تنافس الجزائر نفسها في المنطقة المغاربية، تتلسح بشكل لا يبعث على الثقة في الجوار، فليس هناك في الحوض الأبيض المتوسط الجنوبي دولة تسابق ظلها غير الجارة الشرقية، ولا تخفي الكثير من مكونات الرأي العام الوطني قلقها من هذا المسعى، ولعل السؤال الذي يتكرر على صفحات جرائدنا: لمن تتسلح الجزائر؟ وهذا يعكس التوجسات التي تطبع العلاقة في المغرب العربي وفي شمال أفريقيا وفي الحوض المتوسطي. الجزائر لا تحصل على التقنيات المتطورة في الرصد وفي التتبع الإلكتروني وفي مجال الاتصالات الجديدة، الكل يستشف من ذلك أن الحرب على الإرهاب ليست هي التي وراء المجهودات الحالية في التسلح. بن لادن لا يحتاج إلى طائرات سوخوي لكي نهزمه ولا إلى دبابات الحرب الباردة.. الجزائر مبعث قلق لأن الأموال التي تراكمت من النفط .. في الفترة السابقة لا تستعمل اليوم سوى كاحتياطي عسكري، احتياطي للتوتر والتوجس علما بأن البلد الجار يشتغل على هذا المنطق التوتري منذ السبعينيات وهو منطق لا نعلم إلى أي حد يمكن أن نحصره في الدرجة والطبيعة التي كانت له طوال هذه السنوات، وبتعبير آخر هل سيبقى التوتر في مستوى التوتر الديبلوماسي والحراك الاختراقي للمغرب والسعي نحو خنق المغرب في الدائرة الإفريقية أم سيعود إلى منطق ما قبل وقف إطلاق النار. السلاح فاكهة الجنرالات، وهم مهما صاموا مازالوا يلتهمونها بعيدا عن نصائح الأطباء الاستراتيجيين، هؤلاء الجنرالات هم السبب في الحروب. كان مونتيسكيو يرى بأنه في السابق كانت الدول تبحث عن الأسلحة لكي تحارب بلدا ما، وأصبحت اليوم تبحث عن بلد لكي تجرب فيه الأسلحة التي راكمتها، ولا نعتقد بأن هناك مدعاة للطمأنينة في هذا الجانب. هناك جيوش لا تدري بعض الدول الغنية ما هي فاعلة بها، جيش الفقراء جيش العاطلين جيش المهمشين جيش الأميين جيش اليائسين جيش «الحيطيست» كما يسمون في الجزائر.. أولائك الذين ينظرون إلى بلدانهم من «وارء حائط». هؤلاء لا تعطى لهم الكلمة ولا حتى الحق في أن يكرهوا جيرانهم بحرية وبقلوبهم هم، لا بقعبات الجنرالات. هذام ظهر كبير من مظاهر الفقر العاطفي للأنظمة الخاضعة للضغط العسكري. الوضع الدولي اليوم تخاض فيه حرب حقيقية ضد الحرب والدول التي تخوضها اليوم لا تخوضها باسم أي شيء آخر سوى باسم الديمقراطية أو محاربة الإرهاب، وهي حروب عن بعد أكثر ما هي حروب جوار، وهي حروب احتلال أكثر ما حروب حدود. العالم اليوم مع كل النيران المشتعلة يسعى إلى طي الحرب الباردة، وقد التقى ميدفيديف وأوباما في «سالت» الثانية للحد من التسلح مجددا ومن أجل وضع الترسانة المجنونة في خبر كان، ولكن الجيران مازالوا يحتفظون بكل الإرث البارد عن تلك الفترة: حرب الجوار ودعم الانفصال - البحث عن التفوق الاستراتيجي والتسلح المتضخم - الجزائر التي خرجت من الثورة برأسمال رمزي كبير وبهالة من التقدير الدولي وبانتصار أخلاقي كبير على الحرب الاستعمارية وعلى المستعمر لم ترد لحد الآن أن تستثمره في الاتجاه الصحيح، وتسعى إلى تأبيد مخلفات الاستعمار الإسباني بكل التوتر الذي خلفه في المنطقة، كما لو أن المراد هو خروج هيمنة ليحمل بلد جار لواء هيمنة جديدة. بوركيبة الذي تم إحياء ذكراه مؤخرا كان يردد بأن الجارة الغربية لتونس لا تريد مغربا كبيرا، بل جزائر واسعة في تفسير ذكي للسعي المستمر للهيمنة.