بمناسبة المراقبة الوجوبية للقانون التنظيمي رقم 06-02 القاضي بتغيير و تتميم القانون التنظيمي رقم 31 - 97 المتعلق بمجلس النواب، أصدر المجلس الدستوري قراره رقم 475-2002 بتاريخ 25 يونيه 2002 يقضي فيه بعدم دستورية جملة من المسائل من أهمها: * عدم دستورية حرمان غير المنتمين سياسيا من الترشح للإنتخابات. * عدم دستورية إلزام الناخب بالتصويت بنفس الورقة للتصويت لفائدة لائحة من اللوائح المقدمة في الدائرة الإنتخابية و لفائدة اللائحة الوطنية المطابقة المقدمة من طرف نفس الحزب. و ما انتهى إليه قرار المجلس الدستوري بخصوص القانون التنظيمي رقم 06-02 يتسق و يتفق مع منطوق الدستور و روحه، و يؤصل بشكل متميز لبعض الإشكالات القانونية و الدستورية، و ذلك على خلاف ما ورد في بعض قراراته المجانبة للصواب لتعارضها الواضح مع نصوص الدستور، من ذلك ما قضى به من دستورية القانون رقم 34-98 المتعلق بالخوصصة، و عدم تبنيه للإختلاف الموجود بين القوانين التنظيمية و القوانين العادية وذلك وقت تصديه لمراقبة النظام الداخلي لمجلس النواب. و فيما يخص إرتباك حكومة التناوب السياسي الممنوح، فإننا نوجز القول بشأن ذلك الإرتباك و نوضحه على النحو التالي: المخالفة الدستورية ثابتة في حق الحكومة إن القانون التنظيمي رقم 06-02 مآله من حيث الإصدار و كذلك نشره في الجريدة الرسمية يتوقف و يتحدد - من الناحية الدستورية بعد الإحالة الوجوبية - على ضوء ما قضى به المجلس الدستوري في قراره رقم 475-2002. و حيث إن المجلس الدستوري قضى صراحة بعدم دستورية أحكام المواد 10 (الفقرة الثانية) و 20 ( الفقرة ما قبل الأخيرة) و 65 ( الفقرة الثالثة) و 78 (الجملة الأخيرة من الفقرة الرابعة: "غير أن هذه الأصوات تحتسب لفائدة اللائحة الوطنية المطابقة ")، كما قضى المجلس بوجوب مراعاة التفسير الوارد في الحيثيات المتعلقة بالفقرة الرابعة من المادة 20 و الفقرة السادسة من المادة 79 ، و الاحتراز المنصوص عليه في الحيثيات المتعلقة بأحكام المقطعين الأول و الثاني الواردين في الفقرة الأولى من المادة الأولى، فإنه ينجر على ما قضى به المجلس الدستوري وجوب إمتثال الحكومة لما تضمنه قرار المجلس، وذلك في نطاق ما تنص عليه المقتضيات الدستورية و أحكام القوانين التنظيمية المكملة للوثيقة الدستورية. بيد أن الذي حدث أن الحكومة، ممثلة في الوزير الأول، تصرفت بشكل مخالف للدستور، فبدل أن تحيل القانون التنظيمي رقم 06-02 على البرلمان من أجل تنقيحه من أوجه التعارض مع الدستور، ارتأت الحكومة، دون روية و تدبر، التوقيع بالعطف على الظهير الشريف رقم 178-02-1 الصادر بتاريخ 3 يوليو 2002 القاضي بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 06-02 المتعلق بتغيير و تتميم القانون التنظيمي رقم 31-97 المتعلق بمجلس النواب الذي هو في حقيقة أمره موسوم بعدم الدستورية بمقتضى قرار المجلس الدستوري رقم 475-2002. و هذا الذي ارتكبته الحكومة و هي في آخر أيام تدبيرها للشأن العام، له سابقة مماثلة و هي لا تزال في بداية تسييرها للأمور العامة، وذلك حينما أقدمت على تقديم مشروع القانون المالي في غياب القانون التنظيمي للمالية بعد أن أصبح البرلمان في ظل دستور 1996 مكونا من مجلسين، بل إن الحكومة قبل تنصيبها بشكل نهائي وفق ما يقضي به الدستور، اقترفت مخالفة دستورية وقت وضعها للمرسوم رقم 347-98-2 المتعلق بتغيير الرسم الجمركي المفروض على استيراد بعض المنتجات، حيث حدث ذلك بتاريخ 16 مارس 1998 و تنصيبها الدستوري كان بتاريخ 24 أبريل 1998. فبتوقيع الحكومة على ظهير إصدار القانون التنظيمي 06-02 تكون المخالفة الدستورية ثابتة في حقها، بسبب عدم مراعاتها لمنطوق و فحوى القرار الذي أصدره المجلس الدستوري، ضاربة بذلك عرض الحائط ما يكتسيه قرار المجلس من قوة في إطار مقتضيات الفقرة السادسة من الفصل 81 من الدستور التي تقرر صراحة أنه: " لا يجوز إصدار أو تطبيق أي نص يخالف الدستور"، و الفقرة السابعة من ذات الفصل الدستوري التي تنص على التالي: " لا تقبل قرارات المجلس الدستوري أي طريق من طرق الطعن، و تلزم كل السلطات العامة و جميع الجهات الإدارية و القضائية ". مراعاة ملاحظات و تحفظات المجلس الدستوري لا تلغي المخالفة الدستورية و إذا قيل إن الظهير القاضي بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 06-02 قد صدر بالاتساق مع ما ورد في قرار المجلس الدستوري، وخاصة أن ظهير الإصدار نص صراحة على ما يلي: " ينفذ و ينشر بالجريدة الرسمية عقب ظهيرنا الشريف هذا، القانون التنظيمي رقم 06-02 الموافق عليه من لدن مجلس النواب و مجلس المستشارين، والقاضي بتغيير و تتميم القانون التنظيمي رقم 31-97 المتعلق بمجلس النواب، باستثناء الأحكام التي صرح المجلس الدستوري بعدم مطابقتها للدستور، والمشار إليه أعلاه"، ومن ثم فلا تتريب على الوزير الأول الذي وقع بالعطف على ظهير الإصدار، و تبعا لذلك فلا وجه للقول بعدم دستورية إصدار القانون التنظيمي 06-02 المتضمن لتوقيع مجاور للطابع الملكي الشريف. إن ردنا على من يسلك مثل هذا المنحى في إستخلاص دستورية توقيع الحكومة بالعطف على ظهير الإصدار، هو أن مراعاة جميع ملاحظات و تحفظات المجلس الدستوري لا يزيل وجه المخالفة الدستورية، و لا يعفي الوزير الأول من تحمل المسؤولية من الناحية السياسية. بالإضافة إلى أن المادة 20 من القانون التنظيمي الصادر الأمر بتنفيذه و إعمال مقتضياته تتضمن مخالفة دستورية صريحة لما قضى به المجلس الدستوري، نظرا لأن هذا الأخير قرر عدم دستورية إشتراط الإنتماء السياسي، في حين أن المادة 20 التي أصبحت منتجة لآثارها من حيث الواقع الفعلي تنص على وجوب الإنتماء السياسي كشرط يجب أن يتوفر في الراغب للترشح لعضوية مجلس النواب. ذلك أن ظهير إصدار القانون التنظيمي رقم 06-02 الذي أتى خاليا من الأحكام التي قضى المجلس الدستوري بعدم دستوريتها، و باعتبار أن ما ورد في المادة 20 منه يعتبر مجرد سهو غير مقصود أوخطأ مطبعي، فإن القانون بالرغم من ذلك يظل موسوما بعدم الدستورية؛ بسبب عدم مراعاة الحكومة لمنطوق قرار المجلس الدستوري بتمامه و شموليته، لأن الحكومة احترمت مقتضيات القانون في جانب و خالفته في جانبه الآخر، كمن يستخلص الأحكام بالوقوف عند "ويل للمصلين" دون تبين بقية الآية الكريمة. و بيان ذلك أن المجلس الدستوري قضى بعدم الدستورية على النحو الوارد في قراره من غير أي تمكين للقانون التنظيمي من الخروج إلى حيز الوجود، لأنه لو رأى المجلس إمكانية ذلك لنص عليه صراحة. و حيث إن القانون التنظيمي قد تم إصداره، والحال أن المجلس لم يرخص بذلك، فإن المخالفة الدستورية تظل صارخة و بارزة للعيان. و للبرهنة على هذه المخالفة الدستورية نسوق المادة 24 من القانون التنظيمي رقم 8-98 القاضي بتغيير و تتميم القانون التنظيمي رقم 29-93 المتعلق بالمجلس الدستوري لتدعيم ما نذهب إليه في هذا المضمار. فالمادة 24 في فقرتها الأولى تقرر ما يلي: " يحول نشر قرار المجلس الدستوري القاضي بعدم مطابقة مادة من قانون تنظيمي أو من قانون أو من النظام الداخلي لمجلس النواب أو مجلس المستشارين للدستور دون إصدار الأمر بتنفيذ القانون التنظيمي أو القانون أو العمل بالمادة موضوع القرار من النظام الداخلي لمجلس النواب أو مجلس المستشارين". و الفقرة الثانية من ذات المادة تنص على التالي: " و إذا قضى المجلس الدستوري بأن قانونا تنظيميا أو قانونا أو نظاما داخليا يتضمن مادة غير مطابقة للدستور ولكن يمكن فصلها من مجموعه يجوز إصدار الأمر بتنفيذ القانون التنظيمي أو القانون أو العمل بالنظام الداخلي باستثناء المادة المصرح بعدم مطابقتها للدستور". و تأسيسا على ما ورد في مقتضيات المادة 24، فإن المجلس الدستوري حينما يقدر أن بعض الأحكام المخالفة للدستور يمكن فصلها عن مجموع مقتضيات القانون، فإنه ينص على ذلك صراحة؛ كما فعل بخصوص القانون التنظيمي رقم 7- 98 المتعلق بالمالية، حيث ورد في قراره رقم 250-98 الصادر بتاريخ 24 أكتوبر 1998 ما يلي: " يصرح بأن المادتين 5 و 10 و العبارة الواردة في المادة 43 المصرح بعدم مطابقتها للدستور يمكن فصلها عن باقي أحكام القانون التنظيمي رقم 7-98 لقانون المالية، و يجوز بالتالي إصدار هذا القانون بعد أن يحذف منه ما تم التصريح بعدم مطابقته للدستور". و معنى ما سبق أن القانون التنظيمي للمالية قد صدر بعد ترخيص و إذن صريح من لدن المجلس الدستوري، و في هذا إعمال لمقتضيات الفقرة الثانية من المادة 24. و لكن حينما يأتي قرار المجلس الدستوري خاليا من أي إشارة أو بيان متعلق بإمكانية إصدار القانون على النحو المحدد في الفقرة الثانية من المادة 24 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الدستوري، فإنه في هذه الحالة تكون الفقرة الأولى من ذات المادة هي الواجب التقيد بمقتضياتها من طرف الحكومة؛ و من ثم يكون القانون التنظيمي رقم 06-02 غير جائز إصداره، ما دام المجلس الدستوري لم يقرر صراحة أن الأحكام التي قضى بعدم دستوريتها يمكن فصلها عن مجموع المواد التي يتضمنها القانون التنظيمي. و صفوة القول بخصوص إمكانية إصدار القانون التنظيمي من عدمه في حالة ثبوت المخالفة الدستورية، نرى ترتيبا على كل ما سلف أن أمر ذلك يتوقف على ما يقرره المجلس الدستوري؛ فإذا طبق مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 24 جاز إصدار القانون، أما إذا صدر القرار بإعمال مقتضيات الفقرة الأولى من ذات المادة، فإن القانون الموسوم بعدم الدستورية لا يمكن إصداره إلا بعد تعديله من طرف مجلسي البرلمان. قانون تنظيمي ولد ميتا و كل ما سبق بيانه يؤدي بنا إلى نتيجة أساسية مؤداها أن القانون التنظيمي رقم 06-02 قد ولد ميتا، و من ثم يكون في حكم العدم، و العدم ليس في مقدوره أن يولد أي أثر قانوني، و بالأحرى إدخال تعديل عليه بمقتضى مشروع القانون التنظيمي الجديد رقم 29-02 المعروض على مجلس النواب للتداول بشأنه و البت فيه، توطئة لعرضه على مجلس المستشارين، لينتهي المسار التشريعي لهذا القانون التنظيمي بعرضه مرة ثانية على أنظار أعضاء المجلس الدستوري، الذي ننتظر منه أن يؤصل للمسألة التي نحن بصددها على غرار ما فعله بخصوص الفقرة الثالثة من المادة 65 من القانون التنظيمي رقم 06-02. و إذا استغرب البعض مما انتهينا إليه من كون القانون التنظيمي رقم 06-02 قد صدر بشكل مخالف للدستور، بحجة أن الطعن في ظهير الإصدار أمر غير جائز، نظرا لما يتمتع به جلالة الملك من مكانة سامقة ومنزلة عالية ومرتبة رفيعة بمقتضى الفصل 19 و 23 من الدستور، فإن وجه الإستغراب يرتفع و يزول إذا عرفنا أن الظهائر الملكية توقع بالعطف من طرف الوزير الأول ما عدا الظهائر المستثناة على وجه التحديد في الفصل 29 من الدستور، و دلالة التوقيع بالعطف لا تحتاج إلى بيان في المجال الدستوري لوضوح المسألة في المجال الذي نحن بصدده. و حيث إن إصدار الأمر بتنفيذ القانون يندرج في اختصاص الملك بمقتضى الفصل 26 من الدستور الذي ينص على التالي: " يصدر الملك الأمر بتنفيذ القانون خلال الثلاثين يوما التالية لإحالته إلى الحكومة بعد تمام الموافقة عليه"، و بما أن الفصل 26 من الدستور غير مندرج ضمن المسائل المستثناة من التوقيع بالعطف من طرف الوزير الأول، فمعنى ذلك أن ظهير الإصدار يكون مشفوعا بالتوقيع المجاور. و في حالة وجود مخالفة دستورية بسبب صدور قانون متعارض مع ما تقرره الوثيقة الدستورية، فإن الموقع بالعطف يكون هو المتحمل للمسؤولية أمام جلالة الملك أولا و أمام مجلسي البرلمان ثانيا. و بما أن الحكومة تعمل على تنفيذ القوانين تحت مسؤولية الوزير الأول (الفصل 61 من الدستور)، و حيث إن هذا التنفيذ يجب أن يكون دائما و أبدا في إطار الدستور ( الفقرة السادسة والسابعة من الفصل 81) و نظرا لكون القانون التنظيمي قد صدر بشكل معيب، فإن مجلس المستشارين على وجه التحديد من حقه تحريك مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 77 من الدستور، لكي تكون المقتضيات الدستورية محل احترام و تقدير و امتثال من طرف الجميع. الدكتور مصطفى قلوش أستاذ القانون الدستوري