في ظل هذا السياق، وأمام هذا الوضع، ماذا يمكننا، أو يجب علينا القيام به لتحقيق الانتقال الديمقراطي الفعلي، ولتعزيز ثقافة المواطنة عوض ثقافة الرعايا، ونشر ثقافة الانتخاب بوصفها جزءا حيويا من العملية الديمقراطية. فلا ديمقراطية بدون انتخابات. نعتقد، أن إحدى المهمات الأساسية والراهنة، لدى الحركة الديمقراطية التقدمية بالداخل والشتات، والحركة الأمازيغية الديمقراطية المستقلة جزء من هذه الحركة، هي العمل فكرا وممارسة على نشر الثقافة الديمقراطية المحاصرة بكثير من الغموض والتضليل والجهل من جهة، والمحاصرة كذلك بالكثير من الأعداء والخصوم من جهة ثانية. كما أن القيام بالمراجعة الشاملة (التقييم والنقد الذاتي) لمرحلة " العهد الجديد" . وذلك من اجل رسم ملامح وتحديات المرحلة المقبلة والبحث في آليات التصدي لها أولا. وفي أفق اقتراح مشروع مجتمعي بديل ثانيا، تعتبر في نظرنا من أولويات المرحلة الراهنة للقوى الديمقراطية والتقدمية. خاصة أن العديد من المناضلين اليساريين، بما فيهم الأمازيغ، شاركوا في صنع هذا العهد. لا نريد في هذا المضمار الدخول في مناقشة مفهوم الديمقراطية ومسارها التاريخي، بل إننا نسعى إلى إبراز وتوضيح كيف أن هذه الديمقراطية التي يجرى عنها الحديث في بلادنا لا نمارسها في غالب الأحيان في حياتنا الفردية والجماعية، بل أن معظمنا مازال لم يستوعب مضمونها ومعناها الحقيقي. مما لا ريب فيه، أن الديمقراطية تعتبر واحدة من المفاهيم الغامضة لدى عموم الناس، بحيث مازال هذا المفهوم يخضع لملابسات عديدة. لهذا فإننا لا نريد تحديد الديمقراطية في بعدها أو معناها السياسي المحض، الديمقراطية السياسية، أو بصيغة أخرى، تحديدها في المجال الانتخاب والبرلمان وحرية الصحافة..، بل في مجالها الإنساني الأوسع والشامل، باعتبارها (أي الديمقراطية) قضية مجتمع وليست قضية نخبة أو طبقة ما فقط. الديمقراطية هي أهم ركيزة لتحقيق دولة الحق والقانون التي تعتمد على العلمانية والحرية والحوار والتسامح والمساواة بين المواطنين بدون تميز مهما كان وكيفما كان نوعه. وبدون هذا نعتقد انه لا يمكن تحقيق العدالة والمساواة بالمغرب. ومن هذا المنطلق، فان الديمقراطية في تصورنا وفهمنا الشخصي، لا تعنى المشاركة السياسية عبر عملية التصويت والترشيح فقط، كما إنها لا تعنى تقسيم السلطة عبر انتخاب ممثلين عن الشعب، بقدر ما أن الديمقراطية قبل هذا وذاك هي: فكر، سلوك، تربية وأسلوب في العيش، وهي كذلك أخلاق وقيم يحملها الإنسان في وجدانه اليومي . لا يمكن في نظرنا أن يكون الإنسان ديمقراطي مع الأخر أن لم يكون ديمقراطي مع نفسه أولا، ومع محيطه الخاص ( البيت/ الأسرة، العمل..) ثانيا. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لا يمكن لنا الحديث عن الانتقال الديمقراطي دون وجود شعب ديمقراطي يدرك أهمية الديمقراطية في حياته اليومية كأسلوب للعيش. فضلا على أن الديمقراطية تعتبر المناخ الوحيد، والممكن، للتعايش والاختلاف، إن ما هو مطلب اليوم ليس هو الحديث (الكلام) عن الديمقراطية فقط بل العمل على ترسيخها في المجتمع. الديمقراطية ليست سلعة تباع وتشتري في الأسواق، كما أنها ليست بضاعة تستورد من الخارج، بقدر ما أنها ( (الديمقراطية ) فكرا يكتسبه الإنسان من خلال القراءة والتعلم ( الأسرة، المدرسة/ المطالعة والحزب ..) ومن خلال الممارسة اليومية في شتى مناحي الحياة للإنسان (التربية، الشارع، المدرسة، العمل، الجمعيات، النقابات، الأحزاب ......). يشكك العديد من الفاعلين الأمازيغ في الاختيار الديمقراطي للدولة، لكونهم يعتبرون ذلك مناورة منها لاستمرارها في الاستبداد ونهجها لسياسية القمع تحت يافطة " المصالحة ". إن مثل هذا التصور/ الطرح لا يمكن أن يقبله العقل السياسي الناضج أبدا، والمسالة هنا بسيطة للغاية، عندما نتحدث عن مشروع ما أو نازلة ما، لا يمكن لنا الحديث عنه خارج ظروفه وسياقاته، سواء كانت ظروف داخلية أو خارجية. فمغرب اليوم قطعا ليس هو مغرب الأمس. نعم مازال هناك قصور في بعض القضايا، إن لم نقول في كل القضايا،كما أسلفنا بعجالة، وتجاوزات بالجملة في مجال حقوق الإنسان. وفي بعض الملفات الأخرى، هذا الأمر لا شك فيه. لكن في المقابل، هناك انفتاح وتقدم ملحوظ في بعض المجالات، لا يمكن لنا إنكار ونفي ذلك، وهناك هامش من التحرك والمشاركة والتباري السياسي مقارنة مع العديد من الدول. نحن ندرك أن المشروع " الديمقراطي الحداثي" الذي تقترحه الدولة، لا بد أن يتجه في نهاية المطاف نحو الحفاظ على مصالحها الجوهرية والأساسية، وهذا من حقها ، وعلى رأسها الحفاظ على السلطة واستمرارها. لقد أدت التطورات التي عرفها المغرب خلال العقدين الآخرين، إلى ظهور حركات اجتماعية وثقافية احتجاجية قوية داخل المشهد المغربي، لا يمكن لنا التغاضي عنها بسهولة: كحركة المعطلين والحركة الأمازيغية على سبيل المثال. كما أدت هذه التطورات إلى اقتحام وتناول مواضيع وقضايا جديدة في النقاش السياسي والفكري الدائر في بلادنا. حيث كانت هذه المواضيع وإلى عهد قريب تصنف ضمن لائحة الممنوعات والمحرمات في المشهد السياسي المغربي، بشكل من الإشكال، ومن بين هذه المواضيع القديمة والجديدة في نفس الوقت: موضوع الهوية الوطنية، التعدد الثقافي واللغوي،الحكم الذاتي،المصالحة، التنمية المستديمة، الديمقراطية، العلمانية، التسامح،المواطنة، الشذوذ الجنسي وغيرها من المواضيع التي تستحق الذكر والبحث. كما أن موضوع الانتخابات وكل ما يرتبط بهذا الموضوع نال هو أيضا الكثير من الاهتمام، خاصة مع كل فترة اقتراب مواعيد إجراء الانتخابات. ب: المشاركة والمساهمة ثانيا: كثيرا ما يقال أن الانتخابات التي تنظمها الدولة هي " انتخابات صورية" ولا تخدم في العمق مصلحة الشعب المغربي، بقدر ما أنها تكرس فقط الفساد الإداري والأخلاقي السائد حاليا، بل أنها تساهم في استمرار (وانتشار) الانتهازية السياسية، وبالتالي فان المشاركة في الانتخابات، وفق هذا الموقف، يعتبر مساهمة في إنتاج الوضع القائم حاليا. كما هناك من يقاطع الانتخابات باعتبارها تكرس شرعية السلطة القائمة... أكيد، أننا نتفهم جيدا خلفيات هذا الموقف، ولكن، هذا الموقف ليس صحيحا ومنطقيا، إذا ما نظرنا إليه من الناحية الإستراتيجية ومن الناحية السياسية كذلك. أولا، عن أية شرعية يتحدث هؤلاء الإخوة؟ هل المقصد هنا هي شرعية الملك أم شرعية الحكومة؟ اعتقد أن المقصود في موقف هؤلاء الإخوة هو شرعية الملك، فهي الدائمة والمستمرة. أما الحكومة فلا شرعية لها، لكونها أولا: لا تتوفر على برنامج سياسي واضح ومحدد خاص بها بقدر ما هي تقوم بمهمة تنفيذ برنامج الملك، كما صرح بذلك الوزير الأول السيد عباس الفاسي عدة مرات. ثانيا: لكونها لا تتوفر على شرعية دائمة ومستمرة بل شرعية مؤقت فقط. طيب، لنرى إذن شرعية الملك، وفي هذا الموضوع تحديدا نعتبر إن الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات من هذا المنطلق ما هي إلا مزايدة سياسية رخيصة. فالملك يتوفر على كامل الشرعية أردنا أم أباينا. الملك يتوفر على الشرعية القانونية ( الفصل 19 من الدستور) و الشرعية التاريخية( تعتبر الملكية بالمغرب من أقدم الملكيات في العالم) والشرعية السياسية موجودة وقائمة( ليس هناك ألان بالمغرب حزب سياسي يعارض شرعية الملك بمعنى الحقيقي للمعارضة وليس الاختلاف في التصور أو في طريقة تنفيذ مشروع ما. أما الحديث عن الشرعية الشعبية والديمقراطية فيستمدها من نسبة المشاركة في الانتخابات، هذا بغض النظر عن نسبة المشاركة، وذلك للاعتبارين التالين؛ الاعتبار الأول قانوني، والاعتبار الثاني سياسي: الاعتبار الأول: قانونيا لا يمكن وفق القانون المغربي الطعن في نزاهة وشرعية الانتخابات انطلاق من نسبة المشاركة؛ الاعتبار الثاني: مهما كانت نسبة المشاركة ضئيلة وضعيفة فالحياة السياسية يجب أن تستمر، ما عد ذلك يعتبر فوضى وعدم المسؤولية؛ هذا إضافة إلى أن المشاركة في الانتخابات تعتبر في اعتقادنا وسيلة من وسائل التغيير وليست غاية بذاتها،كما تعتبر الانتخابات وسيلة مهمة وضرورية في مسار التغيير السلمي للبلاد. قصد إحداث تغيير جذري في مؤسسات الدولة وقوانينها، كما حدث في العديد من الدول. فمن خلال المساهمة والمشاركة في الحياة السياسية نستطيع قطع الطريق عن المفسدين والانتهازيين، بحيث تشكل المشاركة في الانتخابات مقدمة ضرورية لكل عملية إصلاح أو تغيير في الدولة، وهنا يجب التذكير بنقطة مهمة للغاية، وهي أن التغيير الذي نتحدث عنه في المغرب يتم من داخل نفس النظام وبنفس الأشخاص في غالب الأحيان، هذا الأمر ليس سهلا على الإطلاق. إن السؤال الذي يجب أن يطرح هنا ليس هو لماذا نقاطع الانتخابات؟ فالإجابات عن هذا السؤال كثيرة ومتعددة، وكلها إجابات مبررة. لكن السؤال الذي يجب أن يطرحه المناضلين الامازيغ هو ماذا بعد المقاطعة؟ علينا أن نضع موقفنا في ميزان الربح والخسارة . صحيح انه على المدى المنظور (القريب والمتوسط) لا نشعر بالتأثيرات المباشرة والغير المباشرة، التي يمكن أن تمارسها (تفرضها) الانتخابات في تعيير مجريات الأمور. كما يحدث في العديد من المجتمعات، خصوصا، عندما يتجاوز الشعب المغربي معضلات الفقر والأمية. وفي الواقع، إن مقاربة مسألة الانتخابات تطرح ضرورة أولية تتمثل في طبيعة الظرفية التي تجتازها بلادنا، وهي الظرفية التي تتميز بعودة شبح الاختطافات والاعتقالات السياسية من جهة، وبروز الإسلاميين كقوة سياسية واجتماعية إمام تراجع، إن لم نقول انهيار القوى اليسارية من جهة ثانية، هذا بالإضافة إلى تداعيات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وطنيا ودوليا. هذا على المستوى الواقعي والاجتماعي، إما على المستوى النظري(الفكري) والمعنوي فان مقاربة موضوع الانتخابات يعتبر دوما مقاربة مصحوبة بالصعوبات والمنزلقات. وذلك للسباب التالية: السبب الأول: قلة الدراسات العلمية حول موضوع الانتخابات. السبب الثاني: وجود هوة شاسعة بين المواطنين والإدارة/ الدولة، والتي يمكن تسميتها بأزمة الثقة بين الطرفين. السبب الثالث: ضعف التأطير الحزبي والتواصل مع الجماهير. السبب الرابع: غياب ثقافة الانتخاب لدى الأغلبية الساحقة من المغاربة مع انتشار الصورة السلبية على الانتخابات.استحضارا لهذه الصعوبة واحتمال المنزلقات أيضا لا يمكن للمرء إلا أن يؤكد أن القراءة التي سنحاول تقديمها للقراء، ما هي إلا قراءة بين القراءات الممكنة. إن من أهم المفارقات التي تسم الحقل السياسي المغربي الجديد. هو العزوف / مقاطعة الانتخابات، هذا في الوقت الذي كنا ولإنزال، في زمن وزير الداخلية السابق إدريس البصري نتهم الإدارة (وزارة الداخلية) بالتزوير والتدخل لفائدة الأحزاب الموالية لها، ونطالبها في نفس الوقت بتنظيم انتخابات نزيهة وشفافة. أي انتخابات بدون تزوير وتدخلات، وألان سرنا ندعو ونطالب من الشعب بعدم التصويت في الانتخابات المحلية (الجماعية والبلدية) و البرلمانية. وهذه المرة بدعوة أن الدستور المغربي لا يعترف بالأمازيغية، هذا بالنسبة للإخوة في الحركة الأمازيغية، أم الإخوة الآخرون في الأحزاب السياسية التي تدعوا هي أيضا إلى المقاطعة، فهي بدون شك منسجمة مع نفسها وحجمها وحقيقتها، بحيث أنها تدرك جيدا حجم قوتها وحضوض نجاحها في الانتخابات المقبلة، وبالتالي اتخاذ موقف المقاطعة هو موقف سليم ومنطقي من الناحية التكتيكية، بالنسبة لها( الأحزاب المقاطعة). وهم في موقفهم هذا لا ينطلقون من الواقع القائم بكل تجلياته وسياقاته لاتخاذ موقف سليم ورزين يناسب طبيعة المرحلة التي تجتازها البلاد، بل أنهم ينطلقون من واقع مثالي لا وجود له على أرض الواقع، لأن من يدفع بحركة التغيير والبناء هي المشاركة والمساهمة بالحضور الايجابي، فإذا ما طرأ تغيير ما، بشكل من الإشكال، فلا بد من أن يؤثر على حركة المجتمع التاريخية في اتجاه من الاتجاهات. مأخذنا الجوهري على فكرة المقاطعة ليس في الكيف لكن من قبيل المعنى، المقاطعة لمن؟ هل من خلال مقاطعة الانتخابات نعبر بذلك عن مقاطعتنا للدولة والأحزاب السياسية أم إننا بذلك نقاطع الدستور الذي لا يعترفا بالأمازيغية ؟ هذه الأمور يجب أن توضح للرأي العام، وفي هذا السياق نصوغ بعض الأسئلة من اجل التفكير والبحث الجماعي فيها. أولا ما هو البديل المقترح للمقاطعة؟ إذا كنا نقول أن الانتخابات لا تغيير من الواقع القائم شيء فبماذا سنغير هذا الواقع الذي نسعى جميعا إلى تعييره في نظر الدعاة إلى المقاطعة ؟. ثانيا إذا كنا نقاطع الانتخابات انطلاقا من الفكرة القائلة بأن الدستور الراهن دستورا ممنوحا، ولا يعترف باللغة الأمازيغية فلماذا لا نقاطع المدرسة التي لا تدرس فيها الأمازيغية ولا يدرس فيها التاريخ الأمازيغي مثلا؟ ولماذا لا نقاطع ( نمتنع) أداء الضرائب التي لا يستفيد منها معظم الأمازيغ؟ لماذا لا نقاطع الوثائق الرسمية (البطاقة الوطنية، جوز السفر..) لأنها غير مكتوبة باللغة الأمازيغية؟ وإذا كان رفضنا ومقاطعتنا للانتخابات تعبيرا عن رفضنا لطبيعة الدولة القائمة حاليا، فأية دولة نريد وكيف سنحققها؟. أما أذا كنا من خلال رفضنا ومقاطعتنا الانتخابات تعبيرا عن مقاطعة للأحزاب فلماذا فاز مثلا حزب الاستقلال في الانتخابات التشريعية الأخيرة رغم كل التهم التي نوجهها نحن الامازيغ لهذا الحزب فيما يخص واقع ووضعية الأمازيغ والأمازيغية؟ ما جدوى هذه المقاطعة ادن؟ ثالثا: ما هي إسهامات الأمازيغ سياسيا في مسار التغيير والتجديد في بلادنا؟ وهكذا، ودون التقليل من أهمية الدوافع والخلفيات، التي أدت إلى اتخاذ موقف المقاطعة لدى بعض الهيئات السياسية والمدنية(5)، وبالتالي عدم التصويت في الانتخابات الجماعية المقبلة. فلابد من الأخذ بعين الاعتبار مصلحة الشعب الأمازيغي، التي هي فوق أي اعتبار.صش هذا بالنسبة للأمازيغ المقاطعين، ومن المهم كذلك استحضار حجم التحديات التي تواجها الأمازيغية في ظل استمرار العقلية التقليدية في التعامل مع مطالب الحركة الأمازيغية المشروعة، قبل اتخاذ أي موقف قد يضر بمصلحة الأمازيغ والأمازيغية، وقد تكون له انعكاسات سلبية مستقبلا، تماما كما حدث فيما بعد الانتخابات التشريعية (البرلمانية) الماضية. بكل صراحة، يعاني الوسط الأمازيغي، كما يعاني معظم المجتمع المغربي، من غياب المبادرة والاقتراح، بقدر ما نشتكي أكثر مما نبادر ونقترح، مما يجعلنا نستهلك الخطاب أكثر مما ننتج. ويمكن اعتبار أن الوضعية الراهنة نتيجة منطقية لوجود عدة معوقات تكمن وراءها أسباب سياسية،فكرية،اجتماعية، تعليمية، تربوية، بنيوية ومنهجية. إن وضوح الرؤية/ الموقف شرطا ضروريا في إنجاح العمل، أي عمل . لهذا فان الرؤية الواضحة لا تنبثق ابد باستمرار العقلية التقليدية، بقدر ما عبر قطيعة مع الرؤى القديمة، وتصفيتها، وهذا ما لم يتم بعد عند معظم الأمازيغ. إن طريقة التفكير في الواقع وتحليله، وتحديد أهدافه، فضلا عن أسلوب مواجهته، كل ذلك مازال يتم بطريقة" عتيقة" وبوسائل تقليدية. متى يتجاوز إذن الأمازيغ لغة البيانات؟. انطلاقا من هذه الرؤية للواقع الأمازيغي الراهن، علينا أن نقرأ الواقع المغربي ومشكلاته، في ضوء ما يستجد ويتغير. حتى لا نغرق في العدمية واليأس والإحباط، هذا واجب نضالي. علينا إذن أن نقرأ ما يحدث حتى لا تتجاوزنا الإحداث، وتهمشنا الوقائع، ونخرج بالتالي من حلبة الصراع من اجل حقنا المشروع في الوجود كما نريد وليس كما يراد لنا. أكيد أن العلة ليست دوما في الأخر، أنها بالأحرى كامنة داخل عقولنا، وتصوراتنا، أو على الأقل جزء منها، أي في بنية ثقافتنا، ومنطق تفكيرنا، الذي هو تفكير عتيق، بل انه عقيم في أحيان كثيرة، أنه فكر متجاوز. بحيث أن معظم تفكيرنا، هو تفكير إيديولوجي رافض بالدرجة الأولى لكل ما يأتي(أو قد يأتي) من الدولة والأحزاب السياسية. الإيديولوجية الرافضة لكل شيء هي التي تتحكم في معظم مواقفنا، الإيديولوجية التي تدغدغ العواطف، وتثير أيضا، أحيانا، روح الثأر والانتقام. وهذا النوع من التفكير يعبر عن ضعفنا في تقدير الأشياء أولا، وغياب التفكير الاستراتيجي ثانيا. فكيف نفكر نحن الأمازيغ في القضايا الخارجة عن نطاق الثقافة واللغة؟ إن طرح هذا النوع من الأسئلة ضروري ومهم للغاية في أفق تجديد تفكيرنا، وتحديد مصالحنا بدقة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية نطرح هذا السؤال لكوت أن الإنسان الأمازيغي (المعطل الأمازيغي مثلا) لا يحتاج إلى الثقافة واللغة فقط، بقدر ما انه يحتاج كذلك إلى الشغل والتطبيب والسكن وغيرها من ضروريات العيش الكريم فبدون تحقيق له ذلك لا يمكن لنا أن ننتظر منه الكثير. سؤال أخرى يفرض نفسه بقوة كلما فكرنا عميقا في مستقبل الحركة الأمازيغية بالمغرب، حيث يجرى الكلام في الآونة الأخيرة كثيرا عن دسترة اللغة الأمازيغية في الدستور المغربي كلغة وطنية ورسمية، إلى جانب اللغة العربية. فماذا لو تمت دسترة اللغة الأمازيغية في الدستور؟ ماذا بعد ذلك ؟ هل سنواصل المقاطعة أم إننا سنشارك آنذاك في الانتخابات؟ ما هو مصير الحركة الأمازيغية بعد تحقيق هذا المطلب؟ وكيف نتعامل مع الإحداث الطارئة والوقائع المستجدة؟. ت: إمازيغن والغد المنتظر: إذا فحصنا ممارساتنا الفكرية نجد في الأغلب إننا نفكر بمنطق الدفاع، وبخلفية الضحية، أي إننا دائما ضحايا جهات ما. بمعنى أن أفكارنا مازالت تتمحور حول رد الفعل والتنديد، هذا النوع من التفكير تمليه المواقف النضالية، أكثر مما هو نابع من التفكير الاستراتيجي، والتحليل الموضوعي للواقع القائم من اجل الانخراط في صناعة الحاضر، والمراهنة على ما يمكن أن يحدث في المستقبل. إذا كانت بعض الإطراف السياسية تراهن على الملك في تحقيق مشروع التغيير والانتقال الديمقراطي، والبعض الأخر يراهن على تطبيق الشريعة كما هي منصوص عليها في القران والسنة، والنوع الثالث يراهن على بناء الطبقة العاملة كنواة للتغيير نحو الأفضل، والانتقال نحو النظام الاشتراكي، فعن ماذا تراهن الحركة الأمازيغية؟. نعتقد، انه لا مفر للحركة الأمازيغية من دخول المعترك السياسي، ولو في حدود الهوامش التي يتيحها المشهد السياسي حاليا في بلادنا، هذه حتمية نضالية. علينا إذن أن ندخل عصر المشاركة الفعلية والمؤثرة، وندشن بذلك مرحلة جديدة في نضالنا المشروع، وهذه المرحلة لا يمكن لها أن تنطلق أن لم تبدأ أولا بإحصاء أخطائنا وإخضاعها لعملية تحليل ونقد تستهدف الكشف عن مواطن الضعف والغموض فيها، ومن ثمة الاتجاه نحو التفكير في البدائل الممكنة. عموما، يتميز العمل الأمازيغي بإعادة إنتاج أدوات وتقنيات قديمة( بسارية في معظمها) ، بل وإنتاج نفس المغارف المتداولة وأساليب التفكير، كل ذلك يتحرك في نفس النمط. ومن هذا المنطلق ننادي أولا بضرورة تحقيق القطيعة مع طريقة التفكير التي نعتمدها حاليا في اتخاذ المواقف والنضال. ثانيا ننادي بضرورة المشاركة القوية والمكثفة في الانتخابات الجماعية المقبلة، ليس فقط بالتصويت ولكن بالترشيح أيضا. (6) بحيث أن تواجد المناضلين الأمازيغ في المؤسسات العمومية ضرورة نضالية، وحتمية إستراتيجية، نعتقد انه حان الوقت، إن لم نكون قد تأخرنا شيء ما، للانتقال من العمل الأمازيغي من موقع المطالبة إلى مواقع القرار والتأثير، ومن موقع الاحتجاج إلى موقع المسؤولية / التنفيذ، لا يجب أن يستمر النضال الأمازيغي سجين أسوار البنايات والشوارع فقط. ربما انه لا يخطر ببال المحروم البائس الجائع أن يتفرغ ولو لحظة ما للمعنى المقاطعة، حيث أن زمنه(وقته) مرهون بالكدح في أوحال الفقر اليومي والمعانات المستمرة، ولم يعرف نهائيا ما ينتظره من واجبات المواطنة. الانتخابات شكل من إشكال الديمقراطية، والتصويت شكل من إشكال ممارسة التغيير، كما أن التصويت واجب من واجبات المواطنة وهو حق دستوري طالما نضالنا من اجله. ربما يتصور عامة الإخوة الذين يدعون إلى مقاطعة الانتخابات الجماعية المقبلة أنهم يملكون وعيا سياسيا، وربما يعتقدون أيضا أنهم بذلك يعارضون المخزن. هنا يجب علينا توضيح ثلاثة نقط أساسية فيما نقول حتى يتضح موقفنا أكثر. النقطة الأولى: المعارضة السياسية في الدول والمجتمعات التي تحترم نفسها تكون داخل المؤسسات (البرلمان، مجالس العمالات والبلديات..) بمعنى أنها تخوض أولا الانتخابات وفي حالة عدم حصولها على الأغلبية أو على الأقل عدد الأصوات التي يؤهلها للمشاركة(عقد تحالفات) في تسيير الشأن العام تلتحق بصف المعارضة. انطلاقا من هذه الحقيقة لا نجد أي معنى للأحزاب التي تنادى بمقاطعة الانتخابات؟ فماذا لو كانت الانتخابات ستكون في صالحها هل كانت ستقاطع ؟. وما هي تأثيرها في صنع القرار السياسي والتغيير القانوني؟ النقطة الثانية: إن مشكلة الانتخابات بالمغرب مرتبطة أساسا بنقطتين رئيسيتين أولها متعلقة بمدى الوعي السياسي والاجتماعي لدى المواطنين وبالتالي بمدى إدراكهم لأهمية المشاركة والمساهمة في البناء والتغيير والتجديد. وثانيها متعلقة بطبيعة الدولة نفسها، يخطا كثيرا من يعتقد أن المشكلة تكمن في الشخص الذي يقدم نفسه لترشيح، فهذا الشخص يمارس حقه الدستوري ورغباته وطموحاته الذاتية، المشكلة في طبيعة الدولة نفسها(....) التي هي دولة غير ديمقراطية بامتياز. فكيف يسمح على سبيل المثال لتجار المخدرات بالترشيح للمجالس البلديات والبرلمان وبالتالي تمثيل الشعب في أهم مؤسساته العمومية المصيرية؟ وكيف يسمح للاميين( أشخاص لا يعرفون القراءة والكتابة بتاتا) بتمثيل الأمة في البرلمان والتحدث باسم الشعب؟. النقطة الثالثة: السياسية هي مجال لصراع حول الخيرات والسلط والرموز، صراع يرتكز في عمقه على التصورات والرؤى بالدرجة الأولى، أو هكذا يفترض. السياسية فضيلة وليست رذيلة، ونعتقد أن المعيار الأساسي لقياس العمل السياسي أو أي عمل أخر، هو الفعالية والجدية والغاية هي المصلحة العامة. إضافة إلى أن السياسة هي مجال لصراع حول السلطة انطلاقا من مراعاة موازين القوى وعقد تحالفات بل والقيام بتنازلات كذلك، وبهذه الصيغة فالسياسة هي " فن الممكن " كما يقال. إذا انطلق من هذا التعريف فيجب علينا أن تفكر فيما يمكن تحقيقه وليس فيما يجب أن يكون. ونعتمد التفكير الاستراتيجي عوض التفكير المرحلي(ردود الفعل). وفي الأخير أقول للمناضلين الأمازيغيين انظروا إلى الإمام، ولا تنظروا إلى الخلف كثيرا، فالمستقبل لكم وإمامكم وليس خلفكم، ولكم واسع النظر . ************* المراجع المعتمدة في انجاز هذه العمل: 1: انظر منظور الديمقراطية الاجتماعية في المقاربة السياسية بالمغرب لدكتور بلقاسم كرمني 2: من العار أن يوجد أشخاص أميين لا يعرفون القراءة ولا الكتابة قي البرلمان يمثلون الشعب, ورؤساء المجالس الجماعية، هذه مهزلة لا يجب السكوت عنها 3: انظر رهانات التحول السياسي بالمغرب للأستاذ عبد الله ساعف 4:انظر كتاب الوزراء في النظام السياسي المغربي1955- 1992 للمؤلفة أمينة المسعودي 5: من الهيئات السياسية التي قاطعة الانتخابات الجماعية النهج الديمقراطي كما قاطعة العديد من الجمعيات الأمازيغية نذكر منها تنسيقية مولاي محند والحركة الثقافية الأمازيغية موقع مكناس وموقع سلوان وغيرها.. 6: حول أهمية المشاركة السياسية والتواجد الأمازيغي ( نقصد مناضلين أمازيغين) في أماكن القرار بمكن الإشارة في هذا السياق إلى مثلين مهمين جدا: أ: المثال الأول: بعد ما تم رسميا إقرار الحرف الأمازيغي التاريخي تيفيناغ للكتابة، قرار رئيس بلدية الناظور السابق السيد طارق يحي كتابة إشارة المرور بالحرف الأمازيغي( تيفيناغ)، تصوروا معي لو أن خمسة أو عشرة بلديات فقط في المغرب قامة بنفس الشيء. ماذا سيكون موقف السلطات المركزية؟. ب: المثال الثاني: استطاع الرفيق المناضل موسى أينان ( عضو بلدية هارلم بهولندا) فرض نقاش سياسي وقانوني بهولندا ( محليا ووطنيا) حول لائحة الأسماء التي تعتمدها البلديات الهولندية تجاه المغاربة المقيمين بهولندا، مما أدى هذا النقاش في نهاية المطاف إلى إلغاء العمل بهذه ألائحة. كما أن تواجد مناضلين أمازيغين في مواقع القرار سيدعم ويوفر إمكانيات مادية للجمعيات الأمازيغية.