ننشر سلسلة حوارات مع سياسيين، ومناضلين ومفكرين واقتصاديين وباحثين منشغلين باسئلة المغرب الراهن، علي ضوء عشر سنوات من العهد الجديد. ونحن نريد بذلك حوارا مع الفاعلين ومع تحولات هذا الواقع المغربي نفسه ، الذي بدأت ابدالاته الكثيرة تطرح نفسها على الحاضر والمستقبل. في السياسة كما في الاقتصاد أو في التمثل الثقافي، جاء العهد الجديد بالكثير من المتغيرات كما أنه يحافظ على الكثير من الثوابت..وكما يحدث في كل فعل تاريخي ، يكون الجوار الزمني بين الحاضر والمستقبل موطن افرازات وانتاجات، مادية وتاريخية تستحق المساءلة والاستنطاق. اليوم مع محمد مجاهد الأمين العام لحزب الاشتراكي الموحد بعد مرور 10 سنوات على حكم الملك محمد السادس، ما هو تقييمكم لهذه الفترة؟ من أجل تقييم ناجع لهاته الفترة، ومن أجل فهم عميق لها، وجب بالضرورة وضعها في سياقها التاريخي، فهي جزء واستمرارية للمرحلة التي ابتدأت سنة 1996 بعد أن صوت جزء من القوى الديمقراطية بنعم على دستور 1996 ، وبعد المشاركة على أساس هذا الدستور في حكومة ما يسمى أنذاك " بحكومة التناوب التوافقي " كما أن هاته المرحلة أعقبت المد الذي عرفه النضال الديمقراطي والدينامية النضالية الشاملة التي طبعت الصراع السياسي بمختلف مستوياته..حيث تميزت هاته الفترة 90-96 بتشكيل الكتلة الديمقراطية ومطالبتها بالإصلاحات الدستورية والسياسية، وبتصاعد النضالات الاجتماعية وطنيا وقطاعيا والتقارب بين المركزيات النقابية، وتنامي المجتمع المدني وطرحه مطالب عدة في مختلف المجالات. وقد تداخلت عدة عوامل داخلية وخارجية في إطلاق هاته الدينامية، والتي وصلت إلى نهايتها في أواخر التسعينات كما ان التقييم سيبقى مبتورا وناقصا بدون طرح الأسئلة الجوهرية التالية : هل الرهانات الكبرى التي طرحت سواء بعد 96 أو 98 أو 99 والآمال والانتظارات المعقودة لدى شرائح واسعة من الشعب المغربي هل هي في طور التحقق فعلا؟ هل المغرب خلال هاته المرحلة تمكن من تحقيق القفزة الحضارية التنموية ومن التقدم في بناء نموذجه الديمقراطي المستوعب للقيم الكونية للحداثة وللديمقراطية ولحقوق الإنسان ؟ هل المغرب تمكن من تجميع المؤهلات والشروط لبناء اقتصاد وطني قوي قادر على تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم لكل المواطنات والمواطنين. وعلى هذا الأساس فإن تقييم هاته الفترة عليه أن يتجاوز المنطق التبسيطي الكمي، وألا يكتفي بتعداد ما أنجز وما لم ينجز، بل يجب النظر لهاته الفترة بالأساس انطلاقا مما آل إليه الوضع السياسي وما يعرفه من مستجدات نوعية، وما تؤشر إليه من دخول المغرب لمرحلة جديدة سمتها الغالبة هي التراجع، وإعادة انتاج نفس الآليات التي أثبت التاريخ فشلها. ما الذي تحقق ، وما لم يتحقق منذ 1999 إلى حد الآن؟ إن سؤالكم يقتضي القيام بجرد عام وموجز لمختلف المجالات والقطاعات: 1 - فعلى المستوى الدستوري وإصلاح النظام السياسي: بعد مرور 13 سنة على دستور 96، مازال هذا الأخير هو الذي يؤطر الحياة السياسية والعلاقة بين المؤسسات الدستورية. فبعد الإشارات الإيجابية التي تضمنتها الخطب الملكية في بداية هاته الفترة وما فتحته من إمكانية القيام بإصلاحات في هذا المجال، يتضح الآن أن الدولة ماضية في ترسيخ الملكية التنفيذية وحتى التعديلات التي تطرح في الأفق، لن تمس الجوهر، بل ستكون تعديلات محدودة وجزئية مرتبطة بالأساس بالجهوية والحكم الذاتي في مناطقنا الجنوبية. 2 - فعلى مستوى القضايا السياسية: - في ملف الانتخابات: فإننا نسجل التقدم الحاصل على مستوى العمل بالنظام اللائحي / الفردي عوض النمط الفردي و كذلك على مستوى حجم التزوير المباشر، حيث كان عاما وشاملا في السابق، وأصبح الآن محدودا ويلجأ إليه عند الحاجة كما وقع في بعض الدوائر الانتخابية. كما نسجل ما تحقق على مستوى تمثيلية المرأة داخل المؤسسات المنتخبة، حيث خصصت لها كوطا 10 % داخل البرلمان و 12 % داخل الجماعات المحلية، علما ان الحركة النسائية الديمقراطية تطالب بالثلث في اتجاه المناصفة. فبالرغم من هاته الإيجابيات المحدودة فإن العملية الانتخابية برمتها مازالت تشوبها اختلالات عميقة، تتمثل بالأساس في الاستعمال الواسع للمال ودعم السلطة للأحزاب المحسوبة على الدولة . - ملف حقوق الإنسان وحرية الرأي: عرف هذا الملف تطورا إيجابيا منذ عقد التسعينات، بدءا بالعفو العام وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين واستمر هذا المنحى خلال هاته الفترة من خلال تعويض المتضررين وتشكيل لجنة الإنصاف والمصالحة والتي أنجزت تقريرها المتضمن لمجموعة من التوصيات الإيجابية، لكنها بقيت حبراعلى ورق. كما أن ملف المختطفين ومجهولي المصير وعلى رأسهم ملف الشهيد المهدي بن بركة مازال يراوح مكانه لحد الآن. كما عرفت هاته الفترة حسم الملك في مدونة الأسرة بعد الانقسام الحاد الذي عرفه المجتمع حول هاته القضية، وقد كان هذا الحسم استجابة نسبية لمطالب التيار الحداثي داخل المجتمع. و في المقابل فإن ملف حقوق الإنسان وحرية الصحافة وحرية الرأي يعرف تراجعا بينا خلال السنوات الأخيرة وذلك من خلال: - الهجوم على مدينة سيدي إيفني وإنزال العقاب الجماعي على ساكنتها وارتكاب الانتهاكات الجسيمة. - الاعتداءات المتكررة على الوقفات والمسيرات الاحتجاجية. - المحاكمات العديدة التي تمس بحرية التعبير. - التضييق على حرية الصحافة من خلال إصدار أحكام وغرامات خيالية في حق عدة جرائد وطنية. - محاكمة المعتقلين الستة ضمن ملف الإرهاب، حيث أن المعطيات سواء المتعلقة بالمسار الفكري والسياسي للمعتقلين الستة أو تلك المرتبطة بحيثيات الملف بتوجيه تهم ترجع إلى ما قبل مرحلة العفو العام ، تطرح أسئلة مقلقة خصوصا بعد الأحكام القاسية في حق المعتقلين الستة. - ملف محاربة الفساد وتخليق الحياة العامة وتحديث الإدارة: بالرغم من كل الخطابات الرسمية والإجراءات المتخدة بدءا بمذكرة الوزير الأول الأسبق الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي وصولا إلى تشكيل الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، فإن هذا الملف مازال يراوح مكانه وذلك من خلال عدة مؤشرات: - تراجع المغرب في الترتيب العالمي لمحاربة الرشوة. - استمرار نظام الامتيازات والمصالح غير المشروعة ومظاهر نهب المال العام وبقاء ناهبي المال العام في منأى عن كل محاسبة أو مساءلة. - القيام بمحاكمات انتقائية ومحدودة وصل بعضها إلى تبرئة المتهمين. ويتضح من خلال تعثر هذا الملف، أنه مرتبط ببنية الحكم وبالتالي فإن إصلاحه مرتبط بإصلاح النظام السياسي برمته. 3 أما على مستوى الأوضاع الاقتصادية: فإننا نسجل التطور الذي عرفه الاقتصاد المغربي خلال هاته الفترة و بالخصوص ( مدة 2003 - 2008 ) سواء بالنظر لتحسن المؤشرات الماكرواقتصادية أو لما تحقق من بنيات تحتية ( الطرق السيارة - الموانئ - المطارات - توسيع شبكة الكهرباء و -الماء الصالح للشرب ) و -بالمقابل فإن عوائق بنيوية عديدة، مازالت تقف حاجزا أمام التطور النوعي المستدام لاقتصادنا الوطني، تتمثل أساسا في سيادة الفساد الإداري واستمرار مظاهر اقتصاد الريع، وهيمنة عائلات محدودة على الاقتصاد الوطني وضعف وغياب استراتيجيات مندمجة وناجحة للنهوض بالاقتصاد الوطني خصوصا بالنسبة للقطاع الصناعي. ونظرا لهاته العوائق، فإن الاقتصاد الوطني يبقى سريع التأثر بالتقلبات المناخية والدولية. وهكذا فبعد الأزمة العالمية المالية والاقتصادية أصبح يتضح يوما بعد يوم أن الاقتصاد الوطني والمالية العمومية دخلا مرحلة صعبة ويتضح ذلك من خلال: - تراجع الصادرات وتنامي العجز التجاري وبروز العجز المقلق في ميزان الأداءات. - التراجع لمجموعة من القطاعات الانتاجية و الخدماتية ( السياحة - البناء - النسيج - الجلد- القطاع الصناعي) إضافة إلى التراجع الذي يهم عائدات المغاربة في الخارج. - تقلص وتراجع عائدات مداخيل الدولة خاصة العائدات الضريبية والجمركية، مما سيكون له الأثر السلبي على الاستثمار العمومي وعلى القطاعات الاجتماعية خلال السنوات المقبلة. 4 - أما في ما يخص ملف التعليم، فإن كل المؤشرات الكمية والكيفية تؤكد أزمة نظامنا التعليمي، وتبين أنه لحد الآن غير قادر على لعب أدواره المجتمعية الحيوية، سواء في ما يخص القضاء على الأمية وتعميم التمدرس وتأهيل المجتمع، أو في ما يخص إشاعة قيم التنوير والحداثة أو الاستجابة لمتطلبات التنمية. 5 - أما على المستوى الاجتماعي: فالبرغم من المبادرات المتخذة ( مبادرة التنمية البشرية ) أو الخطابات الرسمية الداعية للقضاء على الفقر والتهميش، فإن كل الإحصائيات تدل على تفاقم الفوارق الطبقية كما ان هناك مساحات واسعة من الفقر والتهميش تعاني منها مناطق عديدة ( خصوصا في الجنوب والشرق) وكذلك أحياء هامشية في المدن والتي تفتقد لأبسط وسائل الحياة . هناك، حسب خطب الملك إرادة للتغيير على عدة مستويات، هل ترجمت هذه الخطب على أرض الواقع وما هي الأسباب أو الجهات في نظركم التي شكلت عناصر تعثر؟ بالرغم من الإشارات التي تضمنتها الخطب الملكية خصوصا في السنوات الأولى، يجب علينا ألا ننسى القوانين المتحكمة في تطور المجتمعات. فقد علمتنا مختلف التجارب الإنسانية ( مع بعض الإستثناءات القليلة كما وقع في اليابان في أواخر القرن 19 والاستثناء لا قياس عليه) أن أي تحول مجتمعي عميق، بما في ذلك التعبير الديمقراطي في بلادنا لا يمكن أن يكون إلا ثمرة و حصيلة ترجيح ميزان القوى لصالح القوى الحاملة لمشروع التغيير. و إذا رجعنا إلى التجربة العينية في بلادنا، فبعد انتقال جزء من القوى الديمقراطية إلى موقع تدبير الشأن العام على أساس دستور 1996 ، أصبحت الدينامية النضالية التي عرفها المغرب منذ بداية التسعينات تخفت شيئا فشيئا، كما اصبحت القوى الديمقراطية واليسارية تفقد رويدا ورويدا جزءا من إشعاعها وتأثيرها ومصداقيتها وارتباطها بقاعدتها الاجتماعية. وفي المقابل تقوت القوى المحافظة بشقيها على حساب القوى الديمقراطية ، أي قوى الفساد التي استفادت خلال أكثر من أربعين سنة من الريع السياسي والاقتصادي وكذلك تقوت القوى الأصولية وأصبحت تخترق مجموعة من المجالات. وهكذا في ظل هذا الوضع أصبحت الدولة أكثر إمساكا بالمبادرة السياسية وأكثر تحكما في المجال السياسي. ما هو تقييمكم للوضع السياسي الراهن؟ إننا نعتبر أن المغرب دخل مرحلة جديدة، بدأت ملامحها تتضح مباشرة بعد انتخابات 2007، وأصبحت كل الأحداث والوقائع الواحدة تلو الأخرى تؤكد ذلك. فمع ضعف القوى اليسارية و الديمقراطية وتشرذم آلياتها النضالية ( القوى الديمقراطية المشاركة في الحكومة و المعارضة) وافتقادها للمبادرة السياسية، أصبح النزوع التحكمي للدولة يتزايد يوما بعد يوم. فقد تابعنا كيف تم خلق حزب إداري جديد وتوفير كل الدعم المادي والسياسي والإعلامي والرمزي له، وكيف أنه وفي ظرف وجيز تمكن من احتلال المرتبة الأولى في الانتخابات الجماعية. إن كل المؤشرات تدل ان هذا المنحى التراجعي مازال مستمرا، وانه علينا أن ننتظر المزيد من الأحداث التي قد تفاجئنا . إننا نعتقد أن إيقاف هذا المنحى التراجعي يمر بالضرورة أولا بإدراك كل الديمقراطيين بمختلف مشاربهم ومواقعهم لهاته المرحلة الجديدة، وما تنذر به من تهديد للمشروع الديمقراطي ومن تهميش للقوى اليسارية والديمقراطية، وثانيا بضرورة فتح جسور الحوار والتواصل بين كل المكونات اليسارية وصولا للتعاقد على برنامج نضالي شامل يكون في مقدوره أن يعيد لليسار حيويته وارتباطه بالطبقات والشرائح الشعبية والتعبير عن آمالها وتطلعاتها امتدت فترة الانتقال الديمقراطي لمدة سنوات، حيث عاش هذا الانتقال في ظل حكمين، حكم الملك الراحل الحسن الثاني، وحكم محمد السادس ، كيف تقيمون الانتقال في ظل المرحلتين وما هو مآل الانتقال اليوم؟ في ما يخص الشق الأول من سؤالكم حول " الانتقال" في ظل حكمين ، إن موقفنا ثابت من هاته القضية. إننا نعتبر أن ما وقع في 96-98 لا يعدو أن يكون توافقات شفهية، بينما نحن نعتقد أن الانتقال الديمقراطي الذي تتوفر فيه شروط الحياة والنمو هو الذي يأتي ثمرة تعاقد معلن، غالبا ما تجسده الوثيقة الدستورية ومجموعة من الإجراءات و التدابير السياسية المرافقة. فإذا كان هذا الأمر مثار تقديرات مختلفة داخل اليسار، فإني أعتقد أن مآل الانتقال اليوم لا يثير نفس الاختلاف السابق، فجل اليساريين إن لم أقل كل الأصوات اليسارية ترتفع لتعلن أنه بعد 13 سنة على دستور 96 لم يتحقق الانتقال الديمقراطي بل على العكس من ذلك دخل المغرب مرحلة جديدة مطبوعة بالانحباس والتراجع. 10 سنوات من حكم الملك محمد السادس، لم يسجل فيها لحد الساعة أي تغيير على مستوى الإصلاحات الدستورية، ما هي قراءتكم لذلك؟ لم يتحقق الإصلاح الدستوري خلال ال10 سنوات ، و لا إصلاح دستوري جوهري في الأفق كما سبق لي أن وضحت في محور ما أنجز وما لم ينجز. ان ذلك مرتبط بموازين القوى. إن مسألة الانتقال الديمقراطي بما يعنيه ذلك من إصلاح دستوري و سياسي عميق تشكل العمود الفقري في المشروع المجتمعي للقوى الديمقراطية واليسارية منذالاستقلال ، إن هذا الإخفاق يسائلنا نحن جميع الديمقراطيين بمختلف مواقعنا ويطرح علينا سؤال المستقبل. ارتباطا بموضوع الإصلاحات الدستورية ما هي الأولويات في هذا الباب بالنسبة إليكم؟ كما تعرفون لقد سبق لحزبنا أن أنجز وثيقة مرجعية شاملة للإصلاحات الدستورية والسياسية. كما أعد مذكرة مطلبية بهذا الشأن واقترح منهجية في طريقة إعداد التعديلات الدستورية . إننا نتعاطى مع هذا الملف انطلاقا من اعتبارين أساسين: 1 - إننا نعتقد أن أوضاع التخلف الاقتصادي والاجتماعي والتي كادت ان تؤدي إلى السكتة القلبية في آواخر الثمانينات سببها الجوهري هو العطب في نظامنا السياسي باعتباره نظاما لمركزة السلطة والثروة والتحكم في كل السلط. 2 - إن كل التجارب الديمقراطية التي وفرت لنفسها شروط الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي والتضامن الاجتماعي كلها تشترك بالعمل بما أسميه الجدع المشترك أو القواسم المشتركة المتضمنة في كل التجارب الديمقراطية على اختلاف أنظمتها السياسية ويمكن تلخيصها في ما يلي : من يحكم يأتي من صناديق الاقتراع و الذي يحكم يساءل ويحاسب إضافة إلى مساواة جميع المواطنين أمام النقاش. و على هذا الأساس، فإننا حين نطرح مسألة الإصلاحات الدستورية والسياسية، فإننا نريدها أن تكون مقدمة ومدخلا لتدشين مجموعة من الإصلاحات الكبرى على أسس سليمة في مجال الاقتصاد - القضاء - التعليم - الإدارة - تخليق الحياة العامة - الانتخابات - حقوق الإنسان - المرأة ......إلخ الأولويات بالنسبة إلينا هي ان يتمكن المغرب من أن يقطع مع الفترة الماضية و يدشن صيرورة جديدة تتجه في أفق إرساء قواعد الملكية البرلمانية ويمكن تلخيص هاته الأولويات في ما يلي: - فصل السلط وبناء مؤسسات حقيقية. - مساواة جميع المواطنين أمام القضاء. - استقلال ونزاهة القضاء وجعل القضاء سلطة دستورية. - ربط القرار السياسي بصناديق الاقتراع و إعطاء الحكومة ومؤسسة الوزير الأول الصلاحيات الكاملة لتدبير الشأن العام بكل مجالاته بما في ذلك تعيين وإقالة العمال والولاة والموظفين السامين. - حذف الغرفة الثانية وتعويضها بالمجلس الاقتصادي الاجتماعي. - جعل البرلمان يقوم بدوره الكامل في التشريع وفي مراقبة المؤسسات العمومية، وتسهيل مسطرة تشكيل لجان تقصي الحقائق. - بناء نظام جهوي متقدم - تنصيص الدستور على الهوية الأمازيغية كجزء من الهوية المغربية العربية الإسلامية الأمازيغية والاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة وطنية . - جعل مجموعة من الحقوق التي تهم حقوق الإنسان والمرأة حقوقا دستورية. كيف تنظرون إلى المطالبة بالإصلاحات الدستورية هل بشكل منفرد أم عن طريق تكتل مع القوى التي ترون انها تتقاسم معكم نفس الرؤية؟ إننا نعتقد أن المرحلة الجديدة وما تتسم به من مستجدات نوعية سلبية ، تطرح على كل اليساريين والديمقراطيين تحديات كبرى. ومن هذا المنطلق فإن المرحلة اكبر من أن يواجهها مكون يساري لوحده، فإذا ما أردنا استعادة المبادرة السياسية والتأثير الفعلي في الصراع السياسي وإرجاع الثقة في المشروع الديمقراطي ، أعتقد أنه ليس هناك خيار آخر غير خيار الحوار بين كل المكونات اليسارية وصولا ليس فقط للتعاقد حول مطالب الإصلاحات الدستورية والسياسية، بل أيضا حول باقي النقط الأخرى: كمحاربة الفساد، المسألة الاجتماعية، الانتخابات إلخ وبلورة فهم مشترك للمرحلة وكيفية مواجهتها . وتأسيسا على هذا المنظور فقد أطلق حزبنا مبادرة سياسية بهدف توفير الشروط لبناء فيدرالية اليسار، ولقد بدأنا مشاوراتنا ولقاءاتنا مع الإخوة في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي والإخوة في حزب التقدم والاشتراكية ومع الإخوة في الحزب الاشتراكي. كما اننا نطلع دوريا رفاقنا في تحالف اليسار الديمقراطي على كل المستجدات في هذا الشأن. ويمكن القول إن اللقاءات الأولية إيجابية، وهناك ترحيب بالفكرة، ونأمل أن تعرف الأسابيع القادمة تسريع وتيرة العمل في هذا الباب. ما تقييمكم للأجواء التي مرت فيها الانتخابات الجماعية الحالية؟ لقد تميزت الانتخابات الجماعية باختلالات كبرى نجملها في ما يلي: - الاستعمال الواسع للمال. - الحياد السلبي لأجهزة الدولة بما يعنيه ذلك من السكوت عن المفسدين وبالتالي التواطؤ معهم . - دعم رجال وأعوان السلطة للأحزاب المحسوبة على الدولة وخاصة الحزب الجدبد. - عدم التكافؤ في الحضور الإعلامي واستحواذ البعض على النصيب الأوفر في الإعلام العمومي خصوصا قبل الحملة الانتخابية. - اللجوء للتزوير المباشر حينما تعجز الآليات الأخرى عن التحكم في النتائج الانتخابية كما وقع في دائرة يعقوب المنصور، حيث عقدت 7 أحزاب ندوة صحفية وقدمت دلائل قاطعة تثبت وقوع التزوير بما في ذلك خروج عشرات من الأوراق الفريدة ومحاضر موقعة سلفا و طالبت الأحزاب السبعة وزارة الداخلية بإرسال لجنة للتحقيق في الوضع، ولحد الآن ليست هناك أي استجابة تذكر بينما تابعنا كيف أن ورقة فريدة واحدة وصدور حكم قضائي جعل وزارة الداخلية تستجيب و بسرعة متناهية لطلب الحزب الجديد تشكيل لجنة برئاسة ثاني مسؤول في وزارة الداخلية. كما أن ظاهرة العزوف عن المشاركة في الانتخابات أصبحت ظاهرة ثابتة، فالبرغم من الإعلان عن النسبة الإجمالية للمشاركة 52 % فإننا نعرف أن نسبة المشاركة في الحواضر أقل من ذلك بكثير خصوصا في المدن الكبرى ، والمقلق أكثر في الأمر أن العزوف يهم الفئات الوسطى والمتنورة، والتي لم تعد بالنسبة إليها الانتخابات تمثل اي جاذبية نظرا لما يطبع العملية من اختلالات كبرى ونظرا لأن نتائج الانتخابات لا تؤثر على القرار السياسي ، ولا على السياسات العمومية. أما في ما يخص نتائج الانتخابات فقد أسفرت عن تراجع كل الأحزاب اليسارية بدون استثناء، حيث فقدت هاته الأخيرة مئات الآلاف من الأصوات فيما تقدمت الأحزاب الإدارية وبالخصوص الحزب الجديد الذي احتل المرتبة الأولى، كما حافظ الحزب الأصولي على مواقعه التقليدية داخل الحواضر وبالخصوص في المدن الكبرى. في ظل النتائج التي أفرزتها هذه المحطة الانتخابية، تبين أن منطق التحالفات لم ينبن على تقاطعات في البرامج و التصورات، ما هي الخطوات العملية التي ترونها كفيلة لتلافي مثل هذا الارتباك؟ إن اليسار اليوم ( بتعدده) هو في موقع الضعف / الأزمة . إن هذا الوضع يولد منطقين في التعامل: إما الإعتراف بالضعف، والعمل على معرفة الأسباب للإنطلاق بعد ذلك للبحث عن المخارج الحقيقية لتجاوز الوضع الصعب والتي تتطلب بذل المجهودات اللازمة لذلك . وإما منطق اللجوء إلى سياسة التغطية على الضعف والبحث عن حلول وهمية سرعان ما تصبح عاملا إضافيا في الأزمة. و بعبارة أوضح إن لليسار خصوما، وخصومه هم من جهة قوى الفساد وأيضا القوى الأصولية المناهضة للمشروع الديمقراطي ولقيم الديمقراطية والحداثة وحقوق الإنسان. وأي خطأ في التقدير على هذا المستوى سيؤدي اليسار ثمنه غاليا، ولنا في تاريخنا كثير من العبر تؤكد ذلك. كما ان أي التقاء أو تحالف تكتيكي غير طبيعي في هذا الظرف لن يكون اليسار هو المستفيد منه، بل الطرف الأقوى هو الذي سيستفيد. وعلى هذا الأساس، وتأسيسا على ما سبق فإن الخطوات الكفيلة بتلافي هذا الإرتباك هي : أولا : على كل حزب يساري مسؤولية تعميق النقاش حول الوضع السياسي الجديد وفهم الميكانيزمات التي أنتجته وما يفرضه علينا جميعا من تحديات ومتطلبات. ثانيا: البدء في الحوار بين المكونات اليسارية وصولا إلى صيغة تنظيمية متقدمة من العمل الوحدوي اليساري على قاعدة برنامج مشترك، وسيشكل ذلك بداية الألف ميل وميل الذي علينا أن نقطعه جميعا . هل اليسار ضمن المنظومة الحالية يجب أن يكون إلى جانب الملكية بخصوص مشروع التحديث أم يتطور في استقلال عنها؟ أولا يجب التمييز بين التحديث والحداثة. فالتحديث يعني ما هو تطور تقني وتكنولوجي بينما للحداثة مدلولا أعمق ولها حمولة فكرية وثقافية وسياسية. ويمكن القول ان الديمقراطية هي التجلي السياسي للحداثة أو بمعنى آخر الحداثة هي القاعدة النظرية الخلفية الحامية والمحصنة للديمقراطية. وجوابا عن سؤالكم فإن على اليسار ان يحقق هويته ووحدته ولليسار مجال تحركه الخاص والمستقل. كما ان بناء الدولة الحداثية والديمقراطية سيتطلب بالضرورة ترجيح موازين القوى لصالح الخيار الديمقراطي وصولا طبعا إلى التعاقد مع المؤسسة الملكية لإنجاز هذا الحلم المغربي الذي سيفتح الأفق لتقدم وازدهار البلاد.