يضع ما عرفناه من نقاشات في أعقاب الانتخابات، قضية التعديلات التي أصبحت ضرورية لإنقاذ الممارسة السياسية من أعطاب الفساد وبراثينه. نحن على مسافة من الإنتخابات القادمة، بعد قراءة جادة لما حدث، نملك الوقت والفرصة لكي نغير الكثير من الأشياء التي تطرح نفسها بقوة وبإلحاح قاتل تماما. لقد تعودنا على أن نتحرك تحت ضغط الزمن، كما لو أننا أناس لا يتطورون إلا تحت الضرورة. الضرورة عندنا حاجة (بتشديد الجيم)، وليست ابنتها. وعلينا أن نغير وأن نفتح أعيننا واسعا على ما يجري وما خلفناه، لا أن ننساه لكي نتذكره عند اقتراب الساعة... الانتخابية طبعا. لقد كان من المجدي للغاية أن يركز تقرير الخمسينية، الذي صاغه المغاربة بعد نصف قرن من الاستقلال على فضائل النقاش العمومي. ولا سيما عندما ركز القول على أن «فضائل النقاش العمومي لا يقدر بثمن، ولا شيء يمكن أن يعوض في مجال تدبير الحياة السياسية تلاقح الأفكار والمفاهيم والتحاليل، إذا كان الهدف هو خدمة المشروع الوطني المتقاسم بين الجميع».. في فرنسا عرفت نهاية الأسبوع الماضي نقاشا واسعا بين رئيس الحكومة والمعارضة، وبين مستشارين وفاعلين سياسيين وباقي مكونات الممارسة السياسية. وقد دخل على الخط رئيس الجمهورية بخصوص الإصلاحات الجماعية المنتظرة، ولا سيما الضريبة المهنية واستفادة الجماعات منها. لا شك أن الفارق لا يسمح كثيرا بوجود القياس، لكنه لا يلغيه، ولا يجعله من صميم الممارسة الوطنية، ما هو أساسي في إثارة القضية هي الحاجة الملحة إلى تبادل الرأي، بتقديم المعطيات، بالرغم من الخلفيات السياسية الواضحة لكل طرف. المهم عوض البرد، فإن الممارسة السياسية العادية هي التي تستقر ومعها النقاش العمومي. وأعتقد شخصيا بأن خطاب الملكي في ذكرى المسيرة الخضراء، لا يجيب على ملحاحية وطنية فقط، بل يضع أيضا الشروط لكي نستقر في الممارسة السياسية العادية، ولابد من أن نذهب إلى عمق ما يعني ذلك من آفاق تخص الممارسة السياسية ونظام الاقتراع والنظام الانتحابي المغربي وما يستتبعه من إطارات مؤسساتية جديدة. فقد جاء في الخطاب الملكي تركيز واضح على اللاتمركز واللامركزية والجهوية الموسعة والمتقدمة، وهو ما يمس في الواقع صلب الدولة وطبيعتها وما إلى ذلك في ما يتعلق بالممارسة الديموقراطية المحلية، والوطنية معا. والحال أن التقرير الذي أشرنا إليه حول الخمسينية كان قد أوضح أن فضائل الحوار الوطني، الذي لم يحصل بالشكل الكافي للأسف أو دخل في نمطية محددة، جعلته طقسا من طقوس البروتوكول أكثر منه دما جديدا، إن لم نقل أنه وجد نفسه في قبر الروتين المغربي. لقد كان مهما للغاية أن يقول التقرير« أن المغرب الممكن والمأمول، هو مغرب لا مركزي، حيث تساهم كل جماعاته في سيرورة التنمية البشرية، مع تثمين تنوعها وإمكاناتها المادية. وهكذا فالسمة النموذجية المميزة لالتزام المغرب بالديموقراطية ستكون بمثابة مؤهل، توفر في الحالة المتعلقة بالاقاليم الجنوبية، الباب الوحيد للمخرج الممكن:استقلال ذاتي يتيح للساكنة صلاحية التدبير الديموقراطي لشؤونها، في احترام للسيادة والوحدة الترابية للمملكة». وهو إطار عام لا شك أن المغرب يستلهمه في أفقه وفي مداخله، وعليه أن ينتقل به إلى النقاش الوطني العام حول الإصلاح ومنه الإصلاح الانتخابي والسياسي الملح .