حمى التسلح بشمال إفريقيا كيف تورط المغرب في سباق التسلح إن ظهر المغرب هذه السنة أنه يتسلح، فإن الجزائر بدأت تتسلح بشكل ملفت للنظر منذ سنة ونيف. ورغم أن مختلف التهديدات التي لوحت ولازالت تلوح بها جبهة "البوليساريو" بالعودة إلى الحرب مجرد مزايدات وجعجعة بلا طحين، فإن ا لجارين، المغرب والجزائر، كل واحد من جهته أبرم في الآونة الأخيرة صفقات اقتناء أسلحة ومعدات عسكرية بوثيرة مرتفعة عن ما كان يلاحظ سابقا، وذلك في وقت يخوض فيه البلدين معا معركة شرسة من أجل التنمية وتحسين الأوضاع الاجتماعية. "" ليس بسبب "البوليساريو" قد يبدو ظاهريا أن المغرب انخرط في سباق التسلح بسبب اعتماد جبهة "البوليساريو" لنهج التصعيد والهروب إلى الأمام بخصوص مسار حل ملف الصحراء، إلا أن الأمر غير ذلك. يعتبر محمد الغماري، الأستاذ بجامعة الحسن الثاني والخبير في الدراسات العسكرية والاستراتيجية، أن جبهة "البوليساريو" ليس في مقدروها مواجهة الجيش المغربي ولو بدعم ومساندة جنرالات الجزائر - سيما وأن المجتمع المدني الجزائري لم يعد يرى مساندة بلاده، بنفس القوة والحدة مثل السابق ولن يسمح بأن يكون هذا الدعم سببا في المزيد من تسميم العلاقات بين البلدين. وحسب أغلب الخبراء العسكريين توجد الرباطوالجزائر في نفس المستوى تقريبا في المجال العسكري، والفرق بينهما، هو أن ا لمغرب حصل على آليات ومعدات وأسلحة من الولاياتالمتحدةالأمريكية، فيما التجأت الجزائر إلى روسيا لاقتناء أسلحة ومعدات وآليات عسكرية، علما أنه، من الناحية العددية يفوق الجيش المغربي الجيش الجزائري قليلا. يقارب عدد جنود القوات المسلحة المغربية ما يناهز 250 ألف، وقد استطاعت في الفترة الأخيرة من تطوير ترسانتها المسلحة وآلياتها مقارنة مع السنوات السابقة، وأضحى الجيش المغربي الآن يتوفر على تجهيزات ومعدات جديدة واستفاد أطره من تكوين مركز غير مسبوق، إذ منذ سنوات اهتمت القيادة العليا كثيرا بالضباط خلافا لما كان عليه الأمر في السابق. حينئذ كانت الجزائر قد انطلقت منذ سنوات في اعتماد سياسة التصنيع الحربي عندما مكنت مداخيل البترول والغاز الدولة الجزائرية من اقتناء ترسانة حربية متطورة من روسياوفرنساوإسبانيا وكوريا الشمالية والبرازيل. ففي الوقت الذي سعى فيه المغرب إلى اقتناء طائرات "إف 16" وفرقاطة وعتاد عسكري بحري وصواريخ ورادارات، عملت الجزائر على اقتناء مقاتلات حربية روسية من طراز "ميج سو 3" و"ياك 130" و"سوخي" و"ميج 29" وصيانة ترسانتها البحرية. إن صفقة طائرات "إف 16" التي أبرمها المغرب مؤخرا بينت بجلاء أن العلاقات بين الرباطوواشنطن أضحت أمثن من السابق، إذ أضحت بلادنا تفضل الاقتراب من الولاياتالمتحدةالأمريكية عوض فرنسا، سواء في المجال التجاري أو المجال الاقتصادي أو المجال ا لعسكري. وقد لاحظ الجميع مؤخرا أنه كلما تراجعت العلاقة مع باريس تقوت مع واشنطن. بدأت الجزائر واضطرت الرباط لمسايرة الركب ظلت العلاقة بين الجارين (المغرب والجزائر) تعيش وضعا غير ثابت منذ ستينات القرن الماضي، وقبل خمس سنوات بدأ سباق التسلح بينهما يأخذ منحى تصاعدي ملحوظ، لاسيما في مجال السلاح الجوي والسلاح البحري، رغم أنه يكاد يكون من المستحيل أن يدخلا في أية مواجهة مسلحة مباشرة مهما كان الأمر. كلا البلدين اندفع مؤخرا إلى اقتناء المزيد من الأسلحة والمعدات العسكرية سواء من الأسواق الأمريكية أو الروسية أو الفرنسية. فمنذ سنة 2003 تسابقت عدة شركات عالمية للحصول على صفقات السلاح الجزائري التي تتغذى من عائدات النفط والغاز، علما أن الجزائر خصصت، فيما بين 1999 إلى 2007، 2.3 مليار دولار 23) مليار درهم) سنويا في المتوسط للإنفاق على العتاد العسكري، وللاستئناس فقط، خصص المغرب سنة 2003 ما يربو على 14 مليار درهم للتسلح، في حين خصصت الجزائر 22 مليار درهم 2.14 مليار دولار. فكان لزاما على المغرب الاعتناء أكثر بتسلحه، سيما منذ أكد مسؤولون أمريكيون عسكريون وسياسيون، السنة الماضية، أن الجزائر شريك رئيسي في استقرار البحر الأبيض المتوسط ومنطقة جنوب الصحراء، وهذا كان بمثابة مؤشر قوي فرض على الرباط أخذه بعين ا لاعتبار في مجال الاهتمام بتطوير قدراته العسكرية حتى يكون تأثير بلادنا مهما في منطقة المغرب العربي وإفريقيا الشمالية في السنوات المقبلة. وحسب تقرير معهد ستوكهولم، كاد المغرب والجزائر أن يتعادلا بخصوص الإنفاق العسكري برسم سنة 2007، حيث خصص المغرب 2.3 مليار دولار (ما يناهز 23 مليار درهم) لصفقات الأسلحة و2.4 مليار دولار بالنسبة للجزائر. علما أن المغرب، في نظر أغلب ذوي الإطلاع في المجال العسكري والاستراتيجي، لا يتخوف من الجزائر، وإنما هو يخشى أكثر من الاستعدادات الإسبانية، سيما منذ سنة 2005، حينما أودعت مدريد صواريخ اقتنتها من ألمانيا في أقرب مدينة إسبانية للمغرب، الجزيرة الخضراء، ووجهتها نحو بلادنا، كوسيلة من وسائل ثني الرباط عن التفكير في المطالبة باسترجاع المدينتين السليبتين، سبتة ومليلية والجزر الجعفرية. لماذا سباق التسلح إذن؟ لا يجب عزل سباق التسلح في منطقة شمال إفريقيا كما يجري في الدول المغاربية، سيما الجارين للمغرب، سواء الجار الشرقي (الجزائر) أو الجار الشمالي (إسبانيا)، وكذلك عن سياق تطور العالم عسكريا، إذ أن الدول العربية عموما سجلت تأخرا ملحوظا في المجال العسكري، مما دفع أغلبها إلى التسلح لتحديث آليات جيوشها وقدرتها الدفاعية. إن السباق نحو التسلح بمنطقة شمال إفريقيا، يجد أسبابه في إطار يتجاوز الصراعات الثنائية والعلاقات العدائية البينية الظاهرة منها و المتسترة. فإذا كانت أهداف المغرب والجزائر دفاعية بالدرجة الأولى، إلا أنها تتقاطع مع أهداف وصراعات بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنساوإسبانيا، وحتى روسيا حاليا، بالمنطقة، فباريس تتجه نحو "الاتحاد من أجل المتوسط" و ساركوزي ظل يتحرك بشكل منفرد داخل الاتحاد الأوربي وهو ما يخلق نوعا من الريبة لدى بعض الدول في نية فرنسا و رغبتها في وضع يدها على أفريقيا وعلى بلدان المغرب العربي بشكل انفرادي ، في حين وجهة واشنطن هي "أفريكوم"، وهذا في وقت أضحت إسبانيا أكثر اهتمام بموريتانيا، إذ تم الاتفاق مؤخرا على السماح للطائرات الإسبانية بالنشاط في الأجواء الموريتانية تحت ذريعة محاربة الهجرة السرية، كما تأكد أيضا دعم إسبانيا لنواكشوط لشغل المقعد غير الدائم بمجلس الأمن عن منطقة شمال إفريقيا للسنتين القادمتين، وهذه مؤشرات تفيد أن السباق الحالي بخصوص التسلح تتشابك فيه الحسابات والصراعات بين بلدان المنطقة وحلفائها. فعلى سبيل الاستئناس، رغم أن الجزائر لا تربطها أية اتفاقية ظاهرة مع حلف "الناتو"، إلا أنها تتعاون مع جميع دول الحلف منذ سنة 1995، فقد قدمت تسهيلات كثيرة وكبيرة إلى الحلف الأطلسي بالمنطقة، وعلى رأسها تزويد بوارج الأسطول السادس المتواجد بالبحر الأبيض المتوسط بالبترول، كما تتعاون مع دول الحلف في مجال التكوين العسكري والتدريبات، حيث بعثت بالعديد من ضباطها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وفرنسا، خصوصا في مجال الاستطلاع وتكتيكات محاربة الإرهاب والتصدي له. من أسباب حمى التسلح.. إن التسابق على التسلح بالمنطقة ليس بدافع الاستعداد للدخول في مواجهة مسلحة مرتقبة وإنما لاعتبارات أمنية وسياسية واستراتيجية واقتصادية، إذ منذ سبع سنوات على الأقل، لوحظ صراع في منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط لاحتلال موقع الصدارة. فالجزائر، اعتبارا لطموحها الحثيث لقيادة المغرب العربي عملت على تجديد ترسانتها العسكرية وخصصت لذلك ميزانية ضخمة تجاوزت 110 مليار درهم مستفيدة من عائدات البترول والغاز، وبذلك اضطر المغرب إلى تخصيص ميزانيات إضافية لتحديث عتاده العسكري البري والجوي والبحري لضمان توازن مع الجزائر، وكذلك توازن نسبي (سيما الحرص على عدم المزيد من تعميق الهوة) مع الجارة الشمالية، إسبانيا، التي عكفت مؤخرا، بجدية، على تهييئ كل الشروط لتظل متفوقة عسكريا على المغرب لعقود من الزمن في إطار ما يسمى ب "استراتيجية الردع" لتفادي أية مغامرة من شأن المغرب أن يقوم بها بخصوص المطالبة بالمدينتين المحتلتين، سبة ومليلية والجزر الجعفرية. أمريكا وروسيا وسباق التسلح بالمنطقة لقد سبق وأن تبادل الأمريكيون والروس الاتهامات والاتهامات المضادة بخصوص المسؤولية عن تأجيج سباق التسلح في شمال إفريقيا، لاسيما بين الدول المغاربية، إذ اتهمت جهات أمريكية شركات الصناعات الروسية بالتسبب في سباق التسلح بين المغرب والجزائر، ولامتها، بخطاب شديد اللهجة، فيما يتعلق باللعب على حبل حلفاء الاتحاد السوفييتي سابقا، إشارة إلى الجزائر التي خصصت منذ سنوات ميزانية مهمة، لم يسبق أن اعتمدتها، للإنفاق العسكري. كما كشفت عدة صحف أمريكية سعي المغرب وليبيا ومصر للانخراط في السباق من خلال مفاوضات متكررة مع عمالقة الصناعات العسكرية لعقد صفقات مماثلة للتي فازت بها الجزائر في غفلة عنها (أي تلك الدول)، وذلك عبر تحويل جزء من الديون المستحقة للتزود بالأسلحة. وفي هذا الصدد سبق للخبير الروسي في الاستراتيجيات والتكنولوجيا، "بوخوف"، أن صرح قائلا: "إن صفقة الجزائر أدت إلى حشد مجهودات سباق التسلح بين دول شمال إفريقيا". ومن المعلوم أنه تأكد عقب زيارة الرئيس الروسي إلى الجزائر منذ 3 سنوات، أن هذه الأخيرة ظلت تسعى بقوة إلى خلخلة موازين القوة في منطقة المغرب العربي بالشكل الذي يخدم مصالحها وتسهل تكريس نظرتها وتصورها بخصوص الموقع الذي تطمح، منذ ستينات القرن الماضي، لاحتلاله بالمنطقة وبجنوب الصحراء. لقد ظل جنرالات الجزائر يتوقون للعب الدور العسكري الأول بها، وهذا من الأسباب الدائمة التي ظلت تحتم على المغرب المشاركة في سباق التسلح إلى حدود السرعة النهائية، وهذا لاعتبارات استراتيجية وجيوسياسية تداخلت فيها حيثيات الجوار وطبيعة العلاقات الظاهرة والمستترة مع الجار الشرقي، الجزائر، والجار الشمالي، إسبانيا. المجال النووي.. قصة أخرى في طور البداية من المحتمل جدا أن يشكل المجال النووي مسرحا لصراع مستقبلي بين المغرب والجزائر. فإذا كانت بلادنا لا تتوفر إلا على مفاعل نووي صغير جدا من صنع الشركة الأمريكية "جينرال أتوميك"، اقتناه المغرب في إطار اتفاق أبرم سنة 1980 بين المغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية و هو مفاعل المعمورة من نوع "تريكا مارك 2"، ويتوفر على معامل حراري سريع وسلبي وقوته 2 ميغاواط قابلة للارتفاع إلى 3 ميغاواط، وهذا ما يجعله قابلا للتركيب بالجامعات ومراكز البحث وبوحدات لإنتاج الكهرباء، كما أن بلادنا تعتبر حاليا من بين 24 دولة أبرمت اتفاق تعاون نووي مدني مع واشنطن وفي حوزته شراكة مع فرنسا في مشروع أبحاث ذرية محدود ، ويسعى لبناء محطة كهربائية تعمل بالطاقة النووية، فإن الجزائر تملك حاليا مفاعلين نوويين تجريبيين، الأول من إنجاز الأرجنتينيين بقوة ثلاثة ميغاواط، والثاني من صنع صيني، يعمل بقوة 15 ميغاواط، وكذلك لبنات منظومة بحث علمي في المجال بدأ الاهتمام به منذ سنوات. ومن المعلوم ،قبل التفكير في الطاقة النووية سبق للمغرب أن اهتم بالصخور النفطية المتواجدة بناحية بن كرير، إلا أن دراسة الجدوى أظهرت أن كلفة المشروع والمنتوج ستكون باهضة جدا وتفوق بكثير سعر البترول. وبعد ذلك اهتم المغرب بالخيار النووي كإحدى الأولويات المسطرة في التصميم الخماسي 1977-1981، إذ برمج إحداث محطة نووية لإنتاج الكهرباء من أجل التقليص من الفاتورة النفطية، آنذاك تم التفكير في تركيب مفاعل "تريكا" بكلية العلوم بالرباط مع تزويده باليورانيوم الذي سيستخرج من الفوسفاط المغربي إلا أن هذه المشاريع . و خلاصة القول إن التحديات السياسية والجيوستراتجية والايديولوجية، المتمثلة في المشاريع الأمريكية والأوروبية المُعدة لمستقبل المنطقة، تُحتم تعاوناً فعلياً وعملياً، على مستوى البلدين ثم على مستوى المغرب العربي، ولا يمكن للدول المنعزلة عن بعضها البعض والكيانات الهزيلة أن تقاوم العمالقة، وهم يتجمعون في تكتلات إقليمية ودولية. و ما دام هذا المراد لازال بعيد المنال حاليا فما على دول المنطقة إلا الاستمرار في تحمل العواقب والاكتفاء بردود فعل تفرضها أسباب لا يمكن أن تكون في الحسبان و بالتالي لا يمكن التخطيط لها ضمن رؤية واضحة و استراتيجية محددة. وفي هذا الصدد لا يمكن تجاهل الصراع الأمريكي- الفرنسي على المنطقة والذي يزداد يوما بعد يوم، وقد اشتكى مسؤولون فرنسيون من تنامي النفوذ الأمريكي في المغرب العربي، الذي يُعد تقليدياً تابعاً للنفوذ الفرنسي، فالولاياتالمتحدةالأمريكية تُكثف من علاقاتها السياسية والاقتصادية مع المغرب حتى صارت، حسب تصريح جورج بوش حليفاً دائماً لأمريكا، وثمنت علاقاتها مع الجزائر، خصوصاً في مكافحة الإرهاب، واكتساح الشركات البترولية الأمريكية للقطاع النفطي في الصحراء الجزائرية، وكذلك تسعى الولاياتالمتحدة لتحسين علاقتها مع ليبيا، بعد تخليها عن برنامجها النووي، وحل مشكلة لوكربي. ومهما يكن من أمر فإن التغييرات والتحولات تتوالى، والمشاريع القادمة من وراء البحر ستُفرض بالقوة،ما دامت وحدة الدول المغاربية مازالت من قبيل سابع المستحيلات.