سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لشكر : محطة 2012 لن ترحم اليسار بالمغرب إذا لم يستعد لها جيدا الوزيرالمكلف بالعلاقات مع البرلمان قال إن الاتحاد الاشتراكي أدرك أن هناك من يستهدفه من داخل الحقل الحزبي
في إطار سلسلة الحوارات التي فتحتها يومية «المساء» مع الوزراء والمسؤولين، كان للجريدة لقاء مع ادريس لشكر، وزير العلاقات مع البرلمان وعضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أسابيع قليلة بعد دخوله إلى الحكومة في إطار التعديل الحكومي الجزئي الأخير. وقد تطرق اللقاء إلى عدة قضايا سياسية راهنة، كالوضع داخل الاتحاد الاشتراكي وحالة الكتلة الديمقراطية والتحالفات السياسية الممكنة التي يمكن لحزب الوردة أن يدخل فيها في أفق انتخابات 2012، والعلاقات مع حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، وكذا مذكرة الإصلاحات الدستورية التي قدمها الحزب إلى الملك، وتخلي الحزب عن المشروع الجماعي الذي أعدته الكتلة الديمقراطية. في ما يلي النص الكامل للقاء. مسار حياة: ولد إدريس لشكر الذي أصبح وزيرا مكلفا بالعلاقات مع البرلمان، سنة 1954 بالرباط. ويعمل لشكر، الحاصل على إجازة في العلوم السياسية من جامعة محمد الخامس بالرباط، محاميا منذ سنة 1982. وانتخب لشكر، العضو بالمكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، سنة 1993 نائبا عن مدينة الرباط، وأعيد انتخابه سنة 1997، ثم انتخب لولاية ثالثة سنة 2002. كما انتخب سنة 2003 بمجلس مدينة الرباط عن دائرة السويسي. وشغل لشكر، الذي ناضل في صفوف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ سنة 1970، منصب مسؤول وطني للشبيبة الاتحادية ما بين 1975 و1983، ثم رئيس فريق الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمجلس النواب ما بين 1999 و2007. ويعد لشكر عضوا مؤسسا للعديد من الجمعيات السوسيو - ثقافية والمدافعة عن حقوق الإنسان. الإعلام والصحافة مسؤوليتنا جميعا - حضرت للتو بعد مشاركتك في اليوم الدراسي في البرلمان حول الإعلام، كيف تقيم هذا اليوم الدراسي؟ يرتبط اليوم الدراسي أساسا بالفرق البرلمانية وبالبرلمانيين، وفي هذا السياق يمكن تبرير غياب أي عضو من الحكومة عن هذا اللقاء، لكن لا يمكن تبرير غيابي البتة عن هذا اليوم الدراسي سواء من موقعي كوزير أو من موقعي الحزبي أو انطلاقا من مسؤولياتي المتعددة المرتبطة بالجانب الحقوقي. إنه حوار يتعلق بالإعلام والمجتمع ونتمنى أن يكون منطلقا لحوار هادئ، لأنه مع كامل الأسف يوجد اليوم بين الإعلام ومختلف السلط حوار ساخن ويمكن وصفه بأنه حوار عنيف، لذلك نأمل أن تعود الأمور إلى نصابها وأن يتسم الحوار بالسلاسة والهدوء, خاصة أننا أمام حوار بين سلط بما فيها سلطة الإعلام والصحافة التي نخشى في إطار التوازن بينها أن نطالب بهذا التوازن بين السلط الثلاث المعروفة وبين سلطة الإعلام. - أين الخلل إذن في هذا الحوار؟ نحن كإعلاميين نرى ذلك في الجانب الحكومي وأنتم ترون العكس؟ مما لا شك فيه أن فضاء الحرية الذي تحقق في العشرية الأخيرة والذي يرجع إلى نضال الصحافة الحزبية الديمقراطية، التي عاشت فترة صعبة وكانت تُدك فيها المطابع وتفتش فيها مكاتب الصحافيين الذين كانوا يزارون بالليل، ومنهم من كان يتغيب عن أهله شهورا وسنين دون أن يعرف أهله وجهته، لذلك فالإقرار ببعض النواقص في مجال الحرية لا ينفي وجود فضاء واسع من الحرية في بلادنا. وإذا كنا نطالب بإصلاح سياسي بين مختلف السلط، فيبدو أن ما يجري في حقل الإعلام اليوم يتطلب إصلاحا أيضا، لأن لا أحد يقبل بأن يتحول هذا الإعلام إلى مجال للسب والشتم ونبش الأعراض وغيره، بما في ذلك الإعلام الساخر الذي يتميز بالمتعة لكنه يتحول هو الآخر إلى كارثة عندما يرتبط بالكذب والقذف، هذا بالإضافة إلى ظهور ظاهرة أخرى هي الاستقواء باللوبيات أو بالخارج من طرف صحافة معينة لأجل القضاء على شخص أو تحقيق مصالح معينة. - هل تقصد الصحافة المستقلة؟ وهل هناك نماذج لهذه اللوبيات التي ذكرت؟ أنا أتحدث عن الصحافة التي نقرؤها اليوم كمغاربة كل صباح ولا أعطيها أي صفة مستقلة أو غير ذلك، لأنه حتى هذه الصفة يصعب تحديدها، رغم أنني أُقبل بنَهم على قراءة هذه الصحف. إلا أنه يظهر أن هناك إشكالية حقيقية اليوم بين الحرية والمسؤولية. - ألا ترى أن مسؤولية هذه الإشكالية تتحملها الحكومة أيضا، حيث بالإضافة إلى أنها لم تفرج بعد عن قانون الصحافة، فإن وزير الاتصال يصرح علنا بأنه سيذهب إلى الحج ويدعو للصحافة بالهداية؟ بخصوص هذه المسؤولية أنا أذهب أبعد من ذلك، حيث إن هذه المسؤولية مشتركة بيننا جميعا، وبالإضافة إلى السلطة التنفيذية هناك مسؤولية السلطة التشريعية التي يجب أن تسن قوانين ولو أن القوانين غير كافية، ثم هناك السلطة القضائية حيث إن الأحكام القوية والقاسية نسبيا, خاصة عندما يتعلق الأمر بالحرية، فإنه يجب البحث عن حل في ما يخص العقوبات لاسيما منها العقوبة الحبسية التي يجب أن تطبق في الجرائم القصوى الشاذة والاكتفاء فقط بالغرامات أو العقوبات الحبسية موقوفة التنفيذ، لأنه من المؤلم أن ترى اليوم مسؤولا إعلاميا يقضي عقوبة حبسية في سجن الزاكي، وآمل أن يكون الفرج قريبا. انتخابات 2007 والاتحاد الاشتراكي - بعد دخولك إلى الحكومة، ما الذي تغير، الحكومة أم إدريس لشكر؟ الأمر غير مطروح بهذه الطريقة، والمسألة هي أن لشكر فاعل ومسؤول في حزب معين منسجم مع قراراته وتوجهاته، وفي محطة المؤتمر الثامن تحدث الحزب ولم يتحدث إدريس لشكر، وهو الخطأ الذي يسقط فيه الكثيرون، الذين أدعوهم إلى الرجوع إلى البيان العام الصادر عن المؤتمر، حيث تحدثنا عن أزمة تعرفها البلاد وقلنا إنها أزمة تتطلب مجموعة من المبادرات التي استعرضها حزبنا، منها مبادرة الإصلاحات السياسية والدستورية التي نعتبرها مدخلا لمعالجة هذه الأزمة، لأن ما وقع في سنة 2007 غير عادي وغير طبيعي في الحياة السياسية في بلادنا، ولم نقبل بذلك على اعتبار كوننا ساهمنا في الانتقال الديمقراطي، لذلك حللنا الوضعية واعتبرنا أن هناك ما يمكن أن يدخل ضمن مسؤولياتنا كحزب، وبالمقابل هناك مسؤوليات الآخرين ومسؤوليات كل الطيف السياسي ومسؤولية الدولة كذلك، لأنها لم تدفع بالانتقال الديمقراطي خطوات إلى الأمام. وبالرجوع إلى البيان العام ستجدون أن كل ما كان يقول به لشكر هو فقرات من هذا البيان، والتحول الذي حصل هو أن المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي اجتمع وحسم في قضية المشاركة في الحكومة من عدمها، ولم تعد المسألة مطروحة كما كانت بعد أزمة سنة 2007، واليوم وبعد قراءة وتقييم نتائج انتخابات سنة 2009 من طرف الاتحاديين الذين وقفوا عند التغيرات التي طالت المشهد الحزبي في البلاد، جاء بيان المجلس الوطني الذي كلف المكتب السياسي بتدبير مسألة المشاركة، وكذا تكليفه، في ما يتعلق بالحقل الحزبي، بفتح حوار وطني حول الإصلاحات التي نطالب بها مع كل الصف الوطني الديمقراطي، ولم نذكر في البيان عبارة «مع اليسار» فقط أو «مع الكتلة»، لذلك أستغرب عدم القيام بمتابعة دقيقة لقراراتنا الحزبية قبل إصدار الأحكام. - ولكن من بين التشخيصات التي قدمها الحزب بعد كارثة سنة 2007، أن مشاركتكم في الحكومة كانت محدودة السقف، ومن ثم وجبت إعادة النظر في هذه المشاركة خاصة بعد نتائج تلك السنة؟ نعم ما تقوله صحيح، لكن نحن لم نذهب إلى المؤتمر ثم توقف الزمن بعد ذلك. ولا نعيش في المريخ، فعندما خرجنا من المؤتمر استمررنا يوميا في الإجابة عن تساؤلات بخصوص أوضاع شائكة بخصوص مختلف قضايا بلادنا والتفاعلات التي عرفتها، ومنها ما أسميناه بالوافد الجديد الذي كان يشتغل في خانة اليسار ليتحول إلى الاشتغال مع الأحزاب الإدارية وغيرها، فتذكروا معي كيف تتم التحولات، لكنكم تطلبون مني أن أظل جامدا. - أنتم دعوتم بعد الانتخابات إلى وقفة تأمل، بماذا خرجتم إذن من هذه الوقفة وهل مشاركتكم تدخل في هذا الإطار؟ لا، لا، مشاركتنا لم تأت استجابة لمسألة معينة، ولكنها جاءت في سياق واضح سواء عندما قررنا البقاء في الحكومة أو عندما قررنا المساندة النقدية، وأيضا عندما استقبل الملك الأخ عبد الواحد الراضي وأبلغه تشبثه ببقائه في منصبه، لذلك أدعوكم إلى قراءة البيان السياسي والرجوع إليه، وسجلوا أنني لا أعبر إلا عن المواقف الحزبية وأخبروني إن قلت ذات محطة إنني تحدثت عن غير القرار الحزبي. - لكن ألا ترى أن هذا القرار الحزبي هو كلام عام، بحيث عندما تقولون بالحوار مع كل الصف الوطني الديمقراطي تتحاشون تحديد جهات معينة ومنها بالخصوص حزب العدالة والتنمية؟ وماذا يعيب في الأمر؟ - ألم تكن إشارة في اتجاه حزب الأصالة والمعاصرة؟ نعم كنا نقصد حتى هؤلاء بكل وضوح، لأن السياسة تتطلب منا ذلك الوضوح ولا نخفي أي شيء، لقد قلنا داخل قيادة الاتحاد الاشتراكي كل الصف الديمقراطي الوطني. - قلت إنكم فاعل أساسي في الانتقال الديمقراطي، لكنكم تطالبون الدولة بتفعيل ذلك، ماذا تقصدون بالدولة، المخزن أم المؤسسة الملكية أم ماذا؟ من المؤكد أن الدولة هي المواطنون والمؤسسات، وعلى رأسها المؤسسة الملكية، وأن كل الإصلاحات لا يمكن أن تتم إلا عندما تنخرط المؤسسة الملكية في هذا الإصلاح، الذي كان يسلك طرقا متعددة، بحسب الظروف وانسجام المواقف، إذ كانت هذه الإصلاحات تأتي أحيانا في إطار من التضارب، حيث عشنا في عهد الحسن الثاني مواجهات صعبة، إذ كان كل طرف له منظوره بخصوص الإصلاح سواء المؤسسة أو نحن، إلا أن تلك المواجهات هي التي ولدت هذه التوافقات اليوم. وعبر تاريخ المغرب لم يحصل أي تقدم بدون توافق. ولنأخذ على سبيل المثال التوافقات التي حدثت في بريطانيا حيث كانت نتيجة عنف وضغط ومثلها كثير في التاريخ، لكن في المغرب لم تأت التوافقات على هذا المنوال، لا بعد 23 مارس سنة 1965 ولا بعد أحداث 20 يونيو وغيرها من النضالات الكبيرة، بل كان على العكس يتلو كل ذلك نوع من «الردة»، رغم حجم تلك النضالات، لذلك فقد كان عبد الرحيم بوعبيد يتميز بقدرته على تدبير الصراع بما يضمن الوصول، في مراحل معينة، إلى التوافقات لربح خطوات إلى الأمام. - في إطار الوضوح، وحيث إنكم قلتم إن المجلس الوطني كلف المكتب السياسي بتدبير مسألة المشاركة وغيرها من الأمور، ألا ترون أن ذلك يعتبر قفزا على المشاكل الداخلية التي جعلت البعض يوقع وثيقة يرفض فيها بقاء الحزب في الحكومة؟ أولا، هل تعرف مآل تلك الوثيقة؟ هل تعرف أسماء الموقعين عليها؟ لا يمكن مقارنة ذلك بالحزب، هو شيء محدود جدا وأصحاب تلك الوثيقة هم من قرروا التوقف عن النقاش الذي يجري دائما داخل الحزب. وبعد سنة 2007 ورغم المشاكل لم يقل أحد بالانسحاب من الحكومة، وبدأ النقاش بهذا الخصوص حول تدبير المفاوضات لتشكيل الحكومة، حيث دافعنا عن كوننا حزبا حقيقيا وقويا، وعلى من دبروا المفاوضات أن يتحملوا مسؤولياتهم بهذا الشأن، إذن ليس هناك إشكال مطروح، لكن عندما تحدث أزمة داخل الحزب فكل واحد كان يقدم لها طرحا للتوصل إلى حلول بشأنها، ومناضلو الحزب اجتهدوا وأحدثوا لجنة تقييم، عابت على قيادة الحزب كونه أصبح هو والحكومة شيئا واحدا، وهذا ما أصبح يعني في وعي الرأي العام أن حزبنا هو الذي يحكم، بينما هو واحد من بين أحزاب أخرى، ونحن واعون بإكراهات المرحلة، ونعرف محدوديتها والإمكانيات المتاحة ولكن كنا بالمقابل مقتنعين بالانخراط فيها لإطلاق دينامية الإصلاح، غير أن المواطنين ليسوا كذلك، حيث كانوا يرون الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي ووزير المالية فتح الله ولعلو في صورة مغايرة للواقع. - هل هي رهانات هذا المواطن على حزب الاتحاد الاشتراكي؟ هذا شيء مؤكد، واليوم نعتز بما تم تحقيقه، رغم كل ما قيل ورغم أن الرأي العام كان حكمه قاسيا، فإننا نعتبر أن ما تم إنجازه في العشرية التي انخرطنا فيها على كل الأصعدة بدأ يخلف صداه وبدأنا نسمع كلاما يحن إلى تلك المرحلة، حين انطلق التناوب والطريقة التي انطلق بها. - هي هل تقصد مرحلة اليوسفي؟ لست أنا من أقصد ولكني أنقل لكم صدى الرأي العام الذي يصلنا، لذلك لا تكونوا قاسين على التجربة التي لا أتنكر لها. - بعد ما حملته سنة 2007 من نتائج برز اتجاه داخل الحزب، منه لشكر، يدعو إلى إحداث «رجة سياسية»، فهل يعني ذلك العودة إلى المعارضة أم هو الانخراط الكلي في الحكومة حتى من طرف الذين سبق أن دعوا إلى الخروج منها؟ الاتحاد الاشتراكي وعى بأن هناك من يستهدفه بالحقل الحزبي، والمعركة بالنسبة إلينا لم تكن تعني فقط الدخول أو الخروج من الحكومة، وأحزاب كثيرة في العالم العربي على شاكلة الاتحاد الاشتراكي تعرضت لقليل مما تعرض له حزبنا واندثرت، لكننا بالحزب عندما خرجنا من المعركة مهزومين، كان لدينا إمكانيات معينة، إما أن نبحث عن الوسائل للدفاع عن الذات، وهنا كثر الخصوم الذين بدؤوا يتصيدون معتقدين أن الوقت قد حان للانقضاض على الاتحاد الاشتراكي، هذا المارد الذي لعب دورا مهما في تاريخ المغرب المستقل، والذي استهدف في كافة المحطات، حيث سبق أن اتهمونا بأننا برجوازيون صغار وإصلاحيون وأنهم هم من يملكون الحقيقة وسينشئون حزبا ثوريا وغير ذلك، وهنا يمكن أن نتساءل كم من التجارب التي أرادت أن تقوم على أنقاض الاتحاد، والذين كان منهم من يعتقد في السبعينيات بأن الاتحاد الاشتراكي هو العقبة الكؤود التي تقف في مسار تحقيق حلمه الثوري، ولذلك يجب القضاء عليه، ولكن هذه الأحزاب اختفت وانتهت تلك المرحلة وانقرضت تلك الأحزاب بعدما قدم الاتحاديون تضحيات عدة في الأرواح والممتلكات والحريات. ثم أتت مرحلة ما بعد سنة 2007، وكاد أن يحدث نفس الأمر تحت عدة مسميات منها الحداثة وغياب الديمقراطية داخل الاتحاد الاشتراكي، وبدأ النبش في حواشينا وبدأنا نسمع لغة خطيرة داخل الحزب وظهرت صراعات، ويمكن القول إنه أصبح مطروحا علينا سؤال كيفية إخراج المعركة من داخل حزبنا إلى خارجه. - هل تقصد تصدير هذه الأزمة؟ ما أسميته تصدير الأزمة أسميه أنا الدفاع عن الأداة الحزبية والوقوف في وجه المؤامرات، أليس ما قام به الآخر من تصدير الأزمة إلى حزبي يعتبر مؤامرة؟ إنه كان من اللازم مجابهة هذه المؤامرة، وأعتقد أن المؤامرة التي كانت ضدنا نجح الاتحاديون في إفشالها واجتمعوا في مؤتمرهم الوطني، الذي كان ساخنا بفعل القضايا المطروحة عليه إضافة إلى مسألة اللائحة من عدمها ووجود من يريد تصفية الحساب وغير ذلك، ولم ننجح في الشوط الأول بسبب وجود خلافات وذهبنا إلى الشوط الثاني واحتكمنا إلى صناديق الاقتراع وخرجنا موحدين وهو شيء أساسي، معنى ذلك أن الحزب نجح مرة أخرى في الحفاظ على الذات والبقاء صامدا وسط الأعاصير. وبعد هذا النجاح بدأنا نحضر لاستحقاقات سنة 2009، في ظل حدوث عدة تحولات على مستوى المشهد الحزبي منذ سنة 2007، وتطلبون منا البقاء في نفس موقعنا وأن نغيب كل هذه المعطيات، بينما في سياق تحليل معطياتنا في إطار التحليل العلمي الصائب الذي يؤكد ضرورة انطلاقنا من المتغيرات التي عرفتها الساحة منذ سنة 2007 إلى الآن ومرورا بالسنة الماضية، وبكامل المسؤولية أقولها لكم فإنه لا يمكن لأحد أن يقرر بدلا عن الاتحاد الاشتراكي الذي يظهر في كل محطة نوعا من الصراع في ما بين مناضليه في إطار حوار مسؤول، وحتى في ما يتعلق بالتعديل الوزاري الأخير لاحظتم كيف كان خطاب المكتب السياسي واحدا وأحاديا سواء في اتخاذ القرار أو في كيفية المشاركة. - ولكن عقب انتخابات سنة 2007 طرحت مسألة عدم توزير الراسبين في الانتخابات ويقال إن ترشيح توزيركم إلى جانب ترشيح الاستقلالي الخليفة تم رفضهما من طرف الملك لهذه الاعتبارات، كيف تفسر ذلك؟ أترك لك تفسير ذلك، لأنه ليس في علمي إن تقدم ملف بهذا الشأن أم لا، والحديث عن المنهجية الديمقراطية سيوصل البلاد إلى حكومات مجلسية، التي تعني أنه لا يتم استوزار أحد خارج الصناديق الانتخابية، فهل يوجد بدستور بلادنا اليوم, وفي ما يخص التعيينات التي تتم, ما ينص على تشكيل حكومات المستقبل إلا من طرف الذين أفرزتهم صناديق الاقتراع? هذه كانت تجربة الجمهورية الثالثة والرابعة بفرنسا، وعاشت فرنسا تجربة هذه الحكومات التي كان متوسط عمرها ستة أشهر، هذه الطريقة تدفع إلى اللااستقرار، عندما قيل وقتها سنة 2007 المنهجية الديمقراطية استبعدت أن يصدر هذا الأمر عن كل مسؤول يرى المغرب في صيرورته، لا علم لي بالجهة التي تحدثت عن هذا الموضوع، تابعتها في الصحافة، قيل لنا من طرف الكاتب الأول للحزب آنذاك بأن عباس الفاسي أبلغه بهذا الأمر، نحن كنا ضد هذه القضية لما فيها من أبعاد خطيرة عن المغرب وأنها غير دستورية. - إذن بلغ إلى علمكم أنه من فشل في الانتخابات لا يمكن أن يكون وزيرا؟ نعم علمنا ذلك من طرف اليازغي الذي أبلغه عباس الفاسي بذلك. - هل صحيح أن اقتراحك كان من طرف الهمة؟ حسب علمي هو ما أعلنه الكاتب الأول للحزب عبد الواحد الراضي الذي وقعت الاستجابة لطلب تفرغه للحزب، وأن الوزارة التي منحت للاتحاد الاشتراكي هي وزارة العلاقة مع البرلمان، والمكتب السياسي هو من اتخذ قرار استوزاري، فلا أثر للهمة فيه ولم يحضر معنا. - كيف تفسر ظهورك إلى جانب الهمة في برنامج حوار؟ لم أحضر بصفتي الحزبية، بل بصفتي الرسمية كوزير مكلف بالعلاقة مع البرلمان، وسأحضر في أي برنامج حواري يستدعى إليه رئيس فريق برلماني إلا إذا كانت هناك ظروف قاهرة، ولأنني وزير مكلف بالعلاقة مع البرلمان ينبغي أن أتابع الحياة البرلمانية، إضافة إلى أن هناك علاقة شخصية تجمعني مع حكيم بنشماس، فهو مناضل يساري سابق. ومكان الجلوس لم يكن لي دخل فيه، فحسب ما تربينا عليه، فإن الجهة التي دعتك هي التي تختار لك مكان الجلوس، واللجنة المنظمة هي التي اختارت لي مكان جلوسي. نحن وحزب الأصالة والمعاصرة - انتقدتم كثيرا حزب الأصالة والمعاصرة، فهل تسعون إلى التطبيع السياسي معه؟ هل تعلمون أنه لما خرجنا من حزب الاستقلال كان هناك صراع سياسي كبير، وصل إلى حد أن حزب الاستقلال وجه إلينا تهم التكفير، وقلنا فيهم أشياء لا يمكن أن تتصور ويمكن الرجوع إلى جريدة العلم والتحرير وقتها، أما أن أقول الوافد الجديد فهذه «لغة مصوابة» . الوافد الجديد له مشروع ومن حقه أن يدافع عن حقه واستعمال كل الوسائل لذلك، ونحن كحزب لنا مشروعية تاريخية ومن حقنا أن ندافع عن هذا المشروع، وأن أصفه بالوافد الجديد أو أن أقول أكثر من هذا، فأنا لست نادما عما قلته أبدا . أعتبر كل ما قمنا به لمواجهة المشروع الذي كان يتأسس كانت تتطلبه المرحلة. وما جرى بين حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي من صراعات وصلت حد الشجار بالمقرات، لم يمنع من تشكيل الكتلة والمشاركة في حكومة عبد الله إبراهيم. إن اليسار كان ينطلق من أنه لا حل في المغرب إلا بعد القضاء على الإصلاحيين والبورجوازيين الصغار وعلى الذين يقفون عقبة أمام مشروعهم الثوري، ونحن عشنا صراعات قوية وعنيفة في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب أكثر من الصراعات التي يعيشها حاليا الإسلاميون والقاعديون في الجامعة. كانت صراعات قوية، خلال المؤتمر ال 15، لم تكن سهلة ورغم ذلك التقينا وتوحدنا في اليسار. - مهما كان، فاليسار جزء منكم وينتمي إلى أسرتكم، لكن أين وجه التقارب مع الأصالة والمعاصرة؟ ألا تعتقد أنه يمثل ذراع المخزن كما كان يقول بعض الاتحاديين؟ هل بأدبيات الستينيات والسبعينيات أم أدبيات الاتحاد التي تتطور؟. الاتحاد لا يتحدث عن مخزن بالمفهوم السابق ونحن منخرطون معه في بناء المغرب الجديد. - لكن حزب الأصالة والمعاصرة لديه أجندة. كانت لديه أجندة وجزء منها هو أن يقوم على أنقاضي، ولم يكن لي خيار إلا المواجهة. لما اتخذنا القرار في المكتب السياسي منع كل عضو من الاتحاد الاشتراكي من المشاركة في أنشطة مشروع الجمعية وقتها، فنحن كنا نقاوم ظاهرة جديدة وشاهد الجميع ما فعلت في الأحزاب التي استقطبت مكاتبها السياسية، أما نحن في الاتحاد الاشتراكي فتلك المواقف هي التي جعلت حتى الذين اشتغلوا في حركة كل الديمقراطيين لم يلتحقوا بالحزب. - هل تجاوزتم عقدة الأصالة والمعاصرة؟ أنا كوزير مكلف بالعلاقة مع البرلمان من الواجب علي أن أتعامل مع الأصالة والمعاصرة ومع العدالة والتنمية ومع كل الفرق البرلمانية. المنطق الواضح هو أن نكون منفتحين على كل الطيف السياسي الذي له استعداد للنضال من أجل الإصلاح والديمقراطية. - ما الذي استخلصت من محطة 2007 ؟ المغرب يعرف ترديا ونكوصا في العمل السياسي لا يمكن نهائيا للإنسان أن يشتغل وفق المنطلقات التي كان يشتغل وفقها خلال الستينيات. لقد عم الفساد الانتخابي حتى في صفوف الأغنياء ورأينا كيف أن الاقتراع غير المباشر، أفرز مستشارين لا يبحثون إلا عن هذه الصفة التي حولوها إلى أصل تجاري حتى يقوموا بصرفها في كل محطة عبر المقايضة في انتخابات الجهة أو المجلس الإقليمي، وهؤلاء ليسوا من الفئات الفقيرة، بل بينهم المهنيون والحرفيون والأساتذة والأطباء والمحامون. إن هذا الخطر يهدد انتخابات 2012 إذا لم يبحث له عن حل عبر الإصلاح السياسي، فأنا عانيت سنة 2007 من الرشوة الانتخابية، وتمنيت لو أن فشلي كان نتيجة معاقبة السكان لي. - لكن عاقبك سكان اليوسفية، أليس كذلك؟ لا أبدا، المال ثم المال. ومعروفون الذين كانوا يواجهونني، وهذا ما يسمى بالمؤامرة، فنعتت بالإقصاء لأنني طلبت برفع العتبة، والجميع يذكر الحملة ضدي في الانتخابات، وكان مما يسر ذلك شراء ذمم الناس فكانت الأصوات تشترى جملة واحدة من كل عائلة بمبلغ يتراوح ما بين 3000و4000 درهم. - هل عاينت عملية شراء الأصوات؟ نعم - لماذا لم تبلغ النيابة العامة وقتها بالخروقات؟ عملية الضبط وغيرها يجب أن تتم عبر مراجعة الآليات القانونية، ولا يوجد ما يسعفني للقيام بهذا الأمر. - نسبة المشاركة في انتخابات 2007 كان فيها عقاب لجميع السياسيين، أليس كذلك؟ لم تكن هناك إرادة ورغبة في تطوير العمل الانتقالي، كانت خطة معاكسة ساهم فيها الإعلام بشكل كبير، ما حدث هو تيئيس المواطنين لأنه لا أحد كان يقدم لهم الحصيلة بالشكل الصحيح، ولا تجد إلا من يحمل الشموع ويقف أمام البرلمان لزرع الإحباط. - وهل السياسيون أبرياء؟ ما مورس للسياسيين أيضا دخل فيه، فمنهم من قام بالتيئيس بعدما تحركت كل الشبكات وهناك من انخرط فيها بدون وعي منه. - هل ما زالت هناك جيوب المقاومة كما كان يقول اليوسفي؟ مؤكد أنها ما زالت موجودة، وينبغي أن يكون هناك حذر دائما. الاتحاد الاشتراكي والتحالفات - ما حقيقة التقارب بينكم وبين الأصالة والمعاصرة على حساب الابتعاد عن العدالة والتنمية؟ نحن في مرحلة ليس مطروحا فيها التقارب ولا الابتعاد مع أي أحد، في حين كان التنسيق مطروحا سنة 2007، وكان كل حزب يبحث عن الجهة التي يكسب من خلالها مواقع، أما اليوم فلا يمكن أن يكون هناك أي توافق سوى حسب البرامج. - ولكن التجمع الوطني للأحرار يرى أن هناك تحالفا مقبلا سيكون معكم ومع الأصالة والمعاصرة يعني أن هذا الحزب فكر وحلل الوضع السياسي والمعطيات ولديه مشروع حسب وجهته الخاصة، وهذا مطروح علينا وسنفكر ونتداول داخل الأجهزة بشكل ديمقراطي هذا الأمر. - لكن برامج الأحزاب تتشابه، كيف سيكون هذا التحالف؟ لكل حزب برنامجه، الذي هو عمل يومي، فمثلا نحن نسقنا بخصوص محور الإعلام، ولكن ينبغي أن نخرج بآليات التنفيذ الممكنة، مثلا أن توقع الأحزاب حول مشروع قانون يقضي بإلغاء العقوبات السالبة للحرية، أو التوقيع على رفع العتبة لمحاربة البلقنة. كان هذا مشروعي قبل سنة 2007 ونرغب أن تنخرط فيه الأحزاب. - هل التنسيق البرلماني يمكن أن يقوم مقام التحالف سياسي؟ إنه الأساس لكل تحالف سياسي. - هل ستتحالفون مع العدالة والتنمية؟ لا أحد منا يطرح التحالف مع العدالة والتنمية والعكس صحيح... - لكن هذا الحديث كان رائجا، فقد تم التنسيق بينكما في العديد من المدن كالرباط. إن التنسيق ليس هو التحالف، لأن التحالف يتأسس أولا على تقارب في المرجعية يتولد عنه تقارب في البرنامج، وحينها يمكن أن نتحدث عن تحالف، فالتحالف بين حزبين رهين بتحقق هذين الشرطين، أما التحالفات الانتخابية المؤقتة التي تحدثت عنها فتنتهي بإنجاز ما اتفقنا عليه ونكون أمام وضعية لا غالب ولا مغلوب وليس كما قيل إن هذا الحزب صعد بفضل الآخر. وما حصل هو أننا عقدنا اجتماعات للاتفاق على المدن التي سيتم فيها إبرام تحالف بين الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية، أي تنسيقات محلية أنتجت التحالفات، فهل سيترتب عن هذه التنسيقات تحالف فيما بعد بالشرطين اللذين أشرت إليهما؟. الأمر تنطبق عليه مقولة «لكل حادث حديث»، فإذا طرأت قضية مستقبلا في البلاد وتوافق حزب العدالة والتنمية و»البام» مع الاتحاد الاشتراكي فهل سأرفض ذلك؟ - ولكن ماذا تقصد بالاتفاق حول المرجعية، لأننا أمام مرجعيات مختلفة لكل طرف من الأطراف الثلاثة، فما هي مرجعية الاتحاد؟ طيب، ها أنت قد تحدثت عن ثلاث مرجعيات قائمة، فإذا أصبحت هي التوجهات العامة في مشهدنا السياسي، بالإضافة إلى مرجعية أخرى أو اثنتين أفلا نكون قد حققنا إصلاحا سياسيا حقيقيا، على الأقل في تسهيل الاختيار وحرية الاختيار للرأي العام، عوض أن يختار بين 30 أو 35 حزبا. وبكل صدق، لقد أصبح الآن الحديث ممكنا عن وجود توجهات كبرى، وهو مكسب لم يكن متوقعا قبل شهور خلت، بمعنى وجود أقطاب تبحث عن التحالف عند محطات كتشكيل الحكومة مثلا، فحتى ما انتقدناه إبان تشكيل الحكومات السابقة سيتم تجاوزه، ففي حالة وجود 3 أو 4 أقطاب سيتحالف اثنان منها لتشكيل الحكومة وقطب أو اثنان سيمارسان دور المعارضة، وسنكون آنذاك قد أنجزنا جزءا كبيرا من الإصلاح السياسي، لأن الذي يدفع عددا كبيرا من المواطنين إلى عدم المشاركة في الانتخابات، هو إدراكهم أن صوتهم لا أثر له، ولا يساهم في اتخاذ القرار النهائي.إذا وصلنا إلى قطبية حقيقية في البلاد بأربعة أقطاب أو ثلاثة أو خمسة على أبعد تقدير، فإن المواطن سيقبل على التصويت. - بخصوص القطبية، لم لا يوجد توجه نحو رفاق الأمس الذين اتهمتهم بالوقوف ضدكم في مواقع انتخابية؟ لم لم تتجهوا لمكونات اليسار من أجل الوصول على الأقل إلى قطبية ذات مرجعية موحدة؟ هذا هو المشروع الذي لن ندخر أي جهد للوصول إليه، ونأمل أن يستوعبنا جميعا حزب اشتراكي كبير، له عطف على مرجعيته التاريخية وتاريخه الشخصي. يجب أن ندرك أن 2012 لن ترحم اليسار في المغرب، لأنه سينتهي وسينقرض إذا لم يستعد لها بشكل جيد. - نريد أن نعرف بصراحة، في ظل حديثك عن الحزب الاشتراكي الكبير والتحالفات، هل الكتلة لازالت قائمة؟ لا يمنع أن تكون في حزب اشتراكي كبير يتولى تطوير كتلة ديمقراطية تسعة أحزاب أخرى، غير أحزاب اليسار، لن أعطي أشياء مجانية، تحالفاتنا يحددها المؤتمر، ولن أقول إننا سنتحالف مع الأصالة والمعاصرة أو حزب العدالة والتنمية لأن الأمر لم يتقرر بعد، والكتلة موجودة، لكنها غير منتجة في هذه المرحلة. - أدلى مؤخرا محمد لحبابي ببعض التصريحات قال فيها إن بعض الأقطاب، ثلاثة أو أربعة مع الاتحاد الاشتراكي، وأحزاب يسارية أخرى يمكن أن تنشئ ما يسمى باليسار الإسلامي، كيف تنظرون إلى التصور الذي جاء به رجل عتيد في الحزب؟ أنا أقول ارحموا الرجل، حرام أن يتم استغلال تصريحه في كل محطة. لحبابي رجل أنجز مهمته كقائد للاتحاد الاشتراكي،و اليوم هو عضو في الحزب، من الصعب أن يتصيد الإنسان تصريحات من قادة برمزيتهم وتاريخهم، أنا لا تعجبني الإثارة التي تمارسها بعض الصحف بخصوص تصريحات رموز وقادة تأثيرهم محدود في أحزابهم، وأنا لا تعليق لدي على ما قاله لحبابي احتراما ومعزة له. - بهذه المناسبة، لا يتوفر الاتحاد الاشتراكي على مجلس حكماء. كيف تفسر هذا الأمر؟ الحكمة لا نعرف في أي سن تكون، فالنبي نزل عليه الوحي وهو في الأربعين، كما أنه ليس من العبث أن اختارت البشرية سن التقاعد في الستين. الحكمة تكون ما بين الأربعين والستين، كما أن الشعوب التي سبقتنا والأحزاب التي لها تجربة وديمقراطية عريقة ليست لديها كلها مؤسسة للحكماء. والأحزاب الأروبية تقدم نموذجا وتحمل المسؤولية للإنسان في أوج العطاء، حيث تكون له القدرة على الاشتغال 18ساعة في اليوم، ويشتغلون به عشر سنوات وبحكمة التناوب يحيلونه على التقاعد، ويبدؤون من جديد، أما نحن فنتشبت بالشخص، و»كنبقاو نعصرو فيه حتى ما كنلقاو ما نعصرو، وكنباقو شادين فيه بزاف». - بخصوص القطب اليساري، هناك بعض قوى اليسار التي تتهمكم بالوقوف عقبة في وجه توحيد اليسار، لأن الاتحاد الاشتراكي يفرض نفسه كمحور ينبغي على باقي الأحزاب أن تدور في فلكه على أساس صيغة الاحتواء، وهو الأمر الذي ترفضه هذه الأحزاب وتقدم تجربة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي اندمج، وماتت أغلبية القيادات داخله باسم الديمقراطية والانتخابات الداخلية؟ تلك الديمقراطية هي التي هزمتنا، ونعترف بذلك. سيكون مضرا بذلك الاندماج أن نلجأ إلى تواطؤات من أجل اختيار وسيلة لتحمل المسؤولية غير الديمقراطية، والأمر الذي تعتبرونه فشلا للاندماج، أعتبره نجاحا له، وما يؤكد أن الاندماج ليست فيه حسابات ذاتية أن الإخوة مقتنعون بحزبهم، رغم النتائج التي كانت. أنتم ترون انخراطهم في الحزب وتدبيرهم ومشاركتهم، إذن هذا نجاح للاندماج. - ألهذا لم يتم انتخاب أي عضو من الحزب الاشتراكي الديمقراطي في المجلس الوطني ضمن المكتب السياسي؟ بالعكس، الأخت عائشة عضو في المكتب السياسي، وكانت من قيادات الحزب الاشتراكي الديمقراطي. وكانت هناك، أيضا، الأخت لطيفة جبابدي التي لم تترشح. - في إطار الديمقراطية الداخلية للحزب، كيف يعقل أن حزبا بحجم الاتحاد الاشتراكي تكون شبيبته بدون كاتب منذ استقالة الكاتب السابق منذ أزيد من سنة؟ لقد قدمت السؤال والجواب، فالوضع داخل الشبيبة لا يرضي حتى الشبيبة، التي هي قلقة على هذه الأوضاع، وأنا متأكد من أن هذه الأخيرة ستتجاوز هذا الأمر. لقد شكلنا لجنة من أعضاء المكتب السياسي وهي تشتغل الآن، وهنا أقول إنه يجب أن نقف وقفة فيما يتعلق بكافة شبيبات الأحزاب، لأن شبيبات الأحزاب خارج القطاع الطلابي والتلاميذي والفاعلين في المجال الجمعوي تصبح نوعا من العبث حين يتحول المهندس والمحامي مسؤولا شبيبيا، ويترهل ويصل إلى الأربعين دون أن ينقل نشاطه من الشبيبة إلى الحزب، في حين أن الشبيبة مرحلة في حياة الإنسان، وهناك من يحاول أن يستغل الشبيبة لتقوية موقعه التفاوضي مع الحزب. أنا شخصيا بمجرد أن أنهيت حياتي الطلابية ذهبت إلى الفرع، حيث ابتدأت حياتي الحزبية ومنه إلى الكتابة الإقليمية ثم المجلس الوطني. لقد كانت لي ولاية واحدة في الشبيبة وليست اثنتان أو ثلاثا، و أنا لا أتصور أن شخصا عمره ثلاثون سنة، وله التزامات عائلية سينشط في الشبيبة. إذا كانت له قناعة بمرجعيات التنظيم الشبيبي فليذهب إلى الحزب. الإصلاحات الدستورية - أعلن الاتحاد الاشتراكي عن مذكرته الخاصة به حول الإصلاحات الدستورية. ما مصير المشروع الجماعي للكتلة بعد تلك المبادرة، التي سبق أن أعلن عنها؟ مذكرة الاتحاد الاشتراكي، التي رفعها إلى جلالة الملك، عناوينها الكبرى هي ذاتها الموجودة في مشروع الكتلة، بطبيعة الحال ما عرفته البلاد خلال السنة الأخيرة بالأخص، من طرح لمشروع إصلاح القضاء، والجهوية الموسعة، وكما كنت أقول دائما في تدخلاتي هي المدخل للإصلاح الدستوري. نحن كنا مسؤولين عن قطاع العدل، والأخ عبد الواحد الراضي أنجز جزءا كبيرا، كما يعلم الرأي العام، في إصلاح قطاع العدل، فيما يتعلق بالجانب المالي والترسانة التشريعية، واليوم أوكل لزملينا الطيب الناصري مهمة مواصلة هذا المشوار. فيما يتعلق بالجهوية، أعلن جلالة الملك عن تنصيب اللجنة الاستشارية وحدد لها أجلا، واليوم علينا أن نتباحث في الإصلاحات الدستورية بعد إطلاق الجهوية، وتحضير مشاريع إصلاح القضاء، وانطلاق ورش الإصلاح السياسي للحقل الحزبي ولمدونة الانتخابات ولكيفية الانتخاب في المغرب، وهذا الورش هو الذي يمهد لإصلاح دستوري يتلاءم مع خصوصياتنا وواقعنا. - بخصوص الملكية البرلمانية والإصلاحات الدستورية، يؤكد كثير من الملاحظين أن الاتحاد الاشتراكي يوظف هذه الورقة لرفع أسهمه في الساحة السياسية، مثلما حدث في الانتخابات الأخيرة، و قد قلتم في ندوة نظمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان سنة 2008... (يقاطع) مرت عليها سنتان، أي 800 يوم، وكل يوم تحدث فيه معطيات جديدة. - على سبيل التذكير، لقد قلتم إن النظام الملكي لا حل له لكي يكون ديمقراطيا سوى تطبيق الملكية البرلمانية، وفي المؤتمر الوطني الثامن ترددت أيضا الملكية البرلمانية أكثر من مرة لدرجة أنها أثارت النقاش حتى داخل المكتب السياسي؟ أولا، لما طرحنا الملكية البرلمانية عيب علينا، بعد أن صدرت في البيان العام، أنها مصطلح غير موجود، وأنها من إبداعات الاتحاد الاشتراكي، في حين أن الأمر يتعلق باستراتيجية نضالنا الديمقراطي كأمة مغربية. نحن شعب اختار النظام الملكي، وهي مسألة محسومة، والأنظمة الملكية في بعدها الديمقراطي النهائي لا يمكن أن تصل إلا إلى الملكية البرلمانية التي برزت خصوصياتها وأسسها في النظام البريطاني، فالتوافقات التي كانت تتم بين العرش البريطاني، والعموم، عن طريق مجلس العموم في كل مرحلة، مهدت لذلك، وهذا المصطلح جاء من التجربة البريطانية. نحن اليوم في نضالنا من أجل الإصلاحات السياسية نبني هذا الأمر في كل محطة، حين اخترنا التعددية كنا نؤسس للملكية البرلمانية، وحين اخترنا النظام التمثيلي، كنا نؤسس للملكية البرلمانية، وأيضا، حين انخرطنا في حقوق الإنسان، كما هو متعارف عليه دوليا، وهو الأمر الذي ينطبق على عدد من أوراش الإصلاح. تمثيلية المرأة في الانتخابات الجماعية، هل تعرفون القيمة الحقيقية لها في دوار من الدواوير، التي حين يلج رجل الزقاق تفرغه له المرأة وتهرول، هل تدركون قيمة أن تصل المرأة هناك إلى منصب المسؤولية جنبا إلى جنب مع الرجل. الانتخابات الجماعية لسنة 2009، رغم ما شابها من شوائب ومصائب، مكنت من إشراك المرأة في كل جماعات المغرب، فلا يمكن أن نصل للملكية البرلمانية ونصف المجتمع مغيب. الملكية البرلمانية لازالت مطلبا للاتحاد الاشتراكي لأنه قرار المؤتمر الأخير، لكن نحن لم نقل في نفس المؤتمر إن مطلب الملكية البرلمانية، إما أن يكون اليوم أو لا شيء. لقد طرحنا الموضوع ونحن ندبر الأمر، ونتخذ الخطوات التي تمكننا من التقدم في مسلسل الوصول بالبلد إلى الملكية البرلمانية. -الملكية البرلمانية في بريطانيا تسود ولا تحكم. ما الذي تقصده بالملكية البرلمانية في المغرب؟ هل إعادة النظر في الملكية التنفيذية؟ الملكية البرلمانية نراها في التراكمات التي سيحققها المسلسل الديمقراطي، والتعاقدات التي سينتجها، والتي ستكون شكل الدستور النهائي الذي يحدد اختصاص كل جهة. أنا لن أقول إن الملكية البرلمانية هي الإرادة الشعبية. الملكية البرلمانية كما نفهمها تلتقي كل من الإرادة الملكية والإرادة الشعبية في صنعها بشكل متواز، وليست نزعا لاختصاصات المؤسسة الملكية، بل يجب الوصول إلى الخيط الذي يضمن أن البلاد تحكم باحترام الإرادة الشعبية بتوافق مع الإرادة الملكية. صلاحيات الملك -عمليا هل مذكرة الاتحاد الاشتراكي المقدمة إلى القصر تتضمن تعديلا دستوريا لتقليص صلاحيات الملك وتوسيع مهام الوزير الأول؟ أولا، تضمنت المذكرة تدوين المبادرات التي اتخذها الملك، وتجاوز فيها الدستور الحالي. فالملك عين عباس الفاسي وزيرا أول، ارتكازا على قاعدة أن الحزب الأول هو الذي يجب أن يستشار في تشكيل الحكومة، أي الحزب الذي يمكن أن يضمن تشكيل الأغلبية، بشكل يحترم صناديق الاقتراع، وهو الأمر الذي لا يوجد له نص دستوري، والإصلاح الدستوري المقبل يجب أن يراعي هذا المكسب. البلاد اتخذت مجموعة من القرارات التي تجاوزت فيها الدستور بشكل ايجابي، لا أقول تجاوزا سلبيا، لأن الملك تنازل في بعض الاختصاصات والصلاحيات، مثلا في ميدان التشريع كانت هناك مجالات خاصة بالظهائر، آخرها المؤسسة الوطنية للمتاحف، وكان يمكن أن تخرج بظهير، لكن الملك اختار أن تكون قانونا ونوقشت في البرلمان وهذا مكسب. بخصوص تقوية مؤسسة الوزير الأول، لا يمكن لأي شخص له غيرة على البلاد إلا أن يؤمن بأن التطور يجب أن يذهب في اتجاه تقوية هذه المؤسسة. من جهة أخرى، الحكومة مسؤولة أمام الملك والبرلمان، ولا يمكن لكل واحد منا إلا أن يبحث عن تدوين النصوص التي تجعلها مسؤولة حقيقة أمام البرلمان، لكن كما قلت، هناك أوراش يجب أن تعتبر بعد الانتهاء منها مدخلا للإصلاح الدستوري الذي ينتظره المغاربة جميعا - لماذا لم يحترم الاتحاد الاشتراكي انتماءه للكتلة،ويلتزم بالمشروع الجماعي الذي التزمتم به داخلها بدل الانفراد بمذكرة خاصة بالحزب؟ لقد كنا في وضعية صعبة، ولم نرد أن نحرج أحدا، ورغبنا فعلا في أن ينطلق الأمر من مشروع جماعي، لكن الإخوة في حزب الاستقلال اختلفوا معنا فيما يتعلق بالزمن، وطلبوا تأجيل ذلك إلى ما بعد الانتخابات، وهذا أمر كان ستكون لها تداعيات على الكتلة، وكان صعبا علينا أن نخاطب الإخوة في التقدم والاشتراكية وحدهم، وفي نفس الوقت كنا ملزمين باحترام قرار صادر عن المؤتمر. - لكن الأمر قرئ في حزب الاستقلال بأنه مبادرة انتخابية، وأن الاتحاد الاشتراكي يتعامل مع الموضوع بازدواجية. هدا تأويلهم، ونحن اختلفنا فيما يتعلق بالتوقيت، وكنا أمام خيارين، إما أن نطبق قرار المؤتمرأو نفتح حوارا مع التقدم والاشتراكية، ويحدث شرخ أكبر في الكتلة. لذا اتخذنا الاختيار الصعب. اليوم أي فاعل سياسي موضوعي وواقعي ويمارس الفعل السياسي بشكل يومي، لا يمكن إلا أن يكون على نفس الوتيرة التي طرحها الاتحاد الاشتراكي. نحن لا نبحث عن الدستور النموذج، لأنه من السهل الولوج إلى الانترنت، وإجراء مقارنة، ونأتي بدستور، فنحن نبحث عن دستور صالح لبلادنا في هذا الزمن، أما الذي يصلح لها بعد 50 سنة أو 100 فلا يمكن لنا أن نتحكم في مصر الأجيال القادمة. - تميزت علاقتك بفريق العدالة والتنمية بنوع من الصراع حينما كنت رئيسا للفريق الاتحادي بمجلس النواب، إلى حد أن عبد الإله بنكيران كان قد صرح عقب فشلك في الوصول إلى قبة البرلمان في سنة 2007 بأنه» سيفتقد لشكر». حاليا بعد أن عدت إلى البرلمان عبر بوابة الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، كيف ستتعامل مع فريق العدالة والتنمية؟ أكيد أن الموقع تغير، وأنا تبعا لذلك مطالب، بصفتي وزيرا مكلفا بالعلاقات مع البرلمان، بالتعامل مع المعارضة والأغلبية في نفس الوقت. حينما كنت رئيسا للفريق الاتحادي بمجلس النواب، كنت أعتبر أن ما نقوم به معارضة وأغلبية، هو المساهمة في إعطاء الصدقية لمؤسسة البرلمان، خاصة أنها كانت محط نقد وتحقير من قبل المواطنين. ومنذ سنة 1993 بدأ البرلمان يسترجع صدقيته، وتعزز هذا التوجه مع حكومة التناوب حيث ستصبح الساحة المقابلة للبرلمان ساحة للاحتجاج والتعبير عن المطالب، وهو أمر صحي يؤكد أن المغاربة يتوجهون إلى الجهة التي يعتبرون أن من الواجب عليها إيجاد حلول لمشاكلهم، لذلك أعتقد أنه يتعين أن نشجع على أن يكون البرلمان المغربي برلمانا حيا، من خلال حضور نقاش حقيقي بين الأغلبية والمعارضة. لا يضايقني أن يكون البرلمان ساحة للنقاشات الساخنة والصراع بين فرق الأغلبية والمعارضة، وهو أمر تعرفه جميع الديمقراطيات العريقة، لكن يتعين أن نبحث عن عقلنة هذا الصراع بشكل يضمن أن ينتج منتوجا تشريعيا جيدا للأمة. ضرورة تطوير العمل البرلماني - لكن كيف يمكن الوصول إلى هذا المبتغى والمواطن يشهد بأم عينيه أن التصويت على قوانين على قدر كبير من الأهمية، كما كان الأمر مؤخرا بالنسبة لمدونة الطرق، تتم في غياب كبير لممثلي الأمة. ما يتعين لفت الانتباه إليه، بخصوص أداء البرلمان، هو أن الإعلام المغربي بما فيه الرسمي، ساهم في إعطاء صورة تحقيرية عن المؤسسة، مع أنه ليس في مصلحة أي بلد تحقير مؤسساته، من خلال اختصار العمل البرلماني في الأسئلة الشفوية ونقل صورة المقاعد الفارغة في نشرات أخبارها الرئيسية مع أن تصميم البرلمان (450 مقعدا ل 325 نائبا هو عدد أعضاء مجلس النواب) يدفع أيا كان في حال تغيب جزء من النواب إلى الاعتقاد بتغيب عدد كبير منهم. من حقي أي كان انتقاد عمل ممثلي الأمة، لكن أعتقد أنه إذا قمنا بتغيير الآليات، وتقليص الحصة الزمنية للأسئلة الشفوية، التي تعطي صورة سيئة للرقابة البرلمانية لعمل الحكومة، إلى ساعة ونصف في كل مجلس، وتشجيع النواب على طرح الأسئلة الكتابية لما لها من فوائد تتمثل في تثقيف البرلماني وزيادة اطلاعه، وإبراز وعكس المجهود الذي يبذله النواب والمستشارون على مستوى اللجان في ظروف صعبة، فإننا سنحارب تلك الصورة السيئة التي ترسخت في أذهان لمواطنين، كما ينبغي البحث عن صيغ تعيد الحيوية إلى المجلسين وتمكين البرلمانيين من القيام بواجبهم، وقبل كل شيء إنصافهم وإظهار الجهد الحقيقي الذي يبذلونه لأن إنصافهم هو الغائب حاليا، فهناك برلمانيون يقضون الأسبوع بأكمله في الرباط ويجتهدون ويقتنون كتبا قانونية على نفقتهم من أجل تقديم اجتهادات تغني النقاشات داخل اللجان وأثناء مناقشة مشاريع القوانين. - لكن بالرغم من وجود مقتضيات قانونية بخصوص تغيب النواب فالملاحظ أنها لا تفعل. أعتقد أنه يتعين تفعيل النظام الداخلي، خاصة أنه يتضمن قواعد عدة بهذا الصدد لم تطبق، مما يعني وجود خلل ينبغي البحث في الأسباب الكامنة وراءه. كما أرى ضرورة البحث عن آليات وقواعد جديدة. ومن هنا تأتي حكمة جمع مكتبي مجلسي النواب والمستشارين، وكلي أمل أن يتمكنا خلال الفترة الفاصلة بين الدورتين الوصول إلى توافقات بخصوص النظام الداخلي الممكن تطبيقه وتنفيذه. المهدي بنبركة - أعلن التقرير الأخير للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان حول متابعة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة عن عدم قدرته على الكشف عن تسعة ملفات، من بينها ملف المهدي بن بركة، ما تعليقك؟ لا يمكن أن يحسب علينا، كحزب الاتحاد الاشتراكي، شيء في قضية المهدي بنبركة، فقد استعملنا كافة الوسائل القانونية والسياسية لمعرفة الحقيقة في هذا الملف، ونحن اليوم أمام مأزق، فالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان مكلف بمتابعة ملفات المختفين الذين لم تستطع هيئة الإنصاف والمصالحة استجلاء الحقيقة فيها، ودون خروج الدولة الفرنسية من تكتمها على المعطيات والمعلومات الخاصة بملف اختطاف المهدي لا يمكننا التوصل إلى الحقيقة، ثم هناك أولئك الذين يعتبرون شهودا في هذه القضية ولا بد من الاستماع إلى شهاداتهم قبل أن يوافيهم الأجل.