كثيرة هي الأسئلة التي تحضر بقوة، إذا ما أردنا الحديث عن المشهد الثقافي في المغرب من قبيل: ماذا نعني بالمشهد الثقافي؟. ماهي مؤسساته الحقيقية؟. أية آليات وتصورات يمكن استحضارها هنا ؟، وما هي المنهجية التي ينبغي اتباعها في هذا الرصد؟. فالرصد قد يتعدد اعتمادا على تحليل حصيلة وآليات وتصورات، هذا فضلا عن التوصيف المنوغرافي. وعليه، يمكن حصر هذا الموضوع ضمن خانات، كفصل إجرائي فقط في التناول. فتجليات حضور الدولة حول الثقافي أولا، تظهر في إنتاج قيم لها رهانات وآليات، وإن كانت هذه القيم خاضعة للمد والجزر، تبعا للتحولات السياسية التي تؤثر في الفعل الثقافي وفي أشكال تصريفه. وكثيرة هي الإكراهات وضبابية الرؤية التي تجعل من الثقافي تابعا ؛ وهو ما يدفع إلى طرح عدة أسئلة : هل وزارة الثقافة تصنع الآن قيما ورهانات ؟. وفي المقابل، هل هناك برامج حزبية واضحة ومتكاملة في هذا السياق. فكل هذا، يؤشر على غياب الرؤية حول هذا الثقافي. مما يثبت هيمنة الهاجس السياسي وطرح الثقافة كمسألة أمنية أو كسؤال عقلي «يصدع» الرأس، لذا ينبغي تركه وشأنه في الخلف. الشيء الذي يولد التساؤل دائما عن أية ثقافة نتحدث، وبأية كيفية ؟. فلكي تصل الثقافة إلى الجميع، ينبغي تكسير المركزية في التدبير وإعادة الاعتبار للمؤسسات الجهوية... ولا يمكن التنكر هنا لمبادرات الدولة حول الكتاب في صناعته وتشجيع الإبداع. لكن ذلك يبقى جزئيا ولايمس جوهر الأشياء. فوظيفة المؤسسات الثقافية هي إنتاج قيم والتي هي في الأصل قيم اجتماعية. وكثيرة هي الإكراهات التي تحول دون خلق حس قرائي وتشكيل الكائن الاجتماعي الثقافي كغياب التنسيق بين الوزارات المتقاربة الاختصاصات (وزارة الثقافة ووزارة التربية الوطنية مثلا)، وكذا الحصة الهزيلة المخصصة لهذا الثقافي، هذا إضافة إلى سيطرة النزعة التراثية والسياحية ذات التضخمات الفلكلورية في التعاطي مع الشأن الثقافي، دون حضور الإنسان في كل تنمية. إن تحركات الدولة اتجاه الثقافي، يطبعها التغير الظرفي المحكوم بالهاجس السياسي الأمني دون بناء هذا الثقافي خارج الظرفيات والمآزق. وبالتالي، تبقى الحصيلة مجزأة ومفصولة عمَّا يمور في المجتمع. ويمكن أن نستحضر هنا دور المثقف ضمن المؤسسة وخارجها. الشيء الذي يقتضي استحضار ثنائية السياسي والثقافي. فنفس السياسة الرسمية مستمرة والمتمثلة أساسا في الاسترجاع الثقافي الذي تنهجه الدولة للاحتواء والتدجين. وبالتالي إنتاج قيم أخرى على أبواب المؤسسات الرسمية. فحضور الرموز الثقافية أصبح باهتا بسبب ولوج مثقفين ممانعين رحاب السلطة؛ والمثقف في تراجع. وهو ما جعل السياسي في شكله الحزبي أكثر حضورا. بل هذه الوضعية مع تحولات سياسية على ضفاف حكومة «التناوب» الديمقراطي ؛ جعل الكثير من المثقفين والمؤسسات الثقافية في مآزق المواقف والمواقع. وفي المقابل، فالمجتمع المدني بالمغرب في حركية نسبيا، وبالتالي تراجع السياسي مقابل المدني ؛ بل هناك انتعاشة في هذا المجتمع كبعد الحركة الأمازيغية والجمعيات النسائية التي انفلتت عن رحم المؤسسات السياسية. غير أن مؤسسات ثقافية عتيدة كما تصف نفسها وتنام على هذه الصفة مهما يكون، لم تسلم أيضا من سياسة الاسترجاع التي تنهجها الدولة بطرق وألوان مختلفة. بل أكثر من ذلك، فالدولة لم تعد تراهن على بعض الجمعيات. لكن الحضور الإثني جمعويا، لا يخفي تطلعات معينة أو النضال من داخل روافد ثقافية لأجل أهداف إديولوجية. وفي هذا الاتجاه، ظلت معاناة الجمعيات الثقافية مستمرة ( غياب الدعم والبنية والآليات...). فالدعم ينبغي أن يكون شاملا عوض سياسات جزئية، لأن الثقافي فوق كل شيء. فكلما تم إقحام هذا الأخير في ترفيه أعمى ومحشو بالنوايا، إلا وفقد طينته، وتحول إلى شيء آخر أقرب إلى الطبول التي لا تشيخ. هل نحن في اتجاه مشروع ثقافي ؟، فالهوية الثقافية المغربية يطبعها التعدد (عربي، أمازيغي، إفريقي، أندلسي..). وبالتالي فالفعل الثقافي لا يمكن حصره في الدولة أو وزارة الثقافة. لأن التصور الثقافي ينبغي أن ينهض على رؤية استراتيجية تطرح توافقات حول محددات قصد توحيد الرؤية. فكلما غاب البعد الاستراتيجي، يتضخم ما هو إيديولوجي في التعاطي مع الثقافي. فكثيرة هي الأحداث والتحولات والتوظيفات التي تشطر هذا الثقافي، وتجعل مساره يتحرك بخلفيات. الشيء الذي حول المشهد إلى مشاهد.. فبئس المصير!.