2 - ما تم التنصيص عليه في الفقرة الأولى من الفصل 106 من الدستور التي تقرر التالي: «لمجلس المستشارين أن يسائل الحكومة بواسطة ملتمس يوقعه على الأقل خُمس أعضائه؛ ولا يقع التصويت عليه، بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداعه، إلا بالأغلبية المطلقة لأعضاء هذا المجلس»، فهذه الفقرة بالصيغة التي وردت بها تجعل القارئ لا يتبين حقيقة ما تغياه المشرع الدستوري من تقرير هذه الآلية، بسبب عدم ترابط الإجراءات الواجب اتباعها وغموض فحوى النص من الناحية اللغوية. ثم ما الفائدة المترتبة عن استعمال هذا الحق المقرر لمجلس المستشارين، بافتراض أن الفقرة سليمة من ناحية الصياغة؟ الجواب بلا تردد هو أن الفائدة السياسية منعدمة. والمشرع كما يقال منزه عن اللغو والعبث، ولكن في المجال الذي نحن بصدده، يبدو أن الأمر ليس كذلك! يكفي إجراء مقارنة بما كان مقررا في الفصل 77 من دستور 1996 ليتضح جليا أن تراجعا لافتا للنظر حدث في ظل دستور 2011؛ ففي الدستور السابق كان بمقدور مجلس المستشارين من الناحية الدستورية، إذا لم يقتنع بجواب الحكومة، أن يقدم ضدها ملتمس الرقابة؛ أما الوضع في الدستور الحالي فينتهي بنقاش لا يعقبه تصويت، وينصرف كل واحد إلى مزاولة عمله دون أن تخشى الحكومة أي رد فعل من طرف مجلس المستشارين الذي أصبحت وضعيته، في مجال الرقابة السياسية بصفة خاصة، على درجة من الضعف والهوان، ويكاد يتماثل مع وضعية مجلس الجمهورية في عهد الجمهورية الرابعة في فرنسا. 3 - فلتة الفقرة الثالثة من الفصل 59 من الدستور التي تنص على التالي: «تبقى الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور مضمونة». والمثير للاستغراب بخصوص ما تقرر بشأن الحريات والحقوق هو أن أول أثر مباشر يترتب عن إعلان حالة الاستثناء هو تقييد الحريات العامة والمساس بها، بل ومنع ممارسة البعض منها، مادام الهدف هو تمكين رئيس الدولة من اتخاذ جميع الإجراءات التي يستوجبها الدفاع عن الوحدة الترابية، ويقتضيها الرجوع في أقرب الآجال إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية، إذ الواجب وقت تفعيل الفصل 59 من الدستور هو العمل بمختلف الوسائل المؤدية، من الناحية الواقعية والفعلية، إلى القضاء على الأسباب التي فرضت الإعلان عن حالة الاستثناء. وهنا نقرر أيضا أن الفصل 35 من دستور 1996 كان أكثر شمولية وواقعية، ويتسق -إلى حد ما- مع ما هو منصوص عليه في المادة 16 من دستور الجمهورية الخامسة في فرنسا التي وضعت جملة من الضوابط والكوابح للحؤول دون شطط رئيس الجمهورية في استعمال حقه الدستوري، مع تمتيعه في ذات الوقت بسلطات تمكنه من إعادة الأمور إلى أوضاعها الطبيعية. وفي ما يتعلق بتأويل أعضاء المجلس الدستوري غير القويم، فقراراتهم زاخرة بالهفوات والعثرات والزلات، وخاصة في مجال الانتخابات التشريعية. وتكفي الإشارة إلى أن الكثير من القرارات يتم التوقيع عليها رغم تضمنها الكثير من الوهن والضعف من ناحية التأصيل والتقعيد القانوني. وفي هذا المضمار، نسوق بعض القرارات الدالة على سوء في الفهم ورداءة في التنزيل، منها: 1 - القرار رقم 812-11 الموقع عليه بتاريخ 10 ماي 2011. في هذا القرار، تم الحكم بتجريد محمد قريمة من عضويته في مجلس النواب، مع تطبيق أحكام الفقرة الأولى من المادة 84 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب. وبالتمعن في الفقرة الأولى من المادة سالفة الذكر، يتضح عدم وجود أية صلة بين منطوق الحكم وما تقرره الفقرة الأولى من المادة 84 من القانون التنظيمي رقم 31-97 المتعلق بمجلس النواب كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى القانون التنظيمي رقم 22-06. والغريب في الأمر أن التجريد من الصفة النيابية، نتيجة صدور حكم نهائي، يشكل حالة أو وضعية لا تندرج في نطاق المادة 84، لكون هذه الأخيرة تنطبق فقط على الحالات التالية: الإلغاء الجزئي على إثر طعن، حالة الوفاة، إعلان الاستقالة. وهي حالات وردت على سبيل الحصر، ويتولد عنها تطبيق مسطرة التعويض. كما أن حالة التجريد لا تنضوي بدورها في مشمولات المادة 84 المكررة، المتعلقة بالحالات الواردة على سبيل الحصر التي بتحقق إحداها يتوجب إجراء انتخابات جزئية. وعدم التوصل إلى الحكم السليم في ما يخص حالة التجريد من العضوية، مرده أن أعضاء المجلس الدستوري سبق لهم أن ارتكبوا خطأ قانونيا جسيما حينما وقعوا على القرار رقم 630-07 القاضي بدستورية المادة 84 و84 المكررة من القانون التنظيمي رقم 22-06 المتعلق بمجلس النواب، من غير أن يتبينوا أن التنصيص على حالات على سبيل الحصر في المادة 84، والتنصيص على حالات أخرى على سبيل الحصر في نطاق المادة 84 المكررة، يتولد عنه عدم الاهتداء إلى ما يجب الحكم به حينما تظهر حالة تكون غير مشمولة بما هو محدد في المادة 84 و84 المكررة. ومن الأمثلة على ذلك، حالة الإقالة التي يترتب عنها التجريد من الصفة النيابية، وكذلك تجريد النائب من عضويته، وذلك في حالة انعدام أهليته ابتداء أو فقدانه للأهلية بعد انتخابه. وكان على المجلس الدستوري وقت تصديه للقانون التنظيمي رقم 22-06 أن يلزم البرلمان بإعادة النظر في المادة 84 المكررة، وذلك بالتنصيص على حالات على سبيل المثال، ثم وضع قاعدة عامة في ذات المادة مؤداها وجوب إجراء انتخابات جزئية كلما ظهرت حالات لا تندرج في نطاق المادة 84، مثل ما كان عليه الحال في نطاق الفقرة الثالثة من المادة 84 من القانون التنظيمي رقم 06-02 المغير والمتمم للقانون التنظيمي رقم 31-97 المتعلق بمجلس النواب. والجدير بالإشارة إليه أن المجلس الدستوري في قراره رقم 630-07 المتعلق بالقانون التنظيمي رقم 22-06 لم يكن موفقا في أكثر من جانب؛ فهو من جهة يلتمس من الحكومة تدارك ما وقع فيه من خطأ، وذلك بمقتضى رسالة، وهذا أمر غير جائز من الناحية القانونية. كما أنه لأول مرة يحدث تناقض صارخ بين ما قضى به أعضاء المجلس، وهم على غير صواب، وبين ما تم نشره في الجريدة الرسمية بطريقة مخالفة لما ورد في القرار 630-07. علاوة على أن ظهير الإصدار هو بدوره مليء بالنقائص والمثالب، وذلك من الناحية الشكلية. 2 - القرار رقم 816-11 المتعلق بشغور المقعد الذي كان يشغله المرحوم محمد خيير في مجلس المستشارين. في هذا القرار تم التصريح بشغور مقعد بمجلس المستشارين، من غير بيان لما يجب اتباعه من أجل ملء المقعد الشاغر؛ فرغم كون المجلس أشار إلى المادة 53 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين، تبعا لما تستوجبه الفقرة الرابعة من المادة 16 من القانون التنظيمي الخاص بالمجلس الدستوري التي تنص على التالي: «ويجب أن تتضمن (أي القرارات) في ديباجتها بيان النصوص التي تستند إليها...»، فإن ما أشار إليه المجلس الدستوري ليس كافيا لنفي الجهالة والغموض عن حقيقة ما استهدفه المجلس من قراره، ذلك أن المادة 53 في فقرتها الأولى تنص على الحالات التي تطبق بشأنها مسطرة التعويض، والفقرة الثالثة تقضي بوجوب إجراء انتخابات جزئية خارج ما ورد في الفقرة الأولى؛ وشتان بين ما هو منصوص عليه في الفقرة الأولى وبين ما هو مقرر في الفقرة الثالثة. وإذا قال قائل إنه لا تثريب على المجلس الدستوري في ما قرره بخصوص اقتصاره على الإشارة إلى المادة 53، باعتبار أن حالة الوفاة تندرج في نطاق الفقرة الأولى، ومن ثم فإن الحكم هو تطبيق مسطرة التعويض لملء المقعد الشاغر؛ فإن الجواب عن مثل هذا المنحى في التحليل هو النفي، لأن الجهة المكلفة بتلقي التصريحات بالترشيح والقائمة على أمر تنفيذ قرار المجلس الدستوري، قد تخطئ في التنفيذ السليم للقرار، جراء عدم التحديد الدقيق من طرف المجلس الدستوري للمقتضى القانوني الواجب تفعيله. ففي عدد غير قليل من قرارات المجلس الدستوري لا نجد ذكرا للمقتضى الواجب تطبيقه حينما تكون المادة القانونية تتضمن فقرات تقرر أكثر من حكم، كما هو الحال بالنسبة إلى القرار الذي نحن بصدده. كما أنه في قرارات أخرى، مثل تلك التي صدرت بمناسبة تجديد ثلث أعضاء مجلس المستشارين بتاريخ 8 شتنبر 2006، نجد أن المجلس قد تعرض لغبش في الرؤية، حيث إنه بدل أن يفعل الفقرة الأولى التي تنص على الإلغاء مع تطبيق مسطرة التعويض، نجده يقضي بالإلغاء مع إجراء انتخابات جزئية تفعيلا للفقرة الثالثة من المادة 53، بما يشكل مخالفة صريحة للقانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين.