في هذا الحوار يتحفظ محمد الحبيب طالب القيادي السابق في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي اندمج في الاتحاد الاشتراكي شعار الملكية البرلمانية ويعتبر طرحه في سياق ملتبس مضرا بالاتحاد الاشتراكي ويطرح العديد من الأسئلة على موقف الحزب في حالة ما إذا أعلن عن إصلاحات سياسية ودستورية، وهل سيكون هذا الموقف محكوما بخلفية الملكية البرلمانية أم بخلفية الممكن الدستوري، ويبدي الجبيب طالب موقفه من محطة الشوط الثاني من المؤتمر، وعلاقة القيادة الجديدة بالأرضية السياسية، ومنهجية تنزيل البيان السياسي على أرض الواقع، بالإضافة إلى قضية التحالفات وتطور موقف الاتحاد الاشتراكي من العدالة والتنمية، ويناقش في ختام هذا الحوار وضعية ما يسمى بالمندمجين بعد إقصائهم في تمثيلية الحزب. ما نخشاه في حالة الالتباس والغموض أن يشوش شعار الملكية البرلمانية هذا على مجمل الممارسة الاتحادية سواء داخل الحزب أو مع خلفائه، فأي موقف سيتخذه الاتحاد من التجديد الدستوري القادم لا محالة؟ هل سيتخذ موقفه على خلفية الملكية البرلمانية أم على خلفية الممكن دستوريا وسياسيا في المرحلة الراهنة؟ عبرتم في مقال نشر بالاتحاد الاشتراكي عن تحفظكم على إدراج مطلب المكلية البرلمانية في البيان السياسي للمؤتمر، هل يرجع ذلك إلى تصوركم لقضية الإصلاحات السياسية والدستورية في ظل العهد الجديد؟ أم أنكم رفضتم أن ينخرط الحزب في مزايدات سياسية من هذا النوع؟ لا يمكن لأي اتحادي من أطر الحزب وقيادييه أن يزايد في موضوع سياسي من هذا الحجم. قد نختلف أو نتمايز في الفهم والقراءة، لكن الجميع ينطلق من مرجعية واحدة، هي مصلحة الوطن ومصلحة التقدم الديمقراطي. فمن منا لا يريد أن تكون تجربتنا الديمقراطية على أفضل طراز، وبما تستلزمه من مقومات مرافقة، وأقصد، مجتمعا تحكمه دينامية متصاعدة في الإنتاج الصناعي والعلمي والثقافة الحداثية الديمقراطية، هذا هو الأفق التاريخي الذي نريده جميعا لبلدنا ولنظامنا السياسي. لقد أجرينا نقاشات معمقة حول هذا الأفق التاريخي (الملكية البرلمانية) وللأسف، فإن مشروع البيان السياسي الذي نشر بجريدة الاتحاد الاشتراكي خطأ لم يتضمن الصيغة النهائية التي تم الوصل إليها في هذه القضية، والتي تليت على مسامع المؤتمرين. وهي الصيغة التي وضعت بصريح العبارة هذا الهدف في سياقه الواضح كأفق بعيد المدى، وأتمنى أن يتدارك المكتب السياسي الجديد هذا العطب في الطبعة النهائية المستقلة لهذه الوثيقة. أما تحفظاتي على إدراج ها الهدف في سياق ملتبس فيمكن إجمالها في العناوين التالية: أولا: لقد اخترنا عن وعي، وقبل الموافقة على الدستور الحالي بالإجماع، نهجا ديمقراطيا توافقيا مع المؤسسة الملكية، استخلاصا لدروس الماضي، وتقديرا للتطور الموضوعي الذي عليه مجتمعنا، وللدور الكبير الذي تضطلع به المؤسسة الملكية في العهد الجديد في تحديث المجتمع المغربي والدفع به إلى مصاف التقدم. إن التنصيص الدائم على التوافق مع المؤسسة الملكية والذي تعودنا عليه، نحن وحلفاؤنا، في المطالبة بإصلاحات دستورية جديدة تأخذ العبرة من التجربة الفائتة والحالية، ليس بالقول الفارغ من المعنى، أو هو مجرد إطناب إنشائي، بل هو نهج سياسي وراءه ما وراءه من تقديرات موضوعية وتاريخية. ثانيا: قد أستغني عن أي شعار إضافي، قد تكون مضاره في حالة الالتباس أكثر من نفعه، ما دام الدستور الحالي في تعريفه للنظام الملكي يؤكد على أنه نظام دستوري ديمقراطي، وبالتالي، ما دامت الديمقراطية تتيح وتسمح بالتطور المستمر الذي من شأنه أن يرتقي بنظامنا السياسي ليواكب تطور المجتمع المغربي وتراكم تجربة الحكامة لديه. ثالثا: وما نخشاه في حالة الالتباس والغموض أن يشوش هذا الشعار على مجمل الممارسة الاتحادية سواء داخل الحزب أو مع خلصائه، وعلى سبيل المثال لا الحصر: أي موقف سيتخذه الاتحاد من التجديد الدستوري القادم؟ هل سيتخذ موقفه على خلفية الملكية البرلمانية أم على خلفية الممكن دستوريا وسياسيا في المرحلة الراهنة؟ كل هذه المحاذير قد تمت مناقشتها باستفاضة داخل المكتب السياسي السابق ومن قبل اللجنة التحضيرية والمؤتمرين، وإني على ثقة أن الإخوة في القيادة الجديدة سيبرعون في تمثل روح البيان السياسي على أحسن وجه بما للاتحاد من خبرة نضالية طويلة وعميقة وبما يتمتع به من رهافة الإنصات لهواجس المجتمع المغربي. اختلفت تقييمات المراقبين والمتتبعين للشأن الاتحادي بل وحتى الاتحاديين أنفسهم حول محطة الشوط الثاني من المؤتمر، فهناك من ذهب إلى أن المؤتمر نجح، وأن الحزب باعتماده للآلية الديمقراطية توفق لتسوية الخلاف التنظيمي والسياسي، في المقابل رأى البعض أن السمة الغالبة التي طغت على هذه المحطة هي الاستقاطابات والاستقطابات المضادة، وأن أي نقاش سياسي لم يكن في هذا المؤتمر، ما هو تقييمك الخاص لمحطة المؤتمر؟ لا أظن أن هناك اتحاديا لا يعتبر أن المؤتمر قد حقق خطوة إلى الأمام، كيفما كانت انتقاداته وتطلعاته المستقبلية، فالمؤتمر في كل الأحوال أخرج الاتحاد من وضعية الصدمة والفتنة الداخلية، ووضع برنامجا سياسيا موحدا كيفما كانت التمايزات الداخلية المشروعة، وضع الحزب على مشارف انطلاقة تنظيمية هيكلية جديدة، شكلت المناقشات التنظيمية التي دامت أشهرا عدة، وكذلك كيفية انتخاب المجلس الكاتب الأول والمكتب السياسي بوادرها الأولى. صحيح أن المؤتمر لم يوفق في قضية حساسة ذات دلالة تنظيمية ومعنوية، أي تلك التي درجنا على تسميتها بالمندمجين، إلا أن ذلك لا يعني البتة أن المؤتمر كان فاشلا المرة. جوهر هذه المسألة أن العقلية المنغلقة ما زالت سائدة في البنيان الحزبي، وهي تتناقض مع دعوات للاتحاد إلى توحيد الأسرة الاشتراكية في حزب موحد ومع الأولوية التي بها هذه المهمة في برنامجه الراهن، إلا أن الفشل على هذا المستوى لا يمكن أن يرتب عليه فورا فشل المؤتمر في كليته ولا الطعن في مصداقية الدعوة الوحدوية للاشتراكيين التي رفع رايتها الاتحاد. والخلاصة الوحيدة الصائبة التي ينبغي أن نستخلصها أن علينا جميعا القيام بعمل تواصلي كثيف مع جموع المناضلين الاتحاديين بكل قطاعاتهم ومستوياتهم، وأن ندرك جيدا أن الوحدة الإدماجية هي الطريق الأمثل لتوحيد كل الاشتراكيين ولو ببعض الخسارات وبالكثير من التضحيات الذاتية. غير هذا الطريق ستظل فكرة الوحدة تدور في حلقات مفرغة تأجل باستمرار دون أن تعطي بديلا ذا فعالية وجاذبية. لكن كثيرا من الاتحاديين اتفقت ملاحظتهم على أساس أن النقاس السياسي كان هو الغائب الأكبر في هذه المحطة، وأن كل محطة المؤتمر كانت متمحورة على الاستقطابات والاستقطابات المضادة؟ من المجحف أن ندعي بأن النقاش السياسي كان هو الغائب الأكبر، فهذا استخفاف كبير بعقول الاتحاديين. لا، أبدا.. النقاش السياسي والبرنامجي والهوياتي والتنظيمي كان حاضرا وموازيا لما أسميته بالتنافس الاستقطابي. وهذا شيء طبيعي لحزب يعيش مخاض تحول.. لقد جرى النقاش في اللجنة التحضرية بتفرعاتها لأشهر متوالية، ثم جرى مثيله في المكتب السياسي السابق، وأعيد النقاش في اجتماعين متتاليين للمجلس الوطني السابق، ثم تكرر النقاش مرة أخرى، في اللجنة السياسية التي عقدت اجتماعات في أجواء المؤتمر تدخل في مناقشاتها أزيد من مائة متدخل.. وكذلك نشرت الجريدة بعض الكتابات في ذات المواضيع، هذا عدا المناطق التي عقدت اجتماعات خاصة بالوثائق أو اقامت ندوات شارك فيها أعضاء المكتب السياسي السابق وأشرفت عليها اللجنة التحضرية.. واستطيع أن أقول، بعد كل هذا، أن معظم الاتحاديين، فبالأحرى الأطر، يدركون جيدا أن القضايا والإشكالات المطروحة عليهم في المرحلة القادمة، وهذا هو المطلوب من تلك المناقشات. ألا ترى معي أن المؤتمر خرج بمفارقة كبيرة بين أرضية سياسية تدعو إلى ملكية برلمانية، وبين قيادة سياسية لا تستطيع تنزيل مضمون هذه الوثيقة على أرضية الواقع؟ وكيف يمكن في نظركم تنزيل مقولة إعادة النظر في وضعية الحزب في الحكومة حسب قراءتكم؟ لا أرى أية مفارقة كبيرة أو صغيرة بين الأرضية السياسية والقيادة الجديدة. فالقيادة الجديدة، وأقصد المكتب السياسي والمجلس الوطني، تضم في عضويتها كل الحساسيات الحزبية وكل التنواع الفكري والقطاعي في الاتحاد الاشتراكي. وهذه ضمانة لممارسة متوازنة وغنية أيضا. لكن مع تأكيدي على شرطين أساسيين: الأول، أن يضطلع المجلس الوطني بدوره القيادي التقريري والتوجيهي كاملا وفعالا على غير ما كان عليه الوضع في التجربة السابقة، وهذا يتطلب بدوره إدخال بعض التغييرات الهيكلية في إدارته وطريقة تداوله، ليكون حاضرا بقوة وأكثر فاعلية في المراقبة والتوجيه، ريثما يعاد النظر في بنيته ضمن المراجعة الشاملة لهيكلة الحزب. والشرط الثاني، أن يضع الحزب برنامجا نضاليا مجتمعيا يستهدف بالأساس النهوض بكل القوى الاجتماعية التي تشكل القاعدة الاجتماعية للحزب والقوة الداعمة له ولمعركة الإصلاح والتحديث (العمال والفلاحون والنساء والمثقفون والطلبة والمقولات المتوسطة والصغرى...الخ) إذ ليس صحيحا بالمرة تعليق التراضي الذي عاشه في هذه الميادين المجتمعية على مشجب المسؤولية الحكومية التي تحملها الحزب خلال العقد الأخير. إذ العكس هو الصحيح، لقد كان بإمكان تجربتنا خلال الفترة الحكومية أن تعزز ارتباطاتنا الشعبية لا أن تضعفها، وهذا موضوع يطول شرحه. أما كيف أتصور تنزيل الأرضية السياسية في ميدان الواقع، فإني أنطلق من الفرضيات التالية: أولا، ينبغي إجراء حوار معمق في إطار الكتلة الديمقراطية يتوخى النقد والنقد الذاتي المتبادل، لأننا جميعا مسؤولون عن حالة الترهل التي وصلتها الكتلة، وعلى ضوء هذا الحوار ينبغي الخروج بتصور سياسي ودستوري وجماهيري وهيكلي متفق عليه يجري التحرك الجماعي على هديه وغاياته وفق جدولة زمنية مضبوطة. ثانيا، ينبغي إجراء حوار مماثل مع كل الفصائل الاشتراكية لإيجاد الصيغة الممكنة للعمل المشترك دون أن نلغي في الأفق القريب إمكانية التوحد الاندماجي ودون أن نغيب هذا السؤال من الحوار وإنضاج القناعة به ثنائيا أو جماعيا. ثالثا، سيكون من المفيد ومن الضروري، بعد المشاورات التي من المفترض أن تقوم بها الكتلة الديمقراطية مع جلالة الملك لطرح مطالبها السياسية والدستورية، إجراء تعديل حكومي يؤشر لهذه الإصلاحات التوافقية القادمة. تداولت وسائل الإعلام أن حوارا سيكون بين المكتب السياسي وما يسمى بالمندمجين من أجل تسوية مشكلتهم داخل الاتحاد، في حالة ما إذا اقترح عليكم الإلحاق في المكتب السياسي هل ستقبلون هذه الصيغة وتؤثتون مواقع القيادة من غير شرعية انتخابية؟ أكرر القول أن ما وقع في المؤتمر الوطني من تحجيم لتمثيلية المندمجين في قيادة الحزب، يعتبر خطأ تنظيميا ومعنويا، لكنه لا يغير من قناعاتنا في أن النهج الوحدوي الاندماجي الذي اخترناه كان اختيارا تاريخيا صائبا رغم كل الأعطاب والنواقص والعوائق التي اعترضت طريقه. وهو الاختيار الأمثل الذي نراه لوحدة الاشتراكيين لانتفاء أي مبرر إيديولوجي أو استراتيجي لاستمرار هذا التعدد على حاله. وكخلاصة لتجربتنا كمندمجين، ولكي يكون الاتحاد أقدر على استيعاب كل الطاقا الاشتراكية مستقبلا، بل ولبعث الحيوية في جسم الاتحاد ولإعادة الدينامية الفكرية في حياة الحزب الداخلية، فإن التصور التنيظيم القادم الذي سنطرحه على الندوة الوطنية التي أوصى بها المؤتمر، ينبغي أن تفتح المجال لتشكيل التيارات وبما يعني بناء الهياكل القيادية في جميع مستوياتها على التنافس بين أرضيات سياسية تفرز قوائم ممثلة تمثيلا نسبيا. الاتحاد الاشتراكي تجاوز علاقة التوتر مع العدالة والتنمية وماذا عن التحالف مع العدالة والتنمية، أليس في أجندة الحزب طرح مسألة التحالف في أفق أوسع من الكتلة واليسار؟ يعرف الإخوة في العدالة والتنمية والرأي العام عموما أن قضية العلاقة بين الحزبين قد تم تداولها، ولأول مرة، على أوسع نطاق داخل الحزب، ومن زوايا نظر متباينة. وإذا جاز لي أن أقدم قراءة شخصية لحصيلة هذه النقاشات خارج سؤال التحالفات، فقد أذهب إلى القول أن تغييرا قد حدث لجهة أن تكون العلاقات سوية وخالية من خطابات التوتر والعزل والشحن المتبادل. ولكي يثمر هذا المناخ السوي، وينجب تحالفا مرحليا يحتاج إلى تقارب ووضوح في علاقة الدين بالسياسة. لن أدخل في تفاصيل هذه الإشكالية، فالقصد في كل الأحوال ليس الفصل بينهما بإطلاق، فمن الواضح أن كل الأحزاب الوطنية تشكل المرجعية الدينية مكونا من مكونات معتقدها الإيديولوجي. الإشكال إذن في طبيعة التأويل والفهم والقراءة التي يتصرف بها كل منها في شؤون الحياة الدنيا: هل يخدم في الممارسة الثقافية مصالح التقدم والتحديث المجتمعيين أن يعمل على تكريس نواحي التأخر؟ هل يعمل على تغيير فكر الجماهير في هذا الاتجاه أن يدغدغ عواطفها الدينية ويغازل كل فئاتها التقليدية؟ وبعبارة أخرى هل يعبر عن نزوع فكري جريء إزاء مهمة الإصلاح الديني، المهمة الرئيسة في النهضة الديمقراطية المنشودة؟ أم مجرد اعتدال سياسي وخطاب فكري أملس لا ينبث تقدما إن لم يبطء ويعيق.. من الممكن أن نؤاخذ القوى الديمقراطية على قصور عطاءاتها الفكرية المزمن على هذا المستوى، لكن المسألة تأخذ أحجاما استثنائية ونوعية عندما يموقع المخاطب نفسه في الساحة السياسية استثمارا لمرجعيته الدينية بالأساس، وكما يقدمها بتأويله الخاص المحافظ في أكثر من جانب. ولهذا تأخذ قضية التحالفات في مثل هذه الحالة، وفي مجتمع يحتاج إلى نهضة فكرية كشرط لزوم، وضعا غير معتاد في التحالفات السياسية كما هو متعارف عليها، إذ تنضاف إليها طبيعة التوظيف الإيديولوجي لعلاقة الدين بالسياسية. هكذا أرى بوجه عام التصور الذي تداول فيه الاتحاديون في مؤتمرهم الوطني الأخير.