يشرح نزار البركة، الوزير المكلف بالشؤون العامة والاقتصادية، في هذا الحوار، منظور وزارته لإصلاح نظام المقاصة، ويتحدث عن سياسة الدولة في مجال الأسعار والمراقبة والتتبع، كما يتحدث عن الحد من مستوى الدعم حتى لا يكون هناك انعكاس سلبي على الاستثمار. - هناك نقاش كبير حاليا حول إصلاح صندوق المقاصة، وسمعنا بأن هناك دراسات الآن، وأن هناك وفودا مغربية إلى دول أخرى للوقوف على تجاربها. ما هي حصيلة هذا التفكير؟ < أولا، مما لا شك فيه أن ارتفاع أسعار النفط والمواد الأساسية في الأسواق العالمية أصبح يضغط بشدة على ميزانية الدولة، فدعم المواد الاستهلاكية سيصل هذه السنة إلى 36 مليار درهم، وهو بالضبط ما ننفقه في الاستثمارات. وفي حالة وصول أسعار المحروقات غدا إلى مستويات أكبر فإن نفقات دعم الاستهلاك ستفوق نفقات الاستثمار، وبالتالي فإن هذه المعادلة غير مقبولة. فكما تعلمون، فإن الرهان على الاستثمارات هو رهان على تسريع وتيرة النمو، إنعاش التشغيل، تحسين تنافسية الاقتصاد الوطني. لذلك باشرنا إصلاح نظام المقاصة، وفي هذا الإطار قمنا بتشخيص لهذا النظام، لمعرفة مواطن القوة ومواطن الضعف فيه. ومن خلال هذا التشخيص تبين أن هناك عدة مشاكل مطروحة، فهناك؛ أولا، تقادم النصوص القانونية كما أنها غير متجانسة في ما بينها، وهذا الأمر يخلق نوعا من الغموض والتداخل. وثانيا، هناك صعوبة في التحكم في ميزانية المقاصة، حيث شكلت مثلا في سنة 2002 نسبة 0.8 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، في حين أنها وصلت حاليا إلى نسبة 5.2 في المائة. وثالثا، هناك اختلالات في تركيبة بعض الأسعار مما يشكل كلفة إضافية على المواطن وعلى الدولة. رابعا، هناك تعدد المتدخلين الذي يحول دون الاستفادة المباشرة للمواطن من الدعم الذي تقدمه الدولة، ويظهر ذلك خصوصا في المواد غير المقننة أسعارها. وأخيرا، هناك إشكالية حقيقية وهي أن النظام الحالي للمقاصة غير منصف، فالتشخيص يبين مثلا أن 20 في المائة من سكان المغرب الميسورين يستفيدون من 75 في المائة من دعم المحروقات، في حين أن 20 في المائة من الفئات الأكثر فقرا تستفيد فقط من 1 في المائة من الدعم، وبالتالي فالحكومة قررت تغيير هذا الوضع لإقرار العدالة الاجتماعية والإنصاف. انطلاقا من هذه الاختلالات أعدت الحكومة تصورا لإصلاح نظام المقاصة ينبني على بعدين: ويتعلق الأول بدعم المواد الأساسية، فالحكومة عازمة على الاستمرار في دعمها لهذه المواد لمساندة الطبقات الفقيرة وكذا المتوسطة، وهذا يصب في التوجه الحكومي الهادف إلى توسيع الطبقة الوسطى، لكننا في نفس الوقت سنقوم بالحد من مستوى الدعم على حسب مقدورات ميزانية الدولة حتى لا يكون هناك انعكاس سلبي على الاستثمار. - هل المقصود هنا أنه ستكون هناك مستويات من الدعم? < سنخصص مثلا سقف 3 أو 4 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي لدعم الاستهلاك وبالتالي فحجم الدعم سيكون محددا، ومن أجل ذلك سنعمل على تحسين نجاعة نظام المقاصة من خلال تحيين النصوص القانونية، وإعادة النظر في تركيبة الأسعار التي أصبحت متجاوزة، فمثلا نسبة الفائدة المحتسبة في تركيبة أسعار المحروقات المحددة في 13 و14 في المائة تعود إلى سنة 2002، الأمر الذي لا يتماشى مع الواقع الحالي، وبالتالي فتركيبة أسعار المحروقات أصبحت متجاوزة، وسنقوم ابتداء من أكتوبر القادم بتطبيق تركيبة جديدة لأسعار هذه المواد حتى تتمكن الحكومة من عقلنة وترشيد الدعم. أما بخصوص تركيبة أسعار الدقيق، فقد قمنا بمراجعتها وتحيين جميع مكوناتها، حيث رفعنا من هامش ربح المتدخلين حتى تكون مواكبة للواقع. ودائما في إطار الإصلاح، سنقوم بتطوير مراقبة عمليات المقاصة، حيث سيتم إسنادها إلى هيئة خاصة، لأنه لا يمكن الاستمرار في الاعتماد فقط على تصريحات الشركات المستفيدة، وفي هذا الصدد فقد أعلنا عن طلب عروض وسيتم فتح الأظرفة في نهاية هذا الشهر، كما أننا بصدد وضع نظام معلوماتي سيمكننا من القيام بتقاطع ما بين الأرقام والبيانات التي نتوصل بها، كما أنجزنا دليلا للمساطر بالنسبة إلى صندوق المقاصة. بالإضافة إلى هذا، سنعيد النظر في نظام مراقبة الأسعار ككل، فنحن نعمل على إحداث هيئة تقوم بعملية التنسيق بين مراقبي وزارات الداخلية، الفلاحة، الصحة، التجارة والشؤون العامة والاقتصادية، للوصول إلى نظام أكثر فعالية ونجاعة. بالنسبة إلى بعد الثاني لإصلاح نظام المقاصة، فهو يتعلق بتحسين استهداف الدعم، وتنبني رؤيتنا في هذا الإطار على ثلاثة مستويات: الاستهداف الجغرافي، واستهداف المستهلكين، ثم استهداف المهنيين. - هناك مشاكل كبيرة تتعلق بالدقيق المدعم. هناك من يتحدث عن خلل في التوزيع وتلاعب في الفواتير... وفي انتظار انتهاء هذه الفترة التي تقوم فيها الوزارة بالتهييء للإصلاح، هل هناك إجراءات جارية للتتبع والتدقيق في الفواتير؟ < بالنسبة إلى الدقيق المدعم، قمنا بعمليتين أساسيتين، تتمثل الأولى في إعادة النظر في توزيع حصص الدقيق، انطلاقا من دراسة نظام التوزيع السابق التي بينت وجود عدة اختلالات في هذا المجال. والاختلال الأول يكمن في كون المناطق الأكثر فقرا التي كشفت عنها خريطة الفقر هي التي تستفيد بنسبة أقل من حصص الدعم، والمناطق الأقل فقرا هي التي تستفيد من أعلى نسبة من الدعم. وتبين كذلك أن هناك فوارق كبيرة، فهناك جماعة قروية في منطقة الحاجب مثلا لا تستفيد سوى ب8 أكياس من الدقيق لكل أسرة فقيرة في السنة (كل كيس يحتوي على 50 كيلوغراما من الدقيق)، في حين يبلغ عدد الأكياس التي تستفيد منها كل أسرة فقيرة في إحدى المناطق بالدار البيضاء 85 كيسا. اليوم، قمنا بإعادة النظر في هذا التوزيع غير العادل، معتمدين في ذلك على خريطة الفقر، وعلى عدد الفقراء والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وكذا على المسافة الموجودة بين مراكز التوزيع والجماعة. إذن، فمن خلال هذا التوجه، وصلنا إلى نتائج إيجابية، فاليوم التوزيع أصبح عادلا، فقد وصلنا إلى متوسط قدره 16 كيسا من الدقيق لكل أسرة فقيرة في السنة، كما أن جميع الجماعات الأكثر فقرا المعنية بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية تستفيد اليوم من الدعم، وأصبح ثلثا الدعم اليوم يوجهان إلى العالم القروي الذي يعرف تمركزا كبيرا لعدد الفقراء. وبفضل تحسين الاستهداف الجغرافي، أصبحت اليوم 435 جماعة تستفيد لأول مرة من الدقيق المدعم. وقد اتفقنا مع أرباب المطاحن على أساس أن الدقيق الوطني سيتم تثبيت سعره على الأكياس، وهذا شيء إيجابي، لكون الثمن الحقيقي الذي يجب أن يباع به هو درهمان للكيلوغرام، غير أنه يباع في السوق بثلاثة دراهم إلى ثلاثة دراهم ونصف. وبالتالي فلكي نتمكن من المساهمة في تقوية القدرة الشرائية للفقراء، يجب أن تكون الأسعار ثابتة في الأكياس تفاديا للتلاعبات، وستبدأ هذه العملية في فاتح أكتوبر من هذه السنة. - كم يصل مبلغ الدعم المخصص للدقيق؟ < يصل المبلغ المخصص لدعم الدقيق مليارين ونصف المليار سنتيم، بمعدل 145 درهما لكل قنطار. أريد أن أؤكد أن أرباب المطاحن هم الذين يختارون الموزعين والتجار بناء على معايير محددة. وقد طلبنا من أرباب المطاحن أن يقوموا باختيار التجار الذين يتعاملون معهم بناء على هذه المعايير، على أن نقوم نحن بعملية المراقبة. وإذا تبين أن الدقيق الوطني غير موجود في السوق، فالمسؤولية في هذا الصدد تقع على أرباب المطاحن في حالة عدم قيامهم بالاختيار المناسب للتجار. - لماذا لا يتم تثبيت الأسعار على جميع المواد المدعمة؟ < إننا بصدد دراسة هذه الإمكانية. كانت البداية بالدقيق الوطني، وسنقوم بنفس العملية بالنسبة إلى مادة السكر، حيث أبرمت الحكومة اتفاقية أمام جلالة الملك مع فيدرالية مهنيي السكر. ما أريد التأكيد عليه هو أننا نريد الوصول إلى سعر وطني متوازن وموحد حتى لا تكون الأسعار في المناطق البعيدة أعلى من مثيلتها في المدن الكبرى، وبالتالي الحد من التفاوت في الأسعار ما بين المدن والقرى. - بالنسبة إلى البنزين، فالحكومة تلتزم بإنتاج نوع من الغازوال بثمن أقل من غازوال 350 لكن أكثر من العادي، مع إعطاء أثمنة تفضيلية لأصحاب النقل. كيف ستتم هذه العملية؟ وما هي ملابساتها؟ < هذا الالتزام تم بمقتضى الاتفاقية التي أبرمت في سنة 2004، أي بعد الحريق الذي عرفته محطة تكرير البترول لاسامير، فكان لابد من تحديث المصنع. فالبنزين المتداول عندنا هو بنزين 10.000 ppm ويحتوي على نسبة عالية من الرصاص وهو أكثر تلويثا للبيئة، ويشكل خطرا على صحة المواطنين، وهو من بين أسباب انتشار الحساسية والضيقة في المدن الكبرى. ويمكن أن أقول لكم إن المغرب من بين الدول القلائل في إفريقيا التي لاتزال تنتج وتبيع هذه المادة. وبالتالي فقد تم الاتفاق على أن يتم إنتاج نوع جديد من البنزين 50 PPM يحتوي على نسبة أقل من الرصاص ذو جودة أكبر وأقل تلويثا. لاسامير التزمت بإنتاج هذا البنزين في أفق يناير 2009، ولكن على ما يبدو فإن الالتزام بهذا التاريخ صعب، وبالتالي فستكون هناك فترة انتقالية. فنحن ندرس الأمر مع المنتج والموزعين، وقد عقدنا اجتماعات معهم لتدارس الاستعدادات التقنية لتحديث الآليات المستعملة والمدة الزمنية اللازمة... - هل حددتم ثمنه؟ من بين الأمور التي نشتغل عليها كما قلت سابقا هي إعادة النظر في تركيبة الأسعار. فهناك عدة أمور سنقوم بتحيينها، وهذا سيجعلنا نقلص من الدعم وبالتالي سنقلص من الثمن الذي سيكون أقل من ثمن غازوال 350. نحن مازلنا في إطار الدراسة مع المنتج والموزعين ومع المهنيين في الميدان ومع وزارة الطاقة والمعادن، لذلك فلا يمكنني أن أعطي ثمنا محددا لهذا البنزين الجديد. ما أريد التأكيد عليه هو أننا بدأنا اجتماعات مع وزارة النقل حتى لا تمس القدرة الشرائية للمواطنين، أي عدم المساس بقطاع النقل العمومي ونقل المسافرين ونقل البضائع، وبالتالي ضمان استقرار أسعار البضائع والخضر...