لم يمهل القدر أدنى فرصة لمفتشة شرطة ممتازة بالمنطقة الأمنية بخنيفرة، نجمة إدراسن، لمعانقة مولودها الثالث، بعد رحيلها المفاجئ إلى جوار ربها، نتيجة واقعة تراجيدية أصيبت خلالها بنزيف حاد انتهى باستئصال رحمها، ما استدعى نقلها على متن مروحية دركية، بعد فوات الأوان، إلى المستشفى الجامعي بالعاصمة العلمية فاس، حيث فارقت الحياة، مخلفة ألما واستياء واسعا بين العديد من الشرائح الاجتماعية التي أجمعت على وصف وفاتها ب»غير الطبيعية» أو «المفاجئة». والمؤكد أن درجة الحزن والتعاطف إزاء حالة الفقيدة برزت بجلاء من خلال الحشد الكبير الذي شارك في تشييع جثمانها، في موكب مهيب، إلى مثواه الأخير بمقبرة خنيفرة، إلى جانب عدة شخصيات عسكرية ومدنية ومنتخبين، ومكونات من المجتمع المدني، كما جاء اعتراف الأسرة الأمنية بالمكانة الطيبة للفقيدة من خلال حضور والي الأمن بالجهة، والطريقة الرسمية التي تمت بها مراسيم الدفن، وإقامة خيمتين كبيرتين لاستقبال وإطعام المعزين. وكانت مفتشة الشرطة قد نقلت إلى قسم التوليد بالمستشفى الإقليمي بخنيفرة لوضع مولودها، وهي في صحة جيدة ولا تعاني من أية أمراض مزمنة أو مضاعفات، إلا أن تطورات الفاجعة بدأت فور عملية توليدها، حيث أصيبت بنزيف حاد بأحشائها، لم يتمكن العاملون بهذا القسم من إيقافه، ما عرض المعنية بالأمر لمعاناة عصيبة، ثم بهبوط حاد في وظائف القلب والجهاز التنفسي، وأضحت حياتها على موعد مع الموت، قبل وصول نبأ الحالة إلى مقر الأمن الذي استنفر اتصالاته بينه وبين الجهات الأمنية جهويا ومركزيا، قبل دخول مصالح الدرك على الخط، هذه التي استنفرت أطقم مروحية أقلعت من العاصمة الرباط باتجاه مدينة خنيفرة، حيث تم نقل مفتشة الشرطة على وجه السرعة نحو مطار فاس- سايس. وبقسم العناية المركزة بالمستشفى الجامعي الحسن الثاني، اصطدم أحد الأطباء المتخصصين أمام هول حالة المعنية بالأمر، وبشاعة ما فعلوه بها بالمستشفى الإقليمي بخنيفرة، والذي لم يكلف نفسه عناء حتى إنجاز وثيقة أو ملف طبي حول هذه الحالة، أو حتى الرد على المكالمات الهاتفية الواردة عليه من فاس، وبالرغم من فوات الأوان لم يبخل الطبيب رئيس القسم ومساعدوه بمستشفى فاس في تقديم ما يمكن من المجهودات والعناية المطلقة، في محاولة لإنقاذ الشرطية ووقف النزيف، إلا أن العلي القدير اختارها إلى جواره في ظروف محزنة، ولم يكن غريبا أن ينهار زوجها المكلوم، عبدالرحيم الأسد، نفسيا، والذي هو من الوجوه المعروفة في تاريخ الحركة الطلابية المغربية، ومقاول وفاعل جمعوي.