يبدو أن رياح التغيير قد بدأت تهب داخل أروقة مجلس الأمن الدولي، إيذانا بانفراج في أحد أقدم النزاعات المفتعلة في القارة الإفريقية. فإحاطة المبعوث الأممي إلى الصحراء، ستيفان دي ميستورا، وما أعقبها من نقاشات مغلقة بين أعضاء المجلس، كشفت عن تآكل جدار الجمود الذي لازم الملف لعقود، وفتحت الباب أمام إنبثاق مقاربة أكثر واقعية، تتماهى مع مستجدات المشهد الدبلوماسي وتوازنات القوة الدولية. مجلس الأمن الذي أصبح على دراية تامة بأن الاستمرار في تدوير نفس الخطاب المتجاوز، القائم على إزدواجية المقاربات وإفتعال الوساطات العقيمة، لم يعد يجدي نفعا. فالمبادرة المغربية بالحكم الذاتي، التي وصفتها الأممالمتحدة مرارا بالجادة والواقعية، أضحت اليوم المرجعية الوحيدة القابلة للحياة، ليس فقط لأنها تعكس حلا عمليا للنزاع، وإنما لأنها تجسد إرادة سياسية متجذرة لدى المملكة المغربية في طي هذا الملف بما يحفظ السلم الإقليمي ويكرس السيادة الوطنية. لقد شكل تجديد الولاياتالمتحدةالأمريكية إعترافها بمغربية الصحراء، وتأكيد فرنسا، وبعبارات صريحة غير مسبوقة ، دعمها لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، نقلة نوعية في ميزان القوة داخل مجلس الأمن ، فهذان البلدان، باعتبارهما عضوين دائمين يتمتعان بحق النقض، لا يكتفيان بدور المتفرج أو الوسيط، بل إن دعمهما للموقف المغربي يمنح ثقلا دوليا لمبادرة الحكم الذاتي، ويجعل من أي محاولة للتشويش على هذا التوجه ضربا من العبث الدبلوماسي. في ذات السياق لابد من الرجوع إلى تلك القرارات المتتالية والصادرة عن مجلس الأمن، من بينها القرار رقم 2654 الصادر في 27 أكتوبر 2022، الذي أكد بعبارات واضحة على أهمية التوصل إلى "حل سياسي واقعي وعملي ودائم" على أساس "التوافق"، في إشارة ضمنية إلى المبادرة المغربية التي تحظى بإشادة دولية متنامية، خاصة وأنها قدمت منذ سنة 2007 باعتبارها إطارا سياديا لإنهاء النزاع. قرارات هامة أخرى، ومنها القرار 2602 (2021)، على دعم "جهود الأممالمتحدة المستمرة في تسهيل عملية التفاوض"، في حين جدد القرار 2548 التذكير بأن الحل يجب أن يكون "سياسياً ومقبولا من الأطراف"، وهو ما يبعد أي تصور إنفصالي مفروض، ويقوي مركز المبادرة المغربية. إن تراكم الاعترافات الدولية، وافتتاح عشرات القنصليات في مدينتي العيون والداخلة، يشكل رسالة واضحة لا لبس فيها ،فالعالم اليوم يتجه نحو الاعتراف بسيادة المغرب على كامل ترابه، وأن الشرعية الأممية تميل نحو تطويق رواية الإنفصال ومحاصرتها داخل دائرة ضيقة من المساندين المتقوقعين في ماض زائل ، وأن صمت البعض من الدول، التي كانت إلى عهد قريب تؤيد أطروحة بوليساريو وأكدوبة الحزائر ، أصبح أكثر دلالة من التصريحات ، فالسكوت في معرض الحاحة إلى البيان بيان ، في ظل يقينها الجازم بعبثية التموقع ضد منطق التاريخ والجغرافيا والشرعية الدولية. إن مجلس الأمن في إجتماعة المغلق ، وبعد تقديم المبعوث الأممي لإحاطته التي لم تغفل الإشارة إلى الوضع اللإنساني في مخيمات تندوف، حيث يتنامى الإحباط لدى المحتجزين الذي تسميهم الجزائر بلاجئين ، في ظل تقليص المساعدات وتدهور الأوضاع وإستمرار الاحتجاجات ، أقول ، وهو يتأهب لاتخاذ قرارات أكثر حزماً، لم يعد بإمكانه أن يظل أسير مناورات تدار من خلف الستار، ولا أن يساير أطرافا جعلت من القضية سوقا سياسيا ومجالا لتصفية الحسابات. فاللحظة اليوم دقيقة و تقتضي الجرأة، والإرادة الأممية مطالبة بأن تترجم إلى خطوات ملموسة وجدية ، وقد دقت ساعتها ، وتفضي إلى إقبار نهائي لنزاع استنزف الزمن الدبلوماسي لعقود، وزج بالمنطقة في دوامة من التوترات غير المجدية. ختاما ، أضحى الحسم السياسي لقضية الصحراء المغربية أقرب من أي وقت مضى. فالمغرب بثباته والتزامه بمسار الأممالمتحدة، نجح في كسب الرهان الأخلاقي والدبلوماسي ، وأن المنتظم الدولي سوف يعلن قريبا و بصوت واحد أن الحل المنشود ليس ذاك الذي يفصل في دهاليز المخابرات، بل ذاك الذي ينبثق من الشرعية ، ويتماهى مع الواقع، ويحفظ كرامة الشعوب واستقرار الدول ،صوت واحد سينهي نصف قرن من نزاع مفتعل ،بدد فرصا تنموية هائلة كان من الممكن أن تضع شعوب المنطقة على مسار الإزدهار والإستقرار، و تغليب منطق الصراع الإيديولوجي المقيت على حساب منطق المصالح المشتركة والمصير المشترك. ذ/ الحسين بكار السباعي محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان النائب الأول لرئيس المرصد الوطني للدراسات الإستراتيجية.