بلور المجلس الوطني لحقوق الإنسان مذكرة تتعلق بالقانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، طبقا للاختصاصات الموكولة إليه بموجب الدستور والظهير المحدث له، بهدف المساهمة في النقاش العمومي المتعلق بإصلاح منظومة العدالة. وجاء في بلاغ للمجلس، أن المقترحات المتضمنة في هذه المذكرة، التي اعتمدها المجلس في إطار دورته العادية، أعدت بناء على مختلف المرجعيات المعيارية والتصريحية على المستويين الوطني والدولي، خاصة المقتضيات الدستورية المتعلقة بالسلطة القضائية، وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ذات الصلة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية، والميثاق الأوروبي حول نظام القضاة، وكذا مذكرات الجمعيات والمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية المتعلقة بإصلاح العدالة. وأشار المجلس، في بلاغه، توصلت "المغربية" بنسخة منه، إلى أنه أنجز دراسة مقارنة لعدد من النصوص القانونية المنظمة للمجالس العليا للقضاء في عدد من البلدان الديمقراطية المتقدمة (فرنسا، بلجيكا، إسبانيا، رومانيا وبلغاريا)، واقترح المجلس ضرورة أن يكرس القانون التنظيمي مجموعة من القواعد الضامنة للاستقلالية المالية والإدارية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. وأوضح المجلس أن المقترحات المتعلقة بكيفيات انتخاب ممثلي القضاة تهدف إلى تقوية موقع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، عبر رئيسه المنتدب، في مسار تنظيم العمليات الانتخابية، وإلى ضمان تمثيلية منصفة للنساء القاضيات، طبقا لمقتضيات الدستور في مجال المناصفة. وبخصوص حقوق وواجبات أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية، اقترح المجلس الوطني أن يكرس القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية عددا من حقوق وواجبات الأعضاء، سيما التنصيص على أن يمارس أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية مهامهم باستقلال وتجرد ونزاهة، مع الالتزام بالسر المهني، والتصريح بكل تنازع للمصالح من شأنه أن يؤثر على قرارات المجلس الأعلى للسلطة القضائية. أما بالنسبة للاختصاصات، فتقترح المذكرة تصميم اختصاصات المجلس الأعلى للسلطة القضائية حول خمس وظائف أساسية، تهم تدبير المسار المهني للقضاة، الوظيفة الاستشارية، وظيفة الدراسات، وظيفة المراقبة والافتحاص والتفتيش، وضع مدونة أخلاقيات المهنة، ونشر الاجتهاد القضائي. ولتقوية الضمانات المتعلقة بتقييم أداء القضاة، يقترح المجلس أن تمنح للقاضي، الذي يعتبر أن تقييم نشاطه لم يكن منصفا، إمكانية إحالة طلب على لجنة الترقية، وأن تمنح للقضاة إمكانية التقييم الذاتي لأدائهم في إطار مقاربة شاملة للتقييم. وتتناول مذكرة المجلس القضايا المتعلقة بالمسطرة التأديبية الخاصة بالقضاة، واقترحت أن يكرس القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية العديد من المقتضيات الدستورية الخاصة بهذا الباب، مثل مبدأ مساعدة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في المادة التأديبية، من طرف قضاة مفتشين من ذوي الخبرة، واعتبار كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما، ومبدأ إمكانية الطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة في المقررات المتعلقة بالوضعيات الفردية الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية أمام أعلى هيئة قضائية إدارية بالمملكة. وفي تنظيم وسير المجلس الأعلى للسلطة القضائية، تقترح المذكرة أن يتألف المجلس من مجموعة من الأجهزة (جمعية عامة تضم كل أعضاء المجلس، ولها صلاحية عامة للتداول في جميع القضايا المتعلقة بمجالات اختصاص المجلس، ومكتب يضم، إضافة إلى الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ثلاثة أعضاء تنتخبهم الجمعية العامة، ولجان دائمة تتولى إعداد مشاريع آراء ومقررات الجمعية العامة، وتنجز الدراسات والأبحاث المطلوبة من المجلس أو بمبادرة منه، وأمين عام يعينه الرئيس المنتدب من خارج أعضاء المجلس وبناء على موافقة الجمعية، ومفتشية قضائية تتولى مهام تفتيش المحاكم). أما في ما يتعلق بسير المجلس الأعلى للسلطة القضائية، فتقدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان بمقترحين، يتعلق الأول بعدد دورات المجلس الأعلى للسلطة القضائية التي لا يمكن أن تقل عن دورتين في السنة، ويتعلق المقترح الثاني بالنظام الداخلي للمجلس، الذي ينبغي أن يصادق عليه من طرف الجمعية العامة للمجلس وأن يعرض، قبل دخوله حيز التنفيذ، على المحكمة الدستورية لفحص مدى مطابقته للدستور، وللقانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. كما اقترحت المذكرة تدابير مواكبة في مجال تكوين القضاة وكتاب الضبط والمحامين وباقي مهنيي العدالة. وعلى المدى المتوسط، اقترح المجلس الوطني لحقوق الإنسان سيناريوهين، يتمثل الأول في تقوية مهمة البحث عن مستوى المعهد العالي للقضاء لمواكبة الاختصاصات الجديدة التي ستخول إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية. ويتمثل السيناريو الثاني في إنشاء معهد الدراسات حول العدالة كبنية للبحث مرتبطة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية. واعتبارا لخصوصية تكوين كتاب الضبط، اقترح مجلس حقوق الإنسان مدرسة وطنية لكتاب الضبط، للتكوين الأساسي والمستمر لهذه الفئة ولموظفي المصالح القضائية المختلفة. ومن أجل استكمال بناء عرض التكوين المتعلق بالمهن القانونية والقضائية، اقترح المجلس فتح معاهد جهوية للتكوين بالنسبة للمحامين، وإنشاء معهد لمهن العدالة، يتولى تقديم عرض لتكوين باقي فئات مهنيي العدالة، مع نظام للتصديق والإشهاد، مشابه لذلك المنصوص عليه في القانون المنظم لمهنة المحاماة. وينص الفصل 113 من الدستور على أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، سيما في ما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم، ويضع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بمبادرة منه، تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، ويُصدر التوصيات الملائمة بشأنها. ويُصدر، بطلب من جلالة الملك أو الحكومة أو البرلمان، آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بسير القضاء مع مراعاة مبدأ فصل السلط.