيديولوجية ( هوية - ثقافة - الدولة الإسلامية - لأممية الإسلامية ...) مسألة الاعتراف القانوني المجموع يتضح من خلال المواضيع التي اهتمت بها بيانات الحركة ونسب ترددها، أن خطاب الحركة كان في مجمله عبارة عن ردود تجاه مبادرة السلطة واستجابة لشروطها الخاصة بفتح باب التعددية السياسية، ففي مقابل شرط نبذ العنف، جاء الخطاب مخصصا حيزا هاما لهذه النقطة (35.30%)، وكان أبرز ما جاء في هذا الاتجاه، هو ما نص عليه البيان التأسيسي للحركة من أن هذه الأخيرة "ترفض العنف كأداة للتغيير "3. و تنادي بالمقابل" بتركيز الصراع على أسس شورية تكون هي الأسلوب الحسم في مجالات الفكر والثقافة والسياسة "4. بالموازاة مع ذلك، نجد أن مواقف الغنوشي في هذه الفترة اهتمت كثيرا بموضوع العنف وموقف الحركة الإسلامية منه، ففي تفسيره معنى الجهاد، اعتبر الغنوشي أنه " لا يزيد عن مجموعة من الأعمال السلمية التي يقوم بها الدعاة من أجل تحقيق الإسلام في أنفسهم، وتربية الجماهير بحقائقه وتنفيرهم من ألوان الظلم والاستغلال، وتجميع صفوف المؤمنين وتربيتهم على التحرر عن طريق عبادة الله وحده. وليس من عمل الدعاة هنا إقامة الحدود، وحمل الناس على قوانين الإسلام..."5. فالتناقض بين المنهج الحركي الذي يؤمن به الاتجاه الإسلامي والعنف، حسب الغنوشي، ليس " تناقضا ظرفيا ومصلحا فحسب، بل هو تناقض مبدئي فضلا عن مردوده السيء على الحركة، وتوفيره الفرصة لأعدائها لتلويث المناخ السياسي والاجتماعي المهيأ لطرح مقولاتها ومبادئها في محاولة لإجهاض تطلعات الجماهير "6. وانسجاما مع شرط عدم التعصب الديني، جاءت بيانات الحركة مركزة على الطبيعة الحزبية للتنظيم (32.35%)، ومن أهم التأكيدات على ذلك ما جاء في البيان التأسيسي من أن "الحركة لا تقدم نفسها ناطقا رسميا باسم الإسلام في تونس.. فهي مع إقرارها بحق جميع التونسيين في التعامل الصادق والمسؤول مع الدين، ترى من حقها تبني تصور للإسلام يكون من الشمول بحيث يشكل الأرضية العقائدية التي تنبثق منها مختلف الرؤى الفكرية والاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحدد هوية الحركة، وتضبط توجهاتها الاستراتيجية ومواجهتها الظرفية".7 فمن مظاهر اهتمام الخطاب التأكيد على الطبيعة السياسية وليس الدينية للحركة، أن المهام المحددة في البيان التأسيسي ومسائل تنفيذ هذه المهام جاء معبرا عنها في صيغ تجعل الحركة مجرد مساهم في عملية النهوض بالمكونات الحضارية للأمة التونسية التي تتطلب في نظر الحركة القيام ب: - بعث الشخصية الإسلامية لتونس ووضع حد لحالة التبعية والاغتراب. - تجديد الفكر الإسلامي على ضوء أصول الإسلام الثابتة وتنقيته من رواسب عصور الانحطاط. - المساهمة في الكيان السياسي والحضاري للإسلام. - إعادة الحياة للمسجد كمركز للعبادة والتعبئة الجماهيرية. - تنشيط الحركة الثقافية . - دعم العمل النقابي. بلورة الصورة المعاصرة لنظام الحكم الإسلامي ...8 فالملاحظ من خلال هذه الصيغ التي تحدد فيها الحركة دورها في إنجاز هذه المهام (دعم - تنشيط - مساهمة.. ) أنها حريصة على أن تقدم نفسها كطرف مشارك في تحقيقها، خصوصا وأن العديد منها كان يتصل بمسائل دينية يمكن تكييفها في إطار المسائل التي اشترط النظام عدم التعصب المذهبي والديني بصددها. فمن خلال الإشارات العديدة التي احتوتها بيانات الحركة، على الخصوص بيانها التأسيسي، اعترفت الحركة بتعددية الإسلام المعيش9، وأبقت الباب مفتوحا في وجه كل طرف يريد أن يساهم في إنجاز المهام الكبرى التي نص عليها وإن لم يكن له نفس الأفهام بصددها. وعلى الرغم من تأكيد الحركة على طبيعتها الحزبية وعدم احتكار الإسلام، فإن النقاش السياسي الذي دار في هذه المرحلة يبين أن الإسلاميين قد أدخلوا فعلا البعد الإسلامي في الحوار السياسي، ذلك أن بيانات الحركة وكتابات قيادتها كانت الوحيدة التي جاءت مركزة على إعادة الاعتبار للهوية الإسلامية لتونس وبعث الكيان الحضاري للأمة، في حين غابت هذه الموضوعات عن خطابات باقي الفاعلين السياسيين10. فإذا كانت الدولة قد استمرت في الإحالة على مرجعيتها الأصلية، أي على مشروعها التحديثي بحلقاته الأساسية ( المركزية - العقلانية - العلمنة )، مع محاولة إدخال إصلاحات سياسية -في اتجاه التخفيف من احتكار الحزب الحاكم للسلطة والسماح للهيئات السياسية بالمشاركة في الهيئات التمثيلية-، فإن الأحزاب السياسية الأخرى كانت على العموم تابعة للنظام تنظيميا أو إيديولوجيا. فقد استمر حزب الحركة الشعبية في مناداته في تدخل الدولة من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، عن طريق خطاب شعبوي (Populiste) هدفه إقناع الجماهير من دون الاستناد إلى أي تحليل واقعي. وعلى الرغم من خروجها من رحم الحزب الحاكم، فإن حركة الديمقراطيين الاشتراكيين والرابطة التونسية لحقوق الإنسان لم تحسما أبدا مع منظومة القيم والمعايير الذي يتبناها الحزب الدستوري، فالحزبان يؤمنان - شأن بورقيبة - بعلمنة المجتمع وتكوين مجتمع صناعي متطور، ولكنهما يطالبان - وهذه هي نقطة اختلافهم - بمبدأ انتقالية المجتمع المدني وإرساء التعددية السياسية، ثم السماح بالوجود الشرعي للمجموعات11. أما بالنسبة للاتحاد العام التونسي للشغل، فقد أنهكت قواه بفعل المواجهات الحادة مع الحزب الحاكم في نهاية السبعينيات، حيث استعملت السلطة كل وسائل من طرد واعتقال تعسفي وقمع، حتى نجحت في النهاية في إحداث الانشقاق في صفوف قيادته عملت على إثره على تكوين قيادة موالية له، تجلت تبعيتها الواضحة في تحالفها مع النظام بمناسبة الانتخابات التي جرت في أول نونبر 198112 . فبالنظر إلى تشكيلات المجال السياسي، بتونس اتضح عدم وجود قوة سياسية قادرة على منافسة السلطة أيديولوجيا وتنظيميا، ذلك أن العلاقات التي كانت تربط مختلف الأحزاب بالحزب الحاكم شككت - ولا تزال - في إمكانية تصنيفها في إطار معارضة سياسية منظمة ومهيكلة بطريقة موازية للسلطة ذات برنامج مغاير للخطاب الرسمي، بحيث لم تتمكن من كسب هوية مستقلة وإشعاع قاعدي13، في حين كان الأمر مختلفا مع حركة الاتجاه الإسلامي، حيث أن خطابها كان متميزا مقارنة بالنظام أو بالتشكيلات السياسية الأخرى بفعل اهتمامه الكبير بمفهوم الهوية وتحديده المغاير لمفهوم الثقافة (22.15)، حيث اعتبر الإسلاميون أنه لا يمكن مجابهة مشاكل المجتمع للتجرد من التراث الحضاري والثقافي والديني، كما لا يمكن حل أزمة المشاركة بمجرد إبداء الرغبة في الانفتاح السياسي، وبعيدا عن تأكيد الهوية في وجه الغزو الثقافي14. وعلى عكس خطابات الأحزاب المعارضة، لم يمكن خطاب الحركة الإسلامية وليد لحظة الإعلان عن فتح باب التعددية، بل حمل معه تجربة عقد من الزمن تميزت -في مرحلة أولى- بالانحصار في المساجد والدور الثقافية، و- في مرحلة ثانية - بالمشاركة في الصراع السياسي والتوسع في الجامعات والنقابات، مما مكن الحركة من اكتساب قاعدة اجتماعية وتطوير خطابها الفكري في اتجاه امتلاك التنظيم والمفاهيم الحديثة التي كانت من احتكار اليسار،15 فصارت انتقاداتها للنظام في بداية الثمانينيات غير مقتصرة على إثارة قضية عدم انسجام توجهاته مع مقتضيات الأخلاق الإسلامية، ومن تم مطالبته بإعادة الاعتبار للإسلام كمكون أساسي للشخصية التونسية، بل أصبح ينتقده انطلاقا من داخل مشروعه التحديثي نفسه، أي على خلفية تنكره لمبادئه وأهدافه العامة وغايته في إقامة المجتمع المساواة وبناء المواطن16. وبعد المجهود المبذول من أجل وضع الحركة في وضعية قانونية إزاء شروط النظام الخاصة بالسماح بتأسيس الأحزاب السياسية، وكنتيجة لأجواء الانفراج التي خلقتها مبادرة 1981،تقدمت الحركة بطلب ترخيص قانوني لإنشاء "الاتجاه الإسلامي" كحزب سياسي، والملاحظ أنه لم تتردد هذه المطالبة كثيرا في البيانات ( 10.30%)، ولعل الحركة كانت تتوقع ألا تثير مسألة الترخيص أي إشكال، خصوصا وأنها تمتعت بإمكانية عمل شبه رسمية في الفترة الماضية، لكن رد فعل السلطة كان عكس ما توقعته الحركة، حيث شنت حملة اعتقالات واسعة في صفوف أشخاص يفترض أنهم أعضاء في الحركة بتهمة الانتماء إلى جمعية غير معترف بها، كما حكم على زعيمها بالسجن لمدة 11 عاما سجنا، مما يؤكد على أن إعلان النظام بفتح باب التعددية لم يكن معبرا عن رغبة في خلق منافسة سياسية حقيقية، فانفتاح النظام لا يمكن اعتباره إلا قبولا شكليا بتواجد أطراف جديدة على الساحة السياسية وليس في السلطة، مع ما يتطلبه ذلك من إقصاء أي خصم سياسي قادر على المنافسة الأيديولوجية والانتشار التعبوي17. أما بالنسبة للحركة، فبالرغم من أن بياناتها تشدد على التوافق كخيار يندرج في سياق رد إيجابي على مبادرة النظام بالسماح بالتعددية، فإن بعض الكتابات الأخرى تؤكد على أن غاية التوافق لم تكن تتوقف عند حدود إنجاح التجربة، ولكن في استراتيجية عامة للحركة من أجل التغيير الإسلامي وإقامة الدولة الإسلامية، حيث نجد عند زعيم الحركة تمييزا بين مرحلتين، مرحلة بناء المجتمع المسلم، " ومنهاج الدعوة في هذه المرحلة يتلخص في البلاغ المبين والصبر الجميل كما أوضحته الآيات القرآنية والمرحلة المكية من السيرة النبوية، حيث كان النبي عليه الصلاة والسلام يصدع الحق في إبطال العقائد والمفاهيم الخاطئة وما ارتبط بها من مظالم اجتماعية ومفاسد خلقية واستبداد سياسي .. محتملا بكل صبر ما يتلفاه من اضطهاد من القوى المضادة لحركة التغيير ... فالتوجيهات النبوية لنبذ العنف مع الحرص على الصدع بكلمة الحق تجد تفسيرها لا على أنها دعوة للاستكانة، وإنما دعوى إلى تصحيح المفاهيم وتقويم الموازين مع التسلح بسلاح الصبر الجميل، فإن أثمر عمل التوعية الإسلامية واستجابة الجماهير في قطاعها العريض هذه الدعوة، قامت للإسلام دولته، وكان على تلك الدولة أن تنفذ حكم الله وتمارس مهامه في نشر العدالة ومنع الظلم بين الناس".18 فالمنادة بالتوافق الديمقراطي حسب المقولة السابقة هو خيار فرضته ظروف الثمانينيات، أي مرحلة بناء المجتمع المسلم، مما جعل منطق الحركة مجرد مطلب مرحلي يهدف إلى تغيير موازن القوى الحالية لفائدة الحركة، ثم التأسيس للدولة الإسلامية فيما بعد19. ولما كان هدف إقامة الدولة الإسلامية مطمح يتجاوز الحدود القومية، فقد جاء في الخطاب مقرونا بدعوة إلى إقامة جبهة توافقية أخرى تجمع هذه المرة الحركات الإسلامية ومختلف العاملين على الدعوة ، فحسب الغنوشي، "لا مناص لرواد الحركة الإسلامية إذا أرادوا وضع حد للحرب الدائرة بينهم إلا توفير مناخ من التعايش السلمي يندرج نحو التعاون فيما بينهم فيما هو مشترك يطمح إلى الوحدة والاندماج "20، كما يدعو الحركات الإسلامية إلى القيام بمناصرة بعضها البعض كما يقتضي ذلك الواجب الإسلامي، بقطع النظر على الروابط الإدارية21. فهناك إذن نزعة أممية إنسانية شاملة، تضع على عاتق الحركة مهام شمولية وكونية أكبر من حجمها التنظيمي، وتمثل إعادة صياغة مفهوم الوحدة الإسلامية العابر للقوميات، دون الوقوع في ثنائيات دار الإسلام ودار الحرب التقليدية التي تسود الخطاب الإخواني في المشرق، مما يعكس تأثرا بمفاهيم الثورة الإيرانية . هكذا كانت إقامة الدولة الإسلامية والأممية الإسلامية كمرحلة لبناء تلك الدولة غايات دينية سعت الحركة إلى تحقيقها بواسطة ممارسة سياسية توافقية، وهذا يعني أن الديني كان متحكما في السياسي في الخطاب خلال هذه الفترة. فعلى الرغم من النزعة التجديدية التي تميزت بها بيانات الحركة وتصريحات قيادتها، إلا أنها كانت، وبفعل الانغماس في العمل السياسي، نزعة مبشرة وعامة ولازالت في طور البناء والتأسيس، فطابعها الرسالي التبشيري جعلها مفتقدة لثرات نظري مفصل يشتمل على تنظير لعموميات الخطاب وتوجهاته الكبرى. عبد الحكيم أبواللوز باحث بجامعة الحسن الثاني الدار البيضاء