بعد مرور خمسين سنة على ميلاد الاتحاد الاشتراكي المنحدر من الاتحاد الوطني، استطاع مناضلو هذا الحزب أن يقتلوا الزعيم وأن ينصبوا أمينا عاما للاتحاد بالانتخاب المباشر والتنافسي، 50 عاما والاشتراكيون «الديمقراطيون» يعيشون في كنف زعماء من أمثال عبد الله إبراهيم والمهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي، ثم أخيرا محمد اليازغي الذي أخطأ قراءة المرحلة فسقط ضحية تأخره في الانسحاب من مسرح الزعماء إلى حلبة الأمناء العامين المنتخبين وفق تعاقد واضح وبرنامج محدد. الراضي ولو أنه وجه من الماضي ويجر خلفه جزءا من المسؤولية عما آل إليه الاتحاد، إلا أنه اليوم كاتب أول يحظى بالشرعية الديمقراطية وليس التاريخية. و340 مناضلا الذين صوتوا عليه من بين أكثر من 1300 مؤتمر، أفضل مائة مرة من إجماع «زائف» أو تعيين على شكل رؤساء القبائل ومرشدي الزوايا الدينية... الراضي دخل تاريخ الاتحاد الاشتراكي من بابه الديمقراطي، وهذا تطور هام في الحياة السياسية للأحزاب الوطنية. اليوم يتوفر المغرب على ثلاثة أمناء عامين وصلوا إلى قيادة أحزابهم بانتخابات مفتوحة وتنافسية وشفافة، وهم مصطفى المنصوري وعبد الإله بنكيران وعبد الواحد الراضي. هل نحبهم جميعا أم لا؟ هل هم ديمقراطيون قولا وفعلا أم لا؟ هل يتوفرون على مشروع سياسي لدمقرطة البلاد أم لا؟ لا يهم في هذه المرحلة نوع «المشاريع» التي يحملونها، المهم أنهم وصلوا باختيار وإرادة القواعد الحزبية، وليس بإرادة القصر أوبالخضوع لمنطق الزعامة التقليدي، وهذا التحول هام جدا، لأنه من جهة ينزع صفة القداسة والهيبة عن زعماء الأحزاب، ويجعلهم خاضعين لمنطق المحاسبة والنقد، ومن جهة أخرى يساعد المنطق الديمقراطي على تداول القيادة بين الأجيال والمشاريع والتيارات المختلفة، ويُحل الانتخاب في التداول على قيادة الأحزاب محل الموت، ومن ثم يتم تجنب «الانشقاقات» الحزبية وداء الروماتيزم الذي يصيب الأحزاب نتيجة طول بقاء قياداتها في مواقع المسؤولية... هل كان لابد من «انتكاسة» حزب الاتحاديين في الانتخابات الأخيرة، وتراجع حضوره في الساحة السياسية، وجمود أدائه في مسرح الفعل، ومشاركته «الكاريكاتورية» في حكومة عباس... هل كان ضروريا أن يقع كل هذا الانهيار في الجدار الاتحادي ليمر الحزب من الشرعية التاريخية إلى الشرعية الديمقراطية... يبدو أن الجواب هو نعم، هناك من يفهم اتجاه التاريخ على بعد كيلومترات، وهناك من لا يحس بالتاريخ إلا وهو يجرفه ضمن سيل هامر... مازالت أسئلة كثيرة معلقة غير نقطة القيادة الديمقراطية للحزب، ولا أحسب المؤتمر قادرا، في ظل الظروف الراهنة، على الحسم فيها، وفي مقدمة هذه الأسئلة هوية الاتحاد اليوم ومشروعه، وما إذا كان سيستمر في حكومة بلا «لون ولا طعم»، أم إنه سينزل إلى المعارضة لإعادة بناء سفينة الحزب التي أخطأت مرافئ الانتقال الديمقراطي واختطفتها «الطموحات الشخصية» لقادة الحزب.. طموحات ظهر أن جلها لا يتطابق ومصلحة البلاد والحزب والمستقبل... إذا كان الراضي سيشكل تلك القنطرة الانتقالية لعبور جيل جديد من أبناء الاتحاد يحمل بيد مشروع الاتحاد الأصيل (دمقرطة الدولة والمجتمع) وبأخرى حصيلة نقد ثلاث تجارب فاشلة للمشاركة في الحكومة دون حكم.. إذا كان الراضي سيقوم بهذه المهمة فإنه سيسدي للمغرب وللاتحاد خيرا كثيرا...