يعتبر التوصل إلى ميثاق إصلاح منظومة العدالة تتويجا لمسار إصلاحي حظي بالرعاية الملكية السامية، حيث إن صاحب الجلالة الملك محمد السادس أيده الله ما فتئ يولي عنايته الفائقة لهذا الإصلاح الجوهري الذي جعله في صدارة الأوراش الاصلاحية الكبرى التي يقودها، إيمانا منه، كما أعلن عن ذلك حفظه الله في خطاب 8 ماي 2012 بمناسبة تنصيبه لأعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة وتحديد المرجعيات الأساسية لهذا الحوار، ولاسيما منها مقتضيات الدستور الجديد للمملكة التي تنص على أن الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية كسلطة مستقلة قائمة الذات عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعلى إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية كمؤسسة دستورية يرأسها الملك تسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، وتخويل الرئيس الأول لمحكمة النقض مهام الرئيس المنتدب، والتنصيص على حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة ودور القضاء في حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم. يعتبر التوصل إلى ميثاق إصلاح منظومة العدالة تتويجا لمسار إصلاحي حظي بالرعاية الملكية السامية، حيث إن صاحب الجلالة الملك محمد السادس أيده الله ما فتئ يولي عنايته الفائقة لهذا الإصلاح الجوهري الذي جعله في صدارة الأوراش الاصلاحية الكبرى التي يقودها، إيمانا منه، كما أعلن عن ذلك حفظه الله في خطاب 8 ماي 2012 بمناسبة تنصيبه لأعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة وتحديد المرجعيات الأساسية لهذا الحوار، ولاسيما منها مقتضيات الدستور الجديد للمملكة التي تنص على أن الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية كسلطة مستقلة قائمة الذات عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعلى إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية كمؤسسة دستورية يرأسها الملك تسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، وتخويل الرئيس الأول لمحكمة النقض مهام الرئيس المنتدب، والتنصيص على حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة ودور القضاء في حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم. وفي هذا الإطار، حددت الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة «توطيد استقلال السلطة القضائية» هدفا رئيسيا أولا ضمن الأهداف الاستراتيجية الكبرى الستة لإصلاح منظومة العدالة، ويرمي هذا الهدف إلى ضمان مقومات استقلال القضاء، كفالة لحسن سير العدالة، وتكريسا لحق المواطنين في الاحتماء بالقضاء المستقل المنصف الفعال. وتنبثق عن هذا الهدف الرئيسي مجموعة أهداف فرعية، في مقدمتها « ضمان استقلالية المجلس الأعلى للسلطة القضائية»، وذلك من خلال عدة آليات تنفيذ من بينها وضع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، كما هو منصوص عليه في الفقرة الرابعة من الفصل 116 من الدستور، والتي تنص على أنه: «يحدد بقانون تنظيمي انتخاب وتنظيم وسير المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمعايير المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة، ومسطرة التأديب». وقد تأسس مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، كما أعدته وزارة العدل والحريات بصفة خاصة على: - دستور المملكة. - التوجيهات الملكية ذات الصلة، الواردة في الخطب والرسائل الملكية السامية، - مضامين ميثاق إصلاح منظومة العدالة. - المبادئ والمعايير الدولية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية بما يوافق روح دستور المملكة. كما تم الاستئناس بمجموعة من القوانين والدراسات والتقارير سواء منها الوطنية أو الدولية. وقد تم إعداد هذا المشروع في إطار منهجية تشاركية واسعة، تقوم على إشراك الجهات المعنية وفتح باب التشاور معها، بدأت بعرض المسودات الأولية للمشروع على أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، وبعد التوصل إلى صيغة متقدمة تم توجيه مسودة المشروع إلى مختلف الجمعيات المهنية للقضاة، كما تم نشر المسودة بصفحة منتدى التشريع بالموقع الالكتروني لوزارة العدل والحريات، وموازاة مع ذلك عقدت سبعة لقاءات تواصلية جهوية لتدارس مضامين المسودة مع القضاة ورؤساء مصالح كتابة الضبط على صعيد مختلف الدوائر القضائية للمملكة، كما تم تنظيم يوم دراسي حول الإدارة القضائىة، وخلال كل هذه المحطات قدمت عدة ملاحظات واقتراحات ضمن بعضها في الصيغة الحالية للمشروع. ويتضمن المشروع 112 مادة، تتوزع وفق التقسيم التالي: القسم الأول: أحكام عامة. القسم الثاني: تأليف المجلس الأعلى للسلطة القضائية (ويتضمن ما بين اثنين: العضوية في المجلس، انتخاب ممثلي القضاة في المجلس). القسم الثالث: تنظيم وسير المجلس الأعلى للسلطة القضائية (ويتضمن ثلاثة أبواب: تنظيم المجلس، قواعد سير المجلس، ميزانية المجلس). القسم الرابع: اختصاصات المجلس الأعلى للسلطة القضائية (ويتضمن ثلاث أبواب: تدبير الوضعية المهنية للقضاة والمعايير المتعلقة بها، حماية استقلال القاضي، وضع التقارير وإصدار التوصيات والآراء). القسم الخامس: أحكام انتقالية ومختلفة. أما بخصوص الخطوط العريضة للمشروع، فيمكن إجمالها فيما يلي: 1 - ضمان استقلالية المجلس الأعلى للسلطة القضائية نص المشروع على أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي ويتوفر على مقر خاص بالرباط. كما تم تكريس مبدأ استقلال وحياد المجلس بالاعتماد على آلية التنافي، حيث لا يجوز الجمع بين العضوية في المجلس وبين عدد من المهام، وخاصة الممارسة الفعلية لمهام قضائية بإحدى المحاكم، أو ممارسة مهنة قانونية عامة انتخابية ذات طابع سياسي أو نقابي. وحدد المشروع التزامات صريحة يمنع بمقتضاها على أعضاء المجلس اتخاذ أي موقف أو القيام بأي تصرف أو عمل يمكن أن ينال من تجردهم أو من استقلالية المجلس. كما أشار المشروع إلى أن أعضاء المجلس يؤدون القسم قبل مباشرة مهامهم بين يدي الملك. وقد حددت مدة عضوية القضاة المنتخبين في خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة بالنسبة للشخصيات التي يعينها الملك. 2 - تنظيم آليات انتخاب ممثلي القضاة وضمان تمثيلية النساء القاضيات ضمانا لتمثيلية شاملة وفعالة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، حدد المشروع شروطا واضحة لترشح القضاة لعضوية المجلس ونظم آليات انتخاب ممثيلهم. في هذا الإطار، يحدد بقرار للرئيس المنتدب للمجلس تاريخ إجراء انتخابات ممثلي القضاة، وعدد المقاعد المخصصة للنساء القاضيات، من بين الأعضاء العشرة المنتخبين بما يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي بالنسبة لكل هيئة. 3 - تنظيم وسير المجلس يعقد المجلس دورتين في السنة على الأقل. ويمكن للمجلس كلما دعت الضرورة إلى ذلك، أن يعقد دورات أخرى، على أساس جدول أعمال محددة، بدعوة من الرئيس المنتدب للمجلس أو بطلب من أغلبية الأعضاء. وأسند المشروع اختصاصات واضحة للرئيس المنتدب للمجلس، كما نص على أن المجلس يضم أمانة عامة وهياكل إدارية ومالية تتألف من قضاة وموظفين ملحقين من الإدارات العمومية والمؤسسات العامة ومن إداريين وتقنيين معينين وفق النظام الأساسي لموظفي المجلس يحدد بنص تنظيمي، اضافة إلى مفتشية عامة للشؤون القضائية يحدد القانون تأليفها واختصاصاتها ومجالات تدخلها وحقوق وواجبات أعضائها. 4 - تقوية الضمانات المخولة للقضاة بمناسبة تدبير المجلس لوضعيتهم المهنية أكد المشروع على اعتماد المجلس في تدبير الوضعية المهنية للقضاة على مبادئ تكافؤ الفرص والاستحقاق والكفاءة والشفافية والحياد والسعي نحو المناصفة. ويراعي المجلس المعايير العامة والخاصة الواردة في مشروع هذا القانون التنظيمي والشروط المنصوص عليها في مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، بما يفتح المجال لمراقبة مشروعية المقررات المتخذة، وبالتالي تحقيق الانسجام مع المبدأ الدستوري الذي يجعل مقررات المجلس المتعلقة بالوضعية الفردية للقضاة قابلة للطعن القضائي. وقد حدد المشروع معايير عامة تطبق بمناسبة تدبير الوضعية المهنية للقضاة، وفي مقدمتها: - المواصفات المحددة في مرجعية الوظائف والكفاءات الخاصة بالقضاة والمسؤولين القضائيين، التي يعدها المجلس. - القدرات والمؤهلات المهنية للقاضي. - السلوك المهني والالتزام بالقيم القضائية. - الكفاءة العلمية والفكرية للقاضي. - الاستقرار العائلي للقاضي وظروفه الاجتماعية. وموازاة مع ذلك نص المشروع، بالنسبة لتعيين القضاة، على أن الملك يوافق بظهير على تعيين القضاة في السلك القضائي وفي مهام المسؤولية القضائية بمختلف محاكم الاستئناف ومحاكم أول درجة. وقد وضع المشروع معايير خاصة بكل وضعية مهنية على حدة، سواء تعلق الأمر بترقية القضاة أو انتقالهم أو انتدابهم أو تمديد حد سن تقاعدهم. وضمانا لشفافية تدبير الوضعية المهنية للقضاة، تم اعتماد مبدأ الاعلان عن المناصب الشاغرة وتمكين القضاة من تقديم طلبات الترشح بشأنها سواء تعلق الأمر بمهام المسؤولية أو طلبات الانتقال. كما تم اعتماد مبدأ نشر المعطيات المتعلقة بالمناصب ومهام المسؤولية الشاغرة بالمحاكم وبكل الوسائل المتاحة. 5 - تعزيز ضمانات مسطرة التأديب أحاط المشروع تأديب القضاة بعدد من الضمانات منها: - عدم تحريك المتابعة التأديبية إلا بعد إجراء الأبحاث والتحريات الضرورية. - حق القاضي المتابع في الاطلاع على كل الوثائق المتعلقة بملفه التأديبي وأخذ نسخ منها، وإمكانية مؤازرته بأحد زملائه القضاة أو بمحام. وتعرض نتائج الأبحاث والتحريات على أنظار لجنة خاصة تتألف، بالاضافة إلى الرئيس المنتدب للمجلس والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، من أربعة أعضاء على الأقل يعينهم المجلس، وترفع اللجنة المذكورة إلى نظر المجلس مقترحاتها على ضوء نتائج الأبحاث والتحريات المنجزة، ليقرر المجلس على إثر ذلك إما الحفظ أو تعيين قاض مقرر. ويتخذ المجلس، بعد اطلاعه على تقرير القاضي المقرر، مقررا بالحفظ متابعة القاضي وإحالته إلى المجلس إذا تبين له جدية ما نسب إليه. 6 - تحديد الجهة القضائية المختصة بالبت في الطعون المتعلقة بانتخاب ممثلي القضاة وبالوضعيات الفردية للقضاة. أسند المشروع اختصاص النظر في الطعون المتعلقة بانتخاب ممثلي القضاة الى الغرفة الإدارية بمحكمة النقض باعتبارها أعلى هيئة قضائية إدارية بالمملكة. كما تم تنظيم مسطرة وآجال الطعن في جميع المقررات المتعلقة بالوضعيات الفردية للقضاة مع إمكانية طلب وقف تنفيذ المقررات المطلوب إلغاؤها أمام نفس الغرفة. 7 - تفعيل دور المجلس في تخليق القضاء إضافة الى تعزيز استقلال القضاء وتطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، أناط المشروع بالمجلس اختصاصات أخرى يسهر بمقتضاها على ضمان احترام القيم القضائية والتشبث بها، وإشاعة ثقافة النزاهة والتخليف بما يعزز الثقة في القضاء، وفي هذا الإطار يضع المجلس، بعد استشارة الجمعيات المهنية للقضاة، مدونة للاخلاقيات القضائية تتضمن القيم والمبادئ والقواعد التي تلزم القضاة بالتقيد بها، اعتبارا لسمو المهمة القضائية وثقل أمانتها وجسامة مسؤوليتها. وفي نفس الاطار، عهد المشروع للرئيس المنتدب مهمة تتبع وتقدير ثروة القضاة بواسطة التفتيش، وللمجلس أن يتابع تأديبيا كل قاض ثبتت زيادة ممتلكاته، خلال فترة ممارسة مهامه، زيادة ملحوظة لا يستطيع تبريرها بصورة معقولة. 8 - حماية استقلال القاضي نظم المشروع الإحالات المقدمة الى المجلس من قبل القاضي كلما اعتبر أن استقلاله مهدد، حيث يقوم المجلس عند الاقتضاء بالابحاث والتحريات اللازمة، ويتخذ الإجراء المناسب أو يحيل الأمر عند الاقتضاء على النيابة العامة إذا ظهر له أن الفعل يكتسي طابعا جرميا. 9 - مساهمة المجلس في تحسين وضعية القضاء ومنظومة العدالة نص المشروع على أن المجلس يضع تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، ويصدر التوصيات الملائمة بشأنها، ولا سيما ما يخص دعم حقوق المتقاضين والسهر على حسن تطبيق قواعد سير العدالة، ودعم نزاهة واستقلال القضاء، والرفع من النجاعة القضائية، وتحسين الاوضاع المادية والاجتماعية للقضاة. وفي نفس السياق تعرض على أنظار المجلس، قصد إبداء الرأي، مشاريع ومقترحات القوانين المتعلقة بوضعية القضاء ومنظومة العدالة، واستراتيجيات وبرامج الاصلاح، في مجال العدالة، التي تحيلها الحكومة إليه. 10 - مد جسور التعاون بين المجلس والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل نص المشروع على إحداث هيئة مشتركة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل تتولى التنسيق في مجال الإدارة القضائية، تعمل تحت إشراف كل من الرئيس المنتدب للمجلس والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل، كل فيما يخصه، بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية، يحدد تأليفها واختصاصاتها بقرار مشترك لهما. 11 - تدبير الفترة الانتقالية تضمن المشروع أحكاما انتقالية، تتعلق أساسا بتاريخ دخول القانون التنظيمي للمجلس حيز التنفيذ، حيث ميز بين المقتضيات الخاصة بانتخابات ممثلي القضاة والتي تسري ابتداء من تاريخ نشر القانون المذكور بالجريدة الرسمية، وبين باقي المقتضيات التي تدخل حيز التنفيذ ابتداء من تاريخ تنصيب المجلس. كما نص المشروع على إجراء انتخابات جديدة، تحت إشراف الرئيس الأول لمحكمة النقض، من أجل انتخاب ممثلي القضاة، وذلك فور نشر القانون التنظيمي المذكور. وتجدر الإشارة الى أن المشروع أحال تنظيم عدة مواضيع، نظرا لطابعها الإجرائي أو التنظيمي، إلى النظام الداخلي للمجلس والذي ينشر بالجريدة الرسمية. ولضمان توافق مضمون هذا النظام الداخلي مع الدستور، نص على إحالته الى المحكمة الدستورية للبت في مطابقته لأحكام الدستور وأحكام هذا القانون التنظيمي. كما تجدر الإشارة الى أن مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية يرتبط بصفة أساسية بمشروع القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الاساسي للقضاة لما يطبعهما من طابع التكاملية.