لم يكن القضاء في المغرب يرتقي بموجب دستور 1996 إلى سلطة، كما أن تركيبة واختصاصات المجلس الأعلى للقضاء ظلت من الأعطاب التي ظلت تعاني منها الوثيقة الدستورية، لكن دستور 2011 ساهم في تكريس مسألة السلطة القضائية. كما كرس الدستور الجديد دسترة مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، حيث هناك توسيع في صلاحيات المجلس وإعادة النظر في تركيبة المجلس. في هذا السياق، ماهي أهم التحولات التي جاء بها دستور 2011 فيما يخص المجلس الأعلى للقضاء الذي تحول اسمه إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية؟ وهل تركيبة المجلس تجسد دمقرطة المؤسسة؟ ثم ماهي أهم العناوين التي يتطلبها تنزيل مطلب كون مرفق القضاء سلطة مستقلة؟ وما عن أهم التحديات المطروحة على المجلس الأعلى للسلطةى القضائية في سياق تأهيل وتخليق مرفق القضاء؟ من حيث الهيكلة بينما نص دستور 1996 من خلال الفصل السادس والثمانون على أن الملك يرأس المجلس الأعلى للقضاء ويتألف هذا المجلس بالإضافة إلى رئيسه من: وزير العدل نائبا للرئيس، الرئيس الأول للمجلس الأعلى، الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى، رئيس الغرفة الأولى في المجلس الأعلى، ممثلين اثنين لقضاة محاكم الاستئناف ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم، أربعة ممثلين لقضاة محاكم أول درجة ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم. بالمقابل فإن الهيكلة التي جاء بها الفصل 115 من دستور 2011 تنص على أن الملك يرأس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ويتألف هذا المجلس من: الرئيس الأول لمحكمة النقض، رئيسا منتدبا، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس الغرفة الأولى بمحكمة النقض، أربعة ممثلين لقضاة محاكم الاستئناف، ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم، ستة ممثلين لقضاة محاكم أول درجة، ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم، ويجب ضمان تمثيلية النساء القاضيات من بين الأعضاء العشرة المنتخبين، بما يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي الوسيط، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، خمس شخصيات يعينها الملك، مشهود لها بالكفاءة والتجرد والنزاهة، والعطاء المتميز في سبيل استقلال القضاء وسيادة القانون، من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى. ومن أهم عناوين التحول التي جاء بها دستور 2011 توسيع هيكلة المجلس، ذلك أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية انفتح على مكونات حقوقية، خاصة منها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومؤسسة الوسيط، وشخصيات مشهود لها بالكفاءة والنزاهة، ويمكن أن تعطي دفعة جديدة، حسب عدد من المراقبين، من أجل اقتراح التشريع، وتخليق الحياة العامة، وتحقيق العدالة الحقيقية، وتوفير الأمن القضائي للمواطنين. أما الفصل116 من دستور 2011 فبنص على ما يلي: يعقد المجلس الأعلى للسلطة القضائية دورتين في السنة على الأقل. كما يتوفر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على الاستقلال الإداري والمالي. حيث يساعد المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في المادة التأديبية، قضاة مفتشون من ذوي الخبرة.يُحدد بقانون تنظيمي انتخاب وتنظيم وسير المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والمعايير المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة، ومسطرة التأديب. يراعي المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في القضايا التي تهم قضاة النيابة العامة، تقارير التقييم المقدمة من قبل السلطة التي يتبعون لها. من الفصل 113 فبنص على أنه يسهر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولاسيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم.يضع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بمبادرة منه، تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، ويُصدر التوصيات الملائمة بشأنها.يصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان، آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بسير القضاء مع مراعاة مبدأ فصل السلط. في حين يشير الفصل114 على أن المقررات المتعلقة بالوضعيات الفردية، الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية تكون قابلة للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة، أمام أعلى هيئة قضائية إدارية بالمملكة. في هذا السياق، اعتبر محمد بن عبد الصادق، محام بهيئة الدارالبيضاء وبرلماني، أن أبرز مطالب الأحزاب السياسية والفاعلين المتدخلين في مجال العدالة، قد تم تكريسها من قبل مضامين دستور 2011، لاسيما مسألأة إبعاد المجلس الأعلى للسلطة القضائية عن هيمنة وزارة العدل عبر عدم تخصيص وزير العدل بمهمة نائب رئيس المجلس. وقال بن عبد الصادق: الاستقلالية من الناحية الدستورية موجودة، والمؤهلات لكي يحقق المجلس الأعلى للسلطة مختلف الوظائف الموكولة إلى المجلس. وأبرز بن عبد الصادق على أن المجلس مهمته ذات طابع مهني يدبر أمور القضاة، مشددا على أنه من المفروض إبعاد المجلس عن كل التأثيرات السياسية. من جهة أخرى، أكد بن عبد الصادق، على أن الرهانات والتحديات المرتبطة بتنزيل أمثل لماجاء به دستور 2011 فيما يخص المجلس الأعلى للسلطة القضائية، تتمثل أساسا من خلال ثلاث عناوين كبرى. أولها تأهيل القضاء. في ا السياق يطرح ملف التكوين والتكوين المستمر للقضاء، لاسيما مع تعقد الحياة الاجتماعية وكذلك تنوع القضايا المطروحة ومستجدات الواقع. أما العنوان الثاني فيتمثل حسب بن عبد الصادق، في مطلب التخليق، أي تخليق مرفق القضاء عبر الحد من الفساد وانتشار الرشوة وغيرها من الظواهر السلبية. العنوان الثالث الذي ينتظر عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، هو تكريس معطى الاستقلالية. وفي حالة تنزيل مطالب التأهيل والتخليق والاستقلالية بشكل نزيه وبمصداقية، فإن السلطة القضائية ستلعب دورها في عملية الاصلاح الذي يبتغيه دستور 2011. أما عند تجسيد هذه المعالم الأساسية، وفق بن عبد الصاتدق، أنذاك يمكن الحديث عن مسألة فعالية القضاء المغربي.