بنسعيد آيت إيدر: الوفاء للمبادئ فضل بنسعيد أيت إيدر الانزواء والابتعاد عن العمل السياسي بعدما نجح في توحيد مكونات نشطة من اليسار الجديد في إطار حزب سياسي اختير له اسم اليسار الاشتراكي الموحد، قبل أن يعدل الاسم قليلا ليصبح الحزب الاشتراكي الموحد. ومع أن هذا الزعيم، الذي عانق الأفكار اليسارية بالرغم من تكوينه الديني، كان يتنقل بين الرباط والدار البيضاء كثيرا ولا يزور بلدته الأصلية اشتوكة أيت باها بمنطقة سوس، فإنه تمسك بالابتعاد عن السياسة بعدما قال إنه أدى دوره وانتهت مهمته بمجيء نخبة شابة، استطاع أن يجمع شتاتها في حزب واحد أقر التيارات داخله ونجح، إلى حد كبير، في تدبير اختلافاته. ويعد بنسعيد أيت إيدر، إلى جانب كونه من الزعماء السياسيين لمرحلة الاستقلال، من أبرز المقاومين ضد الاستعمار. وقد بدأ مساره السياسي بالمقاومة المسلحة. ولم تقنعه سياسة الحسن الثاني في فترة الاستقلال، الشيء الذي دفعه إلى الارتماء في أحضان اليسار. ودخل السجن، في عهد الحسن الثاني أكثر من مرة، قبل أن يسمح له بالعمل السياسي في إطار منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وهي المنظمة التي اندمجت في إطار حزب جديد مع مكونات من اليسار الجديد. وسبق نشاطه كزعيم داخل المنظمة ولوجه لحزب الاستقلال في مرحلة الاستعمار. وانشق عن هذا الحزب في سنة 1959، رفقة مجموعة المهدي بنبركة لتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وتعرض للاعتقال أول مرة سنة 1960، أي في ظل حكومة عبد الله إبراهيم. واعتقل ثاني مرة في سنة1963، وغادر المغرب وصدر في حقه حكم غيابي بالإعدام عام 1964. وفي الستينيات، كان أيت إيدر من مؤسسي تنظيم «23 مارس»، وهو من التنظيمات اليسارية السرية التي أرادت قلب نظام الحكم بالمغرب. وبعد فشل العمل السري، ومعه التحولات العالمية والمحلية، دخل ما يعرف بالنضال الديمقراطي، في إطار منظمة العمل الديمقراطي الشعبي. وبدأ هذا المسار في سنة 1983. وفي سنة 2002، تخلى عن مسؤولياته في الأمانة العامة للحزب الجديد، وبرر تخليه عن المسؤولية بضرورة فتح المجال أمام النخب الشابة. وقد خلفه في المسؤولية الطبيب محمد مجاهد، ونائبه محمد الساسي. عبد الحميد أمين: خروج المهندس أنهى المؤتمر الوطني الثامن للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أشغاله يوم 23 أبريل الماضي بانتخاب خديجة الرياضي رئيسة للجمعية. وتوارى عبد الحميد أمين إلى الصف الثاني ليفسح المجال أمام امرأة لتقود هذه المنظمة الحقوقية المؤثرة بتقاريرها وتظاهراتها. وشكل هذا المستجد (تبوؤ امرأة لمنصب رئيس جمعية حقوقية) الحدث الأبرز في المشهد الحقوقي المغربي، فيما أكد أمين، في تصريحاته بعد ذلك، أنه سيكون رهن إشارة الجمعية للدفاع عن القضايا الحقوقية ببلادنا. ولوحظ أنه يصر على حضور جل أنشطتها وتظاهراتها. قاد عبد الحميد أمين الجمعية لولايتين، الأولى في سنة 2000، والثانية في سنة 2004، قبل أن يتنحى عن الرئاسة في انتخابات بالاقتراع السري المباشر. ازداد أمين بتيسا، بنواحي مدينة فاس سنة 1944، وهي الفترة التي عرفت في المغرب بتصعيد النضال من قبل الحركة الوطنية، مطالبة باستقلال المغرب. درس بفرنسا، وتخرج من المعهد الوطني للفلاحة بباريس سنة 1970. وكان من مؤسسي منظمة «إلى الأمام» رفقة أبراهام السرفاتي وآخرين. وتعد هذه المنظمة من أنشط المنظمات الماركسية اللينينية التي كانت تتحرك في السر آنذاك من أجل تغيير «جذري» للوضع في المغرب. وقد قادته قناعاته اليسارية الراديكالية إلى السجن في سنة 1972، قبل أن يفرج عنه سنة 1984، مقررا العودة إلى النشاط المهني والسياسي من جديد، لكن هذه المرة بتعديلات طفيفة. محمد الساسي: الاعتراف فضيلة قدم محمد الساسي استقالته من منصب نائب الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد اعترافا منه بالفشل في الحصول على مقعد برلماني في دائرة ظل يناضل فيها لمدة 30 سنة. رسالة قليل من الزعماء من قرأ ما بين سطورها. إنه من النخبة الكهلة التي عانت كثيرا مع صقور الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، قبل أن ينسحب منه مقررا، رفقة عدد من رفاقه، تأسيس تيار الوفاء للديمقراطية. فقد وجد نفسه أمام خيار الخروج بعدما قال في وجهه عبد الرحمان اليوسفي، زعيم الاتحاديين الذي انسحب من العمل السياسي بعد ذلك، إن أرض الله واسعة خارج حزب الاتحاد. وبعد «الوفاء»، دخل الرجل وتياره في نقاش مع مكونات من اليسار الجديد انتهت بالاندماج في حزب اليسار الاشتراكي الموحد. وإذا كان البعض قد أعاب عليه جلوسه مع فؤاد عالي الهمة، الوزير القوي المقرب من الملك وكاتب الدولة في الداخلية آنذاك وتصريحه على هامش اللقاء بأن هذا المسؤول أقنعه بأن الدولة تمتلك تصورا مجتمعيا واضحا وبأن له (الهمة) قدرة تواصلية مهمة، فإن البعض دافع عنه مشيرا إلى أن الساسي كانت له جرأة الكشف عن هذا اللقاء وعما دار فيه والتصريح بقناعة تولدت لديه. وانضاف إلى سجل هذا الأستاذ الجامعي، الذي يدرس القانون بجامعة محمد الخامس بالرباط الذي أمضى جزءا كبيرا من مساره السياسي في شبيبة الاتحاد الاشتراكي، دفاعه عن مبدأ التصريح بالممتلكات بالنسبة إلى أعضاء حزب اليسار الاشتراكي الموحد. لكن الوقفة التي صنعت الحدث مؤخرا هي تلك التي تتعلق بقرار استقالته من المكتب السياسي للحزب ومن مهام نائب الأمين العام، محمد مجاهد. الساسي برر الاستقالة بالنتائج الهزيلة التي حصل عليها في دائرة الرباط المحيط في الانتخابات النيابية التي أجريت في 7 شتنبر الماضي. وبالرغم من أن الحزب رفض قرار الاستقالة، إلا أن الساسي تمسك بها، قائلا إن الحل هو العودة إلى القواعد ومراجعة الذات خصوصا وأنه قدم توقعات تبين فيما بعد أنها كانت مجانبة للصواب بشكل كبير. وبالرغم من أن العديد من رموز السياسة بالمغرب ترشحوا في هذه الانتخابات ولم يحصلوا على نتائج مشرفة، إلا أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء تقييم النتائج واتخاذ قرار الاستقالة. وحده الساسي ضمن هذا الخليط من اليسار واليمين والوسط اتخذ القرار الشجاع وفضل التنحي. عبد الله إبراهيم: مات صامتا ظل مولاي عبدالله ابراهيم صامتا وعازفا عن الخوض في البركة الآسنة للسياسة منذ أن جمد نشاطه الحزبي في السبعينات بعد حملة القمع ضد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لكنه ربط قدر الحزب بقدره الشخصي وظل يقوده حتى وهو في الثلاجة حتى ذهبا معا إلى القبر. ولد عبد الله إبراهيم سنة 1918 بتامصلوحت، بمنطقة الحوز. وكان من أهم رواد الحركة الوطنية. كما كان ضمن الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال. رحل إلى دار البقاء يوم 11 دجنبر من سنة 2005، حاملا معه مرارة التحولات السياسية التي شهدها المغرب وخيبة أمله في السياسيين المغاربة. كان عبد الله إبراهيم، بعد أن أعلن انسحابه من العمل السياسي في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، مواطنا عاديا يركب القطار الرابط بين البيضاءوالرباط مختلطا بغيره من المسافرين، وكان يواظب على إعطاء الدروس في الجامعة كأي أستاذ ملتزم مشغول بأداء رسالته، هذا بالرغم من أن الرجل لم يكن عاديا، فقد عين وزيرا أول من قبل الملك محمد الخامس يوم 24 دجنبر 1958، وهو المنصب الذي شغله إلى حدود 20 ماي 1960، قبل أن ينسحب من الحكومة بسبب سوء تفاهم بينه وبين الراحل الحسن الثاني. وفي نفس التاريخ تقريبا، أي في سنة 1959، قاد الانشقاق عن حزب الاستقلال رفقة المهدي بنبركة وأسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وهو الحزب الذي ظل ينشط فيه قبل أن ينشق عنه الرفاق لتأسيس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. قرار الانشقاق آلمه كثيرا وفضل اعتزال السياسة والعودة إلى مدرجات الكلية. ويكاد يتفق جل المتتبعين على أن الرجل يمثل نموذج السياسي المغربي النظيف. فقد نشأ فقيرا ومات فقيرا ولم يعرف عنه أنه استغل منصبه ولا موقعه من أجل الإثراء. علال الفاسي: الفقيه الزعيم هو من الزعماء الذين كتب عنهم الكثير من قبل الدارسين والمحللين. ويكاد يتفق جل هؤلاء على أن الفاسي يعتبر من النماذج القليلة التي تضيء سماء السياسة في مغرب الاستقلال. كان علال الفاسي من مؤسسي الحركة الوطنية، وعرفت عنه مناهضته لما عرف آنذاك بالظهير البربري، وهو الظهير الذي قيل إنه يرمي إلى تفتيت وحدة المغاربة. كما كان من الذين صاغوا وثيقة المطالبة بالاستقلال ومن مؤسسي حزب الاستقلال الذي قاده طويلا إلى أن وافته المنية، ليخلفه امحمد بوستة على رأس الحزب الذي يقدم على أنه يزاوج بين الوطنية والمحافظة والانفتاح. وقد تمكن الحزب من أن يصنع مكانته في الساحة الوطنية، وفي الساحة الدولية، بالرغم مما نسب إليه من كون منتمين إليه كانوا قد أساؤوا معاملة خصومهم السياسيين المغاربة وعذبوهم في سجون ومعتقلات سرية. وشارك الفاسي في مفاوضات إيكس ليبان. واعتبر من القادة الوطنيين الذين صنعوا استقلال المغرب. لكن بريق الحزب تراجع بمجرد الإعلان عن وفاته في ماي 1974. وفتح المجال، كما يقول بعض الاستقلاليين، لموجة جديدة من السياسيين ضمنهم نجله عباس الفاسي الذي تعرض لانتقادات واسعة، سواء داخل حزبه أو خارجه، وخصوصا بعد فضيحة النجاة المعروفة لدى الخاص والعام. عبد الرحيم بوعبيد: اشتراكي حتى الموت يقول الاتحاديون عنه إن له الفضل في توضيح الخط السياسي والأيديولوجي للحزب. وإليه تنسب مقولة «الانتقال الديمقراطي»، وبموجبها غير الحزب من جلده وقرر الدخول إلى الانتخابات وإلى المجالس المحلية والبرلمان لتغيير الوضع من الداخل، كما كان يقول الاتحاديون آنذاك. وعبد الرحيم بوعبيد، وهو واحد من مثقفي مدينة سلا إبان الاستعمار، ولد سنة 1922، وتتلمذ في كوليج مولاي يوسف بالرباط، المدرسة التي اكتشف فيها خطاب الحركة الوطنية وحصل فيها على الباكلوريا، ليلج مجال التعليم بفاس. شارك في حكومات عدة في مغرب الاستقلال. وكان ضمن لائحة المستوزرين في حكومات ما بين 1956 و1964. كما عين أول سفير مغربي في فرنسا سنة 1956. وكان من الذين قادوا الانشقاق على حزب الاستقلال ليعود في المرة الثانية إلى قيادة الانشقاق على عبد الله إبراهيم بمبرر توضيح خط الحزب. توفي هذا الزعيم سنة 1992 ولم يكتب له أن يحضر مفاوضات التأسيس لحكومة التناوب بين الراحل الحسن الثاني ومختلف مكونات الكتلة. أرسلان الجديدي: «عروبي» في دار المخزن كان أرسلان الجديدي يمثل ما يصطلح عليه ب«العروبية» في المشهد السياسي المغربي. فقد قاد الانشقاق على حزب التجمع الوطني للأحرار سنة 1981 لتأسيس الحزب الوطني الديمقراطي، والذي يقدم على أنه حزب «العروبية» في المغرب. وأعاب أرسلان الجديدي على التجمع الذي تزعمه آنذاك أحمد عصمان، إهماله للبادية ونخبها ومشاكلها وتطلعاتها. ويقال إن انشقاقه عن حزب عصمان كان بإيعاز من إدريس البصري، وزير الداخلية القوي آنذاك، بغرض خلق نوع من التوازن في الساحة السياسية. واعتمد عليه القصر في تشكيل الحكومة بدءا من نونبر 1981. كما تمكن مباشرة بعد الانشقاق من حصد حضور قوي في البرلمان. لكن موت أرسلان الجديدي ورحيل إدريس البصري أفقد الحزب بريقه. وقد هدد عبد الله القادري، خلف الجديدي على زعامة الحزب، بالانسحاب من السياسة، وذلك على خلفية النتائج الهزيلة التي حصل عليها في انتخابات 7 شتنبر المنصرم. المعطي بوعبيد: عاش في المعارضة ومات في الحكم كان في صفوف القيادة في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية قبل أن يغير معطفه السياسي ويقرر تأسيس الاتحاد الدستوري سنة 1983. قبل ذلك بقليل، قاد الحكومة، كوزير أول، في الفترة ما بين 22 مارس 1979 و30 نونبر 1983. وكان المعطي بوعبيد قد شارك في عدة حكومات وتقلد عدة مناصب. ويقال إنه كان على علاقة طيبة بالراحل الحسن الثاني إلى أن وافته المنية، بشكل مفاجئ، وحزبه مشارك في الحكومة. تزعم حزبه منذ تأسيسه إلى أن رحل إلى دار البقاء وخلفه عبد اللطيف السملالي في «المنصب». وقدم بوعبيد حزبه آنذاك على أنه من الأحزاب المكونة لليمين، ولعب دورا مهما في انتخابات 1984، وتمكن من تسجيل حضور بارز في البرلمان، وهو الحضور الذي حافظ عليه إلى أن توفي زعيمه الذي ازداد في البيضاء في 11 نونبر 1927، وتوفي في الرباط عام 1996. عبد اللطيف السملالي: مات قبل أن يولد قبل أن يتوفى، عاش بمرارة مرحلة من الصراع بينه وبين «رفاقه» في الاتحاد الدستوري. وكان هؤلاء يطالبونه بالتنحي عن رئاسة الحزب فيما ظل هو متمسكا بالكرسي. وكان محمد أبيض، الرئيس الحالي للاتحاد الدستوري، ضمن الموجة الجديدة التي تطالبه بالرحيل، قبل أن يرحل بصفة نهائية إلى دار البقاء بسبب مرض عضال لم ينفع معه علاج، وذلك يوم الجمعة 12 يناير 2001. أسس الاتحاد الدستوري سنة 1983 من قبل المعطي بوعبيد، وخلفه السملالي سنة 1996 على رئاسة الحزب بعد وفاته. السملالي كان في شبابه من معتنقي أفكار الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. ولد في أزمور سنة 1938، وفيها درس قبل أن يصنع مساره في مهنة المحاماة. ويقدم على أنه كان من أصدقاء إدريس البصري. وبمجرد غضب المخزن على هذا الأخير، دخل السملالي في محنته السياسية، مع العلم بأن ترؤسه للحزب لم يدم طويلا مقارنة بباقي الزعماء في المغرب. علي يعتة: الطريق تقتل كان رحيل علي يعتة مفاجئا. فقد أصيب إصابة بليغة في حادثة سير بالدار البيضاء في أحد أيام غشت من سنة 1997، وبالرغم من نقله إلى إحدى المصحات المتخصصة على وجه الاستعجال، وبالرغم كذلك من أن العملية الجراحية أجريت له على وجه السرعة، فإن الموت كان قدرا ليس له من دافع. ولد الزعيم الشيوعي المغربي في سنة 1920 بطنجة، وفيها تأثر بالفكر الشيوعي، خصوصا وأن المدينة كانت تعج بالأفكار المختلفة والتوجهات السياسية المتباينة. وانخرط في الحزب الشيوعي الفرنسي، قبل أن يقرر مع رفاقه المغاربة تأسيس الحزب الشيوعي المغربي والذي تعرض للمنع بسبب أفكاره غير المتماشية مع الخصوصية المغربية. في سنة 1968، أسس علي يعتة حزب التحرر والاشتراكية وأدخله الراحل الحسن الثاني إلى السجن بتهمة تأسيس منظمة ممنوعة. وفي سنة 1974، قرر تأسيس حزب التقدم والاشتراكية، وهو الحزب الذي ظل يتزعمه إلى أن باغتته المنية. دخل، بعد هذه المرحلة، في هدنة مع الملك الراحل، وكان من مؤيدي «مغربية الصحراء»، كما كان من المشاركين في المسيرة الخضراء، وهو ما جر عليه انتقادات حلفائه من الداخل والخارج. ويقال إن علي يعتة كان ينوي اعتزال البرلمان الذي عمر فيه طويلا، لكن الموت لم يمهله. ومن المعروف أنه كان ينادي بتأسيس حكومة وطنية موسعة، قبل أن ترى حكومة التناوب التوافقي النور.