أضافت السلطات الجزائرية إلى رصيدها العسكري صفقة أخرى من صفقات شراء الأسلحة وتمثلت هذه المرة في طائرات حربية روسية الصنع، وكانت قبل أسابيع قليلة قد اقتنت غواصتين حربيتين، وكانت قبل ذلك قد اقتنت دبابات عسكرية، وكانت قبل ذلك... وكانت قبل ذلك...؟! لمن تتسلح الجزائر، وما الذي يفسر كل هذا الإصرار على سباق حكام الجزائر نحو امتلاك آخر ما أنتج في عالم الصناعات الحربية؟ ثمة فرضيات كثيرة قد تصلح مشاريع أجوبة على مجمل هذه الأسئلة المقلقة؟ أولا يحتمل المراقبون أن الجزائر تعزز قدراتها العسكرية لمواصلة التصدي لظاهرة الإرهاب الذي اتخذ من أرض الجزائر أحد أهم مستنبتاته في العالم ولكن هذا الاحتمال قد لايشفي غليل الجواب. وقد لايكون كافيا لتبرير تكلفة هذا التسلح، فالغواصات الحربية على كل حال لاتصلح لمكافحة الإرهاب. وثانيا يحتمل أن الإصرار على المضي في امتلاك الأسلحة التي تتحول مع مرور الوقت إلى خردة يعكس الشعور بالعظمة والتفوق الذي ميز الشخصيات القيادية في الشقيقة الجزائر والتي تجلت بشكل واضح في فكر وفلسفة الرئيس الجزائري الأسبق الراحل بومدين الذي كان يرى مغربا عربيا موحدا بقيادة الجزائر التي اقترح أن تختص في الصناعة بيد أنه أوكل للمغرب وتونس التخصص في الفلاحة والسياحة، وإن تهاوت هذه الفلسفة واتضح أن الصناعة الجزائرية ليست قادرة على كل حال على خوض أي شكل من أشكال المنافسة، وجنون العظمة هو الذي جعل القادة الجزائريين يزرعون منطقة المغرب العربي بالألغام من خلال افتعال الأزمات وتقسيم المنطقة حسب ما ترتضيه قناعات متخلفة على كل حال، وهذا الجيل من القادة هو الذي لايزال يقبض بزمام الأمور والأوضاع في الشقيقة الجزائر. ثالث هذه الاحتمالات يتعلق بالعمولات التي يحصل عليها الوسطاء، من كل هذه الصفقات، ومن المؤكد فإن شبكة الوسطاء تشمل الذين يملكون سلطة القرار السياسي، وإذا ما استحضرنا علاقة قادة الجيش الجزائري بالقرار السياسي فهمنا السر في الإصرار على مواصلة التسلح وأدركنا هوية الجيوب التي تذهب إليها عائدات هذه الأوساط، ويمكن الجزم أن هذا الجواب الأقرب الى تفسير ظاهرة السباق نحو التسلح لدى القادة الجزائريين. رابع هذه الاحتمالات تقول إن الظاهرة الملفتة تجد تفسيرها في عقدة الجيل الحالي من القادة الجزائريين من المغرب. فهم لن ينسوا ضربة حرب الصحراء ويصرون على الاستمرار في إبداع أشكال التفوق العسكري على المغرب ، وهذه قضية لانجد لها أي مبرر على الإطلاق. دعنا من مشاريع الأجوبة هذه التي ستظل محافظة على راهنيتها إلى أمد غير منظور على كل حال ، ولنتقدم قليلا للتساؤل عما يجري في توظيف مصادر الثروة في الجزائر لتحقيق التنمية المفقودة في هذا القطر الشقيق، حيث يبدو واضحا أن هذه المصادر توظف في غير سياقها، فإذا كانت الجزائز تعاني خصاصا كبيرا جدا في عدة مجالات وقطاعات فإن قادة الجزائر يصرون على ضخ عائدات هذه الثروة في مجال التسلح الذي يعود بمنافع ضخمة على الجيوب الكبيرة ، فالجزائر حققت عائدات هائلة بسبب ارتفاع قيمة أسعار النفط والغاز، وعوض أن توظف هذه العائدات في تسريع وتيرة التنمية المستدامة، فإنها توظف في مجال التسلح ، وهنا مكمن التساؤل الحقيقي المحرج، وكأن القادة الجزائريين مسخرون لضمان بقاء الجزائر الشقيقة في موقع التخلف والتدهور الشامل.