يعتبر التبرع بالدم من القيم النبيلة التي يقدمها الإنسان لإنقاذ حياة مرضى تحتاج أجسادهم لأكياس دم، من أجل إعادة الحياة إليهم، ولإبراز قيم التعاون والاجتماعي والأخوي داخل المجتمع، وتبعا لآخر إحصائيات التبرع بالدم في المغرب التي أدلت بها «الدكتورة العمراوي» المسؤولة عن حملات التبرع بالدم والتواصل بالمركز الوطني لتحاقن ومبحث الدم، في تصريح لها لوكالة المغرب العربي للأنباء، فإن عدد المتبرعين وصل خلال سنة 2016 إلى نحو 310680 متبرعا، مقابل 297700 متبرع في سنة 2015، أي ما يمثل %0,95 من مجموع السكان، وهي نسبة قليلة تبعا لما توصي به المنظمة العالمية للصحة، التي يجب أن تصل إلى نسبة% 1 . قطرات من الدم … حياة للبعض للبحث عن قطرة دم تعيد القليل من الحياة لابن أكل منه المرض ورماه جسدا جافا من الدم لا يجري منه إلا القليل، فرض على «محمد، س» تحمل معاناة السفر، وترك مشاغل الحياة والدخول في عالم صعب أن يتحمله بشر، وهو البحث عن ثلاثة أكياس من الدم يوميا لزرعها في جسد ابنه الهزيل، لإنقاذه من مضاعفات خطيرة أو مفارقة للحياة… وجه شاحب وجسد هزيل وعينان صفراوان ذابلتان، تحملان هما لا يمكن أن يختزل في كلمة … هكذا هي حالة محمد القادم من «البروج» إقليمسطات إلى مدينة الدارالبيضاء، وهو يروي لنا معاناته في البحث عن أكياس دم بشكل يومي، سيما وأن الفصيلة التي يحتاجها ابنه نادرة، لا يتوفر عليها المركز إلا قليلا. لم يكن أمام الأب إلا الوقوف في باب المركز وعيناه تترقبان قدوم متبرع جديد يحمل نفس الفصيلة التي يحتاجها لإنقاذ جسد أنهكه المرض. بعد زيارتنا لمستشفى الأطفال عبد الرحيم الهاروشي، الكائن قرب المركز الجهوي لتحاقن الدم، للاطلاع على حالة ابن محمد، كان ملقى في غرفة بجناح يضم أطفالا من نفس العمر ليسوا في أحسن حال منه، إذ لكل واحد منهم معاناة تكبر الآخرين بكثير. كانت الساعة تشير إلى الثانية بعد الزوال، الطفل «ي،م» يترقب قدوم والده وهو يحمل أكياس دم ليطمئن ولو قليلا على حاله، وهو الذي كان يعاني في الأيام القليلة الماضية من نقص حاد في الدم، الذي لم يصل إلى نصفه السفلي، مما عرض ساقيه إلى» الازرراق». «أخاف في يوم ما أن أستيقظ ولا أجد متبرعا أو كيس دم يعيد لي الحياة»، هكذا كانت كلمات الطفل المؤلمة وهو يحكي لنا أهمية كيس دم في إنقاذ حياته. شهادات قاسية «في انتظار كيس دم أم في انتظار الموت…» كانت من بين الجمل التي رددها المحتاجون للدم أمام الشباك، بعد انتظارهم لساعات طوال لتحقيق غرضهم، من ضمنهم السيدة «سناء م» القادمة من مدينة «الواليدية» صوب مدينة الدارالبيضاء، للحصول على أكياس دم ليرتوي بها جسد ابنتها المريضة بمرض مزمن، بعدما قدمت طلبا لذلك منذ قرابة 20يوما. كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحا، السيدة سناء بمعية مجموعة من النساء أتين لنفس الغرض، أمام الشباك المخصص لمنح أكياس الدم، وهن ينتظرن جوابا يخمد فتيل قلبهن المحروق على فلذات أكبادهن، المتواجدين في مستشفى الأطفال عبد الرحيم الهاروشي… تحكي السيدة سناء وعيناها تغمرهما الدموع: «بعدما لم أتوصل برد من أي جهة منذ عشرين يوما، أتيت للمركز، وتركت ابنتي جافة كليا من الدم، لأجد أن الملف لم يغادر الرفوف إلى حين وصولي». وتضيف لنا سيدة أخرى كانت تنتظر أمام الشباك للهدف نفسه: «في الوقت الذي يفترض أن نبحث عن علاج لأبنائنا، أصبح همنا هو الحصول على أكياس الدم.». كلمات مؤثرة نطقت بها أمهات كن ينتظرن أمام الشباك، والغضب باد على وجوههن بعد ما أخذ منهن الانتظار ما أخذ. «البحث عن متبرعين»، كان الحل الأمثل لبعض الأشخاص لإنقاذ حياة أقربائهم. في باب المركز الجهوي لتحاقن الدم، صادفنا «حياة، ج» التي شقت طريقها للبحث عن متبرعين بالدم، منذ سقوط زوجها طريح الفراش بعد إصابته بمرض النخاع الشوكي. المركز وحده لم يكن كافيا أمام السيدة حياة لتوفير أكياس من الدم بشكل يومي، الأمر الذي دفعها إلى البحث عن متطوعين خارج المركز، وذلك عن طريق الاستنجاد بالمارين في الشارع أو من خلال قصد المساجد أو الأماكن العامة، وهي وسيلة حققت مرادها من خلال استجابة بعض المدعوين لطلبها. الأمر نفسه عاشته «سمية ن» في تحمل عناء البحث عن المتطوعين للتبرع، وذلك بعدما قصدت المركز من أجل الحصول على أكياس من الدم لإنقاذ حياة جدتها، بعد تعرضها لنزيف خطير إثر قيامها بعملية على مستوى الورك، لتصطدم بضرورة البحث عن متبرعين، الأمر الذي جعلها تستنجد بأقربائها من أجل التبرع. تحكي لنا سمية في يومها الثاني بالمركز، أنه بعد قيامها بالبحث عن المتطوعين وإتمام عملية التبرع مازالت تنتظر أكياس الدم لنقلها للمستشفى، سيما وأن حالة جدتها لا تسمح بالتأخير، تقول: « في الوقت الذي كان يفترض أن تحصل جدتي على الدم منذ ايام ، سيما وأن حالتها خطيرة، إثر تعرضها لنزيف حاد، لا نزال في الانتظار ، مما يعرضها للخطر أكثر…» « حالات مؤلمة… لكنها لا تعبر إلا عن القليل من المعاناة التي يتكبدها مثل هؤلاء « أمهات وأباء وغيرهم « ، في سبيل إنقاذ عزيز ، حيث أن قطرات من الدم تعني «حياة « جديدة للكثيرين. متبرع جديد… حياة جديدة بما أن التبرع بالدم يعتبر من الخطوات الإنسانية النبيلة، التي يمكن أن يقوم بها الإنسان، فإن ذلك دفع البعض إلى تخصيص بعض الوقت لقصد مراكز التبرع بالدم خدمة لهذا الهدف النبيل، من خلال زيارتنا لمركز تحاقن الدم بساحة الأممالمتحدة، التقينا بالشاب «ياسين» البالغ من العمر 25سنة، الذي اختار القدوم من نواحي مدينة الدارالبيضاء، لتأدية «واجب التبرع بالدم»، حيث اعتبر أن هذا العمل الإنساني هدف نبيل، وتلبية لنداء مرضى تتوقف حياتهم على بعض الدم، ناهيك عن نتائجه الإيجابية على صحته أولا وعلى صحة المريض ثانيا، كالوقاية التي يوفرها التبرع بالدم للقلب، وتجديد كرات الدم الحمراء من خلال تشجيع الجسم على تكوين خلايا دم حمراء جديدة، و تحسين تدفقها، بالإضافة إلى الوقاية من أمراض السرطان، ولهذا الغرض بات يتبرع ياسين من ثلاث إلى خمس مرات في السنة إلى أن أصبح التبرع لديه يشكل عادة. «قليل من الوقت كاف لإنقاذ حياة» كانت كلمات أدلى بها السيد رضى البالغ من العمر 55سنة، الذي قصد المركز الجهوي لتحاقن الدم من أجل التبرع، بعدما أجرى تحليلات في نفس المركز قبل ذلك، حيث يقوم بالتبرع كل ما سمح له الوقت بذلك،إذ يرى أن الدم باعتباره مادة لا يمكن تصنيعها أو تعويضها بمادة أخرى، فإن ذلك يفرض على كل إنسان التطوع لخدمة حياة آخرين. الهدف نفسه جاء ب «رانية» فتاة في العشرينات إلى مركز تحاقن الدم، وهي التي علمت أهمية التبرع بالدم، بعدما تعرضت أختها لنزيف إثر حادث سيارة السنة الفارطة، فكانت أكياس من دم آخرين سببا في إنقاذ حياة أختها، وبذلك فمنذ ذلك الوقت وعت بأهمية هذه الخدمة الإنسانية. «متطوع جديد: حياة جديدة، تجعل من التبرع بالدم أمرا ضروريا يفرض على كل فرد يتمتع بصحة جيدة، تخصيص بعض الوقت لإنقاذ حياة». «تجار الذهب الأحمر» يروج الحديث باستمرار حول متبرعين يتاجرون بدمائهم، بحيث جعلوا منها حرفة يقتاتون عن طريقها دريهمات تقيهم شر الحاجة والعوز، هذا ما استقيناه من قول «فاطمة.ل» القادمة من منطقة بن مسيك سيدي عثمان، وهي سيدة لها ابن طريح الفراش منذ أيام بالمستشفى الجامعي للأطفال عبد الرحيم الهاروشي.حيث حكت لنا أنه « بعد انتظار دام نصف ساعة من وقت تقديمها للطلب، تمت مناداتها لتهرول إلى الشباك، ظنا منها أنه سيتم تنفيذ طلبها، ليكون الرد على عكس ذلك، حيث طلب منها ضرورة إحضار متبرعين كمقابل لتلك الأكياس. تساءلت في البداية عن السبب ما دامت تؤدي الثمن المحدد للكيس، لتجيبها المسؤولة أن ذلك الثمن هو من أجل المعالجة الكيميائية للدم. رضخت الأم للمطلوب وعادت إلى مكان الانتظار إلى أن اقترحت إحدى الحاضرات لنفس الغرض البحث عن متبرعين خارج المركز مقابل مبلغ محدد من قبلهم، توجهت السيدة إلى الخارج لترمق شابا يبلغ من العمر حوالي 26سنة، تظهر عليه الحاجة، لتسأله عن إذا أمكنه التبرع بالدم ، أجابها بالإيجاب لكن بمقابل حدده في 300درهم، بعد التفاوض معه وافق على مبلغ 200درهم.» هذه حالة من بين عشرات الحالات لأشخاص لم يجدوا ملاذا غير هؤلاء المسترزقين بدمائهم، ليبقى السؤال معلقا: في حالة عدم إيجاد متبرع بأي شكل من الأشكال، ما مصير ذلك المريض الذي ينتظر قطرات من الدم تعيد له الحياة؟